جريمة تخريب الساحات والطرق العامة

جريمة تخريب الساحات والطرق العامة

تعتبر الساحات والطرق العامة من المال العام الذي يحق لكافة جموع الشعب استعماله والتمتع به على الوجه الذي يحدده القانون بدون تجاوز أو تصرف يؤدي به إلى خروجه من مضمونه وقيمته كملكية عامة، والتعدي على هذا المال جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات وهي تخريب الساحات العامة والطرق العامة، وهي من الجرائم المخلة بالأمن والسلم العام الداخلي، والتي نص عليها المشرع الأردني في قانون العقوبات الحالي.

 وتشكل هذه الجريمة اعتداء على الممتلكات العامة، بل تخريبا لقيم المجتمع العامة التي تعد رمزا وواجهة للدولة ومتنفسا للكافة، فالاعتداء على الساحات العامة والطرق العامة يخلق نوعا من تعكير الأمن العام وتعطيل المصالح، وإفساد للذوق العام، لذلك لقد تناولها المشرع الأردني في نصوص مواده وجرم الاعتداء عليها.

أولا: مفهوم الأملاك العامة

ثانيا: مفهوم تخريب الساحات والطرق العامة

ثالثا: الحق في التجمع السلمي المدني وواجب عدم التخريب للساحات العامة

رابعا: أركان الجريمة

خامسا: العقوبة الجنائية المقررة للجريمة

سادسا: النصوص القانونية التي تحكم تخريب الساحات والطرق العامة

أولا: مفهوم الأملاك العامة

لقد تناول المشرع الأردني الأملاك العامة من خلال قانون إدارة أملاك الدولة وتعديلاته رقم 17لسنة 1974 ونص في مادته الأولى على تعريف الأملاك العامة بأنها: ” تعني عبارة (أملاك الدولة) الأموال غير المنقولة المسجلة باسم المملكة الأردنية الهاشمية أو التي ستسجل وفقا لأحكام التشريعات المعمول بها”.

ويفهم من هذا التعريف أن المال لكي يكون ملكا عاما يلزم توافر فيه شرطان وهما:

الشرط الأول: أن يكون تابعا لشخص من أشخاص القانون العام أي الدولة بكافة مؤسساتها ووزاراتها وهيئاتها العامة.

الشرط الثاني: أن يكون المال عقارا ومعد للاستعمال العام أي المصلحة العامة.

ويمكن تعريف الأملاك العامة بأنها الأموال الثابتة والمنقولة المملوكة للدولة والمعدة للاستعمال العام أو لتسيير مرفق من مرافق الدولة.

ويؤخذ على التعريف الوارد في المادة الأولى من القانون سالف الذكر أنه قصر أملاك الدولة على الأموال الغير المنقولة أي الثابتة فقط أو العقارية وهو تعريف غير دقيق إذ يستحسن أن يكون شاملا الأموال الثابتة والمنقولة حيث أن هناك من الأموال العامة ما هو منقول كالعقار بالتخصيص وهو المنقول الذي وضع لخدمة العقار الثابت المملوك ملكية عامة وهو في هذه الحالة يعد مالا عاما, كقطارات السكك الحديدية فهي منقولات إلا أنها وضعت لخدمة تسيير مرفق عام وهو السكك الحديدية فهي عقار بالتخصيص, وماكينات الري المخصصة لري الأراضي الزراعية فهي منقول إلا أنها وضعت لخدمة الأرض الزراعية فهي عقار بالتخصيص.

ثانيا: مفهوم تخريب الساحات والطرق العامة

ويعرف لفظ الساحات بأنه المكان الواسع الفسيح المملوك لكافة فئات الشعب والذي يستطيع كل من أراد أن يستعمله ويستمتع بوجوده، والذي يعبر فيه الشعب عن إرادته، ويمارس فيه احتفالاته العيدية ومناسباته التاريخية.

أما الطريق العام فيمكن تعريفه بأنه كل طريق يُسمح لجمهور الناس المرور فيه في أي وقت ودون أن يستطيع أن يعترضه أحد أو يمنعه منه أو يفرض رسوم مرور عليه.

ويمكن تعريف جريمة تخريب الساحات والطرق العامة بأنها كل من تسبب بتخريب ساحة عامة للمطالبة بحق من الحقوق أو لأي سبب آخر، أو خرب الطرق وإتلاف لوحات الشوارع والأبنية والعلامات أو إتلاف الزرع دون تفويض.

ثالثا: الحق في التجمع السلمي المدني وواجب عدم التخريب للساحات العامة

إن جريمة التخريب للساحات العامة ترتبط نسبيا بتجمع جمهور الناس اللذين يعبرون غضبهم وضيقهم وضغوطهم في صورة أفعال قد تؤدي إلى تخريب ساحات عامة أو طرق عامة من أجل المطالبة بمطالب معيشية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو مطالب فئوية ،أو للتعبير عن رأيه.

وجدير بالذكر أنه إذا كان من حق الشعب التعبير عن رأيه إلا أن هذا الحق ليس مطلقا، فمن يعبر عن رأيه بشكل يترتب عليه تظاهر وتخريب بالساحات والطرق واعتداء على الممتلكات والغرس والزرع ونزع اللوحات إنما يخالف القانون، فالتعبير عن الرأي يجب أن يكون مقننًا، ألا يكون مبالغا فيه لدرجة يترتب عليه تخريب أو إشاعة الفوضى في البلاد وتخريب الممتلكات.

وهو ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة 1948 في (مادته 19) حيث نصت على أنه: ” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود”([1]).

وليس معنى أن من حق كل شخص حرية التعبير والرأي أن هذا الحق مطلق، وإنما يجوز تقييد تلك الحرية بقيود بموجب القوانين والأنظمة الداخلية في الظروف التي تراها الدولة ضرورية لذلك بما يحافظ على أمن البلاد والممتلكات العامة، وبما لا يؤدي إلى التخريب في الساحات أو الممتلكات أو الطرق العامة.

ولقد كثرت هذه الجريمة في السنوات الأخيرة حيث قيام ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن، وما تزامن مع ذلك من تعبير الشعوب عن غضبها في صورة التخريب الذي طال الساحات العامة والطرق العامة وما ترتب عليه من إتلاف للغرس والزرع أو نزع اللوحات بالشوارع.

فيعد تخريب الساحات وقطع الطرق وتخريبها من المظاهر التي يعبر بها المحتجون عن غضبهم بوجه الحكومة والضغط عليها للوصول إلى أهدافهم ومطالبهم، فقد جعل المحتجون هذا الفعل المتمثل في التخريب وسيلة للوصول إلى مطالبهم، على عكس ما يتوجب عليهم من الالتزام بسلوك القانون وعدم ارتكاب مخالفات بتخريب الساحات العامة والطرق العامة.

وليس معنى ذلك أنه إذا لم يترتب على التجمع في الساحات والطرق العامة أي أضرار من تخريب لها وخلافه فلا تتوافر هذه الجريمة وبالتالي لا عقاب، وإنما يمكن القول إنه إذا كان هذا من حرية التعبير عن الرأي، إلا أن حرية الفرد تبدأ من حيث تنتهي حرية الآخرين، بمعنى عدم الحجر على حرية الناس الآخرين بمضايقاتهم بهذا التجمع حتى ولو لم يترتب عليه تخريب.

رابعا: أركان الجريمة

تقوم جريمة تخريب الطرق العامة والساحات إذا ما توافرت الشروط أو الأركان الآتية:

1- الركن المادي:

وهو إتيان المتهم لفعل التعدي على الطرق والساحات العامة بشكل تقوم به تلك الجريمة كأن يكون الاعتداء على الساحات والطرق العامة باستخدام أدوات تؤدي إلى التخريب أو بإتلاف ما به من تماثيل وزينه أو الاعتداء على جدرانه بالتكسير وخلافه، أو نزع ما به من لوحات وأرقام مثبته في منعطفات الشوارع، المهم أن يترتب على فعل التعدي تخريب أيا كان نوعه أو الأدوات المستخدمة لإحداثه.

2_الركن المعنوي:

وهو اتجاه إرادة الجاني لارتكاب الفعل المكون للركن المادي للجريمة قاصدا إحداث التخريب بالساحات والطرق العامة، أو حرث الزرع، أو الغرس دون تفويض ،أو نزع اللوحات والأرقام الموضوعة في منعطفات الشوارع.

ويتكون القصد الجنائي من العلم والإرادة اللذان يكونان القصد الجنائي للجريمة، بأن تتجه إرادة الجاني لارتكاب الفعل المادي المكون للجريمة وأن يكون عالما بأن هذا الاعتداء سيؤدي إلى إحداث هذا التخريب، ويكفي هنا القصد الجنائي العام.

خامسا: العقوبة الجنائية المقررة للجريمة

لقد اعتبر المشرع الأردني أن جريمة تخريب الساحات والطرق العامة تشكل مخالفة بنص (المادة 459)، وهي أقل أنواع الجرائم من حيث الردع للعقوبة، حيث قرر لها المشرع عقوبة الحبس الذي لا يتراوح ما بين أربع وعشرون ساعة وأسبوع أو الغرامة التي لا تزيد عن خمسة دنانير .

وهي عقوبة غير رادعة بالقياس لمدى خطورة الجريمة وخاصة في هذا التوقيت، إذ أنها لا تحقق الردع الذي يجب أن تكون عليه جريمة يترتب عليها تخريب لساحات وطرق عامة حيوية لا غنى عنها للدولة.

والمشرع الأردني شأنه شأن المشرع المصري الذي اعتبرها أيضا مخالفة إلا أنه ألغى عقوبة الحبس لمدة أسبوع فأصبحت العقوبة هي الغرامة فقط حيث نص في (المادة 376) من قانون العقوبات المصري على أنه: ” تلغى عقوبة الحبس الذي لا يزيد أقصى مدته على أسبوع في كل نص ورد في قانون العقوبات أو في قانون آخر وفي هذه الأحوال تضاعف عقوبة الغرامة المقررة بكل من هذه النصوص بحد أدنى مقداره عشرة جنيهات وبحد أقصى مقداره مئة جنيها”.

واكتفى المشرع المصري بعقوبة الغرامة التي لا تزيد عن مئة جنيها في المواد (378,377,376) من قانون العقوبات.

فالمشرع الأردني جعل العقوبة في (المادة 459) هي الحبس وهي ضعيفة جدا أسبوع وغرامة زهيدة جدا وهي خمسة دنانير وهي من وجهة نظرنا كما ذكرنا غير رادعة إطلاقا، بل أنها قد تشجع على ارتكاب مثل هذه الجرائم، بل والأدهى من ذلك أن المشرع الأردني جعل العقوبة تخييرية بين الحبس أسبوع أو الغرامة الزهيدة خمسة دنانير.

 إلا أن المشرع الأردني قد أورد نصا سابقا على النص السابق يعاقب جريمة تخريب الطرق وهو نص (المادة 376) من ذات القانون وجعل الفعل المكون لهذه الجريمة جنحة وليس مخالفة وشدد العقوبة وجعلها الحبس حتى سنة وإذا ترتب على فعله هذا خطر على سلامة السير عوقب بالحبس من شهر إلى سنتين.

ثم جاء المشرع في نص (المادة381) من ذات القانون وغلظ العقوبة في حالة الظرف المشدد إذا ترتب على الفعل المكون للجريمة عاهة مستديمة فتضاعف العقوبة النصف، وإذا ترتب على الفعل موت أحد الناس تكون العقوبة الإعدام.

ونرجح أن المشرع الأردني قد جانبه الصواب في ترتيب نصوص المواد، إذ أنه بدأ بنص (المادة 376) وجعل جريمة تخريب الطرق العامة جنحة عقوبتها الحبس وغلظ عقوبتها في (المادة 381) وفي حالة التخريب الخطأ في (المادة 382)، ثم عاد ونزل بتجريم الفعل من جنحة إلى مخالفة في نص (المادة 459) وخفف العقوبة على النحو المبين سابقا.

لذلك فنرى أنه على المشرع الأردني أن يجعل الفعل المكون لجريمة تخريب الساحات العامة والطرق العامة في مادة واحدة من نصوص القانون جنحة وعقوبتها الحبس والغرامة وفي حالة الظرف المشدد يتم تغليظ العقوبة وذلك على النحو الوارد في المواد (382,381,376).

وفي العموم لقد أحسن المشرع الأردني عندما شدد عقوبة تخريب الطرق العامة، وينبغي عليه فقط من وجهة نظرنا إعادة صياغة نص (المادة 459) وإفراغ العقوبات الموجودة في نصوص المواد (382,381,376) في مادة تجريميه واحدة لجريمة تخريب الساحات العامة والطرق العامة.

سادسا: النصوص القانونية التي تحكم تخريب الساحات والطرق العامة

لقد عالج المشرع الأردني جريمة تخريب الساحات العامة والطرق العامة في نص (المادة459) من قانون العقوبات، حيث أورد في هذه المادة أكثر من فعل معاقب عليه بعقوبة واحدة رغم اختلاف نوع الأفعال، حيث نص على أنه: ” بعاقب بالحبس حتى أسبوع أو بالغرامة حتى خمسة دنانير من تسبب في:

1- تخريب الساحات والطرق العامة.

2- حرث أو زرع أو غرس دون تفويض أرضا تقع ضمن خمسة وسبعين سنتيمترا من حافة الطريق العام.

3- من أقدم على نزع اللوحات والأرقام الموضوعة في منعطفات الشوارع أو على الأبنية والعلامات الكيلو مترية أو تخريبها”.

وجدير بالذكر أن المشرع الأردني في قانون العقوبات قد أولى رعاية بجريمة تخريب الطرق العامة في نص آخر وهو نص (المادة376) من قانون العقوبات، إذ نص فيها على أن: ” من أحدث تخريبا عن قصد في طريق عام أو جسر وفي إحدى المنشآت العامة أو الحق بها ضررا عن قصد عوقب بالحبس حتى سنة وإذا نجم عن فعله خطر على سلامة السير عوقب بالحبس من شهر إلى سنتين”.

ونص المشرع الأردني أيضا على الظرف المشدد في المادة السابقة بتغليظ العقوبة حيث نص في (المادة 381) من قانون العقوبات على أنه: ” يزاد على العقوبات السابقة نصفها إذا أصيب أحد الناس بعاهة دائمة ويقضي بالإعدام إذا أدى الأمر إلى موت أحد الناس”.

ونص في (المادة 382) من ذات القانون على التخريب غير العمدي فنص فيها على أنه: ” من تسبب خطأ في التخريب والتهديد وسائر الأفعال المذكورة في المواد السابقة عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز الستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على خمسين دينارا”.

كتابة: عبد المنعم الشرقاوي

 ([1])الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هي وثيقة الحقوق الدولية التي تمثّل الإعلان الذي تبنّته الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، موقع منظمة الأمم المتحدة: https://www.un.org

error: Alert: Content is protected !!