جريمة إطلاق العيارات النارية
مازلنا نعاني وللأسف الشديد في مجتمعنا الأردني من الكثير من الممارسات الخاطئة التي كنا وما زلنا نحذر منها ومن خطورتها، ولكن هناك قله ممن استجابوا وتوقفوا عن تلك الممارسات، وبقي هناك من يمارسها رغم التحذيرات المتكررة، فمن الصعب إقناع كل فرد في المجتمع بخطورة ممارسة عادات لطالما ارتبطت بالتقاليد والتراث، بأنها شكل من أشكال الخطر على الفرد والمجتمع، ومن هذه الممارسات إطلاق العيارات النارية في المناسبات المختلفة كالزواج والنجاح. فما هي تلك الجريمة وما هو موقف المشرع الأردني منها وما هي أركانها والنصوص القانونية التي تحكمها وأهم المبادئ المتعلقة بها.
إطلاق العيارات النارية سلوك خاطئ وغير حضاري
إن هذه الظاهرة تحول الأفراح إلى أحزان، فكم من أفراح تحولت إلى أتراح نتيجةً لإطلاق العيارات النارية فيها، كتعبير عن الشعور بالسعادة والابتهاج، ونوع من أنواع المفاخرة، فتصيب هذه الطلقات أحد المتواجدين في المكان ويكون في كثير من الأحيان من أقرب الناس لمطلق العيارات النارية، فماذا استفاد مطلقو العيارات النارية وأي طريقة هذه للتعبير عن السعادة لتنقلب إلى مأساة؟!، وما موقف القانون الأردني من هكذا ممارسات؟ وكيف عمل المشرع الأردني على ردعها؟
موقف المشرع الأردني من مطلقي العيارات النارية
يعد إطلاق العيارات النارية جريمة جزائية من نوع جنحة ويعاقب عليها في حال توافرت جميع أركانها السابقة، وقد نص المشرع الأردني على عقوبة لتلك الجريمة في قانون خاص وهو قانون الأسلحة والذخائر، كما نص على عقوبتها في قانون العقوبات الأردني.
قانون الأسلحة والذخائر
وضع المشرع الأردني قانون خاص بالأسلحة والذخائر، ينص على كل ما يتعلق بالأسلحة من الناحية القانونية، وقد تناول في نص المادة (15/2) موضوع إطلاع العيارات النارية، فقد جاء فيها (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفي دينار كل من أطلق عياراً نارياً دون داعٍ أو استعمل مادة مفرقعة دون موافقة مسبقة ولا يجوز للمحكمة عند أخذها بالأسباب المخففة التقديرية تخفيض عقوبة الحبس عن أربعة أشهر والغرامة عن الفي دينار).
فعقوبة مطلق العيارات النارية دون داعً استنادا للمادة السابقة هي الحبس والغرامة، الحبس مدة لا تقل عن ستة شهور وبغرامة لا تقل عن ألفي دينار، وهذه العقوبة تقع لمجرد إطلاق العيارات النارية حتى ولو لم تسبب أي ضرر أو أذى.
الأدوات المستخدمة في الجريمة
يتم إطلاق العيارات النارية بواسطة الأسلحة والذخائر على مختلف أنواعها، فقد يتم بواسطة السلاح وهو كل آلة أو أداة معدة لإطلاق الذخيرة، أو قذفها عن طريق ضغط الهواء، أو قوة الغاز، أو دفع نابض الإرجاع، وكل جزء منها قطعة من قطع غيارها، بما في ذلك أجهزة تفعيلها وكل آلة أو أداة نصت الاتفاقيات الدولية على اعتبارها سلاحا، وتتعدد الأسلحة منها الأسلحة الأوتوماتيكية، والهوائية، بندقية الصيد، المسدس، وغيرها.
هل يعفى مطلق العيار الناري من العقوبة في حال استخدم سلاح دون الآخر؟
لا، تقع الجريمة بغض النظر عن نوع السلاح المستخدم، بل يعد مرتكب لجريمة أخرى إذا كان السلاح المستخدم في الجريمة غير مرخص أو من الأسلحة المحظور استخدامها في المملكة، فيصبح مسؤول عن عدة جرائم بالإضافة لجريمة إطلاق العيارات النارية.
أركان جريمة إطلاق العيارات النارية
الركن المادي: الذي يتحقق بمجرد قيام المشتكى عليه بالأفعال غير المشروعة التي يقدم عليها المتمثلة بان يقدم على إطلاق عيارات نارية من السلاح الذي بحوزته دون داع لذلك، وبما يخالف الغاية التي من أجلها تم ترخيص السلاح له والتي أتى المشرع على ذكرها في المادة 3 من قانون الأسلحة النارية والذخائر أو استخدام سلاح ناري غير مرخص للقيام بهذا (بالقدر الضروري للدفاع عن النفس) والتي ورد فيها النشاط الجرمي.
الركن المعنوي: القصد الجرمي المتمثل بعلم الجاني بماهية وأركان فعله وأنه يقوم بإطلاق عيارات نارية
من السلاح الناري الذي بحوزته دون أن يكون هناك ضرورة لهذا الأمر واتجاه إرادته الحرة المدركة لارتكاب هذه الأفعال.
جريمة إطلاق العيارات النارية من جرائم الخطر وليس الضرر ، أي أن المشرع لم يشترط تحقق نتيجة معينة لقيام أركانها .
هل يعفى مطلق العيارات النارية من العقوبة إذا كان السلاح الذي تم استخدامه مرخصاً؟
لا، فجريمة إطلاق العيارات النارية تقوم سواء كان السلاح مرخصاً أم لا.
قانون العقوبات وجريمة إطلاق العيارات النارية
نص قانون العقوبات الأردني في المادة (330) مكررة (يعاقب بالحبس مدة ثلاثة أشهر أو بغرامة مقدارها ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من أطلق عيارا ناريا دون داع أو سهما ناريا أو استعمل مادة مفرقعة دون موافقة مسبقة، ويصادر ما تم استخدامه من سلاح، ولو كان مرخصا، وأي سهم ناري ومادة مفرقعة).
وتكون العقوبة:
أ. الحبس مدة لا تقل عن سنة إذا نجم عن الفعل إيذاء إنسان.
ب. الأشغال المؤقتة إذا نجم عن الفعل أي عاهة دائمة أو إجهاض امرأة حامل.
ج. الأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات إذا نجم عن الفعل وفاة إنسان
كما نصت المادة (461) على فرض غرامة بمقدار خمسة دنانير على كل شخص قام بإطلاق العيارات النارية بدون داع في الأماكن المأهولة بالسكان، وتصادر الأسلحة، ويمكن أن يعاقب الفاعل بالحبس لمدة أسبوع، ولم يقتصر قانون العقوبات على النص على هذه العقوبة، بل أن هناك العديد من النصوص القانونية التي قد تطبق كعقوبة على تلك الجريمة، وذلك في حال أدت تلك الجريمة إلى جرائم أخرى، فما هي هذه النصوص القانونية.
نص المادة (64) من قانون العقوبات الأردني (القصد الاحتمالي)
(تُعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة، ويكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة).
وعليه بتطبيق النص السابق على مطلق العيارات النارية التي أدت جريمته إلى جريمة أخرى كالقتل، حيث أدى إلى قتل أحد الأشخاص الموجودين في المكان، ويعد في هذه الحالة مرتكب لجريمة القتل القصد، فهو قبل المغامرة بذلك الفعل، واستمر في ذلك، متوقعاً أن تصيب تلك الطلقات أحد المتواجدين، وراضيا بهذا الاحتمال وقابلاً بالمخاطرة على الرغم من أن حدوث النتيجة أمرا وارداً في ذهنه، وعليه تطبق عقوبة القتل (326).
وبناءاً على ذلك فإن إي جريمة تكون ناتجة عن جريمة إطلاق العيارات النارية تكون جريمة مقصودة ويعاقب عليها بالعقوبة التي نص عليها القانون
إذا أدت الجريمة إلى القتل.
يعد مرتكب لجريمة القتل القصد، نص المادة (326) من قانون العقوبات الأردني، بدلالة نص المادة (64).
(من قتل إنسانا قصداً، عوقب بالأشغال عشرين سنة).
إذا أدت الجريمة إلى إصابة أحد الأشخاص
يعد مرتكب لجريمة الشروع بالقتل، نص المادة (70) من قانون العقوبات الأردني، بدلالة نص المادة (64).
(إذا كانت الأفعال اللازمة لإتمام الجريمة قد تمت ولكن لحيلولة أسباب مانعة لا دخل لإرادة فاعلها فيها لم تتم الجريمة المقصودة، عوقب على الوجه التالي:
1. الأشغال المؤبدة أو الأشغال عشرين سنة إذا كانت عقوبة الجناية التي شرع فيها تستلزم الإعدام، وخمس عشرة إلى عشرين سنة من العقوبة نفسها إذا كانت العقوبة الأشغال المؤبدة أو الاعتقال المؤبد، واثنتي عشرة سنة إلى خمس عشرة سنة من العقوبة نفسها إذا كانت العقوبة الأشغال أو الاعتقال المؤبد مدة عشرين سنة.
- ان ينزل من أية عقوبة أخرى من الثلث الى النصف.
إذا أدى إطلاق الرصاص إلى الإيذاء
يعد مرتكب لجريمة الإيذاء المقصود، ويعاقب بالعقوبة المقررة ف إذا نتج عن الإيذاء قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيلها أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل، أو تسبب في إحداث تشويه جسيم أو أية عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة، يعاقب الجاني بالأشغال المؤقتة مدة لا تزيد على عشر سنوات، سنداً لنص المادة (335) من ذات القانون
هل تعتبر جناية أم جنحة؟
جنحة، ولكن إذا أفضت إلى ارتكاب جناية يتم محاكمة الجاني أمام محكمة الجنايات الكبرى.
أسباب تضاعف عقوبة على تلك الجريمة
تضاعف العقوبة في حالة التكرار، أو تعدد المجني عليهم.
إعلان إضافة مخالفة إطلاق العيارات النارية الى جرائم الإدارة العرفية
المادة (1):
عملا بالصلاحية المخولة الي بمقتضى الفقرة (ن) من المادة (8) والفقرة (أ) من المادة (9) من تعليمات الإدارة العرفية لسنة 1967، امر بإضافة مخالفة: إطلاق العيارات النارية بدون داع مشروع في الأماكن المأهولة من المملكة ولو بسلاح مرخص وفي مناسبات الأفراح، المنصوص عليها في المادة (461) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 الى الجرائم المبينة في المادة (8) المشار اليها وتعيين العقوبة الرادعة لها بحيث تكون الحبس من شهر حتى ثلاثة أشهر أو بالغرامة من عشرة دنانير حتى خمسين دينارا.
الحكم رقم 2832 لسنة 2017 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية
لإجراء محاكمة المتهم عن التهم التالية: –
الشروع بالقتل. وحيازة سلاح ناري بدون ترخيص. وإطلاق عيارات نارية بدون داعٍ. وإقلاق الراحة العامة.
حقق مدعي عام الجنايات الكبرى في القضية وبنتيجة التحقيق تبين له أن الجرم الواجب إسناده للمشتكى عليه هو التسبب بالإيذاء وليس جناية الشروع بالقتل فقرر إعلان عدم اختصاصه وأحال الأوراق إلى مدعي عام شمال عمان بتاريخ 15/11/2017.
بتاريخ 20/11/2017 أصر مدعي عام شمال عمان على أنه
غير مختص وأن المختص هو مدعي عام الجنايات الكبرى.
وبالرجوع إلى أوراق القضية يتبين أن ما قام به المشتكى عليه هو إطلاق عيارات نارية ابتهاجاً بالمناسبة التي حضر إليها نتج عنه فعل إيذاء وهذه الأفعال على فرض ثبوتها وفقاً لأحكام المادة (330 مكررة) من قانون العقوبات المعدل أصبحت جنحة وليست جناية وبالتالي فإن المختص في التحقيق هو مدعي عام شمال عمان ولا يجوز له التذرع بعدم وجود منع محاكمة عن تهمة جناية الشروع بالقتل ذلك أن منع المحاكمة هو عن الفعل وليس عن الوصف الجرمي إذ يصار إلى إعطاء الفعل التكييف القانوني السليم دون منع محاكمة عن وصف الفعل الوارد من الشرطة وعليه تقرر اعتبار مدعي عام شمال عمان المرجع المختص للتحقيق في الدعوى واعتبار الإجراءات التي قام بها مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى غير المختص صحيحة وإعادة الأوراق إلى مصدرها لإجراء المقتضى القانوني . .
الحكم رقم 10127 لسنة 2018 – صلح جزاء غرب عمان
جُـــــــــرم: –
- حمل وحيازة سلاح ناري دون ترخيص خلافا لأحكام المواد (3 و4 و11/د) من قانون الأسلحة النارية والذخائر بالنسبة للمشتكى عليهما.
- إطلاق عيارات نارية دون داع خلافا لأحكام المادة (330/1) مكررة من قانون العقوبات بالنسبة للمشتكى عليه (س).
وفيما يتعلق بجرم إطلاق عيارات نارية دون داعِ المسند للمشتكى عليه (س) فإن الثابت لمحكمتنا من خلال اعتراف المشتكى عليه (س) أنه قام بإطلاق الرصاص في الهواء وأنه فعله هذا كان بمناسبة نجاح صديق له، وهو أمرٌ يدل على طيشه وقلة درايته وعلمه على حدٍ سواء، ذلك أن إطلاق العيارات النارية في مثل تلك المناسبات وبالنظر لما قد ينتج عنه من أثار جرمية لا يُمكن تداركها، لا يخرج عن كونه بدون داعٍ ولا مبرر له من القانون أو الضرورة، مما يعني تحقق كافة أركان وعناصر الجرم المسند إليه.
وعملاً بأحكام المادة (177) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إدانة المشتكى عليه (س) بجرم إطلاق عيارات نارية دون داعٍ خلافاً لأحكام المادة (330 مكررة /1) من قانون العقوبات والحكم عليه عملاً بأحكام المادة ذاتها بالحبس ثلاثة أشهر والرسوم.