العلامة التجارية
يمثل عنوان هذا المقال تساؤلاً هاماً لايزال يدور في أذهان الكثيرين، خاصة في ظل عدم قدرة البعض بعد على التمييز بين العلامة التجارية وما يتشابه معها من المصطلحات الأخرى المستخدمة في ذات المجال كالاسم التجاري والعنوان التجاري، على الرغم من أن الاهتمام بوضع نظم وطنية ودولية لضبط وتنظيم حماية مدنية وجنائية للعلامة التجارية قد بلغ مرحلة متقدمة، وذلك لما فطن إليه المجتمع الدولي والحكومات من الأهمية التي تتمتع بها العلامة التجارية في المجال التجاري والاقتصادي.
ويمكننا أن نعزي ذلك الغموض إلى أن الدراسات والأبحاث والمقالات التي وضعت بشأن العلامة التجارية قد انصبت على جانب وحيد من جوانب الملكية الفكرية، فنجد ما انصب منها على الحماية المدنية للعلامة التجارية، ومنها ما انصب على حمايتها الجنائية، وغيرها ممن اتخذت طريقة تسجيل العلامة التجارية محلاً وموضوعاً لها، إلا أن التعريف بماهية العلامة التجارية وأنواعها وغيرها من التفصيلات الأخرى التي توضح مفهوم العلامة التجارية لم يتم طرحها على مائدة البحث والدراسة بالشكل والكم المناسبين لأهميتها.
لذلك سيكون هذا المقال منصباً على تلك الجزئيات التي توضح ماهية العلامة التجارية بشكل سائغ ومستساغ، وترسم لها صورة مبسطة تجعلها مفهومة وواضحة لدى الجميع، وذلك في ضوء ما أقره المشرع الأردني بشأن العلامة التجارية من ضوابط بقانون العلامات التجارية رقم (33) لسنة 1952 وما أدخل عليه من تعديلات سارية ومعمول بها حتى الآن.
أولاً: ما هو المقصود بالعلامة التجارية؟
ثانياً: العلامة التجارية وما يتشابه معها
ثالثاً: شرط تسجيل العلامة التجارية
أولاً: ما هو المقصود بالعلامة التجارية؟
تؤدي العلامة التجارية دوراً هاماً ومحورياً في الحياة التجارية والاقتصادية لأي مجتمع، فهي تساعد المستهلك على تمييز المنتج أو الخدمة التي ينشدها دون غيرها مما يتشابه معها من منتجات أو خدمات، كما تساعد التاجر في أن يضع منتجاته أو خدماته التي يقدمها موضع التميز بما يحمي حقوقه ومصالحه التجارية، وهي بذلك تحقق فائدة مزدوجة للتاجر والمستهلك على حد سواء، وهو ما يجعلها بمثابة الأداة الرئيسية في تمييز سلع وخدمات المنتجين عن بعضها البعض، والتي بلغت أهميتها مكانة جعلتها تصبح من أهم العناصر المعنوية المكونة للمحل التجاري.
1- التعريف بالعلامة التجارية
من الطبيعي أن يكون هناك درجة من التباين والاختلاف في تعريف العلامة التجارية لدى كل دولة من دول العالم، ويرجع ذلك إلى أن كل دولة لها نظرتها الخاصة التي تنظر بها إلى العلامة التجارية، وهذه النظرة تتغير وفقاً لطبيعة النشاط التجاري وأهميته في كل دولة، كما تتأثر أيضاً بطبيعة التشريعات والقوانين التي يتم تطبيقها فيها، وهو ما ترتب عليه وجود صعوبة بالغة في تحديد تعريف متفق عليه للعلامة التجارية، خاصة وأن الغالبية العظمى من التشريعات تركت مهمة تعريفها للاجتهادات الفقهية.
ومن أهم وأبرز التعريفات التي وضعها فقهاء القانون للعلامة التجارية تعريفها على أنها إشارة يتم وسم المنتجات والسلع الخاصة بتاجر ما بها ليسهل تمييزها عن المنتجات والسلع الأخرى التي تتشابه معها وتخص التجار الآخرين من أصحاب نفس المهنة أو غيرها[1].
وأيضاً عُرفت بأنها وسيلة متميزة يختص بها التاجر أو الصانع لكي يتمكن من تمييز ما ينتجه أو يبيعه من سلع وخدمات عن السلع والخدمات التي تتشابه معها وينتجها أو يبيعها غيره من التجار والصناع، والتي تتخذ شكل الرمز، أو الرسم، أو الحرف، أو غيرها من الأشكال المختلفة التي يمكن أن يستدل منها على أصل السلعة أو الخدمة، بما يجعلها جسراً يصل بين التاجر وعملائه بشكل مباشر بما يدعم ثقتهم به.
كما عرفت في تعريف آخر بأنها الشكل الذي يتمتع بتكوين خاص ويتخذه التاجر كأداة يمكنه من خلالها أن يضع تفرقة بين منتجه أو خدمته وبين سائر المنتجات أو الخدمات الأخرى التي يقدمها غيره من تجار.
وحتى لا يدع مجالاً للتضارب أو الاختلاف في تحديد ماهية العلامة التجارية فقد اتجه المشرع الأردني إلى وضع تعريف محدد للعلامة التجارية بقانون العلامات التجارية الأردني، وإن كان البعض يرى أن ذلك المسلك يعد مأخذ على المشرع الأردني لكونه وضع تعريف محدد للعلامة التجارية مخالفاً ما هو متعارف عليه من أن الاهتمام بوضع التعاريف القانونية يدخل في مهام فقهاء القانون وشراحه، إلا أننا ومن وجهة نظرنا الخاصة نؤيد هذا المسلك الذي سلكه المشرع الأردني، حيث أن ما قرره من حماية مدنية وجنائية للعلامة التجارية كان يستلزم معه أن يتم وضع تعريف محدد وصريح لها ليتحدد بموجبه ما يدخل في إطار تلك الحماية وما يخرج عنها من علامات، خاصة وأن تعريف المشرع الأردني للعلامة التجارية قد أخذ منحى التوسع بعد تعديله بموجب التعديلات التي أدخلت على القانون رقم (33) لسنة 1952 والتي ترتب عليها اعتماد العلامة التجارية بالنسبة للخدمات بجانب المنتجات والبضائع بعد أن كان يستبعدها في التعريف القديم قبل تعديله، كما أن هناك بعض الدول الأخرى التي نهجت ذات منهاج المشرع الأردني في وضع تعريف محدد للعلامة التجارية كما فعل المشرع الإماراتي والمشرع المصري.
وبالرجوع إلى تعريف العلامة التجارية في القانون الأردني يتبين لنا أنه قد تضمن في مادته الثانية تعريفاً عاماً للعلامة التجارية، بجانب تعريفاً خاصاً لما يعرف بالعلامة التجارية المشهورة والعلامة التجارية الجماعية.
أ_ العلامة التجارية
عرف المشرع الأردني في المادة الثانية من قانون العلامات التجارية العلامة التجارية بوجه عام بأنها: (أي إشارة ظاهرة يستعملها أو يريد استعمالها أي شخص لتمييز بضائعه أو منتجاته أو خدماته عن بضائع أو منتجات أو خدمات غيره).
وهذا التعريف يتفق بشكل كبير مع التعريفات الفقهية التي وضعت في سبيل تعريف العلامة التجارية، والتي وإن اختلفت مع التعريف القانوني لها فإن هذا الاختلاف لا يعدو كونه اختلافاً ظاهرياً لا يؤثر على المضمون.
ونلاحظ في هذا التعريف أنه قد أدرج العلامة التجارية الخاصة بالخدمات ضمن التعريف بالعلامة التجارية بوجه عام، وذلك لإسباغ الحماية القانونية لها هي الأخرى مساواة بنظيرتيها في المنتجات والبضائع بعد أن كان التعريف مقتصراً على الأخيرتين فقط قبل تعديل القانون، وهو ما أوضحته المحكمة الإدارية الأردنية في حكمها رقم 61 لسنة 2014 بجلسة 18/1/2015 والذي جاء به أن:
(ووفقاً للمادة الثانية من قانون العلامات التجارية فإن العلامة التجارية هي أي إشارة ظاهرة يستعملها أو يريد استعمالها أي شخص لتمييز بضائعه أو منتجاته أو خدماته عن بضائع أو منتجات أو خدمات غيره، ووفقاً لهذا التعريف فإن العلامة التجارية قد تكون لبضائع أو لمنتجات وقد تكون لخدمات).
ب_ العلامة التجارية المشهورة
العلامة التجارية المشهورة في الأصل هي علامة من العلامات التجارية العادية والتقليدية، إلا أنها أخذت في الاتساع والانتشار في الأسواق الوطنية والعالمية بحيث أصبحت معروفة للغالبية العظمى من العاملين بالتجارة والصناعة وذوي الاهتمام بهذين المجالين، وأصبحت تلك العلامة ذات علاقة وارتباط للبضائع أو منتجات أو خدمات تتمتع بدرجة عالية ومتميزة من الجودة، وليس لها سوى مصدر واحد يتم التعرف عليه من خلال مجموعة من العناصر أهمها الصفة الفارقة، ودرجة تعرف المستهلكين عليها وثقتهم بها، ومن أمثلة تلك العلامات المشهورة علامة (التفاحة المقضومة) التي تتميز بها جميع منتجات شركة آبل (Apple).
وقد تصدى قانون العلامات التجارية الأردني إلى التعريف بالعلامة التجارية المشهورة، حيث عرفها في مادته الثانية بأنها (العلامة التجارية ذات الشهرة العالمية التي تجاوزت شهرتها البلد الأصلي الذي سجلت فيه واكتسبت شهرة في القطاع المعني من الجمهور في المملكة الأردنية الهاشمية مع مراعاة التعليمات التي يصدرها الوزير بهذا الخصوص وبما يتفق مع الالتزامات والواجبات المترتبة بمقتضى الاتفاقيات المتعلقة بحماية العلامة التجارية المشهورة والتي تكون المملكة طرفاً فيها وعلى أن تنشر هذه التعليمات في الجريدة الرسمية).
وقد تواترت أحكام محكمة العدل العليا على إيراد الشروط التي يلزم توافرها في العلامة التجارية لكي تعد علامة تجارية مشهورة، حيث قضت في أحد أحكامها بأن:
(1- يستفاد من المادة الثانية من قانون العلامات التجارية الباحثة في تعريف العلامة التجارية المشهورة أن العلامة التجارية المشهورة حتى تكون كذلك لابد فيها من توافر أمرين:
الأول: أن تكون شهرتها قد جاوزت البلد الأصلي المسجلة فيه.
الثاني: أن تكون قد اكتسبت شهرة في القطاع المعني في المملكة الأردنية الهاشمية)[2].
مما يتبين معه أن العلامة التجارية المشهورة لا تعد كذلك إلا إذا كانت شهرتها ومعرفة المستهلكين بها قد تجاوزت حدود الدولة التي تم تسجيلها بها، وأيضاً أن تكون شهرتها تلك قد تحققت أيضاً بين قطاع المستهلكين المعنيين بتلك العلامة داخل المملكة الأردنية الهاشمية، فإن تخلف أحد هذين الشرطين تكون العلامة التجارية هنا هي علامة تجارية عادية لا يصدق عليها وصف المشهورة.
ج_ العلامة التجارية الجماعية
ثالث أنواع العلامات التجارية التي تحدث عنها القانون هي العلامة التجارية الجماعية، ويقصد بها طبقاً للتعريف الوارد بالمادة الثانية من القانون: (العلامة التي يستعملها شخص اعتباري لتصديق مصدر بضائع ليست من صنعه أو المواد المصنوعة منها أو جودتها أو طريقة إنتاجها أو الدقة المتبعة في صنعها أو غير ذلك من ميزات وخصائص لتلك البضائع).
أي أن العلامة التجارية الجماعية تعود بملكيتها لشخص اعتباري مؤسسة كان أو هيئة أو شركة أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية الأخرى، ويكون استعمالها من قبل هذا الشخص الاعتباري عن طريق كل أو بعض أعضائه من الأشخاص الطبيعيين الذين ينتمون إليه، ويكون استعمالهم لها بهدف إعلام المستهلكين عن خصائص مميزة لبضائع الشخص الاعتباري، سواء كان ذلك لتصديق مصدر البضائع، أو لتمييز الجودة التي تتسم بها مكوناتها، أو للوسيلة التي إنتاجها من خلالها، أو مدى دقة صناعتها، أو أي ميزة من المميزات الأخرى التي تتميز بها تلك البضائع.
2- الأشكال المعتمدة للعلامة التجارية
سلك المشرع الأردني مسلكاً مرناً في تحديد الأشكال التي يمكن أن تظهر بها العلامة التجارية، فعلى الرغم من أنه قد أورد (بالمادة 7/1) من قانون العلامات التجارية تحديداً لتلك الأشكال، إلا أنه لم يوردها على سبيل الحصر والتحديد، بل ترك مجالاً للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع لكي تستخلص أي شكل آخر يمكن أن تظهر فيه العلامة التجارية، حيث نجد أنه قد نص في هذه المادة على أنه: (1- يشترط لتسجيل العلامة التجارية أن تكون ذات صفة فارقة من حيث الأسماء أو الحروف أو الأرقام أو الأشكال أو الألوان أو غير ذلك أو أي مجموعة منها وقابلة للإدراك عن طريق النظر)، ويعبر لفظ (أو غير ذلك) هنا عن السلطة التقديرية المتروكة لمحكمة الموضوع في تحديد شكل العلامة المعروضة عليها وتحديد ما إذا كانت تصلح لتكون علامة تجارية من عدمه.
ومن خلال نص المادة سالفة البيان يمكننا أن نستخلص الأشكال التي يمكن أن ترد فيها العلامة التجارية – على سبيل المثال وليس الحصر – في الأشكال الآتي بيانها.
أ_ الأسماء المحررة بشكل مميز
أتاح القانون للتاجر أن يستخدم أي اسم من الأسماء – حتى لو كان اسمه الشخصي أو لقبه – ليكون علامة تجارية تميز منتجاته وخدماته وبضائعه، إلا أنه قد اشترط لصحة ذلك أن يتم وضع ذلك الاسم في هيئة وشكل يخرجاه عن شكله المألوف ويميزانه عما سواه من أسماء، فمثلاً لو كان الاسم المختار كعلامة تجارية هو (كاظم) فيجب أن يتم وضع هذا الاسم في شكل مميز، كما لو تم إحاطته بدائرة أو شكل بيضاوي أو وضعه في إطار ذو لون مميز أو غيرها من الطرق التي تظهر هذا الاسم في شكل يجعله مميزاً عما سواه من الأسماء التي تتشابه معه.
كما أن القانون لم يقصر الأمر على اسم التاجر أو لقبه الشخصي، بل أجاز للتاجر أن يستخدم اسم الغير أيضاً كعلامة تجارية له شريطة أن يحصل التاجر على موافقة هذا الغير على استخدام اسمه كعلامة تجارية لتاجر، كما يمكن أن يكون هذا الغير متوفياً وعندئذ يجوز للتاجر استخدام اسم هذا الشخص شريطة حصوله على موافقة ورثته بذلك[3].
ب_ الحروف والأرقام
أجاز القانون أيضاً أن تتم صياغة العلامة التجارية في صورة مجموعة من الحروف أو الأرقام أو الحروف والأرقام معاً، كما هو الحال في العلامة التجارية (BMW) وهي علامة تجارية مكونة من حروف فقط وتدل على ماركة نوع معين من السيارات، والعلامة التجارية المكونة من أرقام فقط مثل (212) التي تميز نوع معين من العطور، والعلامة التجارية المكونة من حروف وأرقام معاً مثال عليها العلامة التجارية (7UP) التي يتميز بها نوع من المشروبات الغازية.
ج_ الأشكال والألوان
مكن القانون التاجر أيضاً من أن يتخذ له علامة تجارية تتكون من الأشكال والألوان، وذلك طالما كانت هذه الأشكال والألوان لا تعتبر من مستلزمات الصناعة، وأن تتسم بأنها جاذبة لانتباه المستهلكين وملفتة لنظرهم، وكمثال على الأشكال التي يمكن أن تعتبر علامة تجارية شكل قطع البسكويت متى تم رصها بشكل مميز ومبتكر، ومثال على الألوان اللون الأحمر يليه الأبيض يليه الأحمر داخل دائرة متموجة والخاصة بشركة بيبسي.
د_ الاسم التجاري والعنوان التجاري
يجوز للتاجر أن يتخذ أياً من اسمه التجاري أو عنوانه التجاري كعلامة تجارية له، وبذلك يؤدي الاسم أو العنوان وظيفته الرئيسية في تمييز المحل التجاري عن غيره، وفي ذات الوقت يؤدي وظيفة إضافية تتمثل في تمييز المنتج أو الخدمة عن غيرها، ويكون ذلك الاستخدام مرهوناً بشرط وحيد وهو أن يكون الاسم أو العنوان التجاري المراد استخدامه كعلامة تجارية مملوكاً لصاحب تلك العلامة، أو مملوكاً لغيره، ولكن بحوزته موافقة منه على ذلك.
هـ_ الرموز والصور والنقوش
يمكن للتاجر أن يستخدم رمز أو أكثر كعلامة تجارية يميز بها منتجه أو خدمته التي يقدمها، والرموز يمكن أن تكون في شكل رسوم مجسمة لإنسان، أو نبات، أو حيوان، أو غيرها، على أن توضع في هيئة مميزة.
كما أجاز القانون استخدم الصور الفوتوغرافية كعلامة تجارية، سواء كانت الصورة المستخدمة تخص صاحب العلامة أو غيره متى كان هذا الغير موافقاً على ذلك.
بينما النقوش لا تعتبر علامة تجارية بشكل مستقل، بل يشمل الكيفية التي يتم وضعها بها على المنتج الذي يقدمه التاجر.
ثانياً: العلامة التجارية وما يتشابه معها
توجد مجموعة من المصطلحات المستخدمة في إطار حقوق الملكية الفكرية والتي يشار بها إلى بعض مكونات الملكية التجارية والصناعية، وتلك المصطلحات تختلط وتلتبس لدى الكثيرين بالعلامة التجارية، مما يستوجب معه وضع توضيح موجز يوضح الفرق بين العلامة التجارية وبين تلك المصطلحات والمفاهيم، والتي من أهمها الاسم التجاري والعنوان التجاري والرسوم والنماذج الصناعية.
1- العلامة التجارية والاسم التجاري
الاسم التجاري هو الاسم أو اللقب الذي يتخذه المحل التجاري لتمييزه عن غيره من المحال التجارية الأخرى، مما يتبين معه وجود أكثر من وجه للتفرقة بينه وبين العلامة التجارية نذكر منها اختلافين رئيسيين وهما:
– الاختلاف من حيث الهدف من كل منهما، فالعلامة التجارية تستخدم بغرض التمييز بين المنتجات من سلع وخدمات يقدمها التاجر، بينما يستهدف من الاسم التجاري التمييز بين المحلات التجارية بعضها البعض.
– الاختلاف من حيث الشكل الخاص بكل منهما، حيث نجد أن العلامة التجارية يمكن أن تأخذ أكثر من شكل – كما سبق وأن أوضحنا سلفاً – كالحروف والأرقام والصور وغيرها، بينما الاسم التجاري لا يظهر إلا في صورة وحيدة تتمثل في اسم سواء كان هذا الاسم هو اسم التاجر أو لقبه، والاسم أو اللقب هنا قد يكونا الاسم أو اللقب الحقيقي للتاجر، أو أن يكون مستحدثين من قبله لتمييز منتجه، كما أنه لا يوجد ما يمنع التاجر من اتخاذ اسمه التجاري كعلامة تجارية له.
2- العلامة التجارية والعنوان التجاري
يقصد بالعنوان التجاري الاسم أو اللقب الحقيقي للتاجر والذي يقوم بالتوقيع به على جميع الأوراق والمكاتبات المتعلقة بنشاطه التجاري، ولا يمنع القانون التاجر من أن يضيف إلى عنوانه التجاري أي إضافات يراها طالما لا تثير اللبس أو الخطأ بشأن أي أمر يخص التاجر، ومن أهم أوجه الاختلاف بينه وبين العلامة التجارية ما يلي:
– من حيث الالتزام بكل منهما: يعتبر العنوان التجاري التزام واجب وإجباري على أي تاجر، بينما العلامة التجارية هي أمر اختياري للتاجر فله أن يتخذ علامة تجارية أو لا يتخذ.
– من حيث مدة كل منهما: باعتبار أن العنوان التجاري يتغير بتغير شخص التاجر الذي يباشر التجارة في المحل التجاري، فإنه يعد من العناصر المؤقتة التي تتغير بتغير مالك المحل التجاري، في حين أن العلامة التجارية من العناصر الدائمة التي تستمر مع المنتج أياً كان شخص القائم على إنتاجه، إلا إذا رغب مالكها الجديد في تغييرها.
– من حيث الحماية القانونية: فإن القانون يكفل الحماية للعنوان التجاري سواء كان مسجلاً أو غير مسجل، في حين أن شرط التسجيل هو شرط أساسي لإسباغ الحماية القانونية على العلامة التجارية.
– يعتبر العنوان التجاري من قبيل العناصر الشخصية باعتباره ينصب على التاجر نفسه ويرتبط به، في حين نجد أن العلامة التجارية من قبيل العناصر العينية لكونها ترتبط بالمنتج أو الخدمة التي يقدمها التاجر.
3- العلامة التجارية والرسوم والنماذج الصناعية
عرف القانون الرسم الصناعي على أنه: (أي تركيب أو تنسيق للخطوط يضفي على المنتج رونقاً أو يكسبه شكلاً خاصاً، سواء تم ذلك باستخدام الآلة أو بطريقة يدوية بما في ذلك تصاميم المنسوجات)، كما عرف أيضاً النموذج الصناعي على أنه (كل شكل مجسم سواء ارتبط بخطوط أو ألوان أو لم يرتبط، ويعطي مظهراً خاصاً يمكن استخدامه لأغراض صناعية أو حرفية)[4].
ومن تلك التعاريف وبمقارنتها مع تعريف العلامة التجارية يتضح أن الاختلاف الرئيسي بينهما يتمثل في الهدف الذي يحققه كل منهم، فكما أوضحنا سلفاً أن الهدف من العلامة التجارية تمييز المنتجات والخدمات، بينما الرسم الصناعي يستخدم في منح المنتج شكلاً جمالياً مميزاً، في حين أن الهدف من النموذج الصناعي هو منح المنتج مظهراً تختص به ويجعل تمييزها عن باقي السلع المشابهة أمراً يسيراً[5].
ثالثاً: شرط تسجيل العلامة التجارية
1- مضمون شرط التسجيل
رسم المشرع الأردني الحدود والضوابط الخاصة بطريق التسجيل للعلامات التجارية، إلا أنه لم يضع مسألة التسجيل للعلامة التجارية كنظام إجباري، بل جعله أمراً اختيارياً لمالك العلامة التجارية، إلا أنه جعل التسجيل سبباً في تمتع مالك العلامة بحماية حق ملكيته لها من أي اعتداء سواء الحماية المدنية أو الجزائية، وهو ما يجعل إتمام تسجيل العلامة التجارية هو في الأول والأخير عمل يحفظ حق صاحب العلامة.
وبالتالي فإن شرط التسجيل لا يعد أمراً لازماً على صاحب العلامة التجارية ليستخدم علامته، بل هو أمر اختياري له بحيث يمكنه أن يستخدم العلامة التجارية دون أن يسجلها، إلا أن شرط التسجيل يعد أمراً لازماً لكي تتمتع العلامة التجارية بالحماية القانونية التي تدفع عنها أي تعد أو اعتداء، فمن لم يسجل العلامة التجارية لا يحق له أن يشكو من استعمال الغير لها باعتباره لم يقم بتسجيلها، ويكون السبيل الوحيد أمامه للتمتع بتلك الحماية هو الخضوع لشرط التسجيل.
ويعد تسجيل العلامة التجارية هو النقطة التي تبدأ منها الحماية القانونية للعلامة التجارية، ولا علاقة للتسجيل بالاستعمال، حيث يمكن كما سبق وأن أوضحنا استعمال العلامة بدون تسجيلها.
2- الضوابط المحددة لتسجيل العلامة
لكي يتم قبول طلب تسجيل العلامة التجارية فيجب أن تتحقق فيها مجموعة من الضوابط المحددة، وتنقسم هذه الضوابط إلى ضوابط موضوعية وضوابط شكلية.
أ_ الضوابط الموضوعية
تتمثل الضوابط الموضوعية اللازم توافرها في العلامة التجارية لقبول تسجيلها في الضوابط التالية:
ضابط الصفة الفارقة:
يقصد بالصفة الفارقة أن تتمتع العلامة التجارية بمزايا وصفات تفرقها وتميزها عن غيرها من العلامات التجارية الأخرى، ويتحقق ذلك عندما تكون العلامة التجارية ذات شكل وذاتية خاصة ومميزة بالصورة التي تحول دون وقوع المستهلكين في أي خلط بينها وبين العلامات التجارية الأخرى.
مما يترتب على ذلك أنه متى خلت العلامة التجارية من تلك الصفة الفارقة وكانت مجردة من أي سمة أو صفة يمكن الاستناد إليها لتمييزها عن غيرها من العلامات التجارية الأخرى، فإنها لا تصلح للتسجيل كعلامة تجارية، كما هو الحال في أن تكون عبارة عن كلمة شائعة دون أي إضافة تضفي عليه التميز.
ضابط المشروعية:
يستلزم هذا الضابط أن تكون العلامة التجارية المطلوب تسجيلها متمتعة بالمشروعية، وذلك بألا تتضمن مخالفة للقانون أو النظام العام والآداب العامة، وألا تكون من العلامات التي حظر القانون تسجيلها، مع ملاحظة أن هذا الشرط هو شرط مرن نظراً لأن مفهوم المخالفة للنظام العام والآداب يختلف من مجتمع إلى مجتمع ومن وقت لآخر.
ضابط الجدة:
المقصود بضابط الجدة هو أن تكون العلامة التجارية جديدة لم يقم شخص آخر باستخدامها أو تسجيلها قبل ذلك داخل المملكة الأردنية الهاشمية، والعبرة بضابط الجدة هنا كونه ضابط نسبي وليس مطلق، فشرط عدم استخدام العلامة التجارية من قبل يقتصر على استخدامها على منتج من ذات نوعية المنتج الذي يراد وضع العلامة عليه، بحيث يتحقق شرط الجدة، حتى لو كانت العلامة التجارية قد تم استخدامها من قبل طالما هناك اختلاف بين المنتجين في النوع والاستخدام.
ضابط القابلية للإدراك البصري:
يجب أن يتحقق في العلامة التجارية ضابطاً هاماً من الضوابط التي تتطلبها مقتضيات تسجيلها، ألا وهو أن تكون العلامة التجارية مكونة من عدة عناصر في مجملها يمكن أن يتم التعرف عليها وتمييزها من خلال العين المجردة.
وبالتالي فإن أي علامة تجارية تعتمد في إدراكها على أي حاسة من حواس الإنسان الأخرى كالسمع أو التذوق أو الشم فإنها تخرج عن نطاق العلامات التجارية التي يجيز القانون تسجيلها.
ب_ الضوابط الشكلية
حدد المشرع الأردني بقانون العلامات التجارية بعض الضوابط الشكلية التي يجب مراعاتها واتباعها لكي يتم تسجيل العلامة التجارية، ويمكننا أن نوجز تلك الضوابط في النقاط التالية:
– أوجب القانون على من يرغب في تسجيل علامة تجارية أن يلجأ بداية إلى التقدم بطلب للجهة المختصة والمتمثلة في مسجل العلامات التجارية يطلب فيه تسجيل العلامة التجارية باسمه، ويكون ذلك الطلب محرراً في شكل خاص وفي الغالب يكون على نموذج معد خصيصاً لذلك، يرفق به صورة من العلامة المطلوب تسجيلها، وجميع البيانات الشخصية الخاصة بمقدم الطلب.
– متى تم تقديم الطلب يكون من حق مسجل العلامات التجارية إما أن يرفض طلب التسجيل، وإما يقبل تسجيل العلامة التجارية كما هي، أو أن يقوم بداية بإدخال ما يراه من إضافات وتعديلات عليها، ثم يقوم بإبلاغ مقدم طلب التسجيل بها، ومتى كان هناك اعتراض من قبل مقدم طلب التسجيل على تلك التعديلات والإضافات التي أضافها المسجل على العلامة التجارية فيحق له عندئذ أن يقيم دعواه بذلك ويطلب النظر فيها خلال مدة لا تتجاوز شهر من التاريخ الذي أبلغ فيه من قبل المسجل بقبول طلب التسجيل مع التعديل في العلامة، فإن تخلف عن ذلك فعندئذ يعتبر أنه قد عدل عن طلب التسجيل وقان بسحبه، أما إذا قبل مقدم الطلب بالتعديلات فيجب أن يوجه إلى المسجل ما يفيد ذلك في صورة مكتوبة.
– متى تم قبول تسجيل العلامة التجارية فإن القانون قد ألزم المسجل بأن يقوم بنشر إعلان في صحيفة من الصحف المحلية بمصروفات تقع على عاتق طالب التسجيل، بحيث يتضمن هذا الإعلان كافة ما يتعلق بتلك العلامة التجارية وما يتعلق بقبول الطلب المقدم بتسجيلها من شروط وضوابط.
والهدف من ذلك الإعلان هو فتح الباب أمام أي شخص يريد الاعتراض على هذا التسجيل، وقد حدد القانون مدة لإبداء هذا الاعتراض قدرها ثلاث شهور تبدأ من التاريخ الذي ينشر فيه هذا الإعلان.
الخلاصة:
إن العلامات التجارية قد باتت من الأهمية بحيث أفسحت لنفسها مكاناً ضمن الموضوعات التي تشغل بال العاملين بالمجال التجاري، فالعلامة التجارية أصبحت تتمتع باستقلالية بحيث يمكن التصرف فيها بشكل منفصل عن النشاط التجاري والمنتج أو الخدمة، بحيث أصبحت بعض العلامات التجارية التي تتمتع بالشهرة العالمية تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات عند تصرف صاحبها فيها بالتنازل للغير.
ونحن نرى من وجهة نظرنا المتواضعة أن نظام تسجيل العلامة التجارية يجب أن يتم تحويله من نظام اختياري إلى نظام إجباري، وذلك حفاظاً على حقوق مالك العلامة أو مستخدمها، بجانب تلافي ما قد ينشأ من مشكلات عملية نتيجة استخدام العلامات التجارية دون تسجيلها.
كتابة : أحمد عبد السلام
[1] – صلاح الدين الناهي – الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية – دار الفرقان – الأردن – 1983 – ص 33.
[2] – محكمة العدل العليا – الحكم 442 لسنة 2007 – جلسة 11/12/2007.
[3] – عبد الله الخشروم – الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية – ط1 – دار وائل للنشر – عمان – 2005 – ص 157.
[4] – قانون الرسوم الصناعية والنماذج الصناعية الأردني رقم 14 لسنة 2000 – المادة رقم (2).
[5] – صلاح الدين الناهي – المرجع السابق – ص 60.