التدخل في الجريمة
ما هو المقصود بالجريمة؟
قبل الحديث عن موضوع التدخل في الجريمة وصور التدخل في الجريمة سنستعرض مفهوم الجريمة بشكل عام وموجز ، إن الجرائم بشكل عام هي سلوكيات سلبية غير مقبولة اجتماعياً وتتمثل بالخروج عن القانون وتتطلب إصدار العقوبة الجزائية المناسبة ضد مرتكبها ، فالجرائم تُشكل اعتداءات وتقسم إلى جرائم تقع على الإنسان ، وهي تمس الحقوق الشخصية واللصيقة به .
وتقسم إلى قسمين :- جرائم تقع على حياة الإنسان وسلامته وتسمى الجرائم الواقعة على الأشخاص ، وجرائم تمس أموال الإنسان الخاصة به وتسمى الجرائم الواقعة على الأموال ،وهناك جرائم تقع على أمن الدولة الداخلي والخارجي ، وجرائم تقع على الإدارة العامة ، وجرائم مخلة بالإدارة القضائية ، وجرائم مخلة بالثقة العامة ، وجرائم مخلة بالأخلاق والآداب العامة ، وجميعها منصوص عليها في قانون العقوبات الأردني .
ماهية الجرائم
أن الجرائم تختلف عن بعضها البعض في أركانها (الركن القانوني، الركن المادي، الركن المعنوي)، والآثار المترتبة على توافر هذه الأركان، وتحديداً في العقوبة التي يفرضها القانون على ارتكاب كل جريمة على حده، والظروف التي تحيط بالجريمة ومرتكبيها مخففة كانت أم مشددة، إلا أن هناك أحكام ومبادئ عامة تطبق على كل الجرائم، وأحكام خاصة تتمثل بذاتية خاصة تطبق على الفعل الجرمي بالذات، وما يميزه من عناصر إضافية ينبغي توافرها لقيام المسؤولية الجرائية لدى مرتكبه.
مرتكب الجريمة
إن أي جريمة تقع من المتصور أن يكون مرتكبها شخص واحد أو عدة أشخاص، فليست كل الجرائم يكون الجاني فيها شخص واحد، بل من المتصور تعدد الجناة، ولذلك رأى المشرع الأردني أنه في حال وقوع الجريمة من عدة أشخاص لا بد من دراسة الدور الذي قام به كل شخص في الجريمة، ومدى مشاركته في تحقيق النتيجة الجرمية، وعليه يتم تحديد فيما إذا كان فاعل أصلي أو متدخلاً في الجريمة أو شريكاُ فيها أو محرضاً على ارتكابها، ومن ثم تحديد العقوبة المناسبة له.
وسنقتصر هذا المقال للحديث عن المتدخل في الجريمة وعقوبته في القانون الأردني.
من هو المتدخل في ارتكاب الجريمة؟
هو من يساعد الفاعل الأصلي على ارتكاب الجريمة، من أجل تمكينه من ارتكابها، والأصل أن النشاط أو العمل الذي يؤديه المتدخل مشروع بذاته إلى أن ارتباطه بسلوك الفاعل الأصلي جعله غير مشروع، وموجب للتجريم والعقاب، وذلك إذا جاء بإحدى الصور التي حددها القانون الأردني، فما هي صور المساعدة التي يقدمها المتدخل في الجريمة سواءً كانت جناية أو جُنحة.
صور التدخل في الجريمة
إن التدخل في الجريمة يأتي على عدة صور منها ما يتم بوسائل مادية أو معنوية، ومنها ما يكون سابقاً لوقوع الجريمة أو معاصراً لها أو متمماً لها، وصور التدخل هي:-
1_ تقديم إرشادات للفاعل الأصلي تساعد على وقوع الجريمة،
2_ إعطاء الفاعل الأصلي سلاح أو أدوات أو أي شيء آخر مما يساعد على إيقاع الجريمة.
3_ التواجد في المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة بهدف إرهاب المقاومين أو تقوية تصميم الفاعل الأصلي أو ضمان ارتكاب الجريمة المقصودة.
4_ مساعدة الفاعل الأصلي على الأفعال التي هيأت الجريمة أو سهلتها أو أتمت ارتكابها.
5_ الاتفاق مع الفاعل أو المتدخلين قبل ارتكاب الجريمة والمساهمة في إخفاء معالمها أو تخبئه أو تصريف الأشياء الحاصلة بارتكابها جميعها أو بعضها أو إخفاء شخص أو أكثر من الذين اشتركوا فيها عن وجه العدالة.
6_ من كان عالماً بسيرة الأشرار الجنائية الذين دأبهم قطع الطرق وارتكاب أعمال العنف ضد أمن الدولة أو السلامة العامة، أو ضد الأشخاص أو الممتلكات وقدم لهم طعاماً أو مأوى أو مكاناً للاجتماع.
سنداً لنص المادة (80 /2) من قانون العقوبات الأردني.
هل هناك صور أخرى للتدخل في الجريمة؟
إن صور أو وسائل التدخل جاءت على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال، في المادة (80/ 2) من قانون العقوبات الأردني، وعليه فلا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها.
متى تكون صور التدخل جريمة مستقلة ولا تعتبر تدخلاً في الجريمة؟
في حالتين: – أولاً في حال إخفاء المجرمين أو الأشياء المتحصلة من الجريمة، تعتبر جريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية، إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق على إخفاء الأشخاص أو الأشياء فتكون مساهمة تبعية، وتكون صورة من صور التدخل في الجريمة، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز الخمسين ديناراً، سنداً لنص المادة (83) من قانون العقوبات الأردني.
ثانياً في حال إخفاء شخص يعرف أنه اقترف جناية أو ساعده على التواري عن وجه العدالة، ويعاقب بالحبس مُدة لا تزيد على سنتين، ويعفى من العقوبة أصول الجناة المُخبئين وفروعهم وأزواجهم وزوجاتهم وأشقاؤهم وشقيقاتهم، سنداً لنص المادة (84/ 2) من قانون العقوبات الأردني
هل يعد المتدخل شريكاً في الجريمة؟
الاشتراك في الجريمة يختلف عن التدخل بها وذلك ما نصت عليه النصوص القانونية في قانون العقوبات الأردني، فالمشترك في الجريمة هو من يساهم في أحد الأعمال المادية التي تنفذ الجريمة أما المتدخل فليس له دور في تنفيذ الجريمة وإنما يقتصر دوره على تقديم المساعدة أو لتقوية التصميم لدى الفاعل، فإذا تجاوزت أفعاله صور التدخل سابقة الذكر أصبح شريكاً في الجريمة.
أهمية التمييز بين المتدخل والمشترك في الجريمة
تكمن أهمية التمييز بين المتدخل والمشترك في الجريمة من حيث التمييز في العقوبة، فالمشترك في ارتكاب الجريمة يعاقب على فعل الاشتراك فهو مساهم أصلي في الجريمة، وقد تكون عقوبته كما لو كان فاعلاً مستقلاً في الجريمة، بينما المتدخل هو مساهم تبعي لا يعاقب إلا في حال توافرت العنصر القانونية لتجريمه، والتي سنأتي على ذكرها في هذا المقال.
أركان جريمة التدخل
الركن القانوني: – هو أن الصفة غير المشروعة التي يستمدها فعل المتدخل عند ارتباطه بفعل الفاعل شريطة أن يتم بإحدى الصور التي حددها القانون.
الركن المادي: – والمتمثل بعناصره الثلاث.
1_ السلوك وهو إتيان المتدخل فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة (80) من قانون العقوبات الأردني والتي تمثل صور التدخل في الجريمة.
2_ النتيجة الجرمية: وهي ارتكاب الجاني للجريمة بناءً على وسيلة التدخل.
3_ علاقة السببية: – وهي مدى ارتباط فعل المتدخل بالنشاط الجرمي للفاعل الأصلي، وهل كان من الممكن حدوث الجريمة في نفس الزمان والمكان والظروف دون فعل المتدخل؟
الركن المعنوي: – وهو القصد الجرمي، المتمثل بالعلم والإرادة، أي مدى علم المتدخل وإرادته في المساهمة في الجرمية وتحقيق النتيجة الجرمية، أي أن تتجه نيته إلى المساعدة على ارتكاب الجريمة وليس نية ارتكابها.
متى يعاقب المتدخل؟
يعاقب المتدخل في حال توافرت به العناصر القانونية للتجريم، وهي أن يكون فعل الفاعل مجرم، وأن عالماً بالنتيجة النيء يؤديها الفعل، وأن يكون قاصداً المساعدة بغرض تحقيق تلك النتيجة، ولا يعد فعله عنصراً من عناصر الجريمة المادية إلا أنه يستحق العقاب عنه للغاية الجرمية التي يرمي إليها، فالمتدخل يستمد إجرامه من إجرام الفاعل، إذا لا عقاب على تدخل في جريمة لم يبدأ تنفيذها على الأقل، أو أن فعل الفاعل غير مجرم ويعد من أفعال الإباحة، كمن يقدم عصا للأب لتأديب أبنه، أو من يساعد شخص في حالة الدفاع الشرعي.
عقوبة المتدخل في الجريمة
تختلف عقوبة المتدخل باختلاف عقوبة الفاعل الأصلي عن الجرم المرتكب، فإذا كانت عقوبة الفاعل الأصلي هي الإعدام، فيعاقب المتدخل بالأشغال المؤبدة أو بالأشغال من عشرين سنة إلى خمس وعشرين سنة، ويعاقب بالعقوبة ذاتها إذا كانت عقوبة الفاعل الأشغال المؤبدة أو الاعتقال المؤبد ، أما إذا كانت عقوبة الفاعل دون ذلك ، فيعاقب المتدخل بعقوبة الفاعل بعد أن تُخفض العقوبة من السدس إلى الثلث، سنداً لنص المادة (81) من قانون العقوبات الأردني، وعليه فإن عقوبة الفاعل أشد من عقوبة المتدخل.
هل يعاقب القانون الأردني على التدخل في ارتكاب مخالفة؟
إن الجرائم أنواع، جنايات، جنح، مخالفات، يعاقب على التدخل في الجنايات والجنح، ولا يعاقب على التدخل في ارتكاب المخالفات.
هل يستفيد المتدخل من الأعذار الشخصية المعفية من العقاب أو المخففة له في حال توافرها في أحد الفاعلين الأصلين أو المشتركين في الجريمة؟
إن الأعذار الشخصية المعفية من العقاب أو المخففة له لا يستفيد منها إلا من تعلقت به، فهي شخصية ولا يتعدى أثرها الشخص الذي توافرت فيه، وعليه لا يستفيد المتدخل من الأعذار الشخصية المعفية أو المخففة للعقوبة إلا إذا توافرت به شخصياً.
مدى مسؤولية المتدخل عن توافر الظروف المادية
إن الظروف المادية المشددة للعقوبة في حال توافرت في الجريمة، فإن أثرها يسري على المتدخل في الجريمة حتى ولو لم يعلم بها، كالتسلق والتكسير في جريمة السرقة، فتشدد العقوبة بحقه لوجود ظرف مشدد، فالمتدخل لا يسأل عن نشاطه وإنما عن الجريمة التي ارتكبها الفاعل وساعده عليها فعله، فلا قيمة لنشاط المتدخل في جميع صوره إلا إذا ارتبط بهذه الجريمة.
هل يسأل المتدخل عن ارتكاب جريمة مختلفة؟
المقصود هنا أن المتدخل قد يرتكب أحد صور التدخل التي تساعد الفاعل الأصلي على ارتكاب جريمته، فيقوم الفاعل بارتكاب جريمة مختلفة، فمثلاً قد يكون نشاط المتدخل هو تقديم إرشادات للفاعل عن كيفية فتح خزنة لسرقة النقود، فيقوم الفاعل باغتصاب خادمة المنزل بدل من السرقة، فهنا يسأل الفاعل وحده عن الجريمة، فالجريمة المختلفة هي الجريمة التي لم تكن محلاً للمتدخل بالإرشادات
هل يسأل المتدخل عن جريمة الشروع؟
إن الشروع هو البدء في تنفيذ النشاط الجرمي وهو معاقب عليه، وعليه إذا ساهم المتدخل مع الفاعل الجريمة، إلا أن النتيجة الجرمية لم تتحقق لسبب خارج عن إرادة الفاعل، فإن المسؤولية الجنائية تقوم بحق كل من الفاعل والمتدخل، وذلك لأن فعل الفاعل مجرم وهو الشروع ومعاقب عليه، الشروع المعاقب عليه بالتدخل هو الشروع في الجنايات والوارد بنص خاص، أما الجنح لا شروع فيها وبالتالي لا عقوبة على المتدخل في جريمة شروع بجناية.
النصوص القانونية المتعلقة بجريمة التدخل:
نص قانون العقوبات في المادة 80 منه على ما يلي:
يعد متدخلاً في جناية أو جنحة:
أ- من ساعد على وقوع جرمية بإرشاداته الخادمة لوقوعها.
ب- من أعطى الفاعل سلاحاً أو أدوات أو أي شيء آخر مما يساعد على
إيقاع الجرمية.
ج- من كان موجوداً في المكان الذي ارتكب فيه الجرم بقصد إرهاب المقاومين أو تقوية تصميم الفاعل الأصلي أو ضمان ارتكاب الجُرم المقصود.
د- من ساعد الفاعل على الأفعال التي هيأت الجريمة أو سهلتها أو أتمت ارتكابها.
ه- من كان متفقاً مع الفاعل أو المتدخلين قبل ارتكاب الجريمة وساهم في إخفاء معالمها أو تخبئه أو تصريف الأشياء الحاصلة بارتكابها جميعها، أو بعضها، أو إخفاء شخص ،أو أكثر من الذين اشتركوا عن وجه العدالة.
و- من كان عالماً بسيرة الأشرار الجنائية الذين دأبهم قطع الطرق وارتكاب أعمال العنف ضد أمن الدولة، أو السلامة العامة، أو ضد الأشخاص ،أو الممتلكات وقدم لهم طعاماً، أو مأوى أو مختبئاً أو مكاناً للاجتماع.
المادة 81:
” يعاقب المحرض أو المتدخل:
- أ. الأشغال المؤبدة أو بالأشغال من 20 سنة إلى 25 سنة إذا كانت عقوبة الفاعل الإعدام.
ب. بالعقوبة ذاتها إذا كانت عقوبة الفاعل الأشغال المؤبدة أو الاعتقال المؤبد.
- في الحالات الأخرى، يعاقب المحرض والمتدخل بعقوبة الفاعل بعد أن تخفض العقوبة من السدس إلى الثلث.
المادة82:
” التحريض على ارتكاب مخالفة والتدخل فيها لا يستلزم العقاب”.
المادة 83:
” فيما خلا الحالة المنصوص عليها في الفقرة ه من المادة 80 من هذا القانون من أقدم وهو عالم بالأمر على إخفاء الأشياء الداخلة في ملكية الغير التي نزعت أو اختلست أو حصل عليها بارتكاب جناية أو جنحة عوقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز الخمسين دينار.”
المادة 84:
” 1. فيما خلا الحالات المنصوص عليها في الفقرتين (ه )و (و) من المادة 80 من أقدم على إخفاء شخص يعرف أنه اقترف جناية أو ساعده على التواري عن وجه العدالة عوقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين.
2.يعفى من العقوبة أصول الجناة المخبئين وفروعهم وأزواجهم وزوجاتهم وأشقائهم وشقيقاتهم.”
اجتهادات محكمة التمييز حول جريمة التدخل:
مبدأ قانوني: – من صور التدخل التواجد في المكان الذي ارتكب فيه الجرم بقصد ضمان ارتكاب الجرم والمساعدة على إتمام الجريمة وتصريف الأشياء الحاصلة منها.
الحكم رقم 2310 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية
قام المتهم (س) بمرافقة المتهم (ص) ونقله بواسطة البكب العائد له ومساعدته في نقل صندوق الكاش المسروق بواسطة المركبة التي بحوزته وغادر المكان باتجاه المنطقة الحرفية وتقاسما المبلغ فيما بينهما وعليه جرت الملاحقة وتكونت هذه الدعوى.
كما وجدت المحكمة بأن ما قام به المتهم (س) من فعل المتمثل بالتواجد في المكان الذي ارتكبت فيه جرم السرقة من قبل المتهم (ص) بقصد ضمان ارتكاب الجرم المقصود وساعد وسهل إتمام الجريمة والفرار بالمسروقات وذلك من خلال نقل المتهم (ص) لمكان السرقة بواسطة بكب وانتظاره خارج المحل لحين ارتكاب فعل السرقة وأخذ الكاش موضوع الدعوى من محل المشتكي والفرار من المكان بواسطة البكب الذي يقوده وهذا ثابت للمحكمة من خلال اعتراف المتهم (س) لدى المدعي العام.
وعليه فإن الأفعال المرتكبة من قبل المتهم (س) تشكل من جانبه كافة أركان وعناصر جناية التدخل بالسرقة خلافاً لأحكام المادتين (404 /1 و80 ) من قانون العقوبات وليس كما ذهبت إليه النيابة العامة وحيث إن المحكمة صاحبة الصلاحية بإسباغ الوصف الجرمي الصحيح على الأفعال المرتكبة والثابتة للمحكمة وفقاً لأحكام المادة (234) من قانون أصول المحاكمات الجزائية مما يترتب وهذه الحالة تعديل الوصف الجرمي للمتهم (س) من جناية السرقة خلافاً لأحكام المادتين (404/1 و76 ) من قانون العقوبات إلى جناية التدخل بالسرقة خلافاً لأحكام المادتين (404 /1 و80 ) من قانون العقوبات ويستوجب مساءلتهم جزائياً عن هذا الفعل .