الشهود والخبراء في اتفاقية الرياض

الشهود والخبراء في اتفاقية الرياض

إن تشعب مجالات الحياة وتطورها أديا إلى تنوع وتعدد المنازعات، بل قد وصل الأمر إلى وجود منازعات تكون أكثر من دولة طرفًا بها، وتحتاج المحكمة ناظرة النزاع إلى تعاون بعض الدول معها للقضاء في النزاع المنظور أمامها، كما أنه يصعب على القاضي مهما كان تكوينه أو زاد علمه، واتسعت مداركه أن يلم بكافة العلوم إلمامًا كافيًا؛ لذلك ظهرت حاجة القضاء للاستعانة بأهل الخبرة؛ للاسترشاد برأيهم في المنازعات القضائية ذات الصلة باختصاصهم، من أجل البت في النزاعات بشكل سليم يحقق العدالة.

فلا شك أن الخبرة القضائية تفرض نفسها على القاضي الجنائي وبقوة فيما يخص المسائل الفنية المتنوعة، التي يحتاج بعضها إلى معلومات دقيقة طبية، أو هندسية، أو زراعية، أو تجارية، التي يجد القاضي الجنائي نفسه أمامها عاجزًا عن الإلمام بها لعمومية معرفته العلمية ونقص تكوينه العلمي.

وإذا كانت الخبرة القضائية إجراءً ضروريًّا في الدعاوى القضائية يلجأ إليه القضاة، خاصةً في الدعاوى الجزائية، فلا يمكن أن نغفل دور الشهادة بوصفها إجراءٍ هامٍ من إجراءات الإثبات، “إذ تحتل أدلة الإثبات وقواعده أهمية بالغة في جميع فروع القانون، وتزداد أهميتها في مجال القانون الجنائي، وتعتبر الشهادة أهم وأقدم هذه الأدلة وأكثرها انتشارًا بين المتداعين، في سبيل الحصول على الحقيقة التي تؤثر على شرف وحرية شخص ما”([1])

وللدور الكبير الذي تلعبه الخبرة القضائية والشهادة في الدعاوى القضائية، فقد أولى المشرع في اتفاقية الرياض للتعاون القضائي اهتمامًا كبيرًا، وسنتناول في هذا المقال جميع ما يخص الخبرة والشهادة في اتفاقية الرياض للتعاون القضائي، وذلك في العناصر الرئيسية الآتية:

جدول المحتويات 

أولًا: التعريف القانوني للخبرة القضائية

ثانيًا: التعريف القانوني للشهادة

ثالثًا: آلية الاستعانة بالشهود أو الخبراء في اتفاقية الرياض

رابعًا: الحصانة التي يتمتع بها الشهود والخبراء

خامسًا: من يتحمل مصروفات سفر وإقامة الشاهد والخبير

سادسًا: إمكانية الاستعانة بالشهود والخبراء المحبوسين لدى إحدى الدول المتعاقدة

سابعًا: إمكانية رفض طلب الاستعانة بالخبير أو الشاهد من قِبَل الدولة المطلوب إليها إعلان الخبير أو الشاهد

ونقدم شرح تفصيلي لكل من العناصر الرئيسية السابقة في الآتي:

أولًا: التعريف القانوني للخبرة القضائية

يمكن تعريف الخبرة القضائية بأنّها: “تدبير حقيقي يهدف إلى الحصول على معلومات ضرورية بواسطة أصحاب الخبرة أو الاختصاص، من أجل البث في مسائل فنية ذات طبيعة محددة تكون محل النزاع، ولا تلجأ المحكمة إليها إلا عند عدم إدراكها للمسألة المعروضة بنفسها أو عندما تكون الأدلة المعروضة في الدعوى غير كافية لتوضيحها، وهي تقتصر من حيث المبدأ على المسائل الفنية دون المسائل القانونية التي تبقى حصرًا على اختصاص القاضي”([2])

ويعرّف البعض الخبرة القضائية -أيضًا- بأنّها: “إعطاء أو إدلاء أهل الفن أو العلم برأيهم في مسائل فنية تتعلق بتلك الفنون أو العلوم، كتحديد ساعة الوفاة أو سببها أو تحليل مادة معينة وهي حالات فنية تعترض المحقق فلا يستطيع القطع فيها، فيستعين بأهل الفن”([3]).

ثانيًا: التعريف القانوني للشهادة

الشهادة هي تعبير عن مضمون الإدراك الحسي للشاهد بالنسبة للواقعة التي يشهد عليها؛ لذا يجب ألا يشهد إلا بما يكون قد أدركه بحواسه.

ويمكن تعريف الشهادة بأنها: “إثبات واقعة معينة من خلال ما يقوله أحد الأشخاص عما شاهده أو سمعه أو أدركه بحواسه من هذه الواقعة بطريقة مباشرة”([4])

ثالثًا: آلية الاستعانة بالشهود أو الخبراء في اتفاقية الرياض

لم تنص اتفاقية الرياض للتعاون القضائي على جهة بعينها تكون مختصة بطلب الاستعانة بالخبراء أو الشهود من أحد الدول الأطراف المتعاقدة، كما لم تنص الاتفاقية على هيئة بذاتها يُرسل إليها هذا الطلب، وعلى الأرجح وخاصةً إذا كانت الاستعانة بالشهود أو الخبرة تخص أحد القضايا الجزائية؛ فتكون الجهة المختصة بإرسال الطلب وزارة العدل في الدولة طالبة الاستعانة، وتُرسل الطلب إلى وزارة العدل في الدولة المطلوب منها إعلان الشهود أو الخبراء.

وإذا كان المُشرع قد أغفل النص في الاتفاقية على البيانات الواجب توافرها في طلب الاستعانة بالخبير أو الشاهد، ولتقارب هذا الطلب مع طلب الإنابة القضائية فيما يخص الإجراءات المتبعة في إرسال الطلب مع اختلاف موضوع الطلب؛ فإنه يمكن الاستعانة في هذا شأن البيانات المُتعين توافرها في طلب الاستعانة بشاهد أو خبير من أحد الدول المتعاقدة بما نصت عليه المادة (16) من الاتفاقية ذاتها، إذ نصت على أنه: “ويتضمن طلب الإنابة القضائية نوع القضية والجهة الصادر عنها الطلب والجهة المطلوب إليها التنفيذ، وجميع البيانات التفصيلية المتعلقة بوقائع القضية وبالمهمة المطلوب تنفيذها وخاصة أسماء الشهود، ومحال إقامتهم”([5])؛ وهو ما يُستفاد منه وجوب نوع القضية المكلوب فيها الاستعانة بالخبير أو الشاهد، وكذلك اسم الجهة المطلوب إليها إرسال الإعلان، بالإضافة إلى اسم الشاهد أو الخبير كاملًا، ومحل إقامته.

وقد نصت الفقرة الأولى من المادة (22) من اتفاقية الرياض على أن: “كل شاهد أو خبير- أيًّا كانت جنسيته- يُعلن بالحضور لدى أحد الأطراف المتعاقدة، ويحضر بمحض اختياره لهذا الغرض أمام الهيئات القضائية لدى الطرف المتعاقد الطالب”([6])، ومنحت المادة الحق للشهود أو الخبراء المطلوب الاستعانة بهم من أحد الدول الأطراف المتعاقدة الحق في قبول أو رفض الطلب بناءً على رغبتهم دون أي قيود أو شروط، وفي هذا الشأن فقد ولى المشرع في الاتفاقية احترام حرية الخبير أو الشاهد في الحضور على الغرض المرجو من الاستعانة بأي أحد منهم في الإثبات أو مساعدة القضاء؛ وهذا يُبين التقدير الكبير الذي منحه المشرع لحرية الإنسان واحترام رغباته.

رابعًا: الحصانة التي يتمتع بها الشهود والخبراء

تأكيدًا من المشرع على احترامه حقوق الشاهد أو الخبير وحريته، فقد نص في الفقرة ذاتها من المادة (22) على أن: “يتمتع (الشاهد أو الخبير) بحصانة ضد اتخاذ إجراءات جزائية بحقه أو القبض عليه أو حبسه عن أفعال أو تنفيذ أحكام سابقة على دخوله إقليم الطرف المتعاقد الطالب”([7])، فقد منح المشرع الشاهد أو الخبير حصانة قضائية، يتمتع بها في الدولة طالبة الاستعانة به، بحيث لا يجوز اتخاذ أي إجراء جزائي ضده، بل وصل الأمر إلى منع الدولة الطالبة من تنفيذ أحكام جزائية لها حجيتها ضد الخبير أو الشاهد إذا كانت صادرة قبل دخوله إقليم الطرف المتعاقد. وتستمر هذه الحصانة لمدة (30) يومًا من تاريخ استغناء الهيئات القضائية عن خدمات الشاهد أو الخبير، وذلك وفقًا لما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (22): “وتزول هذه الحصانة عن الشاهد أو الخبير بعد انقضاء (30) يوما على تاريخ استغناء الهيئات القضائية لدى الطرف المتعاقد الطالب”([8]).

وألزمت الاتفاقية الدولة الطالبة إخطار الشاهد أو الخبير -المطلوب الاستعانة به- كتابةً قبل إحضاره بتمتعه بالحصانة المذكورة، وذلك استنادًا إلى ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (22): “ويتعين على الهيئة التي أعلنت الشاهد أو الخبير إخطاره كتابةً بهذه الحصانة قبل حضوره أول مرة”([9]).

خامسًا: من يتحمل مصروفات سفر وإقامة الشاهد والخبير

لما كانت الدولة طالبة الاستعانة بالخبير أو الشاهد هي المستفيدة وحدها من الحصول على شهادة الشاهد أو رأي الخبير في القضية محل طلب الاستعانة، فكان من المتعين إلزامها بتحمل مصروفات سفر وإقامة الشاهد أو الخبير، بل وأكثر من ذلك، فقد ألزمت الاتفاقية الدولة الطالبة أن تدفع للخبير أو الشاهد ما فاته من كسب نظير تعطيل مصالحه الخاصة وسفره؛ للإدلاء بالشهادة أو الرأي الفني في القضية، وذلك وفقًا لما ورد في الفقرة الأولى من المادة (23) من الاتفاقية: “للشاهد أو الخبير الحق في تقاضي مصروفات السفر والإقامة وما فاته من اجر أو كسب من الطرف ‏المتعاقد الطالب”([10])

وقد نصت الاتفاقية على حق الخبير في المطالبة بأتعابه مقابل الإدلاء برأيه في القضية المراد الاستعانة به فيها، وأخضع المشرع ذلك الأمر لقانون الدولة الطرف طالبة الاستعانة، على أن توضح الأخيرة المبالغ المستحقة للشاهد أو الخبير في أوراق الإعلان، وتلتزم المذكورة بدفع هذه المبالغ -مقدمًا- إلى الخبير أو الشاهد حال طلب الأخير ذلك،  وهذا بناءً إلى ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (23): “كما يحق للخبير المطالبة بأتعابه نظير الإدلاء برأيه ويحدد ذلك كله بناء على ‏التعريفات والأنظمة المعمول بها لدى الطرف المتعاقد الطالب ‏ وتبين في أوراق الإعلان المبالغ التي تستحق للشاهد أو الخبير ويدفع الطرف المتعاقد الطالب مقدما ‏هذه المبالغ إذا طلب الشاهد أو الخبير ذلك”([11]). ‏

سادسًا: إمكانية الاستعانة بالشهود والخبراء المحبوسين لدى إحدى الدول المتعاقدة

حرصًا من المشرع على حصول الدول الأطراف المتعاقدة على الشهود أو الخبراء المراد الاستعانة بهم في قضايا منظورة لدى هذه الدول، وتقديرًا منه لدور الشهادة أو الخبرة في الإثبات خاصةً في القضايا الجزائية، فقد ألزمت الاتفاقية الدول المتعاقدة بنقل الشاهد أو الخبير المحبوس لديها إلى إحدى الدول طالبة الاستعانة بأيٍّ منهما، وذلك بناءً على ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (24) من الاتفاقية: “يلتزم كل طرف متعاقد بنقل الشخص المحبوس لديه- الذي يتم إعلانه وفقا لأحكام هذه الاتفاقية- للمثول أمام الهيئة القضائية لدى أي  طرف متعاقد آخر يطلب سماع شهادته أو رأيه بوصفه شاهدا أو خبيرا ويتحمل الطرف المتعاقد الطالب نفقات نقله”([12]).

وقد ألزمت الاتفاقية الطرف طالب الاستعانة بالشاهد أو الخبير أن يُبقي على الخبير أو الشاهد محبوسًا طول مدة إقامته لديها، كما ألزمتها أيضًا بإعادة الشاهد أو الخبير إلى الدولة طالبة الإعلان في أقرب وقت ممكن بعد الانتهاء من الحصول على شهادته أو رأيه، وذلك استنادًا إلى ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (24) من الاتفاقية: “ويلتزم الطرف المتعاقد الطالب بإبقائه محبوسًا وإعادته في أقرب وقت أو في الأجل الذي يحدده الطرف المتعاقد المطلوب إليه، وذلك مع مراعاة أحكام المادة 22 من هذه الاتفاقية”([13])، وقد أقرت هذه المادة للخبير أو الشاهد المحبوس الحصانة ذاتها ضد الإجراءات الجزائية أو تنفيذ الأحكام ضده في الدولة الطالبة.

سابعًا: إمكانية رفض طلب الاستعانة بالخبير أو الشاهد من قِبَل الدولة المطلوب إليها إعلان الخبير أو الشاهد

إذا كان المشرع قد أعطى للشاهد أو الخبير الحق في رفض طلب الاستعانة به لدى أحد الدول الأطراف المتعاقدة، فلم يمنح المشرع هذا الحق للدول ذاتها، حتى وإن كان لم ينص على ذلك صراحة في الجزء الخاص بالشهود الخبراء في الاتفاقية، غير أن المشرع اتبع هذا النهج في جميع الإجراءات القضائية؛ للتأكيد على وجوب التعاون القضائي بين الدول الأطراف المتعاقدة، ومع هذا فيكون من حق الدول المطلوب إليها الإعلان رفض تنفيذ الطلب إذا كان من شأن تنفيذ المساس بسيادتها أو نظامها العام.

كما نص المشرع على حالات بعينها، يجوز فيها للدول المتعاقدة رفض تنفيذ الطلب في حال كان الشاهد أو الخبير محبوسًا، ووردت هذه الحالات على سبيل الحصر في الفقرة الثالثة من المادة (24): “ويجوز للطرف المتعاقد المطلوب إليه نقل الشخص المحبوس لديه وفقًا لهذه المادة، أن يرفض نقله في الحالات الآتية:

أ-إذا كان وجوده ضروريا لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه نقله بسبب إجراءات جزائية يجرى اتخاذها.

ب-إذا كان من شأن نقله إلى الطرف المتعاقد الطالب إطالة مدة حبسه.

ج-إذا كانت ثمة اعتبارات خاصة أو اعتبارات لا يمكن التغلب عليها تحول دون نقله إلى الطرف المتعاقد الطالب”([14]).

———–

[1] حبابي نجيب، الشهادة وحجيتها في الإثبات الجنائي، ص21

[2] محمد واصل، الخبرة الفنية أمام القضاء، ص22

[3] عبد الله أوهابية، شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ص386

[4] العربي شحط عبد القادر، الإثبات في المواد الجنائية في ضوء الفقه والاجتهاد القضائي، ص92

[5] المادة (16) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

[6] المادة (22) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

[7] المادة (22) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

[8] الفقرة الثانية من المادة (22) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

[9] الفقرة الثانية من المادة (22) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

[10] الفقرة الأولى من المادة (23) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

[11] الفقرة الثانية من المادة (23) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

[12] الفقرة الأولى من المادة (24) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

[13] الفقرة الثانية من المادة (24) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

[14] الفقرة الثالثة من المادة (24) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي

إعداد محمد محمود

error: Alert: Content is protected !!