الإنابة القضائية الدولية
نظرًا لتطور العلاقات الدولية وتشعبها وتوسع حجمه، بحيث أصبح العالم أجمع بمثابة دولة واحدة، يتنقل خلالها شعوب دول العالم، يبرمون التعاقدات فيما بينهم، ويرتكبون جرائم عديدة؛ مما ينشأ العديد من المنازعات أمام القضاء، يكون طرفها دولتين أو أكثر، وتكون بحاجة إلى تسوية قضائية. وحيث أصبحت الوسائل التقليدية غير مجدية لإنهاء مثل هذه المنازعات؛ فظهرت الحاجة إلى ابتكار تقنية جديدة تكون أسرع ومُتقَنة، بحيث تلائم تطورات العالم الحديث، ومن هنا نشأت الإنابة القضائية الدولية؛ لكي تساعد على تنظيم ممارسة الإجراءات القضائية بين محيط أكثر من دولة. وسوف نتناول في هذا المقال جميع ما يخص الإنابة القضائية الدولية في العناصر الرئيسية الآتية:
جدول المحتويات:
ماهية الإنابة القضائية الدولية، ومصدرها التشريعي
أولًا: تمييز الإنابة القضائية عما يشبهها
ثانيًا: المصدر التشريعي للإنابة القضائية الدولية
ثالثًا: القانون الذي يخضع له طلب الإنابة القضائية
رابعًا: سلطة القاضي في تقرير طلب الإنابة القضائية الدولية أو قبوله
أحكام محكمة التمييز الأردنية فيما يخص تطبيق الإنابة القضائية:
ونقدم شرح تفصيلي لكل عنصر من العناصر الرئيسية السابقة، فيما يلي:
ماهية الإنابة القضائية الدولية، ومصدرها التشريعي
الإنابة القضائية الدولية هي الآلية التي تلجأ إليها الدول من أجل طلب اتخاذ إجراء قضائي معين -لصالحها ونيابةً عنها- من دولة أخرى داخل إقليمها، وذلك في مقابل أن تتعهد الدولة الطالبة بالمعاملة بالمثل، مع احترام النتائج القانونية التي توصلت إليها الدولة المطلوب منها المساعدة القضائية. وقد تتناول الإنابة القضائية مسائل مدنية، أو جنائية، أو تجارية، أو غيرها. ولتحديد مفهوم الإنابة القضائية الدولية يجب تمييزها عما يشبهها، مع تناول المصدر التشريعي للإنابة القضائية الدولية، وذلك وفقًا لما يلي:
أولًا: تمييز الإنابة القضائية عما يشبهها
يتشابه إجراء الإنابة القضائية الدولية مع عدد من الإجراءات القضائية الدولية الأخرى، مثل الإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية، أو النيابة أو الإحالة، ونبين أوجه الاختلاف بين هذه الإجراءات وإجراء الإنابة القضائية الدولية، فيما يلي:
1- تمييز الإنابة القضائية عن الإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية
في الإنابة القضائية لا تتخلى الدولة طالبة الإنابة عن الدعوى محل الطلب، ولكنها تطلب فقط اتخاذ بعض الإجراءات القضائية من الدولة الأجنبية، هذا بعكس إحالة النزاع، الذي تُحيل فيه الدولة القضية برمتها إلى الدولة الأجنبية؛ لقيام القضية ذاتها أمامها مع وحدة الموضوع والأطراف والسبب.
2- تمييز الإنابة القضائية الدولية عن النيابة
النيابة، يقوم بموجبها النائب بتصرف قانوني معين لحساب الأصيل، ويمكن أن تنعقد النيابة بين أشخاص القانون العام أو الخاص أو الاثنين معًا، أما الإنابة القضائية الدولية فتتمثل في طلب اتخاذ أحد الإجراءات القضائية من قِبَل سلطة أجنبية إلى السلطة طالبة الإنابة؛ مما يعني أنها تنعقد بين طرفين ذو شخصية معنوية عامة فقط، ولا مجال لتطبيقها بين الأفراد.
3- تمييز الإنابة القضائية الدولية عن الإحالة
تعني الإحالة تخلي قانون الدولة -المسند إليه الاختصاص التشريعي- عن هذا الاختصاص إلى قانون دولة أخرى؛ لذا فإن الإحالة تنحصر في مسائل تنازع الاختصاص التشريعي، في حين أن الإنابة القضائية الدولية تكون في مسائل الاختصاص القضائي.
ثانيًا: المصدر التشريعي للإنابة القضائية الدولية
يكمن مصدر الإنابة القضائية الدولية في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بيد أنه يوجد العديد من المعاهدات الدولية المتعلقة بتبليغ الإجراءات والحصول على الأدلة، وتعتبر معاهدة الإجراءات المدنية لعام 1905م، والموقّعة في لاهاي مثالًا على المعاهدات الأولى التي تهدف إلى تبسيط إجراءات الإنابة القضائية الدولية، وقد صيغت المعاهدة باللغة الفرنسية فقط، ووقع عليها (22) دولة. وأُبرم بعدها اتفاقية لاهاي لتبليغ الإجراءات في عام 1965م، وقد مكّنت السلطات المعنية في كل دولة موقّعة من نقل الوثائق لتبليغ الإجراءات القضائية لبعضها بعضًا مرورًا بالمسار الدبلوماسي. وقد شارك في إبرام هذه الاتفاقية (60) دولة من بينهم “المملكة المتحدة” و”الولايات المتحدة” اللتان لم تشاركا في إبرام معاهدة 1905م. وبعد ذلك أبرمت معاهدة لاهاي للحصول على الأدلة عام 1970م، بمشاركة (43) دولة، وأصبغت هذه المعاهدة إجراءات الحصول على الأدلة بالصبغة الرسمية.
أما بالنسبة للأمور الخاصة الاستثنائية فقط بين الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي فإن اللائحتين لائحة المجلس (المفوضية الأوروبية) رقم (1348/2000) ورقم (1206/2001)، فقد حلتا محل معاهدتي لاهاي.
وإيمانًا من الدولة العربية بأن وحدة التشريع بينها هدفٌ قوميٌ ينبغي السعي إلى تحقيقه انطلاقًا نحو الوحدة العربية الشاملة، واقتناعًا منها بأن التعاون القضائي بين الدول العربية ينبغي أن يكون تعاونًّا شاملًا لكل المجالات القضائية، على نحو يستطيع أن يسهُم بصورة إيجابية وفعالة في تدعيم الجهود القائمة في هذا المجال.
وحرصًا من الدول العربية على توثيق علاقات التعاون القائمة بينها في المجالات القضائية، والعمل على دعمها، وتنميتها، وتوسيع نطاقها، وتنفيذًّا للإعلان الصادر عن المؤتمر العربي الأول لوزراء العدل المنعقد في الرباط عاصمة المملكة المغربية في الفترة من 14-16 ديسمبر/ كانون أول لعام 1977م؛ فقد وقع عدد من الدول العربية اتفاقية الرياض للتعاون القضائي في عام 1983م، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1985م، وصدقت عليها (16) دولة عربية هي: فلسطين، والعراق، واليمن، والسودان، وموريتانيا، وسوريا، والصومال، وتونس، والأردن، والمغرب، وليبيا، والإمارات، وعمان، والبحرين، والجزائر، والسعودية، وانضمت في الأخير جمهورية مصر العربية عام 2014م.
وبالنسبة للدول التي لم توقّع على أي معاهدة فإنها تعمل بنظام الإنابة القضائية أيضًا فيما بينها. فعلى سبيل المثال المدعي في هولندا قد يحتاج إلى إصدار إنابة قضائية للبرازيل حيث إن الأخيرة لم توقع على أي اتفاقية أو معاهدة.
ثالثًا: القانون الذي يخضع له طلب الإنابة القضائية
“لا ريب أن القرار الصادر عن الجهة القضائية المُنيبة باللجوء إلى الإنابة القضائية إجراء من إجراءات الخصومة؛ لكونه إجراءً قضائيًّا، تتخذه الجهة المُنيبة أثناء نظرها الخصومة؛ ومن ثمَّ فإن القرار يخضع بهذا الوصف لقانون القاضي المُنيب، وعلى ذلك فإن قانون القاضي المنيب هو الذي يتحدد وفقًا له كيفية تحرير طلب الإنابة القضائية، وبياناته، وشكل الوثيق التي ترفق به، وكافة الإجراءات المتعلقة به من حين إصداره إلى حين نقله إلى الخارج. من حين إصداره إلى حين نقله إلى الخارج. هذا وقد أقرت العديد من الاتفاقيات الدولية المبدأ القاضي بخضوع طلب الإنابة القضائية لقانون القاضي ومن ذلك المادة (16/1) من الاتفاقية العربية الموحدة، (اتفاقية الرياض) التي تنص على أنه: (يحرر طلب الإنابة القضائية وفقاً لقانون الطرف المتعاقد الطالب)”([1])
رابعًا: سلطة القاضي في تقرير طلب الإنابة القضائية الدولية أو قبوله
تختلف سلطة القاضي في تقرير طلب الإنابة القضائية عن سلطته في قبول طلب الإنابة القضائية، وذلك على التفصيل الآتي:
1- تقرير طلب الإنابة القضائية الدولية وإرسال الطلب
إن تقرير الإنابة القضائية الدولية عمل إجرائي غير ملزم، ويخضع لسلطة القاضي التقديرية وفق قناعته الشخصية، إذا لم يجد فائدة من اتخاذ هذا الإجراء؛ رفض تقريره، إذا ما رأي ثمة فائدة من هذا الإجراء؛ فإنه يقرر طلب الإنابة القضائية الدولية، ولا يكون القاضي ملزمًا بإرسال طلب الإنابة بعد تقريرها، بل إنه يمكن الرجوع عن اتخاذ هذا الإجراء من الأساس.
2- مدى إلزامية قبول طلب الإنابة القضائية من قِبَل الدولة المُنابة
“يجب قبول الإنابة القضائية الدولية ولا تُرفض إلا في الحالات التي يجوز رفضها؛ لتعارضها مع النظام العام والآداب، أو إذا كان من شأن تنفيذها أن يؤدي إلى المساس بسيادة الدولة وأمنها، أو لأسباب تحول دون إمكانية التنفيذ”([2])
وقد ألزمت المادة (17) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي الدولة المُنابة بتنفيذ طلب الإنابة القضائية، ونصت على حالات الرفض المشار إليها سابقًا، وأضافت حالة يُرفض فيها طلب الإنابة القضائية، وهي إذا كان الطلب متعلّقاً بجريمة يعتبرها الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ جريمة ذات صبغة سياسية. كما ألزمت المادة ذلتها الجهة التي ترفض طلب الإنابة القضائية؛ لتوافر حالة من الحالات المنصوص عليها، أن تُخطر الجهة الطالبة بذلك فورًا، مع إعادة الأوراق إليها، وبيان الأسباب التي دعت إلى رفض أو تعذّر تنفيذ الطلب.
آلية تنفيذ الإنابة القضائية الدولية وبيانات طلب الإنابة
“إن حاجة قاضي النزاع إلى اتخاذ إجراء قضائي خارج الحدود الإقليمية لدولته وعلى أراضي دولة أخرى للحصول على ما يساعده في الفصل في الدعوى يدفعنا إلى السؤال عما هي السلطة التي تضطلع بهذه المهمة هل هي سلطة إدارية أم قضائية؟ وهل تقوم بهذه الآلية بصورة مباشرة أم بصورة غير مباشرة؟” ([3])
وللإجابة على هذين السؤالين يجب معرفة طرق تنفيذ الإنابة القضائية الدولية، مع تحديد البيانات اللازم توافرها في طلب الإنابة المُرسل، وذلك على التفصيل الآتي:
أولًا: طرق تنفيذ الإنابة القضائية:
تنفيذ الإنابة القضائية الدولية لا يخرج عن طريقين:
1- تنفيذ الإنابة القضائية الدولية عن طريق سلطة قضائية أجنبية:
تُعد هذه الطريقة الآلية المتبعة والمعتادة في تنفيذ الإنابة القضائية الدولية، إذ ترسل المحكمة -التي تريد اتخاذ إجراء قضائي خارج إقليم دولتها- طلبًا إلى وزارة العدل في دولتها، التي تقوم بدورها بإرسال الطلب ذاته إلى وزارة الخارجية، التي تخاطب بدورها وزارة خارجية الدولة الأجنبية المُنابة، وتخاطب الأخيرة وزارة العدل لدي دولتها، ومن ثم ترسل بدورها طلب الإنابة إلى المحكمة المختصة لتنفيذه. ويمكن تلخيص الجهات التي يمر عليها طلب الإنابة القضائية في الرسم البياني التالي:
محكمة الدولة المُنيبة < وزارة العدل للدولة المنيبة < وزارة الخارجية للدولة المنيبة < وزارة الخارجة للدولة المنابة <وزارة العدل للدولة المنابة < المحكمة المطلوب منها الإنابة القضائية.
ونظرًا لطول الإجراءات التي تتطلبها هذه الطريقة، واتخاذها وقت كبير جدًّا لتنفيذ الإنابة القضائية، فقد اتجهت بعض الدول إلى طريقة جديدة تتمثل في إرسال طلب الإنابة من السلطة القضائية للدولة المُنيبة إلى السلطة القضائية في الدولة المنابة، وقد اتخذت اتفاقية الرياض هذا الاتجاه منهجًا لها فيما يتعلق بالإنابة في القضايا المدنية والتجارية والإدارية والجزائية وقضايا الأحوال الشخصية، إذ نصت صراحةً في المادة (15/أ): “ترسل طلبات الإنابة القضائية المدنية والتجارية والإدارية وقضايا الأحوال الشخصية مباشرة من الجهة المختصة لدى الطرف المتعاقد الطالب إلى الجهة المطلوب إليها تنفيذ الإنابة لدى أي طرف متعاقد آخر، فإذا تبيّن عدم اختصاصها تحيل الطلب من تلقاء نفسها إلى الجهة المختصة وإذا تعذّر عليها ذلك تحيلها إلى وزارة العدل، وتخطر فوراً الجهة الطالبة بما تمّ في الحالتين”([4])
2- الإنابة القضائية عن طريق سلطة وطنية
وتُنفذ هذه الآلية باتباع أحد الطريقين الآتيين:
- عن طريق الممثل الدبلوماسي أو القنصلي
تلجأ الدول أحيانًا إلى تنفيذ الإنابة القضائية عن طريق ممثليها الدبلوماسيين أو رجالها في القنصلية في الدولة المراد تنفيذ الإجراء القضائي بها؛ وذلك اختصارًا للوقت، مع السرعة في حسم النزاع. وتنفيذ هذا الأسلوب مقيد بعدة شروط تتمثل في: وجود اتفاق بين الدولة المنيبة والدولة المُنابة على السماح لرجال الدولة المنيبة بتنفيذ الإجراء القضائي المطلوب على إقليمها. وقد انتهج العديد من الدول هذا الأسلوب في تنفيذ الإنابة القضائية.
كما انتهجت اتفاقية الرياض للتعاون القضائي هذا الأسلوب فيما يخص سماع شهادة مواطني الدولة المُنيبة، حيث نصت صراحة في المادة (15) على: “ولا يحول ما تقدم دون السماح لكل من الأطراف المتعاقدة بسماع شهادة مواطنيها، في القضايا المشار إلها آنفاً، مباشرة عن طريق ممثليها القنصليين أو الدبلوماسيين، وفي حالة الخلاف حول جنسية الشخص المراد سماعه، يتمّ تحديدها وفق قانون الطرف المتعاقد لمطلوب تنفيذ الإنابة القضائية لديه”([5])
- عن طريق قاضي أو موظف ترسله المحكمة إلى الدولة المُنابة
وفي هذا الأسلوب تُرسل المحكمة المُنيبة قاضي إلى الدولة المراد تنفيذ إجراء قضائي معين على إقليمها؛ ليُنفذ القاضي المُرسل هذا الإجراء بنفسه، وبالتأكيد يلزم أن يكون هناك اتفاق مسبق بين الدولتين لتنفيذ هذه الطريق، إذ إنها تمس بسيادة الدولة المُنفذ على أرضها، ولم يُتبع هذا الأسلوب إلا من قبل دول نظام الأنجلوسكسوني (دول القانون المشترك) مثل بريطانيا، والولايات المتحدة.
3- التنفيذ الإلكتروني للإنابة القضائية
أصبح التقاضي الإلكتروني وسيلةً تسعى إلى تنفيذها العديد من دول العالم، ونظرًا لسهولة وسرعة إنجاز العمل في التقاضي الإلكتروني، ولصعوبة العمل وكثرة الإجراءات في الإنابة القضائي؛ فكان لابد من الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة في إجراء الإنابة القضائية.
“ومن أحدث الأحكام التي تضمنها تنظيم الإثبات الأوروبي على الإطلاق هو ذلك الحكم الذي يقضي بأنه للجهة طالبة المساعدة أن تطلب من قضاء التنفيذ الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة عند مباشرة إجراءات التحقيق وخاصة اللجوء إلى نظامي مؤتمرات الفيديو ومؤتمرات التليفون، ويتعين على قضاء التنفيذ أن يوافق على هذا الطلب ما لم يكن مخالفًا لقانون الدولة التي ينتمي إليها، أو كان من المستحيل الموافقة عليه بسبب الصعوبات العملية التي تعترض تطبيقه”([6])
ومن تطبيقات تنفيذ الإنابة القضائية إلكترونيًا، القضية التي اتهمت فيها دولة الهند اثنين من المشاة البحرية الإيطالية في تاريخ 6/11/2012م، وطلبت الهند استدعاء أربعة شهود إيطاليين؛ للإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة الهندية، ورفضت إيطاليا سفر الشهود؛ مما دفع السلطات الهندية إلى تقترح استجواب الأربعة شهود من خلال “الفيديو كونفرنس”، بعد الحصول على طلب الإنابة القضائية من المحكمة، وأُجريَّ التحقيق بالفعل مع الشهود في السفارة الهندية في روما بواسطة المحققين عن طريق استخدام تقنية “الفيديو كونفرنس” مع حضور قاضٍ معهم.
ولم تحدد اتفاقية الرياض للتعاون القضائي طريق مُعين لتنفيذ الإنابة القضائية الدولية، وإنما قررت أن يكون التنفيذ وفقًا للإجراءات القانونية المعمول بها في قوانين الطرف المتعاقد المطلوب إليه ذلك، غير أنه قد ألزمت الاتفاقية الدول المُنابة بإجابة رغبة الدولة طالبة تنفيذ الإنابة القضائية بشكل خاص، ما دام لم يتعارض طلبها مع قانون الدولة المُنابة.
ثانيًا: البيانات التي يجب إيرادها في طلب الإنابة القضائية الدولية
بدايةً يتعين تحرير طلب الإنابة القضائية والمستندات المرفقة به بلغة الدولة المطلوب منها تنفيذ الإجراء القضائي، أو على الأقل يُرفق بالطلب ترجمة معتمدة بلغة هذه الدولة، كما يجب أن يُرسل الطلب كتابةً من الجهة الرسمية المختصة في الدولة المرسلة، ويجوز في الحالات العاجلة أن يُرسل الطلب شفويًّا، وفي جميع الحالات يجب أن يتضمن طلب الإنابة القضائية البيانات الآتية:
- الجهة المختصة الصادر عنها الطلب.
- موضوع الطلب وسببه.
- تحديد هوية الشخص المعني بالإنابة وجنسيته بقدر الإمكان.
- بيان حيثيات طلب الإنابة القضائية من ناحية التكييف القانوني للقضية محل طلب الإنابة، وغيرها من المعلومات التي تُمكن من تنفيذ الطلب بأعلى دقة ممكنة.
- توقيع وختم السلطة الرسمية المختصة على طلب الإنابة والمستندات المرفقة به.
وفيما يخص البيانات التي يجب إيرادها في طلب الإنابة القضائية، فقد نصت اتفاقية الرياض للتعاون القضائي في المادة (16) منها على أن: “يتضمن طلب الإنابة القضائية نوع القضية، والجهة الصادر عنها الطلب، والجهة المطلوب إليها التنفيذ، وجميع البيانات التفصيلية المتعلقة بوقائع القضية، وبالمهمة المطلوب تنفيذها، وخاصةً أسماء الشهود، ومحال إقامتهم، والأسئلة المطلوب طرحها عليهم”([7])
مجالات الإنابة القضائية الدولية
“تكون الإنابة القضائية في إجراءات المرافعات والإثبات واتخاذ هذا الإجراء والقيام به هو موضوع الإنابة القضائية، …، وينبغي أن يتعلق موضوع الإنابة القضائية الدولية بمسألة خاصة مدنية أو تجارية في نطاق القانون الدولي الخاص؛ لذا لا تجوز الإنابة في مسائل القانون العام، ولا سيما مسائل القانون المالي، إلا إذا كانت هذه المسألة مقررة بمقتضى اتفاقية دولية ثنائية أو جماعية، سواء كان هذا الإجراء من إجراءات التحقيق أم كان إجراء آخر من الإجراءات ذات الطبيعة القضائية، مثل: استجواب الشهود، وسماع شاهد مقبل على الموت، وتحليف اليمين، ومعاينة مكان حادث، أو المال سواء كان منقولًا أم عقارًا أم بضاعة موجودة في الخارج، …، وبعبارة أخرى إذ يتسع موضوع الإنابة بوصفه قاعدة تأصيلية، ليشمل أي دليل من أدلة الإثبات المتعارف عليها في القوانين الداخلية مثل الأدلة الكتابية وشهاد الشهود، والإقرار، واليمين، والمعاينة….. إلخ”([8])
وقد حددت اتفاقية الرياض للتعاون القضائي مجالات الإنابة القضائية، بما نصت عليه في المادة (14): “لكل طرف متعاقد أن يطلب إلى أي طرف متعاقد آخر أن يقوم في إقليمه نيابة عنه بأي إجراء قضائي متعلّق بدعوى قائمة وبصفة خاصة سماع شهادة الشهود وتلقي تقارير الخبراء ومناقشتهم، وإجراء المعاينة وطلب تحليف اليمين”([9])
أحكام محكمة التمييز الأردنية فيما يخص تطبيق الإنابة القضائية:
فقد صدر عن محكمة التمييز الأردنية العديد من الأحكام فيما يخص الإنابة القضائية الدولية، ونقدم أحد هذه الأحكام كتطبيق عملي على تنفيذ الإنابة القضائية الدولية في المملكة الأردنية:
الحكم رقم 861 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 13/8/2020م
” كما تقدم المدعي بالتاريخ ذاته إلى محكمة الدرجة الأولى بالطلب المستعجل رقم (800/ط/2019) بمواجهة المدعى عليه يطلب فيه إلقاء الحجز الاحتياطي على كافة أمواله المنقولة وغير المنقولة وتسطير إنابة قضائية وإرسالها بالطرق الدبلوماسية لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحجز على جميع الممتلكات العائدة للمدعى عليه في الجمهورية اللبنانية والإمارات العربية المتحدة (دبي).
وبعد أن نظرت محكمة الدرجة الأولى بصفتها المستعجلة في الطلب أصدرت بتاريخ 21/3/2019 قراراً يقضي بإلقاء الحجز التحفظي على أموال المدعى عليه المنقولة وغير المنقولة بما في ذلك الحسابات البنكية والسندات المالية وإنابة الجهات القضائية المختصة في الجمهورية اللبنانية وفي دبي لغايات تنفيذ مضمون الإنابة.
ورداً على أسباب التمييز الثاني المقدم من المدعي وحاصلها النعي بالخطأ على القرار المميز المتعلق بالإنابة القضائية والخطأ بتفسير الاتفاقية القضائية الأردنية اللبنانية والاتفاقية القضائية الأردنية الإماراتية ولقضائه بأن هاتين الاتفاقيتين لا تتضمنان ما يجيز طلب تنفيذ حكم وقتي مستعجل.
وفي ذلك نجد أنه وفي ضوء ما جاء بردنا على أسباب التمييز الأول فإن الرد على هذه الأسباب لم يعد مجدياً مما يتعين الالتفات عنها”([10]).
([1]) القاضي علي الشيباني، المساعدة القانونية المتبادلة، ص197
([2]) الشيباني، شائف علي محمد، المجلة القضائية، ص188.
([3]) مكي – إيمان طارق، مجلة العلوم الإنسانية، ص90
([4]) اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
([5]) اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
([6]) دكتور عبد المنعم زمزم، بعض أوجه الإثبات الدولي، دراسة في إطار القانون الدولي الخاص، ص194
([7]) اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
([8]) مجلد الرافدين للحقوق، المجلد (18) العدد (63) ، ص17
([9]) اتفاقية الرياض للتعاون القضائي.