تفسير العقد

الأحكام القانونية التي تحكم تفسير العقد

جدول المحتويات 

1- اذا كانت عبارة العقد واضحة

2 – اذا كانت عبارة العقد غير واضحة

3 – قيام الشك في التعرف على إرادة المتعاقدين

النصوص القانونية

نصت المادة 239 من القانون المدني على ما يأتي :

” 1 – إذا كانت عبارة العقد واضحة ، فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين ” .

” 2 – أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد ، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعني الحرفي للألفاظ ، مع الاستهداف في ذلك بطبيعة التعامل ، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين ، وفقا للعرف الجاري في المعاملات.

ونصت المادة 240 على ما يأتي :

” 1 – يفسر الشك في مصلحة المدين ” .

” 2 – ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضارا بمصلحة الطرف المذعن ” .

البحث في تفسير العقد يأتي بعد البحث في انعقاد العقد وفي صحته :

ويلاحظ ابتداء أن البحث في تفسير العقد إنما يأتي بعد البحث في انعقاد العقد والبحث في صحته . إذ لا جدوى من تفسير العقد إلا إذا كان صحيحاً ، حتى يكون قابلا للتنفيذ.

ونطاق البحث في انعقاد العقد وصحته غير نطاق البحث في تفسير العقد لتحديد أثاره .

القانون والواقع في تفسير العقد :

ويعنينا أن نبين منذ الآن ما يعتبر في تفسير العقد قانوناً يخضع لرقابة محكمة التمييز ، وما يعتبر واقعاً لا يخضع لرقابتها .

ويمكن حصر مسائل القانون في تفسير العقد في المسائل الثلاث الآتية :

 ( أولاً ) هناك قواعد نص عليها القانون في تفسير العقد .

وهذه القواعد يلتزم القاضي باتباعها تحت رقابة محكمة التمييز ، فإذا خرج عليها نقض حكمه لمخالفته للقانون . ويستخلص من نصوص القانون المتقدم ذكرها أن قواعد التفسير الملزمة قانوناً ثلاث :

 ( 1 ) ما نص عليه القانون ( م 239 فقرة 1 )

من أنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين . فالانحراف عن عبارة العقد الواضحة فيه مخالفة للقانون . وسنعرض فيما يلي لهذه القاعدة تفصيلا ، ونبين إلى أي حد تنبسط رقابة محكمة التمييز في ذلك .

 ( 2 ) ما نص عليه القانون ( م 239 فقرة 2 )

من أنه إذا كان هناك محل لتفسير العقد وجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ . فالعبرة بالإرادة الحقيقية ( الباطنة ) على أن يكون هذه الإرادة هي الإرادة المشتركة للمتعاقدين على النحو الذي سنفصله فيما يلي . وهذه قاعدة قانونية ملزمة لا يجوز الخروج عليها عند تفسير العقد . فالقاضي الذي يقرر في حكمه أن المتعاقدين أرادا شيئاً معيناً ، وكان هذا الشيء جائزاً قانوناً ، ثم يصرح بعد ذلك بأنه لا يقضي بما أراد المتعاقدان، بل بما تقضي به العدالة ، يكون قد خالف القانون وينقض حكمه. أما ما ذكره النص بعد ذلك من الاستهداف في تعرف النية المشتركة للمتعاقدين بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري في المعاملات ، فهذه قواعد ليست ملزمة وإنما يستأنس بها القاضي . وهو حر في إلا يتبعها إذا رأى أن اتباعها لا يجدي ولا يؤدي به إلى تعرف نية المتعاقدين . وهو إذا جهر بذلك لا ينقض حكمه .

 ( 3 ) ما نص عليه القانون ( م 240)

من أن الشك يفسر في مصلحة المدين ، مع استثناء عقود الإذعان ففيها لا يجوز أن يكون التفسير ضاراً بمصلحة الطرف المذعن . فهذه هي أيضاً قاعدة قانونية ملزمة في تفسير العقد ، إذا خالفها القاضي نقض حكمه . وسنرى فيما يلي مدى تطبيق القاعدة ، ومتى يمكن القول بأن هناك شكاً في إرادة المتعاقدين ، ولكن نلاحظ منذ الآن أن تحديد معنى الشك ومتى يمكن القول بأن الشك موجود هو أيضاً من مسائل القانون يخضع لرقابة محكمة التمييز .

 ( ثانياً ) إذا التزم القاضي في تفسير إرادة المتعاقدين وفق القواعد القانونية الملزمة التي تقدم ذكرها :

فهو يكشف عن هذه الإرادة وله سلطة التقدير في الكشف عنها ، وهذه سلطة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة التمييز. ولكنه يتقيد قانوناً ،ويخضع في ذلك لرقابة محكمة التمييز.

ذلك أن قاضي الموضوع عندما يستخلص إرادة المتعاقدين من الواقع الذي ثبت عنه ، يجب أن يكون هذا الواقع ثابتاً من مصادر موجودة فعلا لا وهما ، غير مناقضة للثابت في الدعوى ، وتؤدى عقلا لاستخلاص الواقعة التي ثبتت عند القاضي . فإذا اثبت القاضي مصدراً للواقعة وهمياً لا وجود له ، أو موجوداً، ولكنه مناقض لوقائع أخرى ثابتة ، أو غير مناقض، ولكن يستحيل عقلا استخلاص الواقعة منه كما فعل هو ، كان حكمه مخالفاً للقواعد القانونية في الإثبات ووجب نقضه.

 ( ثالثاً ) متى كشف القاضي عن إرادة المتعاقدين :

ملتزماً في ذلك القواعد القانونية التي تقدم ذكرها ، كيفها بعد ذلك التكييف القانونين الصحيح غير متقيد بتكييف المتعاقدين ، ثم رتب على هذا التكييف آثاره القانونية . وهو خاضع في التكييف وما رتبه عليه من آثار الرقابة محكمة التمييز . لأنه يطبق ا لقانون على الواقع ، وتطبيق القانون يعد من المسائل القانونية .

أما ما يعتبر من الواقع في تفسير العقد ولا يخضع لرقابة محكمة التمييز ، فهو هذه السلطة التقديرية التي للقاضي في الكشف عن إرادة المتعاقدين واستخلاصها من الوقائع الثابتة أمامه في الدعوى . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.

إلى حالات ثلاث في تفسير العقد ، ووضع لكل حالة قاعدة قانونية ملزمة . فإذا كانت عبارة العقد واضحة لم يجز الانحراف عن المعنى الظاهر . أما إذا كانت غير واضحة فيجب تبين الإرادة المشتركة للمتعاقدين . فإذا قام شك في تبين هذه الإرادة فسر الشك لمصلحة الملتزم في غير عقود الإذعان .

ونبحث الآن بالتفصيل كلا من هذه الحالات الثلاث .

عبارة العقد واضحة

القاعدة المتبعة في التفسير :

رأينا أن الفقرة الأولى من المادة 239 تقضي بأنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين

العبارة الواضحة قد تكون محلا للتفسير :

ولا يفهم من ذلك أن العبارة إذا كانت واضحة فلا يجوز تفسيرها . بل إن القاضي قد يجد نفسه في حاجة إلى تفسير العبارات الواضحة ، مهما بلغ وضوحها ، وسلس معناها ، وارتفع عنها اللبس والإبهام ، ذلك أن وضوح العبارة غير وضوح الإرادة . فقد تكون العبارة في ذاتها واضحة ، ولكن الظروف تدل على أن المتعاقدين أساء استعمال هذا التعبير الواضح ، فقصدا معنى وعبرا عنه بلفظ لا يستقيم له هذا المعنى، بل هو واضح في معنى الآخر . ففي هذه الحالة لا يأخذ القاضي بالمعنى الواضح للفظ ، ويجب عليه أن يعدل عنه إلى المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان . وهو بذلك يفسر اللفظ الواضح ، بل وينحرف عن معناه الظاهر دون أن يحرفه أو يمسحه أو يشوهه . ولكن لا يجوز للقاضي أن يفعل ذلك إلا بشرطين :

( الشرط الأول ) هو أن يفرض ابتداءا أن المعنى الواضح من اللفظ هو ذات المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان ، فلا ينحرف عنه إلى غيره من المعاني إلا إذا قام أمامه من ظروف الدعوى ما يبرر ذلك .

( والشرط الثاني ) هو أنه إذا عدل عن المعنى الواضح إلى غيره من المعاني لقيام أسباب تبرر ذلك ، رجب عليه أن يبين في حكمه هذه الأسباب.

 رقابة محكمة التمييز في تفسير العبارات الواضحة :

ويتبين مما قدمناه أن محكمة التمييز تبسط رقابتها على محكمة الموضوع في تفسير العبارات الواضحة عن طريق رقابة أسباب الحكم . فإذا التزمت محكمة الموضوع المعنى الواضح للفظ الظاهر لم تكن في حاجة إلى تسبيب حكمها بأكثر من أن تذكر أن هذا هو المعنى الواضح وهو الذي يعبر عن مقصود العاقدين . أما إذا عدلت عن هذا المعنى الواضح إلى معنى آخر تعتبر أنه هو الذي قصد إليه المتعاقدان ، وجب عليها أن تبين في أسباب الحكم لم كان هذا العدول . ومحكمة التمييز تراقب الأسباب ، فإن اقتنعت بأن العدول قد قام على اعتبارات تسوغه سلم الحكم من النقض ، وإلا نقض لقصور التسبيب.

ويبدو أن تقدير ما إذا كانت العبارة واضحة أو غامضة يدخل أيضاً في رقابة محكمة التمييز ، وإلا جاز للقاضي أن يفسر العبارة الواضحة بما يخرجها عن معناها الظاهر دون أن يذكر الأسباب التي تبرر ذلك ، بل يكتفي بتقرير أن العبارة غامضة ، وأن المعنى الذي استخلصه هو مقصود المتعاقدين ، وأن هذا وذاك يدخل في سلطان تقديره الموضوعي دون تعقيب عليه من محكمة التمييز .

هل الأخذ بالمعنى الظاهر للفظ الواضح اخذ بالإرادة الظاهرة :

وبعد أن بسطنا القاعدة في تفسر العبارة الواضحة للعقد ، يحق لنا أن نتساءل : ما دام القاضي لا ينحرف عن المعنى الظاهر للفظ الواضح ، وقد ألزمه القانون ذلك بصريح النص ، فهل لنا أن نفهم أن القانون قد أخذ في هذه الحالة بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة ، ما دام لا يجيز الانحراف عن الأولى ؟

إن الإطلاق الذي رأيناه في نص القانون قد تقيد بما قدمناه من أن القاضي له أن يعدل عن المعنى الظاهر للفظ الواضح إلى معنى آخر يقتنع بأنه هو المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان ، ما دام يورد الأسباب المعقولة التي تبرر ذلك . ويستخلص من هذا أن القاضي لا يأخذ في العبارة الواضحة بالإرادة الظاهرة إلا على أساس أن هذه الإرادة هي ذات الإرادة الباطنة . وإذا قام دليل على أن هناك تغايراً ما بين الإرادتين ، وجب عليه أن يأخذ بالإرادة الباطنة دون الإرادة الظاهرة مع ذكر هذا الدليل في أسباب الحكم .

2 – عبارة العقد غير واضحة

البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين :

تقول الفقرة الثانية من المادة 239 : ” أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد ، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ ” .

أما أنه لا يجوز الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ فواضح . وإذا كنا لا نقف عند هذا المعنى وعبارة العقد واضحة كما رأينا ، فأولى بنا إلا نقف عنده وعبارة العقد غير واضحة ، لا تنصرف إلى معنى واحد ظاهر ، بل تحتمل أكثر من معنى . وأما أن العبرة إنما تكون بالإرادة المشتركة للمتعاقدين ، لا بالإرادة الفردية لكل منهما ، فهذا واضح أيضاً ، لأن الإرادة المشتركة هي التي التقى عندها المتعاقدان ، فهي التي يؤخذ بها ، دون اعتداد بما لأي متعاقد منهما من إرادة فردية لم يتلاق معه المتعاقد الآخر فيها.

الإرادة الظاهرة هي التي تعبر في العادة عن الإرادة الباطنة ، والمفروض عند تفسير العقد أن الإرادتين متحدتان ، فيكون الأصل أن الإرادة الظاهرة هي محل التفسير ، ما لم يقم الدليل على أن الإرادة الظاهرة لا تعبر تعبيراً دقيقاً عن الإرادة الباطنة . وأن بين الإرادتين تغايراً ، فتكون العبرة في هذه الحالة بالإرادة الباطنة لا بالإرادة الظاهرة ، وتكون الأولى لا الثانية هي محل التفسير .

الأمر لا يعدو أن يكون هناك مظهر خارجي للتعبير عن إرادة مشتركة للمتعاقدين ، أي إرادة ظاهرة المفروض فيها أنه تكشف عن إرادة باطنة . فإذا لم يقم دليل على غير ذلك ، وجب أن نستخلص الإرادة الحقيقية للمتعاقدين – وهي النية المشتركة التي نبح عنها – من هذه الإرادة الظاهرة عن طريق معايير نستهدي بها ، هي التي نتولى الآن الكلام فيها .

العوامل التي يستهدي بها القاضي للكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين :

ويستهدي القاضي للكشف عن هذه النية المشتركة بعوامل مختلفة ذكر القانون بعضاً منها لأهميته ، فهو يستهدي ” بطبيعة التعامل ، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين ، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات ” ( م 239 فقرة 2 ) .

وغنى عن البيان أن القانون المدني لم يذكر ما ذكر من هذه العوامل على سبيل الحصر . فإلى جانب ما ذكر توجد عوامل أخرى لم يذكرها ويصح أن يستهدي بها القاضي .

ويمكن بوجه عام أن نميز بين عوامل يفسر بها القاضي عبارات العقد بالرجوع إلى العقد ذاته ونسميها بالعوامل الداخلية ، وأخرى يفسر بها العقد وهي خارجة عنه ونسميها بالعوامل الخارجية . والكثرة الغالبة من هذه العوامل هي عوامل موضوعية لا عوامل ذاتية ، يطمئن إليها القاضي في تفسير العقد التماساً لاستقرار التعامل . إذ هو يستدل على النية المشتركة للمتعاقدين – وهذه مسألة نفسية خفية – بعوامل مادية ظاهرة . ونتكلم في كل من العوامل الداخلية والعوامل الخارجية .

العوامل الداخلية في تفسير العقد :

ذكر القانون منها طبيعة التعامل وما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين ،  فالعقد يفسر بحسب طبيعة التعامل ، أي بحسب طبيعة العقد وموضوعه . فإذا احتسب العبارة معاني مختلفة ، اختار القاضي المعنى الذي تقتضيه طبيعة العقد أو نوع المشارطة .

إذ المعقول أن المتعاقدين قصدا أن العقد محكوماً بالقواعد التي تقتضيها طبيعته ما لم يصرحا بخلاف ذلك . فإذا اشترط المعير في عارية الاستعمال أن يرد المستعير الشيء أو مثله ، فلا يفسر ذلك على أن المتعاقدين أرادا عارية استهلاك ، بل قصد المعير أن يلزم المستعير في حالة هلاك الشيء برد مثله لا بأن يدفع تعويضاً. وإذا كانت العبارة عامة ، فإنها تحدد بالرجوع إلى الموضوع الذي تم التعاقد عليه . إذ المعقول أن المتعاقدين لا يريدان أن يخرجا عن هذا الموضوع إلا إذا كانت عبارتهما صريحة في مجاوزته . فإذا تخارج أحد الورثة عن نصيبه في الميراث ، فسر ذلك بأنه يتنازل عن جميع حقوقه في التركة التي يتخرج فيها، حتى لو كان بعض هذه الحقوق مجهولا منه ، ولكن لا يشمل التخارج حقوقاً موروثة من تركة أخرى.

أمانة وثقة بين المتعاقدين

ويستهدي القاضي بما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين . والأمانة واجب على المتعاقد ، والثقة حق له . وبيان ذلك أن من وجه إليه الإيجاب يجب أن يفهم عبارته بما تقتضيه الأمانة في التعامل . فإذا كان هناك خطأ في التعبير أو لبس ، واستطاع أن يتبين ذلك أو كان يستطيع أن يتبينه ، فالأمانة في التعامل تقضي عليه إلا يستغل ما وقع من إبهام في التعبير ، ما دام أنه قد فهمه على حقيقته أو كان يستطيع أن يفهمه . ويقابل هذا الواجب حق . فلمن وجه إليه الإيجاب أن يطمئن إلى العبارة بحسب ظاهرها ، وأن يعتبر هذا المعنى الظاهر هو المعنى الذي قصد إليه الموجب . وهذه هي الثقة المشروعة ، وتنطوي على معنى الأخذ بالإرادة الظاهرة في تفسير العقد .

إذا احتملت العبارة أكثر من معنى واحد

وإذا احتملت العبارة أكثر من معنى واحد ، وكان أحد هذه المعاني هو الذي ينتج أثراً قانونياً ، حملت العبارة على هذا المعنى ، إذ إعمال الكلام خير من إهماله . فإذا سلم شخص لآخر أرضاً مملوكة له في مقابل دين ، واشترط الدائن أن يستولى على ريع الأرض في نظير الفوائد وألا يرد الأرض إلى صاحبها إلا عند سداد الدين ، فإذا فسر هذا العقد بأنه غاروقة – إذ هو يجمع خصائصها – فإنه لا ينتج أثراً قانونياً ، لأن الغاروقة قد ألغيت بإلغاء الأراضي الخراجية . فيفسر على أنه رهن حيازة ، ولا يسمح للدائن أن يستولى على ما يزيد عن الحد الأقصى الذي يجوز الاتفاق عليه في الفوائد.

عبارات العقد يفسر بعضها بعضاً

وعبارات العقد يفسر بعضها بعضاً . فلا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات ، بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءاً من كل هو العقد . فقد تكون هناك عبارة مطلقة ، وتحددها عبارة سابقة أو لاحقة . وقد تقرر العبارة أصلاً يرد عليه استثناء يذكر قبلها أو بعدها . وقد تكون العبارة مبهمة ، وتفسرها عبارة وردت في موضع آخر . فإذا باع شخص مفروشات منزله ، ثم عين هذه المفروشات في مكان آخر من العقد ، فإن خصوص العبارة الثانية يحدد من عموم العبارة الأولى ، إذ الخاص يقيد العام . ولا يدخل في المبيع ما لم يذكر في المفروضات المعينة ، حتى لو كان داخلا ضمن مفروشات المنزل . وإذا قام التناقض بين عبارتين ، اجتهد القاضي في التوفيق بينهما . فلو أمكنه أعمال العبارتين معاً فعل ، وإلا اجتهد في إعمالهما إلى أقصى حد دون إرهاق للفظ أو قسر له على غيره معناه . فإذا كان التناقض يستعصي معه الجمع بين العبارتين على أية صورة ، اختار العبارة التي يظهر له أن المتعاقدين كانا يريدانها دون الأخرى.

وتخصيص حالة بالذكر لا يجعلها تنفرد بالحكم .

فإذا باع شخص أرضا زراعية ، وكان من توابعها مواش خصت بالذكر في عقد البيع ، فليس هذا معناه أن المواشي وحدها هي التي تدخل ضمن الشيء المبيع ، فكل التوابع الأخرى من آلات زراعية ومخازن ومبان ونحو ذلك يدخل أيضاً . أما تخصيص المواشي بالذكر فقد يكون لأن المتعاقدين خشيا أن يقوم شك في أن المبيع يشملها فصرحا بذلك حسما للنزاع ، أو لأنهما يعلقان أهمية خاصة على هذه المواشي فأفرداها بالذكر . ونرى من ذلك أن هذه القاعدة نقيض للقاعدة السابقة التي تقضي بأن الخاص يقيد العام . فقواعد التفسير قد تتضارب ، وعلى القاضي أن يختار القاعدة الملائمة لتفسير العقد الذي يدعى لتفسيره .

العوامل الخارجية في تفسير العقد :

ذكر القانون منها العرف الجاري في المعاملات ، ونضيف إليه الطريقة التي ينفذ بها العقد .

فالعقد يفسر طبقاً لما يقتضيه العرف الجاري في التعامل . إذ المعقول في المسائل التي توطد فيها عرف أن يفرض في المتعاقدين انهما عالمان به وقد ارتضياه ، وإلا لصرحا بمخالفته .

فإذا كانت عبارات العقد مبهمة وجب تفسيرها في ضوء هذا العرف .

وقد تتضح إرادة المتعاقدين من الطريقة التي ينفذان بها العقد . فإذا قاما بتنفيذ العقد على نحو معين مدة من الزمن ، فسرت إراداتهما المشتركة في ضوء طريقة التنفيذ التي تراضيا عليها . مثل ذلك أن يغفل عقد الإيجار ذكر مكان دفع الأجرة ، وتقضي القواعد العامة في هذه الحالة بأن الأجرة تدفع في محل المستأجر ، ولكن المستأجر يعاد مدة كافية من الزمن أن يدفع الأجرة في محل المؤجر ، فيحمل ذلك على أن المتعاقدين أرادا أن تدفع الأجرة في هذا المحل.

بأية إرادة يؤخذ في تفسير العقد :

ويخلص مما قدمناه أن القاضي في تفسير العقد الغامض يأخذ بالنية المشتركة للمتعاقدين ، ويستخلصها عن طريق معايير موضوعية تمكنه من الكشف عنها . فلا هو يأخذ بالإرادة الظاهرة المحضة . ولا هو لا يأخذ بالإرادة الباطنة المحضة . وإنما يأخذ بالإرادة الباطنة التي يستطيع التعرف عليها.

3 – قيام الشك في التعرف على إرادة المتعاقدين

يفسر الشك في مصلحة المدين – مبررات هذه القاعدة :

وضع القانون نصاً ريحاً في هذه الحالة – الفقرة الأولى من المادة 240 – بقضى بأن يفسر الشك في مصلحة المدين . فإذا قام شك في مدى التزام المدين بعقد ، فسر هذا الشك في مصلحته ، واخذ بالتفسير الأضيق في تحديد هذا المدى .

نطاق تطبيق القاعدة :

وللقاعدة المتقدمة نطاق محدد تطبق فيه ، ويرد عليها في حدود هذا النطاق استثناء معين .

أما نطاقها فهو أن يكون هناك شك في التعرف على النية المشتركة للمتعاقدين : مجرد شك ، بأن يتراوح تفسر العقد بين وجوه متعددة كل وجه منها محتمل ، ولا تريح لوجه على وجه . أما إذا استحال التفسير ، ولم يستطع القاضي أن يتبين ولو وجها واحداً لتفسير العقد مهما كان جانب الشك فيه ، فهذه قرينة على أنه ليست هناك نية مشتركة للمتعاقدين التقيا عندها ، بل أراد كل منهما شيئا لم يرده الآخر ، فلم ينعقد العقد . ولا بد ، من وجهة أخرى ، أن يكون الشك مما يتعذر جلاؤه . فإذا أمكن القاضي أن يكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين – مهما كان هذا عسيراً – واستطاع أن يزيح عنها ، وجب عليه تفسير العقد بمقتضى هذه النية المشتركة ، ولو كان التفسير في غير مصلحة المدين.

أما الاستثناء الذي يرد على القاعدة فهو ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 240 من أنه ” لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن ” . فيجب إذ أن يكون التفسير لمصلحته دائماً ، ولو كان دائناً ، على خلاف القاعدة التي نحن بصددها من أن التفسير عند الشك لا يكون لمصلحة المتعاقد إلا إذا كان مديناً . وقد مر بيان ذلك عند الكلام في عقود الإذعان.

تطبيقات للقاعدة :

فإذا وجد القاضي نفسه في نطاق تطبيق القاعدة طبقها . وفسر العقد الملزم لجانب واحد لمصلحة الجانب الملتزم . وفسر العقد الملزم للجانبين لمصلحة أي من المتعاقدين يكون مديناً في الالتزام الذي يفسره ، فيكون التفسير تارة لمصلحة أحد المتعاقدين وطوراً لمصلحة الآخر .

فإذا كان هناك شك في وجوب إعذار المدين ، فسر هذا الشك في مصلحته ووجب الإعذار . وإذا قام شك فيما إذا كان الشرط الجزائي مستحقا في حالة التأخر عن التنفيذ أو هو غير مستحق إلا في حالة عدم التنفيذ ، كان الشرط غير مستحق إلا في حالة عدم التنفيذ. وإذا كان المدين ملتزماً بإنشاء طرق معينة دون تحديد لكيفية إنشاء هذه الطرق ومن يلتزم بصيانتها ، كان المدين أن يتبع ما هو أيسر عليه واخذ مؤونة. وإذا اشترطت العمولة عند تمام كل صفقة ولم يذكر متى تدفع ، كان الدفع عند تنفيذ الصفقة لا عند عقدها.

*هذه المقالة اهتداء بكتاب السنهوري في القانون المدني

** هذه المقالة تتحدث عن أحكام تفسير العقد

1- ( انظر مقال عن كيفية كتابة العقد )

2- مقال كيفية كتابة العقد وفق الأنظمة السعودية .

3- مقال كيفية مراجعة العقود وتدقيقها من ناحية قانونية

4- مقال كيفية كتابة وصياغة العقد التجاري.

error: Alert: Content is protected !!