العقود المسماة
يعد العقد بمثابة الأداة الأساسية التي يتمكن الفرد من اقتضاء حاجاته وإشباع احتياجاته من خلالها، فلا يمر يوم على الإنسان بدون أن يقوم بتصرف يدخل في إطار نوع من أنواع العقود، فركوب المواصلات يمثل عقد نقل، وشراء الاحتياجات اليومية يمثل عقد بيع، وغيرها من التصرفات والتعاملات اليومية التي لا تخرج في مضمونها عن كونها عقد من العقود، ولذلك فإن العقود تتعدد وتتنوع بصورة يمكنها معها أن تشمل كافة التصرفات التي يقوم بها الفرد، وتجعلها قادرة على إشباع احتياجاته مهما كان نوعها.
وعلى الرغم من تعدد أنواع العقود فإن العقود المسماة تعد من أحد أهم تلك الأنواع، لاسيما وأن هذا النوع من العقود يعد أكثرها انتشاراً باعتباره يشتمل على جميع العقود المتعارف عليها بين جميع أفراد المجتمع، لذلك سوف تكون العقود المسماة هي موضوع هذا المقال لنسلط عليها المزيد من الضوء.
أولاً: ما هو المقصود بالعقود المسماة؟
سادساً: عقود التوثيقات الشخصية
سابعاً: نماذج من أحكام القضاء الأردني ذات العلاقة
أولاً: ما هو المقصود بالعقود المسماة؟
قد يكون المقصود بالعقد بوجه عام معلوماً لدى الكافة، إلا أن المقصود بالعقود المسماة قد يكون غامضاً وغير مفهوماً لدى البعض، لذلك فسوف نستهل مقالنا بالتعريف بالعقود المسماة.
بداية فإن العقود بوجه العام يتم تصنيفها إلى طوائف مختلفة تختلف باختلاف المعيار الذي يتم الاستناد إليه في تصنيفها وتقسيمها، حيث يتم تقسيمها استناداً إلى صحتها إلى عقود صحيحة وعقود غير صحيحة، وتقسيمها استناداً إلى صيغتها إلى عقود منجزة وعقود مضافة وعقود معلقة، وتقسيمها من حيث لزومها إلى عقود لازمة وعقود غير لازمة، وغيرها من المعايير الأخرى التي يعد أهمها معيار تسمية العقد والذي يصنف العقود إلى عقود مسماة وعقود غير مسماة.
وقد تناول الفقهاء العقود المسماة في مؤلفاتهم، حيث أنه وبالرجوع إلى تلك المؤلفات سيتبين لنا أنهم قد تعرضوا للعديد من العقود التي أطلقوا عليها مسميات محددة وواضحة لتعيينها وتحديدها، وقاموا بتعيين شروط وأركان كل عقد منها وما ينظمه من أحكام[1]، وقد أطلق جانب من الفقه على العقود المسماة العقود المعينة.
وتعتبر العقود المسماة هي العقود التي يمنحها المشرع اسم يستدل منه على مضمونها وفحواها، كما يقرر لها أحكاماً أصلية خاصة بها، وآثاراً قانونية تترتب على إبرامها، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر البيع والشركة والإيجار وغيرها[2].
أما العقود غير المسماة فهي على النقيض من ذلك حيث تتمثل في العقود التي لم يمنحها المشرع مسمى خاص بها، ولم يقم بمنحها تنظيم قانوني وأحكام خاصة بها، والتي منها على سبيل المثال عقد النزول في فندق وعقود مشاهدة المباريات.
ونود أن ننوه إلى أن مسألة تصنيف العقد إلى مسمى أو غير مسمى تعد من المسائل النسبية، حيث تتباين وتختلف من حقبة زمنية إلى أخرى ومن مكان إلى آخر، وعلى سبيل المثال لذلك بعض العقود التي لم تكن في وقت من الأوقات من ضمن طائفة العقود المسماة، إلا أنه مع مرور الزمن والتواتر في استخدام تلك العقود فقد أصبحت ضمن العقود المسماة، ومن تلك العقود عقد التأمين، كما أن هناك عقود كانت معروفة على أنها من العقود المسماة إلا أن هجر العمل بها وعدم استخدامها قد نقلها إلى طائفة العقود غير المسماة، وعلى سبيل المثال لذلك عقد بيع الوفاء[3].
وقد حدد المشرع الأردني العقود المسماة في المادة رقم (465) من القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976، حيث أوردها على سبيل الحصر في عقود التمليك والتي تشمل عقود البيع والهبة والشركة والقرض والصلح، وعقود المنفعة والتي تشمل عقود الإجارة وإيجار الأراضي الزراعية والمزارعة والمساقاة والمغارسة وإيجار الوقف والإعارة، وعقود العمل والتي تشمل عقود المقاولة والعمل والوكالة والإيداع والحراسة، وعقود الغرر والتي تشمل الرهان والمقامرة والمرتب مدى الحياة والتأمين، وعقود التوثيقات الشخصية والتي تشمل عقود الكفالة والحوالة، وسوف نتناول كل طائفة من طوائف العقود المسماة المذكورة في بند مستقل في البنود التالية من هذا المقال.
ثانياً: عقود التمليك
أولى طوائف العقود المسماة هي عقود التمليك، وهذه الطائفة تشمل عقد البيع، وعقد الهبة، وعقد الشركة، وعقد القرض، وعقد الصلح.
1- عقد البيع
يعتبر عقد البيع من أبرز العقود المسماة وأكثرها أهمية، ويمكننا أن نعزي ذلك إلى كونه أكثر العقود استخداماً بين كافة طوائف المجتمع وفئاته المختلفة، وقد كانت بداية ظهور عقد البيع في صورة عقد المقايضة والذي كان يتم من خلال مبادلة الأموال، وكان ذلك في ظل عدم ظهور النقود، وتطور الأمر بعد ظهور النقود فأصبح التعامل يتم بها في شكل بيع وشراء مقابل النقود، وحل عقد البيع محل عقد المقايضة.
وقد عرف الفقه القانوني عقد البيع بأنه عقد يشتمل على علاقة قانونية تنعقد فيما بين طرفين، ويترتب عليها التزام يقع على عاتق الطرف البائع يتمثل في التزامه بتسليم المبيع ونقل ملكيته للمشتري، ويقابله التزام يقع على عاتق المشتري يتمثل في التزامه بسداد الثمن إلى البائع[4]، وهذا التعريف لا يختلف كثيراً عن تعريف المشرع الأردني لعقد البيع، حيث تعرض لتعريفه في نص المادة رقم (465) من القانون المدني على أنه (البيع تمليك مال أو حق مالي لقاء عوض).
ويتمتع عقد البيع بعدة خصائص أهمها أنه عقد من العقود الرضائية التي تتم بتراضي طرفيها، وهو أيضاً عقد ملزم للجانبين باعتبار أن كلاً من طرفيه يقع على عاتقه التزام يقتضي منه الأمر تنفيذه، وهو من عقود المعاوضة نظراً لأن كلاً من طرفيه مطالب بتقديم عوض مقابل ما يتحصل عليه من الطرف الآخر.
2- عقد الهبة
يمثل عقد الهبة أحد العقود المسماة التي تندرج ضمن طائفة عقود التمليك، وقد تعرض المشرع الأردني إلى تعريف عقد الهبة في نص المادة رقم (557/1) من القانون المدني، والتي ورد بها أن (الهبة تمليك مال أو حق مالي لآخر حال حياة المالك دون عوض).
ومن خلال تعريف المشرع الأردني لعقد الهبة يتبين أن هذا العقد يتمتع بعدة خصائص تميزه، ومن أهمها أنه عقد يتم إبرامه بين أطراف على قيد الحياة، وأنه عقد ينصب على تمليك إما مال أو حق من الحقوق المالية، وأنه عقد يتم بدون مقابل أو عوض، وأخيراً أنه يتم بنية التبرع[5].
وعلى الرغم من أن عقد الهبة من ضمن خصائصه أنه يتم بدون مقابل أو عوض، فإن ذلك لا يحول دون أن تتم الهبة مقابل عوض، فعدم وجود العوض المذكور في تعريف المشرع الأردني لعقد الهبة لا يعد شرط من شروط انعقاد هذا العقد، ولكنه وضع بالتعريف لكي يوضح أن العوض غير مشترط في إبرام عقد الهبة، ويؤيد ذلك ما نص عليه المشرع الأردني في القانون المدني بمادته رقم (557/2) والتي نصت على أن (ويجوز للواهب مع بقاء فكرة التبرع أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام معين ويعتبر هذا الالتزام عوضاً).
3- عقد الشركة
ثالث عقود التمليك التي تدخل في إطار العقود المسماة هو عقد الشركة، وقد تعرض المشرع الأردني لتعريف عقد الشركة بنص المادة رقم (582) من القانون المدني، حيث عرفه بموجبها بأنه (عقد بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصته من مال أو من عمل لاستثمار ذلك المشروع واقتسام ما ينشأ عنه من ربح أو خسارة).
ومن خلال تعريف المشرع الأردني لعقد الشركة يمكننا أن نستخلص أنه يلزم أن تتوافر في العقد مجموعة من الشروط لكي يكون عقد شركة، وتتمثل هذه الشروط في أن يتضمن العقد الحصص التي يقدمها كل شريك، وأن يشتمل على اتفاق باقتسام الأرباح والخسائر، وأن تثبت بموجبه نية المشاركة لدى أطرافه، وذلك بالطبع بجانب الأركان الأساسية للعقد بوجه عام وهي الأهلية والتراضي والمحل والسبب.
ويعد تصنيف عقد الشركة ضمن عقود التمليك أمراً منطقياً ومبرراً، حيث يجد ذلك تبريره في أن عقد الشركة يترتب عليه تملك كل شريك لحصته في الشركة، بحيث تصبح الشركة مملوكة للشركاء مجتمعين، وهي ملكية جديدة لم تكن موجودة لأياً من الشركاء قبل إبرام عقد الشركة.
4- عقد القرض
يقصد بعقد القرض كما ذكر المشرع الأردني بنص المادة رقم (636) من القانون المدني الأردني أنه (تمليك مال أو شيء مثلي لآخر على أن يرد مثله قدراً ونوعاً وصفة إلى المقرض عند نهاية مدة القرض).
ومن مضمون تعريف المشرع لعقد القرض يمكننا أن نتبين أن عناصره الأساسية تتمثل في وجود طرفين وهما المقرض والمقترض، وينصب على محل يتمثل في المثليات، والغرض الأساسي منه هو انتفاع المقترض بالمال الذي يتم اقتراضه لفترة محددة من الزمن، ويتم رد ذلك المال في نهاية الأجل المحدد للعقد.
ويمثل عقد القرض أحد أهم العقود في قطاع التمويل، حيث يوفر للأفراد والمؤسسات السيولة المالية التي تدعمهم في عمليات التنمية والإنتاج، وهو ما يترتب عليه ارتفاع معدلات ازدهار مستوى المعيشة لدى أفراد المجتمع، ويعد هذا العقد من عقود التمليك باعتبار أن المقترض يتملك المال الذي يقترضه، ولا ينال من ذلك التزامه برده لكونه يتملكه بمجرد إبرام العقد، وما يتم رده هو المثل وليس المال الذي تم اقتراضه ذاته.
5- عقد الصلح
يعرف المشرع الأردني عقد الصلح في المادة رقم (647) من القانون المدني على أنه (عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة بين المتصالحين بالتراضي)، وهذا العقد كما هو واضح من مسماه عقد يتم بموجبه إزالة الخصومة بين طرفين أو أكثر، ولا يقصد من ذلك أن تلك الخصومة يلزم أن تكون قائمة بالفعل عند إبرام هذا العقد، ولكن يمكن أن يتم إبرام عقد الصلح أيضاً في حالات النزاع أو الخصومة المحتملة.
ولعل ما يدخل هذا العقد في طائفة عقود التمليك هو أنه يشتمل على عنصر العوض أو البدل، وهو المقابل الذي يتم تقديمه لقاء هذا الصلح، ويعد العوض أو البدل من عناصر عقد الصلح الأساسية على الرغم من عدم شموله في التعريف القانوني لعقد الصلح، ويؤيد ذلك ما جاء بنص المادة رقم (651) من شروط يلزم توافرها في بدل الصلح، وهو ما يستدل منه على أن البدل هو أحد العناصر الأساسية في عقد الصلح.
ثالثاً: عقود المنفعة
بعد أن انتهينا من بيان طائفة عقود التمليك من العقود المسماة ننتقل إلى بيان الطائفة الثانية من العقود المسماة والتي يطلق عليها عقود المنفعة، وترجع تلك التسمية إلى أن هذه العقود تنصب على منفعة الشيء والانتفاع به وليس على ملكيته كما كان الحال في عقود التمليك، وهذه الطائفة تشمل عقد الإجارة، وعقد إيجار الأراضي الزراعية، وعقد المزارعة، وعقد المساقاة، وعقد المغارسة، وعقد إيجار الوقف، وعقد الإعارة.
1- عقد الإجارة
عقد الإجارة أو كما يعرفه غالبية الفقه القانوني بعقد الإيجار هو عقد من أهم العقود المسماة التي ترد على المنفعة، لذلك فقد تعرض المشرع الأردني لتعريفه وتنظيمه في القانون المدني، وقد عرفه المشرع في نص المادة رقم (658) تحت مسمى الإيجار بأنه (تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معينة لقاء عوض معلوم).
والتمليك في عقد الإيجار خلافاً لعقد البيع لا يستهدف ملكية الشيء محل العقد ذاته، ولكنه ينصب بشكل أساسي على حق الانتفاع به، كما هو الحال في عقد إيجار منزل حيث يتملك المستأجر حق الانتفاع بهذا المنزل لمدة من الزمن يتم الاتفاق عليها في العقد.
ومن أهم خصائص عقد الإيجار أنه عقد من العقود الزمنية، وذلك لأن الزمن يعد من أحد العناصر الأساسية والجوهرية في عقد الإيجار، فما يرتبه هذا العقد من التزامات على الرغم من أنها تنشأ بشكل فوري بمجرد إبرام العقد، إلا أن تنفيذ هذه الالتزامات لا يستمر إلا لمدة محددة من الزمن، حيث يتم تأديتها بشكل دفعات متكررة ومستمرة إلى أن تنتهي المدة المحددة للإيجار وينتهي العقد[6].
2- عقد إيجار الأراضي الزراعية
يقصد بعقد إيجار الأراضي الزراعية العقد الذي بموجبه يتم تمكين المستأجر – من قبل المؤجر – من الانتفاع بالأرض الزراعية المؤجرة وما تشمله من ملحقات، وذلك حتى يقوم المستأجر باستغلالها لحسابه في نشاط من الأنشطة الزراعية لمدة زمنية محددة، وذلك نظير سداد القيمة الإيجارية المتفق عليها للمؤجر في صورة نقدية[7].
وعلى الرغم من أن عقد إيجار الأرض الزراعية يعد في حقيقته عقد إيجار، إلا أنه نظراً لطبيعته الخاصة فلم يخضعه المشرع الأردني للأحكام العامة لعقد الإيجار، بل خصه بأحكام خاصة به في القانون المدني الأردني، ويرجع ذلك إلى أن محل هذا العقد هو الأرض الزراعية والتي تتمتع بطبيعة خاصة تجعل من أحكام عقد إيجارها أحكاماً هي الأخرى ذات طبيعة خاصة، لذلك أفرد لها المشرع جانباً مستقلاً عن أحكام عقد الإيجار.
ويتضح من تعريف عقد إيجار الأرض الزراعية أن هناك عناصر أساسية يلزم توافرها فيه ليصدق عليه مسمى وأحكام عقد إيجار أرض زراعية، وتتمثل تلك العناصر في أن يكون محل العقد أرضاً زراعية، وأن يكون العقد مبرم بهدف استغلال تلك الأرض في الزراعة، وأن تكون القيمة الإيجارية محددة في العقد نقداً، وألا تكون الأرض مزروعة بالفعل عند إبرام العقد بزرع يخص شخص آخر خلاف المستأجر.
3- عقد المزارعة
عرف الفقه القانوني عقد المزارعة على أنه عقد إيجار محله هو أرض زراعية، ويختلف هذا العقد عن عقد إيجار الأرض الزراعية في أن الأجرة تكون عبارة عن نسبة محددة من المحصول الذي تخرجه تلك الأرض[8]، ولم يختلف تعريف المشرع الأردني له عن تعريفه الفقهي، حيث عرفه في نص المادة رقم (723) من القانون المدني على أنه (عقد استثمار أرض زراعية بين صاحب الأرض وآخر يعمل في استثمارها على أن يكون المحصول مشتركاً بينهما بالحصص التي يتفقان عليها).
ويتضح من تعريف عقد المزارعة ان أهم أوجه تميزه عن عقد الإيجار بوجه عام وعقد إيجار الأرض الزراعية بوجه خاص هو الأجرة، ففي حين تكون الأجرة مبلغ نقدي في كلاً من عقدي الإيجار وإيجار الأرض الزراعية، فإنها تكون عينية متمثلة في نسبة من المحصول الذي تنتجه الأرض المؤجرة
4- عقد المساقاة
صورة أخرى من صور إيجار الأرض الزراعية تتمثل في عقد المساقاة، ويعرف هذا العقد من قبل المشرع الأردني في نص المادة رقم (736/1) من القانون المدني على أنه (عقد شركة على استغلال الأشجار والكروم بين صاحبها وآخر يقوم على تربيتها وإصلاحها بحصة معلومة من ثمرها).
ويتميز هذا العقد عن عقدي إيجار الأرض الزراعية والمزارعة في أن الأرض الزراعية المؤجرة بموجبه تكون مزروعة بالفعل عند إبرام العقد بخلاف العقدين الآخرين حيث تكون الأرض غير منزرعة ويقوم المستأجر بزراعتها، بينما يتفق مع عقد المزارعة في أن طرفي العقد يقتسمان المحصول والثمار التي تنتجها الأرض بحصص يتفق عليها، ومن المفترض أن يتم تحديد مدة لعقد المساقاة، إلا أنه في حالة عدم اشتمال العقد على مدة له تكون مدته هي المدة التي يتم فيها جني أول محصول للأرض المؤجرة في السنة التي يبرم فيها العقد، وذلك ما لم يكن العرف السائد يقرر مدة أخرى.
5- عقد المغارسة
عرفه المشرع الأردني عقد المغارسة بنص المادة رقم (747) من القانون المدني بأنه (يجوز عقد المساقاة في صورة مغارسة بأن يتفق صاحب أرض مع آخر على تسليمه الأرض ليقوم بغرسها وتربية الغراس والعناية به وإنشاء ما يستلزمه ذلك من الوسائل خلال مدة معينة على أن تكون بعدها الأرض والشجر المغروس وما يتبعها من منشآت شركة بينهما طبقاً للاتفاق).
ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا أن عقد المغارسة يعد صورة من صور عقد المساقاة، إلا أنهما يختلفان في أن المغارسة يتم فيها الزرع والغراس من قبل المستأجر، والذي يستمر في مراعاة الأرض وتربية الغراس بنفقات تقع على عاتقه وحده، وذلك لمدة محددة بانتهائها تصبح الأرض وما بها من نباتات وأشجار مملوكة بين المؤجر والمستأجر كلاً حسب الحصة التي يتم الاتفاق عليها فيما بينهما.
وعقد المغارسة هو عقد محدد المدة بحيث يراعى في تحديد مدته طبيعة ونوعية الأشجار التي يتم زراعتها بالأرض ومدة إنباتها وإثمارها.
6- عقد إيجار الوقف
عقد إيجار الوقف في جوهره هو عقد إيجار مثل عقود الإيجار العادية، إلا أنه يختلف في محل العقد الذي يتمثل في وقف من الأوقاف، ونظراً لذلك واستناداً إلى الطبيعة الخاصة لمحل العقد فقد خصه المشرع بتنظيم خاص به بشكل مستقل عن أحكام عقود الإيجار العادية.
وترجع الطبيعة الخاصة لهذا العقد إلى ما يشترطه القانون من شروط خاصة بشأن تأجير الوقف، ومن تلك الأحكام على سبيل المثال وليس الحصر مدة الإيجار التي لو لم يتم تحديدها بالعقد فإنها تكون سنة للعقارات وثلاث سنوات للأراضي كحد أقصى، وقيمة الأجرة التي يلزم ألا تقل عن قيمة أجرة المثل، وغيرها من الشروط التي لا تخضع لها أحكام الإيجار العادية.
7- عقد الإعارة
عرف المشرع الأردني عقد الإعارة بنص المادة رقم (760) من القانون المدني على أنه (تمليك الغير منفعة شيء بغير عوض لمدة معينة أو لغرض معين على أن يرده بعد الاستعمال).
ومن خلال تعريف عقد الإعارة يتبين لنا أنه يتشابه مع عقد الإيجار، حيث أن كلا العقدين يرد على تمليك المنفعة، ويكون محدد المدة، وأن محل العقد يتم رده إلى مالكه بعد انتهاء مدة العقد، إلا أنه يختلف عنه اختلافاً جوهرياً، فعقد الإيجار يتم لقاء أجرة محددة بينما عقد الإعارة لا يتضمن أي مقابل أو عوض، فالأساس في عقد الإعارة هو كونه يتم على سبيل التبرع، فإذا تم لقاء مقابل مالي أصبح عقد إيجار.
رابعاً: عقود العمل
الطائفة الثالثة من العقود المسماة تتمثل في العقود التي يكون محلها العمل، فهي عقود تنصب على قيام أحد أطرافها بعمل لصالح الطرف الآخر، لذلك سميت بعقود العمل، وهذه الطائفة تشمل عقد المقاولة، وعقد العمل، وعقد الوكالة، وعقد الإيداع، وعقد الحراسة، ومنعاً للإطالة سوف نتناول التعريف الخاص بكل من تلك العقود، تاركين بيان أحكامها إلى مقالات أخرى نتناولها فيها بشكل أكثر تفصيلاً.
1- عقد المقاولة
يقصد فقهاً بعقد المقاولة العقد الذي يلتزم فيه المقاول بتأدية عمل أو صناعة شيء لصالح صاحب العمل لقاء أجر متفق عليه، ويلتزم صاحب العكل بأداء هذا الأجر للمقاول، ولا يخضع المقاول في تنفيذه للعمل المنوط به لإشراف أو إدارة من قبل صاحب العمل، بغض النظر عمن يلتزم منهما بتقديم المواد اللازمة لإتمام العمل[9].
وقد عرفه المشرع الأردني بنص المادة رقم (780) من القانون المدني على أنه (عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء بدل يتعهد به الطرف الآخر).
2- عقد العمل
عرف المشرع الأردني عقد العمل في موضعين، الموضع الأول هو المادة رقم (805/1) من القانون المدني حيث عرفه بأنه (عقد يلتزم أحد طرفيه بأن يقوم بعمل لمصلحة الآخر تحت إشرافه أو إدارته لقاء أجر)، والموضع الثاني هو المادة رقم (2) من قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 وتعديلاته حيث عرفه بأنه (اتفاق شفهي أو كتابي صريح أو ضمني يتعهد العامل بمقتضاه أن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إشرافه أو إدارته مقابل أجر، ويكون عقد العمل لمدة محدودة أو غير محدودة أو لعمل معين أو غير معين)، ولا يختلف التعريفين إلا في كون تعريف قانون العمل يعد أكثر تفصيلاً من التعريف الوارد بالقانون المدني.
3- عقد الوكالة
عقد الوكالة وفقاً لتعريفه الوارد بالمادة رقم (833) من القانون المدني هو عقد يقيم الموكل بمقتضاه شخصاً آخر مقام نفسه في تصرف جائز معلوم، ويلاحظ من هذا التعريف أن الوكالة لا يشترط فيها أن تكون بمقابل بل يمكن أن تكون بدون مقابل وعلى سبيل التبرع.
4- عقد الإيداع
يطلق عليه أيضاً عقد الوديعة نسبة لمحل العقد وهو الوديعة، ويعرف هذا العقد طبقاً لنص المادة رقم (868/1) من القانون المدني الأردني بأنه عقد يخول به المالك غيره حفظ ماله ويلتزم به الآخر حفظ هذا المال ورده عيناً، ويشار إلى هذا المال محل العقد بمسمى الوديعة، والأصل أن عقد الوديعة يتم بدون مقابل، إلا أن القانون لا يمنع اتفاق المودع والمودع لديه على تقاضي الأخير لمقابل نظير احتفاظه بالوديعة.
5- عقد الحراسة
تعرض المشرع الأردني إلى تعريف عقد الحراسة بنص المادة رقم (894) من القانون المدني، حيث عرفه بأنه (عقد يعهد بمقتضاه الطرفان المتنازعان إلى آخر بمال يقوم بحفظه وإدارته على أن يرده مع غلته إلى من يثبت له الحق فيه)، وهذا العقد يتم اللجوء إليه في حالة وجود نزاع بين شخصين على ملكية مال من الأموال، فيقررا أن يضعا هذا المال في حراسة شخص ثالث يكون محايداً، ويقوم هذا الشخص بإدارة المال محل النزاع والاحتفاظ به وبثماره إلى أن تثبت ملكيته لأحد الطرفين المتنازعين، فيقوم عندئذ بتسليم المال وثماره إلى من ثبتت له ملكيته، وغالباً ما يكون هذا العقد بمقابل وإن كان القانون لم يمنع أن يكون على سبيل التبرع بدون مقابل.
خامساً: عقود الغرر
يقصد بعقود الغرر العقود التي لا يتمكن أياً من طرفيها عند إبرامها مقدار ما سيقوم بمنحه ولا ما سيقوم بالحصول عليه، حيث لا يستطيع ذلك إلا في المستقبل عند تحقق أمر غير محقق الحصول أو غير معروف الوقت الذي سيتحقق فيه[10]، وتتمثل عقود الغرر التي نظمها المشرع الأردني في عقد الرهان والمقامرة، وعقد المرتب مدى الحياة، وعقد التأمين.
1- عقد الرهان والمقامرة
أورد المشرع الأردني عقد الرهان والمقامرة ضمن العقود المسماة بطائفة عقود الغرر، وقد عرفه في سياق نص المادة رقم (909) من القانون المدني على أنه (عقد يلتزم فيه امرؤ بأن يبذل مبلغاً من النقود أو شيئاً آخر دعلاً يتفق عليه لمن يفوز بتحقيق الهدف المعين في العقد).
وقد يتبادر إلى أذهان البعض عن كيفية وجود عقد رهان أو مقامرة على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تحرم كلاهما، إلا أن ذلك مردود عليه بأن المشرع قد حظر أوجه الرهان والمقامرة التي حظرها القانون وجعل الاتفاق عليها باطلاً وفقاً لما ورد بالمادة رقم (915) من القانون المدني، وقصر الرهان والمقامرة على مجالات محددة وهي السباق والرماية والرياضة والاستعداد لأسباب القوة دون غيرها، وبالتالي فإن المقامرات والرهانات التي تتم على ما دون ذلك تعتبر باطلة.
2- عقد المرتب مدى الحياة
من خلال نص المادة رقم (916) من القانون المدني الأردني يمكننا تعريف عقد المرتب مدى الحياة بأنه العقد الي يلتزم فيه شخص لصالح شخص آخر بأن يؤدي له مرتباً دورياً يستمر طوال حياة أحدهما، ويجوز أن يكون ذلك العقد بمقابل أو على سبيل التبرع، وهذا العقد من العقود الشكلية التي يلزم تحريرها وإفراغها في شكل مكتوب.
ويكتسب هذا العقد صفة الغرر أو صفته كعقد احتمالي نظراً للمدة التي يمتد خلالها، حيث أنه يكون مرتبطاً في سريانه بحياة إنسان سواء كان هذا الإنسان هو من يلتزم بأداء المرتب أو كان هو من يتحصل عليه أو كان هو شخص ثالث مختلف عنهما، فإذا تم تحديد مدة معينة ومعلومة لسريانه فإنه يفقد صفته الاحتمالية ولا يعد عقد مرتب مدى الحياة.
3- عقد التأمين
من أشهر عقود الغرر وأكثرها ذيوعاً في الاستعمال هي عقود التأمين، وقد تعرض الفقه إلى تعريفها بأكثر من تعريف كان أهمها وأكثرها قرباً من حقيقتها وتفسيراً لطبيعتها هو تعريفها بأنها عقود تتضمن عملية يحصل أحد طرفيها وهو المؤمن له على أداء معين نظير ما يقوم بسداده من قسط للطرف الآخر وهو المؤمن الذي يتعهد بسداد ذلك المقابل عند حدوث خطر معين يتم الاتفاق عليه[11].
وقد جاء تعريف المشرع الأردني لعقد التأمين أكثر وضوحاً ودقة من التعريف الفقهي لعقد التأمين، حيث عرفه بنص المادة رقم (920) من القانون المدني الأردني على أنه (عقد يلتزم به المؤمن أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث المؤمن ضده أو تحقق الخطر المبين في العقد، وذلك مقابل مبلغ محدد أو أقساط دورية يؤديها المؤمن له للمؤمن).
سادساً: عقود التوثيقات الشخصية
المقصود بعقود التوثيقات الشخصية هو العقود التي يكون الهدف الرئيسي منها هو تأمين الدائن وطمأنته على دينه قبل مدينه، وهذه العقود تعد من العقود المسماة، وتشمل تلك الطائفة من العقود عقدي الكفالة، وعقد الحوالة.
1- عقد الكفالة
يعرف عقد الكفالة في القانون المدني الأردني بنص المادة رقم (950) منه أنه العقد الذي يتم بموجبه ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بتنفيذ التزام، وإن كان هذا التعريف يتسم بكونه مقتضباً بعض الشيء، ويرجع ذلك إلى كونه لم يضع الضوابط التي تميز عقد الكفالة عن بعض الأنظمة القانونية التي قد تتشابه معه، ومن تلك الأنظمة القانونية نظام التضامن حيث يمكن أن ينطبق عليه أيضاً هذا التعريف، لاسيما وأنه في التضامن أيضاً تكون ذمة كل مدين متضامن مع باقي ذمم المدينين الآخرين، وهو ما يستلزم أن يتم تعديل المادة رقم (950) من القانون المدني بشأن تعريف عقد الكفالة ليكون به بعض الخصوصية التي تقصره على الكفالة دون غيرها من الأنظمة القانونية الأخرى.
2- عقد الحوالة
عرف المشرع الأردني الحوالة في نص المادة رقم (993) من القانون المدني بأنها (نقل الدين والمطالبة من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه)، ونلاحظ هنا أن المشرع قد وضع تعريف عقد الحوالة بوجه عام ليشمل حوالة الحق وحوالة الدين، لاسيما وأنه لم يوضح الصفة الخاصة بالمحيل، وما إذا كان دائن فتكون حوالة حق، أو كان مدين لتكون حوالة دين.
سابعاً: نماذج من أحكام القضاء الأردني ذات العلاقة
1- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 95 لسنة 2023 والصادر بجلسة 8/2/2023، والمتضمن أنه (على الرغم من أن هناك تمايزاً بين عقد الاستثمار وعقد الإيجار باعتبار أن كلا منهما يخول صاحبه حق الانتفاع المؤقت بالعين المؤجرة إلا أن هناك فروقاً بين العقدين فعقد الإيجار ينصب على منفعة العين المؤجرة دون اعتبار لأية مزايا أخرى وهو حق شخصي للمستأجر وإبرام هذا العقد يدخل من قبيل أعمال الإدارة، أما عقد الاستثمار فهو من قبيل أعمال التصرف في المال فإذا انصب عقد الإيجار على محل يكون الاعتبار فيه لأشياء أخرى ذات أهمية تفوق أهمية المكان المؤجر كالترخيص التجاري مثلاً أو المعدات أو الأدوات فهو بمنزلة استثمار لتلك العناصر لأن العقد اشتمل على أشياء تفوق في أهميتها العين المؤجرة وعندها تسري عليه أحكام القواعد العامة للعقود باعتباره من العقود غير المسماة حسب عبارات العقد ومدلولاته والغاية منه، وهذا كله خاضع لسلطة القاضي في تفسير العقود).
2- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 2857 لسنة 2022 والصادر بجلسة 23/10/2022، والمتضمن أنه (من رجوع محكمتنا للعقد فيما بين الضامن المدعي والمضمن والذي استندت إليه محكمة الاستئناف بردها لدعوى المدعي استناداً إلى أنه غير مسجل لدى سلطة وادي الأردن وفقاً لأحكام المادة (22/ج) من قانون تطوير وادي الأردن نجد بأنه عقد ضمان وليس عقد إيجار للوحدة الزراعية، ومن شروط هذا العقد أن يدفع الضامن مبلغ 3000 دينار للمضمن مالك الحصص التي تم الاتفاق على تضمينها للمدعي الضامن عن كل سنة من سنوات العقد وهو بالتالي من العقود غير المسماة في القانون المدني ).
ثامناً: الخاتمة
تكمن الأهمية في تصنيف العقود إلى مسماة وغير مسماة والتفرقة بينها على هذا الأساس هو إسباغ المسمى والوصف الصحيح على كل عقد، وذلك حتى يكون كل طرف في العقد على علم بالأحكام التي تنظم العقد وتقرر له حقوقه وتحدد له التزاماته، كما أنها تمثل أهمية بالغة عند نشوب أي نزاع بين طرفي أي عقد، حيث يمكن للقاضي معرفة الأحكام التي يخضع لها العقد المعروض عليه من خلال تكييفه القانوني وصولاً إلى مسماه، فيسهل عليه الرجوع للقانون لمعرفة الأحكام الخاصة بهذا العقد وتطبيقها عليه.
كتابة: أحمد عبد السلام
[1] – ياسين الخطيب – أقسام العقود في الفقه الإسلامي – رسالة ماجستير غير منشورة – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة أم القرى – المملكة العربية السعودية – 1998 – ص114.
[2] – مصطفى الزرقا – المدخل الفقهي العام – ط2 – دار القلم – دمشق – ج1 – 2004 – ص538 وما بعدها.
[3] – محمد الزحيلي – القانون المدني المقارن بالفقه الإسلامي: العقود المسماة (البيع – المقايضة – الإيجار) – مطبعة خالد بن الوليد – دمشق – 1983 – ص24.
[4] – شفيق الجراح – القانون المدني: العقود المسماة: عقد البيع – المطبعة الجديدة – دمشق – 1984 – ص14.
[5] – حسن الفكهاني وآخرون – الوسيط في شرح القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976 – الدار العربية للموسوعات – مصر – الجزء السادس – 2001 – ص173.
[6] – جمال عبد الرحمن وأيمن سليم – العقود المدنية (البيع والإيجار والتأمين) – دار حافظ – جدة – 2009 – ص297.
[7] – حسام الدين الأهواني – بدون دار نشر – مصر – 2000 – ص234.
[8] – عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني: العقود الواردة على الانتفاع بالشيء – دار إحياء التراث العربي – بيروت – ج6 – 1952 – ص1365.
[9] – عبد الملك مطهر – التزامات المقاول والمهندس ومسؤوليتهما في عقد المقاولة في القانون اليمني – رسالة دكتوراة غير منشورة – جامعة القاهرة – مصر – 2001 – ص13.
[10] – الصديق محمد الأمين – الغرر في العقود وآثاره في التطبيقات المعاصرة – المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب – المملكة العربية السعودية – 1993 – ص7 وما بعدها.
[11] – عيد عبد الحفيظ – محاضرات في قانون التأمين – كلية الحقوق – جامعة عبد الرحمان ميرة – الجزائر – 2011 – ص2.
للاطلاع على مقالة عن الفرق بين العقود المسماة و العقود غير المسماة اتبع الرابط