الرسائل وقوتها في الإثبات
أعطى المشرع الأردني الرسائل حجية كاملة في الإثبات ،لتكون بمثابة السند العادي ،مشرطا في ذلك أن تكون موقعه من مرسلها إلى أن يثبت العكس بالكتابة أو أن يثبت أن موقعها لم يرسلها ولم يكلف أحدا بإرسالها ،وباستقراء نص المادة 13 من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته ،نجد أن المشرع واكب التطور التكنولوجي ،فقد راعى في نص المادة المشار إليها سابقا وجود البريد الإلكتروني ،حيث أعطى للرسائل المرسلة من خلاله ذات الحجية التي منحها للبرقيات والتلكس والفاكس ،ولهذا سوف نتناول في هذا المقال الرسائل وقوتها في الإثبات وعلى النحو التالي :
قيمة الرسائل في الإثبات
وفقا لنص المادة 13 من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته، يتضح بأن المشرع قد أعطى للرسائل قوة السندات العادية في الإثبات، بالرغم من أن هذه الرسائل لم تكن معدة للإثبات أصلا، وعلى ذلك فأن الرسائل وهي أوراق غير معدة للإثبات تصبح كدليل كتابي كامل إذا توافرت فيها شروط السندات العادية، بأن تتضمن من البيانات ما يحدد الواقعة المراد إثباتها، وتتمثل حجية الرسائل كما يلي:
حجتها كدليل كامل
تعتبر الرسالة الموقعة حجه على المرسل من حيث صدورها منه بحيث لا يجوز إثبات عكس ما هو ثابت بها إلا بالكتابة ،كذلك يجوز للخلف العام لمن تلقى الرسالة (المرسل إليه)التمسك بها في الحدود التي كان يجوز بها لمورثهم أن يتمسك بها ،أما الغير فلا يجوز التمسك بالرسالة لإثبات حق يدعيه ،إلا إذا كانت الرسالة قد وصلت إليه عن طريق مشروع ،وبما أن الرسائل بالأصل غير معدة كدليل للإثبات ،فيجب على القاضي أن يفسر الرسالة بما يتناسب مع الحال الذي كتبت فيه ،حيث يجوز له أن يرى في عبارات الرسالة دليلا كاملا على التصرف المراد إثباتها بها ،أو أن لا يرى فيها سوى مبدأ ثبوت بالكتابة أو قرينة قضائية ،أو يرى بأنها لا قيمة لها في الإثبات .
حجتها الناقصة:
إذا لم تكن الرسالة موقعه أو أنكر مرسلها أنه لم يرسلها فإن حجية هذه الرسالة مشروطة بعدم إنكارها من قبل مرسلها، وفي حال أثبت المرسل أنه لم يقم بإرسالها ولم يكلف أحد بإرسالها، فلا قيمة لها في الإثبات، ويقع على عاتق المرسل عبء الإثبات، ويشترط أيضا ألا تتضمن الرسائل أسرارا غير جائز إفشائها بنص لقانون وألا يكون فيها انتهاك لحرمة الحياة الخاصة للمرسل بالإضافة إلى وجود مصلحة مشروطة للمرسل إليه بتقديمها للقضاء.[1]
البرقيات وحجتها في الإثبات
قرر المشرع الأردني وفي المادة 13 فقرة 2 من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته حجية معينه للبرقيات وهي حجية السند العادي ،ولكن وحتى تكون للبرقية قيمة السند العادي في الإثبات يجب أن يكون أصلها المودع في دائرة البريد موقعا عليه من قبل مرسلها ،وفي حالة كان الأصل لا يحمل توقيع المرسل فلا تكون للبرقية قيمة في الإثبات ،وقد أفترض القانون مطابقة البرقية لأصلها المودع في دائرة البريد ،وفي حال تم إتلاف الأصل بعد فترة معينه من حفظه لدى هذه الدائرة ،فلا يعتد بالبرقية إلا على سبيل الاستئناس .
حجية رسائل التلكس في الإثبات
يعتبر التلكس من وسائل الاتصال الحديثة، وقد انتشر استعماله في معاملات الأشخاص وبخاصة المعاملات التجارية، كونه وسيله للإثبات يتم من خلالها الحصول على البيانات والمعلومات وإنجاز الأعمال.
ويمكن تعريف التلكس بأنه جهاز طباعة إلكتروني متصل ببداله يطبع البيانات الصادرة من المرسل بلون أحمر، والبيانات الصادرة من المرسل إليه بلون أسود، ويستطيع المشترك من خلاله أن يتصل مع أي مشترك آخر يملك الجهاز نفسه، وإرسال إيجابه واستلام رده سواء أكان داخل البلد أو خارجه، من خلال تزويد الرقم المخصص للمشترك المطلوب، فتظهر البيانات مكتوبة بسرعة عالية وخلال ثواني في كلا لجهازين، ولكل مشترك رقم ورمز النداء من الجهاز المرسل إليه.
وقد أعطى المشرع الأردني رسائل التلكس الحجية الكاملة في الإثبات من خلال ما أورده في نص المادة 13/3 من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته، بحيث جعل لرسائل التلكس قوة السندات العادية في الإثبات فيما بين أطرافه والغير، ولكي تكون له حجية السند العادي يجب أن يكون موقعا، وهذا التوقيع هو التوقيع الإلكتروني عن طريق الرقم السري المتفق عليه بين الأطراف المستخدمة للتلكس.
وموقف المشرع الأردني من حيث حجية رسائل التلكس كان على عكس ما تبناه القضاء اللبناني الذي لم يعط هذه الرسائل أي حجية كونه اعتبره أداة مراسلة تفتقر إلى توقيع المرسل، أما المشرع المصري فقد كان موقفه كموقف المشرع الأردني، فقد أعترف بالتلكس وغيره من وسائل الاتصال الحديثة، وذلك بقصد تبسيط الإجراءات في بعض الحالات، وكذلك الحال بالنسبة للقضاء الفرنسي الذي أعترف أيضا برسائل التلكس، ومنحها حجية قانونية في الإثبات.[2]
حجية رسائل الفاكس في الإثبات
يعرف الفاكس على أنه جهاز نقل للمستندات والصورة يطلق عليه الاستنساخ عن بعد بالهاتف، بحيث يمكن به نقل الرسائل والمستندات المخطوطة باليد أو بالطباعة بكامل محتوياتها نقلا مطابقا لأصلها، فتظهر المستندات والرسائل على جهاز فاكس آخر في حيازة المستقبل، ويكون هنالك فاصل زمني للرد على المرسل.
وقد أعطى المشرع الأردني لهذه الرسائل حجية السندات العادية في الإثبات، حيث نص على ذلك صراحة في متن المادة 13/3/أ من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته، وتأكيدا على ذلك قررت محكمة التمييز الأردنية في قرار لها على أن ((صورة الفاكس والموقع حسب الأصول يعتبر بينة مقبولة في الإثبات، كما اعتبرت الفاكس الصادر عن مالك الباخرة إقرارا من المالك بحق المدعية بقيمة ما لحقها من ضرر وإن هذا الإقرار وهو صورة فاكس إقرار يقطع التقادم)).[3]
وعليه فإن الفاكس يتمتع بكامل الحجية القانونية في الإثبات في جميع الحالات التي لا يتطلب القانون فيها شكلا معينا للتصرف القانوني المراد إبرامه، وكذلك في الحالات التي يتمتع فيها المتعاقدون بحرية الإثبات دون التقيد بطريقة معينة، وبالتالي فإن جميع الأعمال التجارية التي تتم بين التجار مع بعضهم البعض يمكن أن تتم بواسطة الفاكس.
حجية مخرجات الحاسوب في الإثبات
منح المشرع الأردني مخرجات الحاسوب أي كان نوعها (المصدقة أو الموقعة) قوة الأسناد العادية في الإثبات، طالما كانت هذه المخرجات منسوبه الى صاحبها، وكان قد تم التصديق عليها، أو تأمينها بوسيلة تقنية تمنع اختراقها وهذا ما نصت عليه المادة 13/2/ج من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته، ولكن في حالة قام الطرف الذي نسبت إليه بإثبات أنه لم يستخرج هذه المخرجات ولم يكلف أحد باستخراجها فقدت قوتها كسند عادي، وأصبحت لا قيمة لها في الإثبات.
حجية رسائل البريد الإلكترونية في الإثبات
لم يضع المشرع الأردني تعريفا للبريد الإلكتروني أو لرسائل البريد الإلكتروني، ولكنه نص في متن المادة 13/3/أ من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته، على أن رسائل البريد الإلكتروني تتمتع بقوة الأسناد العادية في الإثبات.
ومن الجدير بالذكر بأن هذه الرسائل سواء أكانت نصية أو ضوئية أو مرفقا بها صور أو أصوات يتم إرسالها باستخدام الحاسوب عبر شبكة اتصالات عامه، حيث يتم كتابة الرسالة إلكترونيا على جهاز الحاسوب، ثم يتم إرسالها إلى جهاز حاسوب المستقبل (المرسل إليه).
النصوص القانونية المتعلقة بالرسائل وقوتها في الإثبات
المادة (13):
- تكون للرسائل قوة الأسناد العادية من حيث الإثبات ما لم يثبت موقعها انه لم يرسلها ولم يكلف أحد بإرسالها.
- وتكون للبرقيات هذه القوة أيضا إذا كان أصلها المودع في دائرة البريد موقعاً عليه من مرسلها.
- أ. مع مراعاة بنود هذه الفقرة، تكون لرسائل الفاكس والتلكس والبريد الإلكتروني وما ماثلها من وسائل الاتصال الحديثة قوة السندات العادية في الإثبات اذا اقترنت بشهادة من أرسلها لتأييد صدورها عنه أو بشهادة من وصلت اليه لتأييد تسلمه لها ما لم يثبت خلاف ذلك.
ب. تكون لرسائل البريد الإلكتروني قوة السندات العادية في الإثبات دون اقترانها بالشهادة اذا تحققت فيها الشروط التي يقتضيها قانون المعاملات الإلكترونية النافذ.
ج. يجوز الاتفاق على ان تكون البيانات المنقولة أو المحفوظة باستخدام التقنيات الحديثة من خلال رقم سري متفق عليه فيما بين الطرفين حجة على كل منهما لإثبات المعاملات التي تمت بمقتضى تلك البيانات.
د. تكون لمخرجات الحاسوب المصدقة أو الموقعة قوة الأسناد العادية في الإثبات ما لم يثبت من نسبت اليه انه لم يستخرجها أو لم يصدقها أو يوقعها أو لم يكلف أحدا بذلك.
استعيض عن نص الفقرة الأصلية من هذه المادة من القانون الأصلي بموجب المادة 2 من القانون المعدل رقم 22 لسنة 2017.
من قرارات الأحكام الصادرة عن محكمة التمييز الأردنية المتعلقة بالرسائل وقوتها في الإثبات
وعن الأسباب من الثاني ولغاية الخامس وحاصلها الطعن على صحة استناد محكمة الاستئناف في حكمها المطعون فيه إلى ما ورد في كشوفات الحساب المستخرجة من الحاسب الآلي وأنها لا تحمل توقيع المميز وهي من صنع المميز ضدها.
وفي ذلك نجد أن المدعية قدمت من ضمن بيناتها كشوف الحساب التي تظهر انشغال ذمة المميز بمبلغ 6759 ديناراً وتم الاستماع لشهادة الشاهد الذي استخرج هذه الكشوفات (خالد علي شتيوي العزام) وهو أيضاً من ضمن بينات المميز الشخصية وقد ذكر في شهادته بأنه هو من استخرج كشوفات الحساب ووقع عليها وأنه هو الذي يتلقى طلبات المميز أو المتعهد لديه لكميات الباطون فإن شهادته وبوصفها من بينات المميز قد جاءت متساندة مع بينات المدعية وتؤكد انشغال ذمة المميز بالمبلغ الوارد في كشف الحساب وأن كميات الباطون تم تسليمها للمميز فإن الاستناد إلى هذه الكشوفات باعتبارها بينة كاملة يتفق وأحكام المادة 13/د من قانون البينات التي جعلت لمخرجات الحاسوب المقدمة والموقعة قوة الأسناد العادية في الإثبات متى كانت موقعة ومصادق عليها من قبل من استخرجها وشهد على صحتها وصحة توقيعه وحيث إن الأمر كذلك فإن هذه الأسباب غير واردة ويتعين ردها .
إعداد المحامية : ثمار إبراهيم
الموقع الإلكتروني حماة الحق للمحاماة
[1] د. مفلح عواد القضاة ،الإثبات في المواد المدنية والتجارية ،ص 131.
[2] د. حامد عبد العزيز الجمال ،التعاقد عبر تقنيات الاتصال الحديثة ،ص262
[3] تمييز حقوق رقم 1878 تاريخ 18/8/2003 منشورات عدالة