الظرف المشدد في الجريمة
تختلف الجرائم الجنائية عن بعضها البعض من حيث أركانها والنتيجة الجريمة المترتبة على السلوك المرتكب، وحتى وإن اتحدت النتيجة الجرمية في بعض الجرائم، ستجد أن واقع الجريمة والظروف التي أحاطت بها وبالجاني تختلف من جريمة لأخرى، كما تختلف الجرائم بالعقوبة المقررة لها في القانون، وبظروف كل جريمة، لذلك نجد أن المشرع الأردني قد أفرد مواد خاصة تتعلق بالظرف المشدد لكل جريمة.
سلطة القاضي في تقرير العقوبة الجزائية
إن القاضي الجزائي يتمتع بسلطة تقديرية في اختيار العقوبة الملائمة للواقعة الجرمية المرتكبة، وشخصية مرتكبها ، ضمن النطاق القانوني المحدد لعقوبة كل جريمة على حدة ، فالقانون أعطى للقاضي مساحة لتقدير نوع العقوبة ومدتها ، لذلك نجد أن النصوص القانونية التي تنص على العقوبة تنص على حد أعلى وحد أدنى للعقوبة ، وبعض النصوص تنص على أن العقوبة هي الحبس أو الغرامة أو كلاهما ، أو الحبس والأشغال المؤقتة أو المؤبدة ، وهذا من شأنه أن يعطي القاضي حرية تقرير العقوبة ضمن النطاق المنصوص عليه ، ووفقاً لظروف كل جريمة ، على أن السلطة التقديرية للقاضي في اختيار العقوبة المناسبة ليست مطلقة وإنما محددة بضوابط معينة يجب على القاضي الالتزام بها ، وإلا كان الحكم معيباً ،
الظروف التي تتصل بالجريمة أو بالجاني
هناك ظروف يؤخذها القاضي بعين الاعتبار عند إصدار العقوبة، فهناك ظروف مخففة للعقوبة وظروف مشددة للعقوبة وأعذار مخففة وأعذار تعفي من العقوبة، وكما ذكرنا القاضي يتمتع بسلطة في تقدير العقوبة ضمن النطاق الكمي والنوعي للعقوبة المقررة للجريمة، حيث كفل القانون للقاضي حرية تقدير العقوبة وفقاً لظروف الجريمة أو الحكم بدلاً عنها بالعقوبة المعينة، إلا أنه إذا وجدت أسباب مخففة أو مشددة للعقوبة، على القاضي أخذها بعين الاعتبار قبل تقرير العقوبة المنصوص عليها في القانون.
هل يستطيع القاضي تجاوز الحد الأعلى للعقوبة عند الحكم بها؟
الأصل أن القاضي يحكم ضمن الحد الأدنى والأعلى للعقوبة، ولكن في حال توافرت ظروف مشددة للعقوبة ففي هذه الحالة للقاضي أن يتجاوز الحد الأعلى للعقوبة ويحكم بما نص عليه ظرف التشديد.
ما المقصود بالظروف المشددة للعقوبة؟
هي الظروف أو الأحوال المحددة بالقانون والتي تتصل بالجريمة أو بالجاني، والتي يترتب عليها تشديد العقوبة المقررة للجريمة الى أكثر من الحد الأعلى الذي قرره القانون.
هل الظروف المشددة ملزمة للقاضي عن تقرير العقوبة؟
إن الظروف المشددة وردت صراحة بنص القانون، وبتالي عن توافرها في الجريمة أو الجاني لا يستطيع القاضي الامتناع عن تشديد العقوبة، ولا يستطيع أيضاً تطبيقها على الحالات التي تخلو من ظروف التشديد.
تقسيم الظروف المشددة
إن الظروف المشددة نوعين منها ما يتعلق بالفعل الجرمي نفسه وتسمى ظروف مشددة موضوعية، ومنها ما يتعلق بشخصية الجاني أو المجني عليه وتسمى ظروف مشددة شخصية، وعليه تقسم الظروف المشددة إلى: – ظروف مشددة عامة وظروف مشددة الخاصة
الظروف المشددة العامة
وهي التي يجوز تطبيقها على جميع الجرائم، وتنقسم الى نوعين، ظروف مشددة عامة تتعلق بالجريمة المرتكبة وظروف مشددة تتعلق بسوابق مرتكب الجريمة.
الظروف المشددة العامة التي تتعلق بالجريمة
وهي تلك الظروف التي ينص عليها القانون والتي تسري بالنسبة الى جميع الجرائم، ومنها ما يتعلق بموضوع الجريمة أو بالمجني عليه وبالفعل الجرمي ومنها ما يتعلق بشخص المجرم وبواعثه، ومن هذه الظروف
1.ارتكاب الجريمة بباعث دنيء.
2.ارتكاب الجريمة بانتهاز فرصة ضعف إدراك المجني عليه أو عجزه عن المقاومة في ظروف لا تمكن الغير من الدفاع عنه.
3.استعمال طرق وحشية لارتكاب الجريمة أو التمثيل بالمجني عليه.
4.استغلال الجاني في ارتكاب الجريمة صفته كموظف أو إساءته استعمال.
الظروف المشددة العامة التي تتعلق بسوابق مرتكب الجريمة (التكرار).
اخذ المشرع الأردني بالتكرار كظرف عام مشدد للعقوبة في الجنايات والجنح وذلك في المادة (101) المتعلقة بالتكرار في الجنايات والمادة (102) الخاصة بالتكرار في الجنح، وظرف التكرار يتعلق بشخص المكرر ولا علاقة له بالجريمة المرتكبة لذلك يعتبر ظرف مشدد عام.
التكرار في الجنايات المادة 101 من قانون العقوبات : –
من حُكم عليه بإحدى العقوبات الجنائية حُكماً مبرماً ثم ارتكب في أثناء مُدة عقوبته أو خلال عشر سنوات بعد أن قضاها أو بعد سقوطها عنه بأحد الأسباب القانونية: –
1_ جناية تستلزم قانوناً عقوبة الأشغال المؤقتة أو الاعتقال المؤقت، حُكم عليه مدة لا تتجاوز ضعف العقوبة التي تستلزمها جريمته الثانية على ألا يتجاوز هذا التضعيف خمس وعشرين سنة.
2_ جنحة تستلزم قانوناً عقوبة الحبس، حُكم عليه مدة لا تتجاوز ضعف العقوبة التي تستلزمها جريمته الثانية على ألا يتجاوز هذا التضعيف خمس سنوات.
فشروط اعتبار الجاني مكرراً في الجنايات أن يصدر بحقه حُكم مبرم من محكمة مختصة، أن يرتكب أثناء مدة عقوبته أو خلال عشر سنوات بعد أن قضاها أو بعد سقوطها عنه بأحد الأسباب القانونية.
التكرار في الجنح المادة 102 من قانون العقوبات
من حُكم عليه بالحبس حُكماً مُبرماً ثم ارتكب قبل إنفاذ هذه العقوبة فيه أو في أثناء مُدة عقوبته أو خلال ثلاث سنوات بعد أن قضاها أو بعد سقوطها عنه بأحد الأسباب القانونية جنحة مماثلة للجنحة الأولى حُكم عليه بمدة لا تتجاوز ضعف العقوبة التي تستلزمها جريمته الثانية، على ألا يتجاوز هذا التضعيف خمس سنوات.
فشروط اعتبار الجاني مكرراً في جرائم الجنح أن يصدر بحقه حُكم مبرم من محكمة مختصة، أن يرتكب قبل إنفاذ العقوبة بحقه أو خلال ثلاث سنوات بعد أن قضاها أو بعد سقوطها عنه جنحة مماثلة.
ومن الجنح المماثلة لغايات التكرار
الجرائم الواقعة على الإنسان والجرائم الواقعة على الأموال والجنح المقصودة والجنح المُخلة بالأخلاق والآداب العامة.
الظروف المشددة الخاصة: –
وهي الظروف التي تطبق على كل جريمة على حده، ولا تسري على الجرائم بشكل عام، ومن هذه الظروف تتعلق بالجرم نفسه، كظرف التشديد في جريمة السرقة إذا ارتكباً ليلاً أو وقوعها بالإكراه المادة (406)، ومنها ما يتعلق بشخصية الجاني وتسمى ظروف مشددة شخصية، مثل التشديد في جريمة القتل إذا ارتكبت الجريمة من أحد الأصول على الفروع (328) وهو ظرف تشديد يتعلق بالمجني عليه كوقوع جريمة القتل على موظف عام ، أن تقع جريمة السرقة من الخادم على مخدومه (406/3)، أن يرتكب جريمة الإجهاض طبياً أو جراحاً ( المادة 325) وأيضا هناك ظروف مشددة مادية، كالكسر والتسلق في جريمة السرقة المادة (404).
أثر ظروف التشديد على الجريمة والعقوبة
إن الظروف المشددة للعقوبة على اختلاف أنواعها سواءً كانت شخصية أم عامة، مادية أم موضوعية، منها ما يؤثر على الجريمة نفسها فيغير نوعها، كالظروف التي ترفع العقوبة المقررة للجريمة من عقوبة جنحوية الى عقوبة جنائية كالضرب المفضي الى الموت المادة (330) ، ومنها ما يقتصر أثره على العقوبة دون التغيير في نوع الجريمة ، فتزيد الحد الأعلى للعقوبة ، كأن تكون مدة التعطيل في جرائم الإيذاء تزيد على 20 يوماً المادة ( 333) ، وارتكاب جريمة القتل مع سبق الإصرار حيث يرفع العقوبة إلى الإعدام ،
أثر ظروف التشديد على الجناة في حال تعددهم
في حال تعدد الجناة وتوافرت أحد الظروف المشددة وكانت مادية فإن أثرها يسري عل جميع الجناة، بعض النظر عن دور كل واحد منهم سواءً كان فاعل أصلي أم شريك، وسواءً كان يعلم بوقوع الظرف المادي أم لا، أما إذا كان الظرف المشدد شخصي فإن أثر التشديد يقتصر على من توافر فيه ، كظرف سبق الإصرار وتعدد الجناة في جريمة القتل ، فظرف سبق الإصرار ظرف نفسي يتعلق بشخصية الجاني ، وفي حال تعدد الفاعلون أو كان في الجريمة مساهمون فإنه لا يؤاخذ على سبق الإصرار إلا من توافر بحقه من الشركاء أو المساهمين ، وغالبا ما يكون هناك اتفاق سابق بين الشركاء على ارتكاب الجريمة ولكن ليس كل اتفاق يعني توافر ظرف سبق الإصرار لديهم جميعاً ، فقد يتم الاتفاق فجأة ويقمون بتنفيذ الجريمة دون ترو ، عندها لا يتوفر ظرف التشديد المتمثل بسبق الإصرار، وينبغي في هذه الحالة إثباته لكي يتوافر ظرف التشديد بحقهم .
ظرف سبق الإصرار يعتبر ظرف مشدد
الحكم رقم 1833 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية
أما من حيث الظرف المشدد الذي أسندته النيابة العامة للمتهم خالد وهو ظرف سبق الإصرار
وجدت المحكمة أن الاجتهاد القضائي لمحكمة التمييز قد استقر على أنه يشترط لقيام هذا الظرف المشدد لجريمة القتل وهو سبق الإصرار توافر عنصرين في فعل الجاني وهما:
عنصر زمني ويتمثل بمرور فترة كافية بين عزم الجاني على ارتكاب الجريمة وبين قيامه بتنفيذها.
عنصر نفسي ويتمثل بإقدام الجاني على ارتكاب الجريمة بعد هدوء وتروٍ وهو هادئ البال مطمئن النفس وأن يكون قد رتب وسائله وتقدير عواقب أفعاله.
وإن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني ولا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة وإنما تستفاد من وقائع خارجية تستخلصها المحكمة من ظروف الدعوى وعناصرها.
وحيث ثبت للمحكمة ومن خلال بينات الدعوى أن مشاجرة حصلت بين عدد من أبناء المشتكي (س) وبين ابن المتهم (ص) وأنه قد تعرض للضرب من قبلهم وعندما عرف المتهمان (أ) و(ب) والحدث (م) بواقعة الاعتداء بالضرب على شقيقهم (ص) توجهوا على الفور وهم في حالة من الغضب وخلال ساعة إلى ساعتين على أبعد تقدير إلى منزل المغدور ( س) وشقيقه وقاموا بإطلاق العيارات النارية وحرق سيارة المشتكية زوجة شقيق المغدورين .
وعندما حضر المغدوران إلى المكان قام المتهم (أ) و(ب) بإمطارهما بوابل من العيارات النارية بواسطة بنادق الكلاشن التي كانت معهما حتى فارقا الحياة وبالتالي وجدت المحكمة أن عنصري العمد الزمني والنفسي غير متوافرين في أفعال المتهم (أ) وأن القصد الجرمي لديه كان آنياً نتيجة تعرض شقيقه للضرب ولم يكن مسبقاً أو مخططاً له.
أما فيما يتعلق بوجود خلافات سابقة بين المشتكي (س) وأولاده من جهة وبين المتهم (ص) وأولاده من جهة أخرى وجدت المحكمة أن أطراف هذه القضية يسكنون في بلدة واحدة وأن منزل المتهم (ص) وأولاده مجاور لأحد منازل المشتكي (س) وهم يشاهدون بعضهم البعض في المناسبات وأوقات الصلاة ولم تصل الخلافات بينهم إلى درجة التفكير بالقتل والتخطيط له وأن النيابة العامة لم تقدم أية بينة تشير إلى أن هذه الخلافات السابقة كانت هي الدافع لارتكاب جريمة القتل حتى يمكن القول بتحقق عنصري سبق الإصرار النفسي والزمني مما يتعين معه تعديل وصف الجرم المسند للمتهم (أ) من جناية القتل العمد بالاشتراك خلافاً لأحكام المادتين (328 و76) من قانون العقوبات مكررة مرتين إلى جناية القتل القصد الواقع على أكثر من شخص بالاشتراك خلافاً لأحكام المادتين . (327/3 و76) من قانون العقوبات