العقود غير المسماة
وهو عقد يخصه القانون باسم معين ولم يتول تنظيمه ومن ثم يخضع في تكوينه وفي الآثار العامة التي تترتب عليه للقواعد العامة التي تقررت لجميع العقود شأنه في ذلك شان العقد المسمى، بيد أنه لما كان أقل شيوعًا لم يفصل المشرع أحكامه اكتفاء بتطبيق القواعد العامة، فلم يرد في القانون المدني أي مواد تنظم تلك العقود.
والعقود المسماة من غير الممكن تقسيمها لعدم امكان حصرها، فالإرادة حرة في انشاء ما تريد من عقود طالما لا تخالف النظام العام والآداب.
ونتيجة لعدم تنظيم المشرع لتلك العقود، فإنها تخضع للقواعد العامة التي تُطبق على كل العقود، وذلك في حالة عدم اتفاق الطرفين على مسألة معينة أو عدة مسائل في العقد.
فالعقد غير المسمى عقد يخضع في تكوينه وأثره للمبادئ العامة لنظرية الالتزام، ويُقاس على ما يقرب منه من العقود المسماة، والقاعدة أن العقود غير المسماة لا حصر لها، وذلك لأن الارادة حرة في إنشاء ما تريد من العقود في حدود النظام العام والآداب.
وسوف نتناول في مقالنا أهم العقود غير المسماة، وبالتحديد العقد الطبي وعقد النشر.
العقد الطبي :
عرف الأستاذ عبد الرزاق السنهوري العقد الطبي بأنه : اتفاق بين الطبيب والمريض، على أن يقوم الأول بعلاج الثاني في مقابل أجر معلوم.
وبالرغم من أنه لم يتم التوصل إلى وصف دقيق للعقد الطبي أو معرفة الطبيعة القانونية الخاصة به، إلا أن ذلك لم يمنع من أن يتحقق هذا العقد بخصائص معينة تضفي عيليه تميزًا عن باقي العقود.
خصائص العقد الطبي :
يتميز العقد الطبي بعدة خصائص سنجملها فيما يلي :
العقد الطبي عقد رضائي يقوم على اعتبار شخصي ومتقابل الالتزامات :
يشتمل العقد الطبي على التزامات متقابلة ، فهو يتضمن التزامًا على الطبيب بتقديم العلاج اللازم للمريض، مقابل ذلك يلتزم المريض بدفع الأتعاب والالتزام باتباع نصائحه وارشاداته.
والمريض يختار الطبيب نظرًا لكفاءته العلمية الحقيقية أو المفترضة والثقة الموضوعة فيه، ويتمتع الطبيب بالمقابل بقدر من الحرية في التعاقد في ممارسة نشاطه المهني، فيجوز للطبيب رفض التعاقد مع مريض معين، فالطبيب لا يُكره على التعاقد مع أي مريض.
فالعلاقة بين المريض والطبيب هي عبارة عن علاقة تبادلية، تلقي بالتزامات متقابلة على جانب كل من الطبيب والمريض.
العقد الطبي عقد مدني ممتد ومتتابع :
العمل الطبي يتصف بالطابع المدني بعيدًا عن الطابع التجاري، ويتميز العقد الطبي كذلك بأنه عقد ممتد ومتتابع ومستمر، بمعنى أنه عقد لا يتحقق إلا مرة واحدة ولا يُنفذ فورًا، لأنه يتحقق خلال عدة مراحل مرتبطة ومنشئة لالتزامات جديدة يتحلى بها الطبيب والمريض على السواء، فإجراء التشخيص ومعالجة الأسقام والفحوصات تستغرق وقتًا قد يطول أو يقصر حسب الحالات، مما يجعل الزمن عنصرًا جوهريًا في العقد.
العقد الطبي عقد يُبرم عن بعد :
ليس من الضروري لجوء المريض إلى الطبيب في عيادته حتى يتم ابرام العقد الطبي ، بل من الوارد أن يبرم العقد بدون الالتقاء المادي لأطراف العقد، فيصدر الايجاب مقترنًا بالقبول عبر شبكة الانترنت، فهو عقد يتم بين غائبين في المكان ولكنهما حاضرين في الزمن.
العقد الطبي عقد قابل للإبطال أو الفسخ :
طالما أن العقد الطبي يقوم على أساس التراضي والتقابل في الالتزامات والثقة مع مراعاة الاعتبار الشخصي، فإن العقد ينعقد إذا ما وافق المريض على الطبيب المعالج كأصل عام، وهو الاعتبار نفسه الذي خول المريض أن ينهي العقد، فثة المريض ليس شرطًا أن تتوافر وقت ابرام العقد فقط بل ينبغي كذلك أن تبقى قائمة ومستمرة طيلة فترة العلاج، ففي حال فقد المريض ثقته في الطبيب المعالج في فترة ما من فترات العلاج كان له أن يفسخ العقد بالإرادة المنفرة، ويحق أيضًا بالمقابل أن يفسخ الطبيب العقد في حال أخل المريض بالتزاماته.
عقد النشر :
هو عقد يبرمه المؤلف مع دار النشر ومن ضمن تعريفات عقد النشر بأنه : العقد الذي يتعهد المؤلف أو خلفاؤه بتسليم هذا الإنتاج إلى الناشر والذي يقع عليه التزام من جانبه بنشره.
والمشرع المصري أشار إلى عقد النشر عند اشتراطه لصحة تصرف المؤلف في حقوقه المالية، أن يكون تعاقده مع الناشر كتابيًا، ويتضمن هذا العقد بالتفصيل كل حق يكون محل التصرف على حدة، وبيان مداره والغاية منه، ومكان وزمان الاستغلال، وذلك تجنبًا للغموض في العقد وحتى يكون الطرفين على بينة من أمرهما.
وفي القانون الأردني لم يورد المشرع لحماية حق المؤلف أي تعريف لعقد النشر، وتناول المشرع الأردني عقد النشر عند اشتراطه الكتابة لانعقاد عقد استغلال المصنف، فقد نصت المادة 9 من القانون الأردني لحماية حق المؤلف على أنه : للمؤلف الحق في استغلال مصنفه بأي طريقة يختارها ولا يجوز للغير اليقام بأي تصرف مما هو مبين أدناه دون إذن كتابي من المؤلف أو من يخلفه .
وعقد النشر كغيره من العقود يتأسس على اتفاق بين طرفين هما المؤلف والناشر، يتعهد الأول بمقتضاه أن يقدم للثاني نتاجه الذهني، بينما يلتزم الثاني بطبع هذا المنتج على نفقته، وكذلك توزيعه على مسؤوليته، في سبيل ايصاله لعلم الجمهور بإحدى وسائل النشر.
خصائص عقد النشر :
يتميز عقد النشر عن باقي العقود بجملة من الخصائص هي :
عقد النشر عقد تبادلي :
فعقد النشر يتم الاتفاق فيه بين فريقين وهما المؤلف والناشر، وذلك بعد تحديد الالتزامات المتبادلة بين الفريقين، فعقد النشر من العقود الرضائية التي تستلزم توافر الرضا الخالي من العيوب المبطلة، كما أنه يستلزم توافر أهلية التعاقد، أي الأهلية المدنية للتعاقد بالنسبة للمؤلف، والأهلية التجارية بالنسبة للناشر.
عقد النشر عقد مختلط :
فعقد النشر يُعتبر عقدًا تجاريًا بالنسبة للناشر، وعقدًا مدنيًا بالنسبة للمؤلف، وذلك يترتب عليه أن أهلية التعاقد بالنسبة للناشر هي أهلية التعاقد التجارية، وأهلية التعاقد بالنسبة للمؤلف هي أهلية التعاقد المدنية، ويترتب على ذلك أيضًا اختلاف في طُرق الاثبات، فالدعوى المقامة ضد المؤلف تخضع في اثباتها لأحكام الاثبات الواردة في القانون المدني، والدعوى المقامة ضد الناشر تخضع في اثباتها لأحكام الاثبات في مواد القانون التجاري.
عقد النشر عقد محدد :
فيتضمن عقد النشر تحديد الالتزامات المتعلقة بطرفي العقد، وكذلك تحديد المقابل المادي الذي سيتقاضاه المؤلف عن حقوق النشر، إضافة إلى تحديد المدة التي تنتهي فيها حقوق النشر، وما إذا كان العقد يتضمن حق الناشر في الطباعة لمرة واحدة أو عدة طبعات ونوع الطابعة المقترحة وشكلها ونوع النطاق الاقليمي للتوزيع، والمدى والغرض من الاستغلال، وغير ذلك من الأمور.
وما سبق يتفق مع أحكام القانون الأردني لحماية حقوق المؤلف، إذا نص المشرع الأردني في المادة (13) من قانون حماية حقوق المؤلف على أنه : ” للمؤلف أن يتصرف بحقوق الاستغلال المالي لمصنفه ويشترط في هذا التصرف أن يكون مكتوبًا وأن يُحدد فيه صراحة وبالتفصيل كل حق يكون محلًا للتصرف مع بيان مداه والغرض منه ومدة الاستغلال ومكانه “.
عقد النشر عقد شكلي :
يُعتبر أغلب قوانين حماية حق المؤلف قد تضمنت أحكامًا خاصة بعقود النشر، بأن تكون مكتوبة لصحة التصرف، فعقد النشر لا يُمكن أن ينعقد شفاهه، وتلك ميزه ينفرد بها عقد النشر عن غيره من العقود الرضائية، وفيما يتعلق بذلك فقد نص المشرع الأردني في المادة (9) من قانون حماية حقوق المؤلف على أنه : ” للمؤلف الحق في استغلال مصنفه بأي طريقة يختارها ولا يجوز للغير القيام بأي تصرف مما هو مبين أدناه دون إذن كتابي من المؤلف أو من يخلفه ..” وهذا نص يستشف منه قطعًا أن نقل حقوق المؤلف لا يُعتد به إلا إذا كان مكتوبًا في عبارات صريحة وواضحة، وبعدها لا يُمكن اثبات التعاقد بأي طريقة أخرى للإثبات.