معوقات تنفيذ حكم التحكيم التجاري الدولي
إن أهم ما يسعى إليه المدعي ليس مجرد الحصول على حكم لصالحه وإنما أن يقوم بتنفيذ هذا الحكم، فإذا كان حكم المحكم هو الثمرة الحقيقية للتحكيم بيد أنه سيكون عديم الجدوى إذا ظل مجرد عبارات مكتوبة تستعصى على التنفيذ، ولذلك كان من الضروري أن تزلل كافة المعوقات التي تعيق تنفيذ أحكام التحكيم، ذلك أن نجاح التحكيم يقاس بمدى إمكانية تنفيذ أحكامه. ومن معوقات تنفيذ حكم التحكيم التجاري الدولي، عدم مواكبة النظم القانونية الداخلية للتطور السريع الذي يطرأ على مجال عقود التجارة الدولية، ومدى صحة إجراءات التحكيم، وكذلك الخشية من عدم تطبيق المحكم للقوانين الآمرة ومن المعوقات تقدير مدى صحة اتفاق التحكيم ، أيضا تحديد مكان التحكيم، ومدى الاعتراف بحكم التحكيم الدولي، وقبل تفصيلها لا بد من التحدث عن القانون الواجب التطبيق على النزاع التجاري الدولي ، ومتى يكون واجب النفاذ وكذلك حالات رفض تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.
جدول المحتويات
أولًا: القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع التجاري الدولي
ثانيًا: متى يكون حكم التحكيم الأجنبي واجب النفاذ
ثالثًا: حالات رفض تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقا لاتفاقية نيويورك:
خامسًا: المعوقات التي تواجه الاعتراف بحكم التحكيم الدولي:
وقبل أن نتطرق لمعوقات تنفيذ حكم التحكيم التجاري الدولي، سنتحدث في مقالنا عن القانون الواجب التطبيق على النزاع التجاري الدولي، ومتى يكون حكم التحكيم الأجنبي واجب النفاذ، وحالات رفض تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقًا لاتفاقية نيويورك، والنتائج المترتبة على اعتراف اتفاقية نيويورك بحق الدولة التي صدر فيها الحكم أو الدولة التي صدر الحكم بناء على قانونها بوقف التنفيذ.
أولًا: القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع التجاري الدولي
يجعل معظم مشرعي العالم من إرادة الأطراف ضابط إسناد لتحديد القانون الواجب التطبيق على المنازعات المتعلقة بالعقود، ومن ثم يكون من المحتم على الأفراد أن يحددوا القانون الواجب التطبيق على ما قد ينشب بينهم من نزاعات تتعلق بالعقد المبرم، وفي ذلك تنص المادة (19) من القانون المدني المصري على أن: ( يسري على الالتزامات التعاقدية، قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطناً، فإن اختلفا موطناً سرى قانون الدولة التي تم فيها العقد. هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبيّن من الظروف أن قانوناً آخر هو الذي يُراد تطبيقه).
وكذلك فإن عادة ما يبين الأطراف في مشارطة التحكيم القانون الواجب تطبيقه لوضع حد للنزاع، ذلك أن إغفال تحديد هذا القانون سيثير مشاكل جمة بين أطراف العلاقة التعاقدية.
فمن حق الأطراف في عقود التجارة الدولية أن يحددوا القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ويتعين على هيئة التحكيم أن تحترم هذا القانون، وهذا ما أقرته اتفاقية روما لعام 1980 بشأن القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية وكذلك أيضا المشرع الاردني في نصه في المادة (36) من القانون رقم 31 لسنة 2001 على أن : ( تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفان).
ثانيًا: متى يكون حكم التحكيم الأجنبي واجب النفاذ
وفقا للقاعدة العامة فإنه من المتعين على الأطراف أن يسارعوا إلى تنفيذ أحكام التحكيم طواعية، وتأكيدًا على ذلك ينص نظام التحكيم لاتحاد الغرف التجارية العربية الأوروبية على أن 🙁 يجب أن تنفذ الأحكام الصادرة من قبل الأطراف بحسن نية، كما يقدم المجلس مساعيه الحميدة وفقا لهذا النظام).
فإذا ما تم التنفيذ طواعية من قبل الأطراف ووفقًا لمبدأ حسن النية الذي يعد درة المبادئ الدولية فهنا لا تثار ثمة إشكالات بصدد تنفيذ أحكام المحكمين، إلا أن المشكلة الرئيسية تثور إزاء امتناع من صدر ضده الحكم عن تنفيذه، فهنا يكون التساؤل عن كيفية تنفيذ هذا الحكم؟
إجابة على هذا التساؤل فقد قررت اتفاقية نيويورك لسنة 1958 – وهي تعد أهم اتفاقية دولية تتعلق بالتحكيم – أن الأصل هو قابلية حكم التحكيم للتنفيذ وبذلك فهي تضع قرينة مؤداها أن الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية قد استوفى كافة شروط صحته وعلى من يدعي العكس أن يشرع في إثباته.
أما عن كيفية تنفيذ حكم التحكيم في الأردن فقد بينت المادة (53/أ) من قانون التحكيم الأردني أنه لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن موعد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى، وأيضًا أوضحت الفقرة (ب) من ذات المادة الإجراءات الواجب اتباعها لطلب تنفيذ حكم التحكيم حيث نصت على أن :
- يقدم طلب التنفيذ إلى محكمة التمييز مرفقا بما يلي :
1- صورة عن اتفاق التحكيم .
2- أصل الحكم أو صورة موقعة عنه.
3-ترجمة لحكم التحكيم مصدق عليها من جهة معتمدة إلى اللغة العربية إذا لم يكن ذلك الحكم صادرًا بها.
وفي ذات الصدد قضت محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية في الحكم رقم 1767 لسنة 2018 – بالآتي : (حكم التحكيم ليس له أية قيمة قانونية كونه حكم تحكيم أجنبي غير مصدق وفقا لأحكام المادة 26 من قانون البينات).
وكذلك فإن محكمة النقض المصرية في حكمها رقم ٧٤٧٠ لسنة ٨٩ قضائية الصادر بجلسة 23/2/2020 قضت بأن :(مفاد نص المادتين ٩ / ١ ، ٥٦ / ١ من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ في شأن التحكيم في المواد المدنية التجارية أن رئيس المحكمة المختصة نوعيًا أصلًا بنظر النزاع محل التحكيم الوطني – فيما لو لم يوجد تحكيم – هو المختص نوعيًا بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين الصادر في هذا التحكيم غير الدولي ، أما في التحكيم التجاري الدولي فإن الاختصاص بإصداره ينعقد لرئيس محكمة استئناف القاهرة أو رئيس محكمة الاستئناف التي يتفق أطراف التحكيم على اختصاصها بنظر مسائل التحكيم وأنه في جميع الأحوال يجوز لرئيس المحكمة المختصة أن يندب أحد قضاتها لإصدار الأمر بالتنفيذ) .
وأيضًا تنص المادة (35/1) من قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 والمعدل في 2006 على أن : ( يكون قرار التحكيم ملزما بصرف النظر عن البلد الذي صدر فيه وينفذ بناء على طلب كتابي يقدم الى المحكمة المختصة مع مراعاة أحكام المادة 36 من ذات القانون).
مع ملاحظة أن المحكمة المختصة قد تقضي برفض طلب تنفيذ الحكم وهذا ما أكدت عليه اتفاقية نيويورك لتنفيذ الأحكام الأجنبية لعام 1958 عندما حددت الحالات التي يرفض فيها تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.
ثالثًا: حالات رفض تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقا لاتفاقية نيويورك:
1-الحالات التي يقع عبء أثارتها وإثباتها على من صدر ضده حكم التحكيم:
بينت اتفاقية نيويورك هذه الحالات وحصرتها فيما يلي:
أولًا: في حالة انعدام أهلية أطراف النزاع، أو في حالة عدم صحة اتفاق التحكيم وفقًا للقانون الذي اتفق عليه الطرفان أو وفقًا لقانون دولة التحكيم في حالة إغفال الطرفان على تحديد القانون الواجب التطبيق.
ثانيًا: عدم تبليغ الخصم المطلوب التنفيذ ضده تبليغًا صحيحًا بالحكم أو بإجراءات التحكيم، أو إذا استحال عليه أن يقدم دفاعه.
ثالثًا: إذا فصل الحكم في نزاع لم يرد في بنود الإحالة إلى التحكيم.
بيد أنه يلاحظ أن في الحالة الأخيرة فانه إذا كان يمكن تجزئة الحكم فإن الجزء الصحيح الذي صدر الحكم فيه سيتم تنفيذه مع إهدار الجزء الآخر الذي تعرضت له هيئة التحكيم بدون سند.
2-الحالات التي ترفض فيها المحكمة تنفيذ الحكم من تلقاء نفسها:
أولًا: في حالة أن قانون بلد التنفيذ لا يجيز تسوية النزاع من خلال التحكيم.
ثانيًا: إذا كان من شأن الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه مخالفة للنظام العام أو الآداب في البلد المطلوب فيها تنفيذ الحكم.
أما إذا كان حكم التحكيم الأجنبي باطل فإن اتفاقية نيويورك لم يكن لها موقف صريح من مدى جواز تنفيذه، إلا أنه بمطالعة نص المادة (5/1/5) من الاتفاقية المذكورة سنجد أنها أجازت رفض تنفيذ الحكم إذا تقدم المحكوم ضده باحتجاج على التنفيذ وأثبت للسلطة المختصة ما يدل على بطلان الحكم، ومن ثم فإن الأمر هنا يرجع إلى السلطة التقديرية للمحكمة المختصة.
رابعًا: النتائج المترتبة على اعتراف اتفاقية نيويورك بحق الدولة التي صدر فيها الحكم أو الدولة التي صدر الحكم بناء على قانونها بوقف التنفيذ:
أولًا : أن صدور حكم ببطلان حكم التحكيم في غير هاتين الدولتين لا يعد مبررًا لرفض تنفيذ حكم التحكيم، ويعد ذلك حماية لحكم التحكيم الأجنبي من دعاوى البطلان الكيدية.
ثانيًا : أغفلت اتفاقية نيويورك تحديد الحالات التي يترتب عليها بطلان حكم التحكيم الأجنبي ولذلك فان تلك الحالات يختص بتحديدها القانون الوطني للدولة التي صدر فيها حكم التحكيم أو القانون الذي كان مطبقًا على النزاع أمام الهيئة التحكيمية.
ومن مطالعة اتفاقية جينيف – وعلى وجه الخصوص المادة (5) – سنجد أن الاتفاقية لم تلزم الدولة المراد فيها تنفيذ حكم التحكيم رفض التنفيذ إذا كان قد قضي ببطلانه سواء في دولة المقر أو في الدولة التي طبق قانونها على النزاع، حيث تم استهلال النص بعبارة ( يجوز رفض الاعتراف والتنفيذ) مما يشير إلى أن للدولة المراد فيها التنفيذ السلطة التقديرية في رفض طلب التنفيذ أو قبوله.
خامسًا: المعوقات التي تواجه الاعتراف بحكم التحكيم الدولي:
يتعرض التحكيم التجاري الدولي كألية مستحدثة في فض النزاعات إلى العديد من الإشكاليات التي قد تؤثر على فاعليته، ومن ضمن هذه الإشكاليات ما يلي:
1-عدم مواكبة النظم القانونية الداخلية للتطور السريع الذي يطرأ على مجال عقود التجارة الدولية:
ذلك أن غالبية النظم القانونية الداخلية تتسم بالجمود فيما يتعلق بإجراءات التقاضي وإجراءات التحكيم وهي بذلك لا تستوعب الإجراءات المستحدثة في نظم التحكيم التجاري الدولي مما يترتب عليه عدم الاعتراف بتلك الأحكام ورفض تنفيذها.
لذلك فانه من المتعين أن يتم تعديل تلك القوانين الجامدة حتى تتلاءم مع التطورات التي لحقت بالنظم الدولية في مجال التجارة الدولية والنزاعات المتمخضة عنها.
2-مدى صحة إجراءات التحكيم:
بإمعان النظر في النظم الداخلية سنجد أنها مازالت متمسكة بالإجراءات الشكلية المعقدة من حيث اشتراط الكتابة والتوقيع وهو ما لا يتلاءم مع نظم التحكيم التجاري الإلكترونية مما يترب عليه أن الأحكام الصادرة في تلك المنازعات بالوسائل الإلكترونية ستكون مستعصية على التنفيذ في ظل نظم داخلية جامدة شكلية.
3- الخشية من عدم تطبيق المحكم للقوانين الآمرة:
يخشى الطرف الضعيف في العقد أن يعرض النزاع على هيئة تحكيمية لأنها لن تكون ملزمة بتطبيق أحكام القانون الوطني مما يترتب عليه أنها ستهدر النصوص القانونية الحمائية الآمرة التي تهدف إلى تحسين مركز الطرف الضعيف في العقد.
4-تقدير مدى صحة اتفاق التحكيم:
من مطالعة نصوص أحكام اتفاقية نيويورك سيتضح أنها تقدر صحة اتفاق التحكيم بالرجوع إلى عدة قوانين مثل قانون الدولة التي صدر فيها الحكم، بيد أن هذا الأمر من الصعب تصوره في حالات التحكيم الإلكترونية حيث من الصعب أن يتم تحديد الدولة التي صدر فيها الحكم.
وكذلك فإن اشتراط اتفاقية نيويورك أن يتم التحكيم في دولة معينة أو في مكان معين سيؤدي إلى رفض تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة الكترونيًا لمخالفتها هذا الإلزام.
5-تحديد مكان التحكيم:
العديد من النظم القانونية الداخلية يكون تطبيقها متعلق بالمكان الذي صدر فيه التحكيم، وسنجد أن هذا الأمر لن يتحقق في حالة التحكيم الإلكتروني أو التحكيم الذي يجري في أكثر من دولة ومتابعة إجراءاته بالفاكس أو الكترونيًا، حيث سيكون المكان الذي تم فيه التحكيم هو مجرد مكان افتراضي لا يرتبط بإقليم دولة بعينها.
فنظرًا لكل تلك المعوقات التي تواجه أحكام التحكيم الدولية التجارية فإنه صار من المتحتم أن يتم تغيير النظم الداخلية لتصبح مواكبة لما طرأ من تطورات على نظم التحكيم الدولية، ونشير – أخيرا – إلى أنه على الرغم من تقديم اقتراحات لتعديل اتفاقية نيويورك إلا أن تلك الاقتراحات لم تلق قبولًا من الأطراف وذلك تخوفًا من تهديد استقرار الأحكام الواردة فيها والمتعلقة بالتحكيم.