عقد الاستصناع
يحظى عقد الاستصناع بأهمية بالغة في الحياة العملية، نظرًا للدور المهم الذي يضطلع به في مجال الصناعة والاستثمار والإنشاءات ، فقد تنوعت مجالاته في الحياة المعاصرة، كما أن تطبيقاته تتعدد فهناك الاستصناع العقاري، والاستصناع الصناعي، وأضحى حتى يشمل الصناعات البتروكيماوية، وكذلك مشاريع البنية التحتية، بالإضافة إلى صكوك الاستصناع.
والقانون الوضعي لم يول عقد الاستصناع أهمية كبرى ولم يفرده بالاهتمام، بل جعله يدخل ضمن عقد المقاولة، والقانون المدني المصري الجديد اهتم بعقد الاستصناع، والقانون المدني المصري القديم كان يطلق اسم ” إيجار أهل الصنائع أو عقد الاستصناع ” على عقد الاستصناع، وتطورت هذه التسمية لتصبح الآن عقد المقاولة.
جدول المحتويات
الصور التطبيقية لعقد الاستصناع
تعريف عقد الاستصناع :
عرف القانون المدني المصري الجديد عقد الاستصناع بأنه : ” عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئًا أو أن يؤدي عملًا لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر، ويجوز أن يقتصر المقاول على التعهد بتقديم عمله على أن يقدم رب العمل المادة التي يستخدمها أو يستعين بها في القيام بعمله، كما يجوز أن يتعهد المقاول بتقديم المادة والعمل معًا “.
وقد جاء في المادة (780) من القانون المدني الأردني أن عقد المقاولة عبارة عن عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئًا، أو يؤدي عملًا لقاء بدل يتعهد به الطرف الآخر.
وفيما يتعلق بتمييز عقد الاستصناع عن عقد العمل فقد جاء في الحكم رقم 4149 لسنة 2017 لمحكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية ما يلي : ” وحيث إنه لم ترد أية بينة تؤكد على أن المميزة كانت تعمل تحت إشراف وإدارة المدعى عليها مما يجعلنا أمام عقد مقاولة المنصوص عليها في المادة (780) من القانون المدني والتي ورد فيها تعريف عقد المقاولة (أنه عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء بدل يتعهد به الطرف الآخر(“.
الاستصناع والمصانعة والمقاولة
لا فرق بين المقاولة والاستصناع والمصانعة ، فكلها عبارات مصطلحات لذات الغرض ، والاستصناع والمصانعة مترادفتين لا أكثر ، والمقاولة والمصانعة أيضا هما تسمية لنفس الشيء ، وان غلب في الواقع العملي استخدام مصطلحي الاستصناع والمصانعة للعقد الذي يكون محلة صنع شيء من خلال عملية تتطلب مواد وجهود مثل مصانعة المقاولات الإنشائية يقال عنها مصانعة اذا اتفق على ان يقوم المقاول بصنع هيكل عظم للبناء مقابل ثمن معين ، و لكن الأحكام القانونية واحدة و المصطلحات متعددة.
أركان وشروط عقد الاستصناع :
يتكون الاستصناع من ركنين وهما المحل والتراضي :
المحل :
فيما يتعلق بالمحل في عقد الاستصناع فهو مزدوج وينقسم إلى قسمين، القسم الأول منه هو العمل بالنسبة إلى المقاول أما القسم الثاني فهو الأجر الذي يتعهد رب العمل بدفعه للمقاول مقابل ما يقدمه المقاول من أعمال :
وطبقًا للقواعد العامة فمن الشروط الواجب توافرها في العمل أن يكون العمل ممكنًا لأنه لا التزام بمستحيل، كما يجب أن يكون العمل معينًا أو قابلًا للتعيين ويكون التعيين بذكر طبيعة العمل وأوصافه تبيينًا كافيًا لا يدخل من خلاله لبس أو غموض، وفي حال لم يكن العمل معينًا فوجب أن يكون قابلًا للتعيين.
ويتعين أيضًا أن يكون العمل مشروعًا فإن كان مخالفًا للقانون أو مخلًا بالآداب العامة كان الاستصناع باطل.
وفيما يتعلق بالأجر فهو محل التزام رب العمل والشروط الواجب توفرها في الأجر كركن من أركان الاستصناع هي نفس شروط العمل فيجب أن يكون الأجر مشروعًا كما يجب أن يكون الأجر موجود، بيد أنه لا يشترط ذكره أو تحديده من طرف المتعاقدان.
ولكن في حال أن تم إتمام عمل ليس من المعتاد اجرءه بدون مقابل، أو كان العمل داخلًا من مهنة من يقوم به، أو إذا كان العمل تجاريًا أو قام في أثناء ممارسته التجارة، فحينها يشترط تقدير الأجر أو البدل، وفي حال لم يحددا المتعاقدين الأجر يقع تحديده عن طريق القانون وذلك بالعودة في عملية تحديده إلى نفقات المقاول وقيمة العمل.
التراضي :
التراضي هو الركن الثاني من أركان عقد الاستصناع وشروط التراضي تنقسم إلى قسمين، أولها شروط الانعقاد في التراضي وثانيها شروط الصحة في التراضي.
فيتعين لانعقاد عقد الاستصناع أن يتوافق الإيجاب والقبول على عناصرها فيتم التراضي بين رب العمل والمقاول على ماهية العقد والعمل الذي يؤديه المقاول لرب العمل والأجر الذي يتقاضاه منه، كما نصت على ذلك المادة (646) من القانون المدني المصري.
وشروط الصحة في عقد الاستصناع هي نفس شروط الصحة في أي عقد من العقود الأخرى، وشروط الصحة تتضمن أهلية رب العمل والمقاول وعيوب الرضا.
ويتعين أن يكون رب العمل بالغًا غير محكوم عليه باستمرار الولاية عليه، إذ أن القاصر أو المحجوز لسفه لا يكون أهلًا لإبرام عقد الاستصناع إلا إذا كانت الاستصناع من أعمال الإدارة، ويجب أن تتوفر في المقاول أهلية التصرف بأن يكون بالغًا رشيدًا، فإن كان قاصرًا أو محجورًا على أعماله لم يجز له أن يبرم عقد الاستصناع فإذا أبرمه يُبطل لمصلحته، وإذا صدر التراضي من ناقص للأهلية أو كان معيبًا كانت الاستصناع قابل للإبطال وذلك لمصلحة رب العمل أو المقاول.
آثار عقد الاستصناع :
وسنتناول في الآثار التزامات المقاول والتزامات صاحب العمل وذلك ما سيلي :
التزامات المقاول :
يقع على عاتق المقاول عدة التزامات بمقتضى العقد، وهذه الالتزامات تقتضيها المصلحة ورفع الضرر، والقانون المدني الأردني قد نص على التزامات المقاول في المواد (783- 791) ويتضح من تلك المواد أن المقاول يلتزم نحو صاحب العمل بثلاثة التزامات :
إنجاز العمل المعهود به اليه، بموجب عقد الاستصناع :
وهو الالتزام الرئيسي الذي يتعين على المقاول القيام به، وهو ينطوي على واجبات يتعين على المقاول القيام بها، فإذا أخل بهذه الواجبات تحمل الجزاء الذي يرتبه القانون على هذا الإخلال.
تسليم العمل بعد إنجازه :
طبيعة عقد الاستصناع وخصائصه تقتضي أن يتم التسليم بعد الإنجاز مباشرة، وذلك لكونه من عقود المعاوضات المالية وقد ألزم المشرع الأردني المتعاقدين في عقود المعاوضات التي ترد على المنافع والأعيان الالتزام بالتسليم.
ضمان العمل بعد تسليمه :
المشرع الأردني قرر في المادة (786) من القانون المدني الأردني، إلزام المقاول ما يتولد عن فعله وصنعه من ضرر أو خسارة سواء أكانت بتعديه أو تقصيره أم لا، وينتفى الضمان إذا نتج عن حادث لم يمكن التحرز منه، مما يُفهم منه أن يد المقاول هي يد ضمان إلا إذا حدث الضرر أو الخسارة لسبب قاهر أو لظرف طارئ، لا يد للمقاول في حدوثه ولا سبيل له لدفعه.
التزامات صاحب العمل :
يقع على صاحب العمل التزامين الأول التزام بتسلم نتيجة العمل، والثاني التزام بدفع البدل.
التزام بتسلم نتيجة العمل :
يلتزم صاحب العمل بتسلم العمل بعد إنجازه من المقاول، إذا وضعه المقاول تحت تصرفه، فإذا امتنع صاحب العمل رغم دعوته إلى ذلك بإنذار رسمي، ولم يكن لرفضه سببًا مشروعًا كأن يكون العمل معيبًا اعتبر متعديًا ويكون العمل في حكم المسلم إليه.
دفع البدل :
يقع على صاحب العمل التزام بدفع الأجرة عند تسلم المعقود عليه إلا إذا نص الاتفاق أو جاء العرف بغير ذلك.
فيجب على صاحب العمل الالتزام بدفع البدل، والوفاء بهذا الالتزام، إما حسب الاتفاق في عقد الاستصناع ، وفي حالة عدم النص عليه في عقد الاستصناع فيتم الرجوع للعرف، وفي حالة عدم الاتفاق أو وجود عرف، فيتعين تسليم البدل عند تسلم المعقود عليه.
الصور التطبيقية لعقد الاستصناع :
يُعتبر عقد الاستصناع من العقود التي ترد على العمل، ونتيجة لتنوع الأعمال في عقد الاستصناع، فقد اشتمل عقد الاستصناع على عدة عقود اشتملت على حقيقة عقد الاستصناع وجوهرة وإطاره العام، بيد أنها تميزت فيما بينها بنوع العمل، وهذه العقود لم يتعرض ها القانون المدني، مكتفيًا بالقواعد العامة التي تنظمها والتي أوردتها في عقد الاستصناع، وتاركًا التفصيل في بعضها إلى القوانين الخاصة كالقانون التجاري والقانون الإداري، وسنتطرق لأهم هذه العقود فيما يلي :
عقد الاستصناع :
يعرف عقد المقاولة أو عقد الاستصناع بأنه : ” عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئًا أو أن يؤدي عملًا لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر، ويجوز أن يقتصر المقاول على التعهد بتقديم عمله على أن يقدم رب العمل المادة التي يستخدمها أو يستعين بها في القيام بعمله، كما يجوز أن يتعهد المقاول بتقديم المادة والعمل معًا “. العقود المسماة هي عقود كثيرة التداول في الحياة العملية، فكانت لها أسمائها الخاصة، كالبيع والشركة والإيجار والهبة والوكالة والمقاولة، والعقد النموذجي ويسمى أيضا العقد المعياري عبارة عن مسودة لعقد معد من قبل أشخاص محترفين ومعتمدين تستخدم للتعاقد بها ، ولا بد من التمييز بين عقد العمل و عقد المقاولة ، في هذا الموضوع سنقوم بعرض نموذج عقد مقاولة.
عقد النقل :
عرف التقنين التجاري الأردني عقد النقل في المادة (68) والتي جاء فيها بقصد النقل العقد المتبادل الذي يكون الغرض الأساسي منه تأمين انتقال شخص أو شيء من موضع إلى آخر.
ويُعتبر عقد النقل من عقود الاستصناع المهمة، بيد أن التقنين الأردني لم يتطرق إليه، ولكن التقنين التجاري الأردني قد أفرد بابًا خاصًا به، ومن المعروف أن القانون التجاري الأردني يكون مستقلًا عن القانون المدني، ويشمل مجموع القواعد القانونية التي تنطبق على الأعمال التجارية والتجار.
ومن ثم يُعتبر بهذا الوجه أضيق نطاقًا من القانون المدني الذي يضم القواعد العامة التي تحكم العلاقات ما بين الأشخاص بغض النظر عن طبيعة المهن أو أنواع المعاملات التي يقومون بها.
عقد النشر :
عقد النشر هو عقد يتعهد بموجبه الناشر بطبع، أو توزيع المنتج الأدبي ،أو الفني، أو العلمي بغرض بيعه، لقاء بدل يتعهد به المؤلف وذلك خلال مدة معينة.
ويُعتبر عقد النشر من العقود الهامة ذائعة الانتشار حول العالم وذلك لارتباطه بالتقدم التكنولوجي والعلمي في حياة الشعوب والأمم.
ونجد أن كل من التقنين المدني الأردني وكذلك التقنين التجاري الأردني لم يتعرضا لعقد النشر، مع أن مشروع النشر من المشاريع التجارية، وهذا ما قررته الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون التجاري الأردني، والتي تنص ” تعد الأعمال التالية بحكم ماهيتها الذاتية أعمالًا تجارية ” وذكر منها التزام الطبع.
ورغم ذلك نلاحظ أن القانون التجاري لم يبحث أحكام عقد النشر بقواعد قانونية محددة كما فعل بالنسبة لعقد النقل، لأن هذا العقد من المستجدات، بيد أنه يُمكن أن يُنظم وفق القواعد العامة والخاصة الواردة في القانون المدني الأردني والتي تشمل بأحكامها هذا العقد.
عقد الإعلان :
عقد الإعلان هو عبارة عن عقد يتعهد بموجبه الناشر بأن يقوم بنشر أمر معين، جائز شرعًا في وسيلة معينة، لقاء بدل يتعهد به صاحب الإعلان وخلال مدة معينة.
وعقد الإعلان من العقود التجارية التي ظهرت بسبب تشابك الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والغرض من الإعلان قد يكون اقتصاديًا يهدف التاجر من ورائه للترويج لسلعة أو خدمة معينة، وقد يكون الغرض من الإعلان التجاري اجتماعيًا يهدف من ورائه المعلن إلى تعريف الجمهور بأمر مهم في حياته، ومن ثم أصبح الإعلان التجاري من أهم عناصر الحياة الاقتصادية في عصرنا الحالي.
عقد التوريد :
عقد التوريد له عديد التعريفات منها تعريف الفقيه السنهوري بأنه : عقد يلتزم به أحد المتعاقدين أن يورد للمتعاقد الآخر شيئًا معينًا، يتكرر مدة من الزمن.
وعرفه آخرون بأنه : عقد يلتزم به أحد طرفيه بتقديم أشياء معينة بصفة دورية أو مستمرة، لقاء بدل يلتزم به الطرف الآخر.
وعقد التوريد هو عقد جديد لم يرد مع العقود المسماة في القانون المدني الأردني، وقد ورد ذكره في القانون التجاري الأردني في المادة (6/1)، ومع هذا لم يفصل القانون التجاري القول في هذا العقد مع أهميته وكثرة وقوعه وحاجة الناس إليه في هذا العصر، وفي مثل هذه الحال فإنه يرجع إلى الأحكام العامة في القانون والفقه، إضافة إلى فروع الفقه الإسلامي، لأنه المصدر الأصيل، والمصدر التفسيري للقانون المدني الأردني.