الادعاء بتزوير السند في الدعوى المدنية
إن من البينات التي يمكن تقديمها في دعوى مرفوعة أمام القضاء وذلك بهدف إثبات الحق موضوع الدعوى هي الأدلة الكتابية، إلا أنه قد يقوم الخصم بالاعتراض على ما يبرزه خصمه من بينات كتابية ويدعي أن إحداها مزورة، فما موقف القضاء من هذا الادعاء؟، وما هي الإجراءات الواجب إتباعها في حال قُدم هذا الادعاء من الخصم، وما هو مصير الدعوى في حال ادعى الخصم بأن السند مزور؟
المقصود بالسند
إن الأدلة الكتابية تقسم إلى ثلاثة أقسام وهي: الأسناد الرسمية والأسناد العادية والأوراق غير الموقعة، ويقصد بالأسناد الرسمية هي التي ينظمها الموظفون الذين من اختصاصهم تنظيمها طبقاً للأوضاع القانونية ويحكم بها دون ان يكلف مبرزها إثبات ما نص عليه فيها ويعمل بها ما لم يثبت تزويرها، ولها شكل آخر فهي التي ينظمها أصحابها ويصدقها الموظفون الذين من اختصاصهم تصديقها طبقاً للقانون. وينحصر العمل بها في التاريخ والتوقيع فقط، أما السند العادي هو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه أو على خاتمه أو بصمة أصبعه وليست له صفة السند الرسمي.
على أي نوع من السندات يقع الادعاء بالتزوير؟
إن الادعاء بتزوير السند يوجه للسندات الرسمية والسندات العادية.
ما هو المقصود بالتزوير؟
هو نوع من أنواع الغش، فهو تغير وتزيف الحقائق الموجودة في السند إما بمحتواه أو بالتوقيع، وهذا التغير من شأنه أن يلحق الضرر بمصلحة شخص من الأشخاص أو بالمصلحة العامة.
المقصود بالادعاء بتزوير السند
هو أن يدعي الخصم أن السند المقدم كدليل إثبات من خصمه هو غير صحيح ومزور وذلك بهدف استبعاده كدليل إثبات في الدعوى وعدم العمل به.
الفرق بين الادعاء بالتزوير وبين دعوى التزوير؟
دعوى التزوير تقام أمام محكمة جزائية أما الادعاء بالتزوير هو ادعاء يقدم أمام المحكمة المدنية التي أبرز أمامها السند المدعى تزويره ، فإذا حكمت المحكمة باستبعاد السند وعدم الأخذ به ، فإن هذا الاستبعاد قاصر على الدعوى المبرز فيها ولا يسري على غيرها من الدعاوى ويجوز رفضه والاحتجاج في دعوى أخرى ، أما في دعوى التزوير إذا حكمت المحكمة بتزوير السند فقد قوته بالإثبات نهائياً ، ويتم إيقاع العقوبة على مرتكب جريمة التزوير ، وعلى مستعمل السند المزور ، فإذا ثبت أنه صحيح وغير مزور يتم العمل به ولا يجوز الطعن بصحته بالتزوير مرة أخرى .
شروط السند المدعى تزويره
1_ أن يكون مكتوباً سواءً إدعى بتزوير الحروف أو الأرقام أو الرموز الموجودة في السند.
2_ مضمون السند، لا بد أن يتضمن السند سرداً لواقعة مادية أو قانونية تعبر عن الإرادة، فإذا خلا عن تعبير عن الإرادة انعدم وجود التزوير.
3_ أن يكون السند رسمي أو عادي.
الفرق بين التزوير والاحتيال
الشخص الذي يستعمل رخصة قيادة مركبة صادرة باسم شخص آخر دون أن يكتب أية عبارة عليها تتضمن سردا لواقعة أو تعبيرا عن إرادة، ولا يعدُ هذا الشخص مزوراً بحكم القانون لأنه لم يغير أي من النصوص أو الشكليات الواردة في الرخصة، وإن كان من الجائز توجيه التهام لهذا الشخص لارتكابه فعل احتيال.
ادعاء الخصم بتزوير السند
على من يدعي التزوير ان يبين بشكل دقيق موضوع التزوير في السند، وهل التزوير في مضمون السند أو في التوقيع، وما إذا كان التزوير حصل في تغيير إقرارات أصحاب العلاقة أو جعل واقعة غير صحيحة في صورة واقعة معترف بها أو انتحال شخصية الغير وإذا كان يجوز لصاحب التوقيع على السند ان يدعي بالتزوير بعد ادعائه الأنكار، الا انه لا يجوز له الادعاء بالأنكار بعد ادعائه التزوير، فالادعاء بالتزوير مانع من الادعاء بالإنكار.
موقف المحكمة من الادعاء بتزوير السند
في حال أدعى الخصم بأن خصمه قد قدم سند مزور واقتنعت المحكمة أن من الممكن أن يكون ادعاء الخصم صحيح بحيث أن هناك دلائل ومؤشرات تنبئ بوجود تزوير في السند، ففي هذه الحالة، تقوم بإحالة دعوى التزوير إلى النيابة العامة.
ما تطلبه المحكمة من مدعي التزوير
تكلف المحكمة مدعي التزوير بتقديم كفيل يضمن للخصم ما قد يلحق به من عطل وضرر إذا لم يثبت دعواه وذلك قبل إحالة دعوى التزوير إلى النيابة العامة
مصير الدعوى المبرز فيها السند المدعى تزويره
عند ادعاء الخصم بتقديم خصمه سند مزور تقوم المحكمة بتأجيل النظر في الدعوى وذلك في حال كانت الدعوى متعلقة جميعها بالسند المدعى تزويره، أما في حال كان السند متعلق بمادة أو أكثر فلا يجوز التأخير في نظر باقي المواد التي تضمنتها الدعوى.
وعليه فإن الشروط يجب على المحكمة أن تأخذها بعين الاعتبار قبل الإحالة للنيابة العامة وذلك عند تقديم ادعاء بالتزوير وهي:
أن يقدم الادعاء بالتزوير من الخصم وأن يبين الخصم مواضع التزوير التي يدعيها في السند، أن تقدر المحكمة فيما إذا كان الادعاء بالتزوير منتجاً في الدعوى أم لا، وأن تقتنع المحكمة بوجود دلائل على التزوير، وأن يقدم مدعي التزوير كفالة.
الآثار المترتبة على الادعاء بالتزوير
يرتب على الادعاء بتزوير السند آثار تختلف باختلاف نتيجة الادعاء، ففي حال ثبوت صحة الادعاء بالتزوير اعتبر السند عديم الفائدة سواءً كان سند رسمي أو سند عادي ـ، وتقوم المحكمة بإحالة دعوى التزوير للنيابة العامة للتحقيق ومن ثم إرسال الدعوى إلى المحكمة المختصة، أما في حال ثبوت عدم صحة الادعاء بالتزوير أعتبر السند صحيحاً ولا يجوز الطعن به مرة أخرى ولو كان الطعن ينصب في المرة الثانية على مواضع أخرى من السند خلاف المواضع التي طعن بتزويرها في الادعاء بالتزوير.
النصوص القانونية المتعلقة بالادعاء بتزوير السند
إذا ادعي أن السند المبرز مزور وطلب الى المحكمة التدقيق في ذلك وكان هناك دلائل وأمارات تؤيد وجود التزوير تأخذ المحكمة من مدعي التزوير كفيلا يضمن لخصمه ما قد يلحق به من عطل وضرر إذا لم تثبت دعواه ثم تحيل أمر التحقيق في دعوى التزوير الى النيابة وتؤجل النظر في الدعوى الأصلية الى أن يفصل في دعوى التزوير المذكورة على أنه إذا كان السند المدعى تزويره يتعلق بمادة أو أكثر فلا يؤخر النظر في باقي المواد التي تضمنتها الدعوى.
اجتهادات محكمة التمييز الأردنية فيما يتعلق بالادعاء بتزوير السند
1_ الحكم رقم 66 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الحق: إثبات ادعاء التزوير أمام المحاكم المدنية
أن ثبوت وقوع التزوير بالوكالة التي تم بالاستناد إليها إبرام عقد البيع المطلوب فسخه وإلغاؤه يثبت أما بحكم جزائي أو بالخبرة أو بأية وسيلة يجيز القانون إثبات التزوير بها وحيث يدعي المدعى وقوع التزوير قبل واقعة وفاة المدعو س وهو الذي قام باستعمال الوكالة المدعى تزويرها وقام بإجراء البيع بالاستناد إلى تلك الوكالة وإنه لا يوجد ما يمنع مدعي التزوير إثبات وقوعه أمام القضاء المدني.
وكان على محكمة الموضوع معالجة الدعوى على ضوء ما قدم من بينات ومعالجة البينات المقدمة بالدعوى ومراعاة طلب المدعي بإجراء الخبرة ومراعاة أيضاً حكم المادة (185/1/ب) من قانون أصول المحاكمات المدنية والمواد (100 و158 و99) من قانون أصول المحاكمات المدنية التي أمدها بها المشرع للتحقق من ثبوت واقعة التزوير من عدمه كون هذه الواقعة من الأمور الجوهرية للفصل في الدعوى وحيث نهجت نهجاً مخالفاً تكون هذه الأسباب ترد على الحكم المطعون فيه وتوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن على ضوء ما توصلنا إليه.
2_ الحكم رقم 6441 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية: إثارة وجوب تكليف مدعي التزوير بتقديم كفالة يجب أن يكون أمام محكمة الاستئناف قبل إثارته أمام محكمة التمييز وإلا لن تأخذ محكمة التميز به بعين الاعتبار.
من أسباب التمييز:
أخطأت المحكمة بعدم فسخ قرار محكمة البداية كونها خالفت نص المادة 99 من قانون أصول المحاكمات المدنية من حيث عدم تكليف المميز ضده بتقديم كفيل يضمن للمميزة ما قد يلحق بها من ضرر إذا لم تثبت دعواه كما أخطأت محكمة البداية بعدم إحالة أمر التحقيق في دعوى التزوير إلى النيابة وتؤجل النظر في الدعوى الأصلية.
فيما يخص تخطئ الطاعنة محكمة الاستئناف بعدم فسخ قرار المحكمة الابتدائية لأن الأخيرة خالفت المادة (99) أصول مدنية بعدم تكليف المميز ضده بتقديم كفالة تضمن للمميزة ما قد يلحق بها من عطل أو ضرر.
وفي ذلك نجد أن الطاعنة تثير ما جاء في هذا السبب لأول مرة أمام محكمة التمييز ولم تتمسك به أمام محكمة الاستئناف فيكون مخالفاً لأحكام المادة (198/6) أصول مدنية فنقرر الالتفات عما جاء فيه
3_ الحكم رقم 4473 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية
للمحكمة سلطة تقديرية في تقدير قيمة الكفالة الواجب تقديمها من مدعي التزوير
وعن السبب الأول ومفاده الطعن في القرار المميز لتخفيض المحكمة قيمة الكفالة العدلية إلى مئة ألف دينار وكان من الإنصاف والعدل أن تكون مساوية لقيمة المبلغ المدعى به أو المحكوم به.
ورداً على ذلك نجد أن هذا السبب ينصب على الصلاحية التقديرية لمحكمة الموضوع في تقدير قيمة الكفالة المطلوبة من مدعي التزوير لضمان ما قد يلحق المدعي من عطل وضرر وليس لدفع قيمة المبلغ المدعى به أو المحكوم به مما يجعل هذا السبب لا يرد على القرار المميز فنقرر رده.
للمحكمة المدنية أن تتأكد من وقوع التزوير بالطرق والوسائل الجزائية عند شموله بالعفو العام أو التقادم
وعن السبب الثالث ومفاده الطعن في القرار المميز لعدم بحث المحكمة في ادعاء التزوير كونه لا يمكن البحث في التزوير إذا كان التزوير مشمولاً بالتقادم أو العفو العام.
ورداً على ذلك نجد أنه من المقرر في قضــــــــــــــــــــــــاء محكمة التمييز كقاعدة عامة أن التقادم وشمول التزوير بالعفو العام لا يكسب العقد المزور صيغة المشروعية قرار تمييز رقم 910/1999) وأنه إذا تعذر بحث التزوير الجزائي بسبب مرور الزمن أو شموله بالعفو العام وتعذر الملاحقة الجزائية فإن على المحكمة المدنية أن تتولى وظيفة المرجع الجزائي في الحدود المتعلقة باستنبات التزوير بالطرق والوسائل الجزائية
( قرار تمييز رقم 2819/2002) .
وحيث إن التزوير المدعى به مشمول بقانون العفو العام رقم (5) لسنة 2019 كان على محكمة البداية بصفتها الاستئنافية التثبت من وجود التزوير أو عدمه باعتبارها ناظرة للدعوى لا أن تحيل الأمر إلى المدعي العام.
وحيث إن المحكمة الاستئنافية قضت بخلاف ذلك وأحالت الأوراق إلى المدعي العام وأوقفت السير في الدعوى فيكون قرارها مخالفاً للقانون ومستوجباً نقضه.