التعويض عن الضرر المادي في المسؤولية التقصيرية
في هذا المقال سنفصل في التعويض عن الضرر المادي في المسؤولية التقصيرية وكذلك تعريف الضرر المادي وصور الضرر المادي وأيضا شروط الضرر المادي الموجب للتعويض وسنبين مدى التعويض عن الضرر المحتمل والضرر المرتد ، وما يتعلق بذلك من أحكام قانونية.
مقدمة
إن للمسئولية التقصيرية – أو ما يُطلق عليها الفعل الضار في القانون الاردني – عناصر ثلاث لا تتحقق بدونهم وهم الخطأ والضرر وعلاقة السببية، فإذا اكتملت تلك العناصر تحقق البنيان القانوني للمسئولية التقصيرية مما يترتب عليه استحقاق التعويض لمن لحقه ضرر، وهذا التعويض قد يكون ماديًا وقد يكون أدبيا، والضرر المادي هو ما يتعلق بمصلحة مالية تم الاعتداء عليها نتيجة لخطأ تم ارتكابه مع ضرورة أن تكون تلك المصلحة مشروعة أي أن القانون يضفي حمايته عليها.
ومن الجدير بالذكر ان هناك تباين بين التشريعات في الأساس الذي تبني عليه المسئولية حيث قد يؤثر التشريع بناء المسئولية على أساس الضرر وهنا تسمي بالمسئولية الموضوعية إذ انهها تتحقق دون اشتراط توافر خطأ فيكفي فقط من المضرور إقامة الدليل عما أصابه من ضرر، وهناك تشريعات أخرى تشترط حدوث خطأ – فضلا عن اشتراط الضرر – لإمكان المسائلة القانونية والمطالبة بالتعويض وهنا تسمى بالمسئولية الشخصية.
أما المشرع الأردني فقد اتبع نهج الفقه الإسلامي حيث أقام التعويض عن الضرر المادي في المسؤولية التقصيري على أساس الضرر حتى ولو صدر من شخص غير مميز وفي هذا ينص القانون المدني الأردني في المادة (256) على ان كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو كان غير مميز بضمان الضرر.
وذلك على عكس ما انتهجه التشريع المصري في التعويض عن الضرر المادي في المسؤولية التقصيرية الذي اشترط – كقاعدة عامة – توافر الخطأ الذي ترتب عليه الضرر حتى يُمكن المطالبة بالتعويض، مما يترتب عليه عدم إمكانية مطالبة الشخص غير المميز بالتعويض إذ أنه لا يُمكن أن يسند اليه ارتكاب ثمة خطأ.
ويلاحظ مما سبق أن التشريعات المختلفة قد اتفقت على ضرورة إحداث ضرر لإمكان المطالبة بالتعويض، والضرر يمكن تعريفه بأنه كل أذى يصاب به الشخص في ماله، أو جسده، أو عرضه، أو شرفه، أو عاطفته، فكما أشرنا أنفا أن الضرر قد يكون مادي وقد يكون معنوي (أدبي).
وسوف نتناول في مقالنا تعريف الضرر المادي، وصوره، وشروط الضرر المادي الموجب للتعويض.
تعريف الضرر المادي :
هو ما يصيب الذمة المالية فيسبب لصاحبها خسارة مالية، وتشمل الأضرار التي تصيب الشخص في سلامة جسده وصحته.
ويُعتبر من قبيل الحقوق المادية كل مساس بحقوق الشخص المالية كحق الملكية وحق الانتفاع وحقوق المؤلف وحقوق الدائنين وحق الارتفاق وحقوق المؤلف والمخترع، ومن قبيل الضرر المادي أيضًا كل مساس بجسد الإنسان وصحته إذا كان يترتب عليه خسارة مالية، وكذلك الحقوق المتصلة بشخص الإنسان كالحرية الشخصية وحرية الرأي والعمل، وذلك إذا ترتب على أي انتقاص من أي حق من الحقوق السالفة خسارة مالية.
والأضرار المادية التي يُمكن تعويضها تتخذ صورًا عديده ومتنوعة، ومن بين هذه الصور ما جاء في الحكم رقم 496 لسنة 1992 لمحكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية أن انقطاع الإعالة بسبب طلاق تعسفي يشكل ضررًا يستوجب التعويض حيث نص الحكم على أنه : ” من المبادئ التي استقر عليها الاجتهاد ان الزوج المسيحي الذي يطلق زوجته المسيحية بعد اعتناقه الديانة الإسلامية ملزم بتعويضها عن الضرر الذي أصابها من جراء ذلك اذا كان ناتجا عن تعسف الزوج لان الزوجة المسيحية التي طلقت تكون قد حرمت بعد الطلاق من إعالة زوجها لها والأنفاق عليها ، باعتبار ان عقد الزواج بين المسيحيين يجعل رابطة زواج المسيحيين رابطة ابديه ، وهذا مستفاد من قواعد الأحوال الشخصية للطائفة المسيحية”.
صور الضرر المادي في المسئولية التقصيرية :
الضرر المادي الموجب للتعويض يتمثل في عنصرين ذكرا في المادة (266) من القانون المدني الأردني التي جاء فيها : ” يقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار “.
ونستشف مما سبق أن للضرر المادي صورتين :
الصورة الأولى : هي صورة الأضرار التي تنشأ عن الاعتداء على مال، ومن ذلك غصب شيء، أو إتلافه، أو إنقاص منفعته ،أو قيمته، كما أنه يشمل الحرمان من استعمال أو اكتساب حقًا ماليًا أو تكبد خسارة من منافسة غير مشروعة.
الصورة الثانية : هي صورة الأضرار المادية التي تنشأ عن الاعتداء على كيان الشخص المادي، ومن ذلك فقد المضرور للنفقة التي كان يحصل عليها ممن كانت تجب عليه نفقته أو ممن كان يقوم بإعالته بشكل مستقر وعلى نحو تكون معه فرصة استمرار الإعالة محققة، ومن ذلك أيضًا تكاليف علاج المصاب أو فقده لدخله المالي.
شروط الضرر المادي في المسئولية التقصيرية الموجب للتعويض:
الضرر المادي هو كل أذى يلحق بمال الشخص أو جسده فكل ما يصيب الشخص في كيانه المادي أو حقه المالي يعد ضرر مادي، ويشترط في هذا الضرر ما يلي من شروط :
الإخلال بحق أو بمصلحة مالية للمضرور :
ينشأ الضرر نتيجة الإخلال بأي مصلحة مادية يضفي عليها القانون الحماية القانونية سواء تمثل هذا الإخلال في التعدي علي حق الإنسان في الحياة أو التعدي علي حق الإنسان في سلامة جسده سواء ترتب على هذا التعدي إحداث عاهة مستديمة بالمعتدى عليه ام توقف الأمر عند حد الأذى البدني البسيط، فضلا عن التعدي علي حق الملكية سواء بالأتلاف الجزئي أو الكلي للمال محل الاعتداء بالإضافة الي الأفعال التي يترتب عليها خسارة مالية كأفعال المنافسة غير المشروعة والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية أو الأدبية أو الصناعية.
ولكن يشترط بجانب هذا الاعتداء أن يكون قد وقع على مصلحة يضفي المشرع عليها الحماية القانونية، فاذا انتفت تلك الحماية فلا مجال للحديث عن المطالبة بالتعويض فمن يتلف لأخر شحنة مواد مخدرة لا يتصور في هذه الحالة إمكان ان يطالب المضرور بالتعويض عما أصابه من إضرار لعدم شمول المال المعتدى عليه بالحماية القانونية.
أن يكون الضرر محققًا:
اشترط القانون المدني الأردني أن يكون الضرر محقق لإمكان المطالبة بالتعويض، والضرر المحقق يعني أن الضرر قد وقع بالفعل أو أنه سيقع بالمستقبل، ولكن من المتحتم وقوعه، أما الضرر المحتمل وقوعه فلا يصلح أساسًا للتعويض.
إذن فالضرر إما أن يكون حال أي أنه قد وقع بالفعل أو قد يكون مستقبلي متحتم وقوعه في المستقبل بغض النظر عن إمكانية تقديره، فالضرر المستقبل قد يكون من الممكن أن يتم تقديره في الحال وقد يتعذر تقديره لعدم اكتمال كافة عناصره ( كمن أصيب بجرح قطعي في ساقه دون أن يعلم هل سيخص للعلاج أم سيلجأ الأطباء إلى بتر الساق ), وفي هذه الحالة قد يحكم القاضي بتعويض مؤقت للمضرور وقد يؤجل الحكم بالتعويض لحين التمكن من تحديد مقدار الضرر .. وهذا ما تم تقريره بمقتضي المادة (268) من القانون المدني الاردني التي نصت على انه إذا لم يتيسر للمحكمة أن تعين مدى الضمان تعيينًا نهائيًا فلها أن تحتفظ للمتضرر بالحق في أن يُطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير.
والتعويض عن الضرر المادي قد يُحكم به في صورة دفعه واحدة أي مبلغ مالي يُدفع بكامله أو قد يمكن القاضي من تسبب في الضرر من أن يدفعه على أقساط دورية حيث تنص المادة (269/1) من القانون المدني الاردني على أنه يصح ان يكون الضمان مقسطا كما يصح ان يكون إيرادا مرتبًا ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأمينا تقدره المحكمة.
مدى جواز التعويض عن الضرر المحتمل:
الضرر المحتمل هو الضرر غير المؤكد وقوعه فلا يمكن أن يُعرف مسبقًا هل سيقع أم سيتخلف وقوعه ( وذلك كمن يحدث خللًا في منزل جاره مما يترتب عليه احتمال سقوط المنزل وهذا الضرر لا يعوض عنه الا إذا تأكد وقوعه في المستقبل أو وقع بالفعل ).
وتجدر الإشارة الى أن الضرر المحتمل يختلف عن تفويت الفرصة فالأخيرة وإن كانت أمر محتمل إلا أن تفويتها هو أمر متحقق بالحال لذلك فأنه يتم التعويض عن تفويت الفرصة، وذلك كمن يتسبب في تفويت فرصة التقديم في وظيفة مرموقة علي أحد الأشخاص, ولكن حتى يمكن التعويض عن تفويت الفرصة يجب أن نكون بصدد فرصة حقيقية مبنية على أسباب معقولة يستخلصها قاضي الموضوع, وعند التعويض عن تفويت الفرصة يجب مراعاة مدى احتمال الكسب الذي ضاع علي المضرور جراء الفعل الذي ترتب عليه تفويت الفرصة, فالتعويض هنا لا ينبغي أن يصل الى حد المكسب الذي كان يرجى اكتسابه، ولكن يجب أن يقل عنه بمقدار قوة رجحان الفرصة الفائتة.
وهذا ما قضت به محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية في العديد من قراراتها ومنها الحكم رقم 768 لسنة 1982 عندما قررت الآتي : ” أن المحامي الذي يفوت عن الموكل المدد القانونية المقررة في إجراءات التنفيذ يعتبر مقصرا في بذل العناية اللازمة في تنفيذ ما وكل به ويترتب علي المحامي مسؤولية الضمان فيما يساوي الضرر الواقع فعلا حين وقوعه بمفهوم المادة (363) من القانون المدني”.
يجب أن يكون الضرر شخصي:
فيشترط ان يكون الضرر قد أصاب شخص المضرور سواء كان شخص طبيعي أو شخص اعتباري، والضرر يبقى شخصيًا بالنسبة لمن أصيب به مرتدًا عن غيره.
الضرر الشخصي للشخص الطبيعي :
الضرر المادي الذي يصيب الشخص الطبيعي في جسده أو ماله ضررًا شخصيًا، وذلك بسبب أصابته لشخص المضرور ذاته، وبالتالي فإن هذا الشرط لا يُعتبر متحققًا بالنسبة لصديق، أو زميل، أو جار، أو قريب المضرور طالما لم يتأثروا هم شخصيًا بأن أصيبت ذمتهم المالية أو أصيبت أجسادهم.
الضرر الشخصي للشخص المعنوي :
من الوارد أن يصيب الشخص المعنوي ضرر مادي نتيجة الفعل الضار، وهو في ذلك شأنه شأن الشخص الطبيعي من حيث ضرورة كون الضرر شخصيًا بمعنى أنه أصابه ذاته بصفته شخصًا اعتباريًا، كأن يهدم مبنى المصنع بسبب الفعل الضار، فهذا الضرر شخصي بالنسبة له وبمعزل عن الأشخاص الطبيعيين الذين يديرونه أو يعملون فيه.
الضرر المرتد :
الضرر المرتد هو الضرر الذي يلحق بشخص نتيجة الأضرار بشخص آخر ( كالضرر الذي يلحق بالزوجة نتيجة لوفاة زوجها الذي كان يعد هو العائل الوحيد لها ) وهذا الضرر يعد ضرر شخصي يجوز ان يعوض عنه. ويختلف الضرر المرتد عن الضرر الاحتمالي
يجب أن يكون الضرر مباشر:
اشترطت المادة (266) من القانون المدني الأردني وجوب أن يكون الضرر نتيجة طبيعية للفعل الضار ومن ثم فإن الضرر غير المباشر لا يصلح أساسًا للمطالبة بالتعويض لانقطاع رابطة السببية بين الفعل والضرر.