تنفيذ قرار التحكيم الأجنبي

أساليب تنفيذ قرار التحكيم الأجنبي

يعد التحكيم في العصر الحالي من أهم الطرق والسبل التي يتم اللجوء إليها من قبل المتخاصمين لفض ما ينشب بينهم من منازعات، ويستوي في ذلك أن تكون تلك المنازعة هي منازعة داخلية أو منازعة تتسم بالطابع الدولي، ويعد النتاج الطبيعي والحتمي للمنازعة التحكيمية هو صدور حكم تحكيم أو كما يعرفه البعض قرار تحكيمي فاصل في موضوع المنازعة التحكيمية المطروحة على المحكم.

ولا تثور مشكلة متى كانت المنازعة التحكيمية هي منازعة داخلية بحيث يصدر فيها الحكم من هيئة تحكيم وطنية، حيث تكون عملية تنفيذ حكم التحكيم سهلة ويسيرة، لاسيما وأن تلك العملية تعد جوهر التحكيم والهدف الرئيسي من اللجوء إليه، ولكن المشكلة تثور متى كان حكم أو قرار التحكيم صادراً من جهة تحكيم أجنبية، وتكون هناك عوائق قد تحول دون تنفيذه بالمملكة، وهو ما يثير تساؤل هام يتعلق بكيفية تنفيذ أحكام وقرارات التحكيم الأجنبية، والذي ستكون إجابته هي المحور الرئيسي الذي يدور حوله هذا المقال.

 

أولاً: ما هو المقصود بقرار التحكيم الأجنبي؟

ثانياً: أساليب تنفيذ قرار التحكيم الأجنبي

ثالثاً: نماذج من أحكام القضاء الأردني ذات العلاقة

رابعاً: الخاتمة

 

أولاً: ما هو المقصود بقرار التحكيم الأجنبي؟

بداية وقبل أن نتعمق في الأساليب المتبعة في تنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية يجدر بنا أن نتعرض إلى بيان المقصود بقرارات التحكيم الأجنبية، وسيكون ذلك عبر التعريف بقرار التحكيم، وبيان حالات انطباق الصفة الأجنبية عليه.

1- التعريف بقرار (حكم) التحكيم

أخذت بعض التشريعات بمسمى حكم التحكيم بينما أخذ بعضها الآخر بمسمى قرار التحكيم، ويتميز المشرع الأردني بأنه قد استخدم كلا المسميان معاً، وإن كان المسمى الأكثر استخداماً هو حكم التحكيم، ولا يعد استخدامه لهذا المسمى إنكاراً لانطباق مسمى قرار التحكيم على حكم التحكيم، ولكنه يجد مبرره في رغبة المشرع في التمييز بين القرارات التي تصدر من المحكم أثناء نظر دعوى التحكيم وبين القرار النهائي الذي تنتهي به الدعوى فقط لا غير.

وعلى الرغم من الاهتمام الوطني والدولي الشديد بتنظيم التحكيم كنظام، ووضع القواعد والضوابط التي تخضع لها إجراءات الدعوى التحكيمية، إلا أن الغالبية العظمى من التشريعات الوطنية لم توجه ذات القدر من الاهتمام لوضع تعريف صريح لحكم التحكيم، حيث تركت تلك المهمة للفقه القانوني ليتولى مهمة وضع هذا التعريف.

وبالفعل تصدى الفقه القانوني لحكم التحكيم بالعديد من التعاريف، وهذه التعاريف وعلى الرغم من تعددها إلا أننا يمكن أن نحصرها في نطاق اتجاهين أساسيين، الاتجاه الأول هو اتجاه يوسع من نطاق التعريف بحكم التحكيم، والاتجاه الثاني هو اتجاه يضيق من نطاق هذا التعريف.

أما عن الاتجاه الذي يوسع من نطاق التعريف بحكم التحكيم فيندرج تحته العديد من التعاريف التي تتفق بشكل كبير على أن حكم التحكيم هو القرار الذي يصدره المحكم ليفصل بموجبه وبشكل قطعي في جزء أو كل المنازعة التحكيمية المطروحة عليه، سواء كان ذلك القرار صادراً في موضوع المنازعة أو في شأن الاختصاص أو في أي مسالة تتعلق بإجراءاتها التي تسببت في إنهاء المحكم للخصومة[1].

وقد وجهت العديد من الانتقادات لهذا الاتجاه، وكان أهم تلك الانتقادات ما وقع فيه هذا الاتجاه من خلط بين حكم التحكيم في ذاته من جهة وبين ما يتسم به الحكم من أوصاف وما يترتب عليه من آثار من جهة أخرى، وهو ما يمثل مغالطة كبيرة وخلط لا يقبله عقل أو منطق، لاسيما وأن كون حكم التحكيم نهائي وقطعي من عدمه يعد وصفاً له وليس تعريفاً، ولا يترتب على ذكرها التعريف بحكم التحكيم في جوهره الحقيقي.

وعلى صعيد آخر فقد ذهب أنصار الاتجاه الذي يضيق من نطاق تعريف حكم التحكيم إلى تعريفه بالعديد من التعاريف، وهذه التعاريف تمحورت حول التفرقة بين حكم أو قرار التحكيم وبين الحكم أو القرار التحضيري، بحيث يكون حكم التحكيم هو الحكم الذي ينهي المنازعة التحكيمية في مجملها أو في جزء منها، بينما لا يعد حكم تحكيم متى كان القرار الصادر من هيئة التحكيم لا يفصل في موضوع الدعوى كلياً أو جزئياً بل يعد من قبيل الأحكام التحضيرية، حتى وإن كانت تلك القرارات تفصل في مسائل تتصل بموضوع المنازعة لكونها لا تفصل في الموضوع ذاته.

وعلى جانب آخر فقد تصدت الاتفاقيات الدولية هي الأخرى للتعريف بحكم التحكيم، فعلى سبيل المثال لذلك نجد أن اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها والمبرمة في عام 1958 قد عرفت حكم التحكيم في مادتها رقم (1/2) على أنها (يقصد بأحكام التحكيم ليس فقط الأحكام الصادرة من محكمين معينين للفصل في حالات محددة، بل أيضاً الأحكام الصادرة من هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف).

ومن مجمل ما سبق سرده من اتجاهات في تعريف حكم التحكيم يمكننا أن ننتهي إلى أن حكم التحكيم في التعريف الصحيح له يقصد به اي قرار يتم إصداره من قبل هيئة التحكيم ويكون من شأنه الفصل في منازعة التحكيم المطروحة بصورة نهائية، بغض النظر عما إذا كان هذا القرار يفصل في كل الدعوى أو في جزء منها، أو كان قد صدر في موضوع المنازعة ذاته أو في مسألة تخص إجراءات الدعوى، طالما ترتب على هذا القرار إنهاء الخصومة.

2- الصفة الأجنبية لقرار (حكم) التحكيم

بعد أن أوضحنا تعريف قرار – حكم – التحكيم بوجه عام، فلم يتبقى لاكتمال ذلك التعريف أن نوضح الحالات التي تثبت فيها لقرار التحكيم الصفة الأجنبية، بحيث يعد قرار التحكيم فيها هو قرار تحكيم أجنبي.

ووفقاً لما جرى عليه العمل فقهاً وقانوناً فإن هناك معيارين أساسيين يتم استخدامهما في تحديد مدى انطباق الصفة الأجنبية على حكم التحكيم من عدمه، ويتمثل هذين المعيارين في المعيار المكاني والمعيار القانوني.

  • المعيار المكاني هو المعيار الذي يتخذ من مكان إصدار حكم التحكيم أساساً لتحديد ما إذا كان حكماً أجنبياً أم لا، بمعنى أنه يتم الرجوع إلى الدولة التي تم إصدار حكم التحكيم فيها، فيكون الحكم وطنياً متى كان تنفيذه سيتم في أراضي الدولة التي أصدرته، بينما يعد حكم التحكيم أجنبياً متى كان تنفيذه سيتم في دولة تختلف عن الدولة التي صدر الحكم فيها.

وجدير بالذكر أن هذا المعيار – المعيار المكاني – هو المعيار المعتمد من قبل المشرع الأردني، ونتبين ذلك من خلال ما نص عليه في المادة رقم (2) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم 8 لسنة 1952، والتي تضمنت أنه (تعني عبارة “الحكم الأجنبي” الواردة في هذا القانون كل حكم صدر من محكمة خارج المملكة الأردنية الهاشمية (بما في ذلك المحاكم الدينية) يتعلق في إجراءات حقوقية ويقضي بدفع مبلغ من المال أو الحكم بعين منقولة أو تصفية حساب، ويشمل قرار المحكمين في إجراءات التحكيم إذا كان ذلك القرار قد أصبح بحكم القانون المعمول به في البلد الذي جرى فيه التحكيم قابلاً للتنفيذ كقرار صدر من المحكمة في البلد المذكور).

  • المعيار القانوني وهو المعيار الذي يكسب حكم التحكيم جنسية الدولة التي كان قانونها هو القانون الذي تم تطبيقه على الإجراءات التي تمت في التحكيم وصدر على أساسها الحكم، بحيث يعد حكم التحكيم أجنبياً حتى وإن تم داخل أراضي الدولة المطلوب تنفيذه فيها متى كان القانون المطبق على إجراءات التحكيم التي صدر بناء عليها هذا الحكم هو قانون دولة أخرى، بينما يعد حكم التحكيم هو حكماً وطنياً حتى وإن تمت إجراءاته وصدوره على أراضي دولة أخرى متى كان القانون الذي تم إخضاع إجراءات التحكيم لأحكامه هو القانون الوطني للدولة المطلوب تنفيذه على أراضيها.

ثانياً: أساليب تنفيذ قرار التحكيم الأجنبي

لا تقتصر عملية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي على إجراء أو سبيل وحيد لذلك، بل تتعدد إجراءات وسبل ذلك ولكنها تختلف من قانون آخر ومن دولة إلى أخرى، فلكل دولة السبيل الخاص بها والذي ينظمه مشرعها في شأن كيفية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي على أراضي تلك الدولة، لذلك فسوف نوضح تلك السبل المعتمدة في تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي بوجه عام، متضمنين في سياق ذلك الإشارة إلى السبيل المعتمد لذلك في المملكة الأردنية الهاشمية.

1- أسلوب إقامة الدعوى الجديدة

أول أساليب تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية يتمثل فيما يعرف بأسلوب إقامة الدعوى الجديدة، وجوهر هذا الأسلوب هو عدم الاعتراف بأي حجية أو قوة قضائية لحكم التحكيم الأجنبي المراد تنفيذه، وهو ما يترتب عليه عدم قبول تنفيذه بصورة مباشرة، بل يلزم على من يريد تنفيذه أن يقيم دعوى قضائية جديدة أمام القضاء الوطني للدولة المنشود تنفيذ الحكم في أراضيها[2]، ويعد حكم التحكيم الأجنبي في تلك الدعوى بمثابة أحد أدلة الإثبات، وتنصب طلبات المدعي فيها على تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، ومتى صدر حكماً في هذه الدعوى الجديدة يكون هذا الحكم – وليس حكم التحكيم الأجنبي – هو الحكم الذي يقبل تنفيذه.

وفي الغالبية العظمى من الدعاوى التي تقام بشأن تنفيذ حكم تحكيم أجنبي فإن القاضي المعروض عليه الدعوى يقضي بقبولها، ويمنح طالب التنفيذ الأحقية في تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الذي أقام الدعوى من أجله، وذلك طالما لم تتحقق في حكم التحكيم الأجنبي أي حالة من الحالات التي نص عليها القانون ورتب على تحقق أياً منها رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، ويمكننا أن نحصر تلك الحالات في:

  • أن تكون هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم غير مختصة بإصداره، حيث يلزم أن تكون هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم قد تولت مهمتها تلك بموجب اتفاق تحكيم صحيح وخالي من ثمة عيب أو بطلان يشوبه، وأن تكون قد مارست مهمتها تلك في إطار الضوابط التي يحددها هذا الاتفاق، وإلا كان حكم التحكيم الصادر منها غير قابل للتنفيذ.
  • ان يكون الصادر ضده حكم التحكيم الأجنبي لم يتم تمكينه من الحضور أمام هيئة التحكيم أثناء سيرها في نظر الدعوى التحكيمية الصادر فيها الحكم، ولم يتمكن من إبداء دفاعه ودفوعه امامها، أو لم يتم إبلاغه بموعد جلسات تداول دعوى التحكيم أمامها بشكل قانوني صحيح.
  • ان يكون حكم التحكيم الأجنبي قد تم إصداره والتحصل عليه بشكل احتيالي أو بصورة تتسم بالغش.
  • الا يكون حكم التحكيم الأجنبي قد اكتسب الصفة القطعية، اي أن يكون موعد إقامة دعوى بطلان حكم التحكيم الأجنبي لا يزال سارياً.
  • أن يكون حكم التحكيم الأجنبي متضمناً لما يعد مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة في المملكة الأردنية الهاشمية، أو كان صادراً في دعوى لا تجيز الجهات القضائية في المملكة سماعها لكونها تخالف النظام العام أو الآداب العامة.
  • يجوز للمحكمة التي تنظر دعوى طلب تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي متى كان صادراً في دولة لا تجيز قوانينها تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في المملكة الأردنية الهاشمية، وهذا ما يعرف بمبدأ المعاملة بالمثل، حيث يجوز في تلك الحالة للمحكمة أن ترفض دعوى تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي حتى وإن كان مستوفياً لكافة شروط تنفيذه استناداً إلى مبدأ المعاملة بالمثل[3].

وهو ما يتبين معه أن المحكمة الوطنية المعروض عليها دعوى طلب تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي تقتصر في مهمتها على مراجعة حكم التحكيم الأجنبي من الناحية الشكلية دون التعرض إلى موضوعه الذي فصل فيه[4]، فإذا ما تبين عدم تحقق أياً من الحالات السابقة في حكم التحكيم الأجنبي فعندئذ تقضي المحكمة بقبول طلب التنفيذ، اما إذا ثبت لديها أن إحدى تلك الحالات قد تحققت فإنها تقضي برفض الطلب.

2- أسلوب الأمر بالتنفيذ

يعد هذا الأسلوب في تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية من أكثر الأساليب التي يتبعها مشرعي القانون في معظم الدول العربية، وقد قال الفقه القانوني في شأن التعريف بهذا الأسلوب أنه أمر يصدره القاضي صاحب الاختصاص القانوني وبمقتضاه يتم منح حكم التحكيم الأجنبي القوة التنفيذية، وهو ما يجعل هذا الأسلوب بمثابة المركز الأساسي لالتقاء القضاء العام مع القضاء الخاص.

ويتم تطبيق هذا الأسلوب بطريقتين مختلفتين وهما الأمر بالتنفيذ بطريق المراجعة والأمر بالتنفيذ بطريق المراقبة.

  • الأمر بالتنفيذ بطريق المراجعة تكون فيه مهمة القاضي المختص بنظر طلب تنفيذ الحكم الأجنبي هي مهمة مزدوجة، فهو من جهة يقوم بمراجعة الحكم من الناحية الشكلية ويتحقق من توافر الشروط الشكلية التي يلزم توافرها فيه، ومن جهة أخرى يقوم بمراجعته من حيث الموضوع[5]، حيث يقوم القاضي بمراجعة الحكم من حيث تقديره لوقائع النزاع ومدى صحة ذلك التقدير، وما إذا كان قد قام بتطبيق احكام القانون بصورة صحيحة من عدمه، بل حتى أنه قد ثار خلاف واسع حول سلطة القاضي في تعديل حكم التحكيم الأجنبي من عدمه، وذهب جانب من الفقه إلى منحه تلك السلطة وجعله قادراً على تعديل حكم التحكيم الأجنبي متى لزم الأمر.

وقد وجهت الكثير من الانتقادات لذلك الطريق من طرق الأمر بالتنفيذ، لاسيما وأنه يعد انتهاكاً صارخاً لجوهر عملية التحكيم وإهداراً لقيمة الحكم الصادر عنها، كما أنه يمس بشكل كبير بالحقوق التي تم اكتسابها بناء على ذلك الحكم التحكيمي، ويعيد نظر الدعوى التحكيمية موضوعياً من جديد.

  • الأمر بالتنفيذ بطريق المراجعة وفي ذلك الأسلوب يقوم القاضي الوطني المعروض عليه طلب تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي بالتحقق من توافر مجموعة من الشروط الشكلية في الحكم والتي تتمثل غالبيتها في التثبت من أن حكم التحكيم الأجنبي قد صدر بناء على إجراءات سليمة وصحيحة، فمهمته هنا تقتصر على مراقبة الجانب الشكلي لحكم التحكيم فقط دون المساس بموضوعه أو التطرق إليه، ولا يكون له الحق في تعديله بل يقتصر الأمر على إصدار الأمر بقبول الطلب وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي أو رفض الطلب فقط لاغير، وتتمثل أهم الجوانب الشكلية التي يرابها القاضي في حكم التحكيم الأجنبي في الجوانب التالية:
  • التيقن من توافر اتفاق تحكيم صحيح ومبرم بين أطراف كاملي الأهلية.
  • التحقق من أن موضوع المنازعة التحكيمية الصادر فيها حكم التحكيم الأجنبي يقبل الخضوع للتحكيم.
  • التاكد من قيام هيئة التحكيم بإجراءات التحكيم ضمن الاختصاص الممنوح لهم بموجب اتفاق التحكيم وأنهم لم يتعدوا نطاق هذا الاتفاق.
  • مراقبة مدى صدور الحكم في إطار المهلة المحددة وفقاً للقانون أو التي تم الاتفاق عليها باتفاق التحكيم.
  • مراقبة توافر الشروط الشكلية الإلزامية الواجب توافرها في حكم التحكيم بوجه عام.
  • مراقبة مدى مراعاة المحكمين لمبادئ التقاضي الرئيسية.
  • وجود أي مخالفة بحكم التحكيم للنظام العام أو الآداب العامة في دولة القاضي المعروض عليه طلب التنفيذ.

3- أسلوب التنفيذ المباشر

أما هذا الأسلوب في تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية فيستند بشكل رئيسي إلى عدم ثبوت اي أحقية للدولة المطلوب تنفيذ حكم التحكيم فيها لمراجعته ومراقبته سواء من حيث الشكل أو المضمون، بل يقتصر الأمر في ذلك على قبول تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي بشكل مباشر، حيث يتم التعامل معه كما لو كان حكماً وطنياً صادراً من محكمين وطنيين.

ولا يتحقق هذا الأسلوب إلا في ظل أحكام التحكيم الصادرة من مركز التحكيم الذي يتم تشكيله وفقاً لأحكام اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات الخاصة بالاستثمار والمبرمة في غضون عام 1965، وذلك بالنسبة للدول المشاركة في تلك الاتفاقية، حيث نصت في مادتها رقم (54/1) على أن (القرار يعتبر نهائياً وواجب التنفيذ وليس لمحاكم الدولة المراد فيها تنفيذه فحص موضوع النزاع وإنما تطبق تلك الدولة قانونها الخاص بتنفيذ القراركما أن الدولة الطرف لا تستطيع أن تتمسك بالحصانة القضائية أو بالحصانة التنفيذية بالنسبة للأحكام التي تنطوي على التزامات مالية).

وعلى أرض الواقع العملي يندر ان نجد دول تقوم بتطبيق هذا الأسلوب من أساليب تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، اللهم في حالة الدول التي تشارك في اتفاقيات تفرض عليها عدم مراجعة أو مراقبة أحكام التحكيم الأجنبية على ذات النسق الذي أشرنا إليه في اتفاقية واشنطن.

4- أسلوب تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الذي تعتمده المملكة الأردنية الهاشمية

على الرغم من أن المشرع الأردني لم ينص بشكل صريح لا في قانون التحكيم رقم 31 لسنة 2001 وتعديلاته ولا في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية على الأسلوب الذي يعتمده في تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، إلا ان الأحكام القضائية التي صدرت من القضاء الأردني قد أوضحت أن الأسلوب الذي يعتمده المشرع الأردني في ذلك هو أسلوب الأمر بالتنفيذ بطريق المراقبة، ويتبين لنا ذلك من أحد الأحكام التي نذكرها على سبيل المثال وليس الحصر وهو الحكم رقم 567 لسنة 2009 حقوق والذي قضت فيه محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية بجلسة 6/10/2009 أن (استقر اجتهاد محكمتنا على أن المحكمة التي يطلب إليها تصديق الحكم الأجنبي أو إكسائه صيغة التنفيذ لا تملك مناقشة موضوعه أو التعديل فيه وتنحصر مهمتها بمراقبة توفر شروط تنفيذه حسب أحكام قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم 8 لسنة 1952).

ثالثاً: نماذج من أحكام القضاء الأردني ذات العلاقة

1- حكم محكمة بداية حقوق عمان رقم 923 لسنة 2020 والصادر بجلسة 15/3/2020 والمتضمن أنه (أحكام المحكمين الصادرة داخل المملكة الأردنية الهاشمية أو تلك التي تصدر بالخارج ويطلب من محاكم المملكة الاعتراف بها وإكساءها الصبغة التنفيذية تخضع للرقابة القضائية من حيث مدى توافر شروط الاعتراف بها من عدمه ، ولذلك فإن أحكام التحكيم الأجنبية المراد تنفيذها في الأردن تنقسم الى مجموعتين تخضع كل منهما لنظام مختلف عن النظام الذي تخضع له الأخرى تبعاً لدخول حكم التحكيم المراد تنفيذه في أحدها: الأولى :تسري عليها القواعد الوارده في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية إذا كانت أحكام التحكيم الأجنبية لا تخضع لاتفاقية ثنائية او إقليمية او دولية. الثانية: تسري عليها القواعد الواردة في الاتفاقية الدولية او الإقليمية أو الثنائية إذا كانت شروط انطباقها عليها متوفرة) .

2- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 5958 لسنة 2019 والصادر بجلسة 31/12/2019 والمتضمن أنه (وحيث إن الحكم المطلوب تنفيذه قد اكتسب الدرجة القطعية كما هو وارد عن القرار المذكور ولم يتم استئنافه أو الطعن فيه وهو صادر عن محكمة ذات وظيفة واختصاص، وحيث إن المستدعي (المميز ضده) لبناني الجنسية وأن المستدعى ضده (المميز) هو أردني الجنسية وله محل إقامة معروف في المملكة، وأن المميز لم يتقدم بأي بينة تثبت بأن المميز ضده تحصل على هذا القرار بطريق الاحتيال، وأن الثابت بمنطوق الحكم المذكور موضوع الطلب ليس فيه ما يخالف النظام العام أو الآداب العامة في المملكة الأردنية الهاشمية وهذا الحكم مصادق عليه من كافة الجهات الرسمية في البلدين، وحيث لا يوجد أو يتوافر أية حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة (7) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية المشار إليها تبرر رفض طلب المستدعي وحيث إن شروط الحكم المطلوب تنفيذه متوافرة فإن قرار محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف القاضي بإكساء الحكم المطلوب تنفيذه صيغة التنفيذ يتفق وأحكام القانون فيكون ما ورد بأسباب الطعن غير وارد مما يتوجب ردها).

3- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 768 لسنة 1991 والصادر بجلسة 6/2/1992 والمتضمن أنه (تقضي المادة الثانية من قانون تنفيذ الاحكام الاجنبية رقم 8 لسنة 1952 على ان الحكم الاجنبي يشمل قرار المحكمين في اجراءات التحكيم اذ كان القرار قد اصبح بحكم القانون المعمول به في البلد الذي جرى به التحكيم قابلا للتنفيذ كقرار صادر عن المحكمة في ذلك البلد، وبالتالي فان قرار المحكم الاجنبي المطلوب تنفيذه والمصدق عليه من قبل محكمة البداية في ذلك البلد يكون قابلا للتنفيذ في الاردن ان كان مستوفيا لجميع الشروط التي يتطلبها قانون تنفيذ الاحكام الاجنبية وخاليا من المخالفات التي تمنع من تنفيذه والمنصوص عليها في المادة السابعة من القانون).

رابعاً: الخاتمة

من خلال ما أوضحناه في هذا المقال يتضح أن تنفيذ حكم أو قرار التحكيم الأجنبي لا يقتصر على أسلوب وحيد، بل هناك أكثر من أسلوب لذلك بحيث تتبع كل دولة من الدول الأسلوب الذي يتوافق مع رؤيتها وسياستها القضائية التي تنتهجها، وهو ما يجعل تنفيذ حكم التحكيم في دولة يختلف عن تنفيذه في دولة أخرى، لاسيما وأن هناك اتفاقيات يتم إبرامها بين بعض الدول في هذا الشأن، فتخضع لها الدول المشاركة فيها، بينما لا تتقيد بها غيرها من الدول التي لم تنضم لمثل تلك الاتفاقيات، وهو ما يترتب عليه عدم وجود أسلوب محدد ومتفق عليه لتنفيذ أحكام وقرارات التحكيم الأجنبية.

 

كتابة: أحمد عبد السلام

[1] – عيد القصاص – حكم التحكيم – دار النهضة العربية – مصر – 2004 – ص69.

[2] – محمد المصري – الوجيز في شرح القانون الدولي الخاص: دراسة مقارنة – ط1 – دار حامد – الأردن – 2002 – ص347.

[3] – يراجع البند (ثالثاً) من هذا المقال – الحكم رقم (2).

[4] – نبيل زيد مقابلة – تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية – دار النهضة العربية – مصر – 2006 – ص58.

[5] – عزت بحيري – تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية – دار النهضة العربية – مصر – 1997 – ص122.

error: Alert: Content is protected !!