المسئولية عن عمل الغير

المسئولية عن عمل الغير

الأصل أن الشخص لا يكون مسئولاً سوى عن خطأه الشخصي، ولكن هناك حالات قدر فيها القانون أن الشخص يكون فيها مسئولاً عن خطأ غيره نظراً لكون غير الخاضع لرقابة أو إشراف الشخص الذي ستُثار مسئوليته، وترجع إثارة المسئولية عن فعل الغير إلى الإهمال في الرقابة والإشراف المفروضين على المسئول.

أولاً: شروط قيام مسئولية متولي الرقابة:

ثانياً: مسئولية متولي الرقابة:

ثالثاً: شروط مسئولية المتبوع عن أعمال التابع:

رابعاً: أحكام مسئولية المتبوع عن أعمال التابع:

خامساً: بعض اجتهادات محكمة التمييز بشأن المسئولية عن فعل الغير:

أولاً: شروط قيام مسئولية متولي الرقابة:

نصت المادة (288/1/أ) من القانون المدني الأردني على أن:

 1- لا يسال أحد عن غيره, ومع ذلك فللمحكمة بناء على طلب المضرور إذا رأت مبررا أن تلزم بأداء الضمان المحكوم به على من أوقع الضرر.

أ- من وجبت عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو حالته العقلية أو الجسدية إلا إذا ثبت أنه قام بواجب الرقابة، أو أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية.

وفي المقابل نصت (المادة 173) من القانون المدني المصري على أن:

1- كل من يجب عليه قانوناً أو اتفاقاً رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية، يكون ملزماً بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع. ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز. 2- ويعتبر القاصر في حاجة إلى الرقابة إذا لم يبلغ خمس عشرة سنة، أو بلغها وكان في كنف القائم على تربيته. وتنتقل الرقابة على القاصر إلى معلمه في المدرسة أو المشرف في الحرفة، ما دام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف. وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر إلى زوجها أو إلى من يتولى الرقابة على الزوج. 3- ويستطيع المكلّف بالرقابة أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة، أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية.

ويتضح من نص القانون الأردني ونص القانون المصري أنه لابد من توافر شرطين حتى تقوم مسئولية متولي الرقابة:

  • أول هذه الشروط أن يكون هناك التزام بالرقابة على شخص معين،
  • وثانيهما أن يصدر خطأ من هذا الشخص يترتب عليه ضرر للغير.

الشرط الأول: الالتزام بالرقابة:

أ- من يكون عليه واجب الرقابة:

ينشأ هذا الالتزام إما عن طريق حكم القانون أو عن طريق الاتفاق بين الطرفين، وينشأ عن طريق حكم القانون على عاتق الشخص الذي يتواجد قاصر في رعايته، والقاصر هو الذي لم يبلغ من العمر خمس عشرة عاما، وحتى بلوغه هذا العمر تكون رعايته واجبة على من يتولى حضانته أو من له ولاية النفس عليه مثل امه وأبوه.

وإذا بلغ الشخص هذا العمر، ولكنه ظل في رعاية من له الولاية عليه فإن الرقابة تظل قائمة بموجب القانون، وعند بلوغه سن الرشد فإن الرقابة ترتفع عنه حتى ولو ظل في كنف من يتولى رعايته وطالما أنه لم يحلقه أي عارض من عوارض الأهلية مثل الجنون أو العته أو غير ذلك[1].

وحالة الرقابة بموجب اتفاق تحدث إذا تعرض هذا الشخص إلى فقدان للبصر، وأوكل أمر الرعاية الخاصة به إلى ممرض ما، فإن التزام الرقابة على هذا الشخص هو التزام ناشئ عن اتفاق.

ب- من يكون في حاجة إلى الرقابة:

القاصر هو الشخص المشمول بالرقابة، وفي تحديد كل من القانون المصري والقانون الأردني فإن القاصر هو الذي لم يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، أو بلغها، ولكنه ظل في كنف القائم على تربيته أو رعايته، وكذلك يكون في حاجة إلى الرقابة أي شخص – حتى ولو بلغ سن الرشد القانوني – يعتريه عارض من عواض الأهلية ينال من تمييزه أو يعدم هذا التمييز.

وحاجة الشخص إلى الرقابة لا تقتصر على حالات الآفات العقلية التي تنال من التمييز، وإنما يكون – كذلك – في حاجة إلى الرقابة كل من يعاني من عجز جسماني شديد كالمصاب بشلل أو بفقدان البصر أو المصاب بالصرع.

وفيما يتعلق بالرقابة على القاصر فإنه يتعين أن نفرق بين مرحلتين وهما:

المرحلة الأولى: ما قبل بلوغ القاصر سن الخامسة عشر سنة، حيث يكون في هذه الحالة في حاجة إلى الرقابة مطلقاً، وتكون الرقابة هنا على عاتق القائم بأعمال التربية سواء أكان الأب، أو الجد، أو العم، أو غيرهم[2].

المرحلة الثانية: وهي ما بعد بلوغ القاصر سن الخامسة عشر سنة، وفي هذه الحالة يتعين التفرقة بين فرضين:

  • إذا استقل القاصر في معيشته واستطاع أن يعيل نفسه حتى ولو كان مقيماً مع متولي تربيته فإن متولي التربية لا يكون مسئولاً عنه لانتهاء الالتزام القانوني بالرقابة.
  • أما إذا بقي القاصر في كنف متولي التربية خاضع لإعالته حتى ولو كان في مسكن منفصل عنه فإن متولي التربية يظل مسئولاً عن أفعال الخاضع للرقابة حتى يبلغ سن الرشد أو يكون قادراً على إعالة نفسه.

ج- انتقال الرقابة:

ويجب في هذا السياق أن نشير إلى نقطة هامة وهي أن هذا القاصر قد يخضع للرقابة من شخصين في نفس الوقت وذلك في حالة تعلمه حرفة ما أو ذهابه إلى المدرسة، بحيث يكون المعلم أو صاحب العمل ملتزم برعايته قانوناً وذلك بجانب والده أو والدته أو من يكون في حضانته أو له ولاية النفس عليه، حيث إن الرقابة في هذه الحالة تنتقل إلى المدرسة أو إلى صاحب العمل.

وهذه الأحكام تطبق على المرأة أيضا، ولكن في حالة المرأة المتزوجة فإن واجب الرقابة ينتقل من وليها إلى الزوج مع ملاحظة أن يكون هذا الزوج غير خاضع لرقابة أحد، أما إذا كان هذا الزوج يخضع لرقابة أحد الأشخاص نظراً لكونه قاصر فإن من يقوم بواجب الرقابة عليه يقوم بواجب الرقابة على زوجته إلى أن يبلغ هذا الزوج سن الرشد، وفي حالة بلوغ الزوجة سن الرشد قبل أن يبلغه الزوج فان الرقابة ترتفع عنها فقط دون أن ترتفع عن الزوج.

الشرط الثاني: صدور عمل غير مشروع أو عمل ضار ممن هو تحت الرقابة:

نظرا لكون هذه المسئولية مسئولية عن عمل الغير فيجب أن يصدر من غير المشمول بالرعاية خطأ يصيب الغير بضرر، مع ملاحظة أن متولي الرقابة إذا تسبب في إحداث ضرر لنفسه فإن متولي الرقابة لا يكون مسئولاً عن هذا الضرر.

وفي هذا الصدد يتعين أن نشير إلى أن الخاضع للرقابة إذا كان مميزاً فإن مسئولية متولي الرقابة تُثار إذا تم إثبات الخطأ في جانب الخاضع للرقابة، ويكون المسئول الأصلي في هذه الحالة هو الخاضع للرقابة نظراً لأنه مميز في حين يكون متولي الرقابة هو مسئول تبعي ويكون للمضرور أن يختار الرجوع على أي منهما للحصول على تعويض جابر لما لحق به من ضرر.

ولكن لا يجوز للمضرور أن يحصل على تعويض من كليهما، فحصول تعويض من أحدهما يُسقط المسئولية عن الآخر، مع ملاحظة أن لما كان الخاضع للرقابة مميز في هذا الفرض فإنه يترتب على ذلك استطاعة متولي الرقابة الرجوع عليه حال تم إلزامه بدفع التعويض وذلك عملاً بما (بالمادة 288/2) من القانون المدني الأردني والتي نصت على أن: (ولمن أدى الضمان أن يرجع بما دفع، على المحكوم عليه به).

أما إذا كان الخاضع للرقابة غير مميز فإن مسئولية متولي الرقابة تكون مسئولية أصلية حيث لا يمكن أن يُنسب الخطأ إلى الخاضع للرقابة نظراً لكونه غير مميز، ذلك أن العمل الغير مشروع له ركنان مادي ومعنوي، حيث يتمثل الركن المادي في التعدي والانحراف في حين يتمثل الركن المعنوي في الإدراك أو التمييز، والفرض محل الحديث هو أن القاصر غير مميز فلا يمكن أن يُنسب له ارتكاب عمل غير مشروع.

ومن ثم لا يكون للمضرور في هذه الحالة سوى الرجوع على متولي الرقابة فقط، وفي حالة إلزام متولي الرقابة بدفع تعويض فلا يكون له الحق في الرجوع على الخاضع للرقابة نظراً لكونه غير مميز.

ثانياً: مسئولية متولي الرقابة:

1- أساس المسئولية:

أساس مسئولية متولي الرقابة هو وجود خطأ مفترض في جانبه، وإذا نفي هذا الخطأ أو نفى علاقة السببية يستطيع أن ينفي المسئولية عنه، وفي حالة قيام مسئوليته فإنها تكون بجانب مسئولية المشمول بالرقابة على النحو الذي بيناه سابقاً.

2- الخطأ المفترض ونفيه:

إثبات هذا الخطأ ليس مفروضا على المضرور، إنما يحتاج متولي الرقابة أن ينفيه لنفي المسئولية عنه وهذ ما قرره المشرع الأردني حين نص في (المادة 288)على أن: “إلا إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة”.

وما يلاحظ هنا أن القرينة القانونية على الخطأ تقوم فقط في العلاقة بين المضرور ومتولي الرقابة، ولكنها لا تقوم في العلاقة بين المضرور وبين الخاضع للرقابة الذي صدر منه العمل غير المشروع. ففي هذه العلاقة الأخيرة يكون الخطأ واجب الإثبات أو مفترضا بحسب ما إذا كانت المسئولية فيه ناشئة عن فعل شخص أو عن حراسة الآن ميكانيكية أو غيرها[3].

3- نفي علاقة السببية:

يستطيع متولي الرقابة أن يدفع مسئوليته إذا استطاع أن يقطع علاقة السببية بين الفعل الذي قام به الخاضع للرقابة وبين الضرر الذي أصاب المدعي، وذلك كأن يُثبت أن الضرر الذي أصاب المضرور راجع إلى قوة قاهرة، أو سبب أجنبي ،أو فعل الغير ،أو خطأ منه شخصياً.

ثالثاً: شروط مسئولية المتبوع عن أعمال التابع:

نصت (المادة 288/1/ب) من القانون المدني الأردني على أن: (من كانت له على من وقع منه الأضرار سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه ولو لم يكن حراً في اختياره إذا كان الفعل الضار قد صدر من التابع في حال تضادية وظيفته أو بسببها).

وفي القانون المصري تنص (المادة 174) على أن: (يكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعاً منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها، وتقوم رابطة التبعية، ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه، متى كانت له عليه سلطة فعليه في رقابته وفي توجيهه).

ويتضح من نص القانون المدني الأردني والمصري أنه يشترط لقيام هذه المسئولية أن:

  • يكون هناك علاقة تبعية بين شخصين،
  • وأن يقع خطأ التابع أثناء تأدية وظيفته أو بسببها يترتب عليه ضرر للغير.

الشرط الأول: علاقة التبعية:

لا يتواجد التابع والمتبوع إلا بوجود علاقة تبعية بحيث يكون للمتبوع سلطة فعلية رقابية على التابع، ومثال ذلك علاقة الموظف بالحكومة وعلاقة الطاهي أو الخادم بصاحب المنزل وعلاقة العامة برب العمل، ورابطة التبعية التي تربط الطرفين تظل قائمة حتى ولو كان العقد الذي أنشأها باطل أو حتى إذا لم يتواجد عقد أصلا.

فلا يشترط لقيام رابطة التبعية أن يكون المتبوع قد اختار التابع، بل قد يكون هذا الاختيار مفروضا عليه من الخارج، وذلك كالتزام صاحب العمل بتشغيل نسبة معينة من ذوي الإعاقة وفقاً لما بفرضه عليه قانون العمل وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإذا تسبب أي من هؤلاء بإحداث ضرر للغير فإن مسئولية رب العمل تُثار وفقاً لأحكام مسئولية المتبوع عن فعل التابع.

ولا يشترط لقيام علاقة التبيعة أن يتقاضى التابع أجراً، فضلاً عن عدم اشتراط ممارسة التبعية من الناحية الفنية حيث تكفي ممارسة التبعية من الناحية الإدارية لقيام مسئولية المتبوع، وذلك كما في العلاقة بين الطبيب ومدير المستشفى، فالأخير على يمارس على الأطباء العاملين في المستشفى سوى رقابة من الناحية الإدارية دون الفنية ومع ذلك تقوم مسئوليته عن الأفعال غير المشروعة التي يقوم بها أحد الأطباء وتسبب ضرراً للغير.

ويثار التساؤل حول مدى كفاية التبعية العامة لإثارة مسئولية المتبوع؟

فالأب – على سبيل المثال – له سلطة رقابة وإشراف على أبنائه إلا أن تلك الرقابة تتسم بالعمومية دون أن تكون متعلقة بعمل معين، وفي هذه الحالة تنتفي عن الأب مسئولية المتبوع عن فعل التابع نظراً لكون التبعية عامة، ذلك أن التبعية التي تثير المسئولية هي التبعية في عمل معين لحساب المتبوع.

ويضاف إلى ذلك أنه يجب حتى تتحقق التبعية الموجب للمسئولية أن يكون العمل لحساب المتبوع، أما إذا كان العمل لحساب شخص غير المتبوع فلا تقوم مسئوليته، فمن يتدرب تحت إشراف أحد الأشخاص فإن ذلك من شأنه أن ينفي علاقة التبعية نظراً لأن المتدرب يعمل لحساب نفسه وليس لحساب رب العمل.

الشرط الثاني: خطأ من التابع في حال تأدية الوظيفة أو بسببها:

لا تقوم مسئولية المتبوع إلا بقيام مسئولية التابع وهي إما أن تقوم على خطأ واجب الإثبات في جانبه أو تقوم على خطأ مفترض افتراضا يقبل إثبات العكس.

ولا يكفي وقوع خطأ من التابع، بل لابد أن يقع هذا الخطأ أثناء تأدية وظيفته أو بسببها وذلك كما ورد في نص المادة 288 من القانون المدني الأردني والمادة 174 من القانون المدني المصري.

ونستعرض فيما يلي صورا مختلفة لخطأ وقع أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها أو بمناسبتها أو خارجها حتى يتضح الفارق بين كل هذه الأنواع التي يؤدي بعضها إلى مسائلة المتبوع، ولا يؤدي بعضها الأخر إلى ذلك.

أ- خطأ حال تأدية الوظيفة:

هو الخطأ الذي يقع أثناء تأدية الوظيفة، مثال ذلك سائق السيارة الذي يدهس شخصا في الطريق أثناء قيامه بتوصيل صاحب السيارة إلى مكان عمله أو منزله، وأيضا عسكري الدورية الذي يقبض على متهم فيطلق عليه عيارا ناريا دون تبصر ودون مبرر فيقتله. فالتابع يقوم بممارسة عمله هنا، ولكن بخروج عن مسلك الشخص المعتاد مما ترتب عليه ضرر بالغ بالغير[4].

ب- خطأ بسبب الوظيفة:

 يكون الخطأ بسبب تأدية الوظيفة في فرضين أولهما أن يكون من غير الممكن ارتكاب الخطأ بغير الوظيفة, وثانيهما أن يكون من غير الممكن التفكير في ارتكاب الخطأ بغير الوظيفة, ومن الأمثلة القضائية للفرض الأول موزع البريد الذي يسرق خطابا تسلمه بحكم وظيفته, وهذا خطأ بسبب الوظيفة لأن بغيرها ما كان يستطيع الساعي ارتكاب هذا الخطأ وفي هذا المثال تكون مصلحة البريد مسئولة عن خطأ موزع البريد, ومن الأمثلة أيضا الخفير الذي أحب امرأة متزوجة فاستدرج زوجها وقتله, وكذلك فراش المدرسة الذي أراد قتل ناظرها لاعتقاده أنه يضطهد, وهنا قضت محكمة النقض بأن وزارة المعارف تكون مسئولة عن الخطأ الذي وقع من الفراش[5].

ومن الأمثلة القضائية على الفرض الثاني، أن يرى الخادم سيده يتشاجر مع شخص أخر فيتدخل في المشاجرة ويضرب الأخر ضربا أفضى إلى موته، ففي هذا المثال ما كان الخادم ليفكر في الاعتداء على الشخص الأخر إلا لأنه رآه يعتدي على مخدومه أي بسبب الوظيفة.

ج- خطأ بمناسبة الوظيفة:

وهو الخطأ الذي يسرت الوظيفة وقوعه، دون أن تكون هذه الوظيفة لازمة لوقوع هذا الخطأ، ومثال ذلك إذا فرضنا أن خفير الدرك الذي أحب امرأة متزوجة، لم يستدرج زوجها إلى دركه، ولكنه ذهب مباشرة إلى منزل الزوج وقتله بإطلاق عيار ناري من بندقيته الحكومية، فإن الوظيفة هي التي سهلت الجريمة، ولكنها لم تكن لازمة لذلك حيث كان من الممكن أن يستخدم أي وسيلة قتل أخرى يرتكب بها جريمته، فالجريمة كانت هنا مناسبة لارتكاب الجريمة، ولكنها لم تكن سببا في ذلك[6].

وفي هذه الحالة لا يكون المتبوع مسئولاً عن الأفعال التي قام بها التابع نظراً لكون الوظيفة لم تكن هي السبب المباشر المؤدي إلى ارتكاب الجريمة.

د- خطأ أجنبي عن الوظيفة:

وهو الخطأ الذي لا توجد بينه وبين الوظيفة أي علاقة، وبالتالي فان المتبوع لا يسأل عن هذا الخطأ أبدا، ومثال ذلك الجريمة التي يرتكبها العامل في يوم عطلته الرسمية فتلك الجريمة تكون منبتة الصلة عن المتبوع ومن ثم لا تقوم مسئوليته عنها..

وخلاصة ما تقدم أن شروط قيام مسئولية المتبوع:

  • أن تكون هناك علاقة تبعية.
  • أن يقع خطأ من التابع أثناء تأدية وظيفته أو بسببها.
  • لا يعتد بالأخطاء الذي تقع منه بمناسبة وظيفته أو خارجها فهو وحده الذي يكون مسئولا عنها.

رابعاً: أحكام مسئولية المتبوع عن أعمال التابع:

1- مسئولية المتبوع تقوم إلى جانب مسئولية التابع:

حيث يكون للمضرور أن يرجع على كل من المتبوع أو التابع، بل ويكون له الرجوع عليهما مجتمعين بحيث يكونا مسئولين عن تعويضه بالتضامن بينهم.

ويلاحظ في هذا الصدد أنه لو قام المتبوع بدفع التعويض إلى المضرور فإنه يكون له حق الرجوع على التابع، ولكن إذا قام التباع بدفع التعويض فلا يكون له الحق الرجوع على المتبوع، ولكن إذا أثبت التابع أن الخطأ كان مشتركاً بينه وبين المتبوع فإنه يترتب على ذلك أن توزع المسئولية بينهم ولا يكون للمتبوع – حينئذ – أن يرجع على التابع بما دفعه إلا بقدر نصيبه في المسئولية فقط.

ولكن ما الحكم إذا سقطت مسئولية المتابع وعلى الرغم من ذلك قام المتبوع بدفع التعويض؟

قد يحدث أن تسقط مسئولية التابع بالتقادم إذا مر على حدوث الضرر أكثر من ثلاث سنوات دون أن تُرفع الدعوى على التباع حتى ولو تم تحريكها على المتبوع، ذلك أن انقطاع تقادم دعوى المتبوع لا يترتب عليه انقطاع تقادم دعوى التابع، ويترتب على ذلك أن لو قام المتبوع بدفع التعويض فإنه لا يكون الحق في الرجوع على التباع نظراً لسقوط مسئوليته بدفع التعويض بالتقادم.

2- دفع مسئولية المتبوع:

لا يستطيع المتبوع أن يدفع المسئولية عن نفسه إلا إذا استطاع أن ينفي المسئولية عن التابع، فلا يقبل من المتبوع الدفع بأنه قام بكافة التدابير والاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الضرر، وكذلك لا يقبل منه الدفع بأنه لم يقصر في واجب الإشراف والتوجيه على التابع، بل – الأكثر من ذلك – أنه لا يجوز له أن يدفع عنه المسئولية بقطع علاقة السببية بين الخطأ المنسوب إليه والضرر الذي لحق بالغير.

فقيام مسئولية التابع تؤدي حتماً إلى قيام مسئولية المتبوع، ولا يكون للأخير أن يتخلص من مسئوليته إلا إذا استطاع أن يدفع المسئولية عن التابع.

خامساً: بعض اجتهادات محكمة التمييز بشأن المسئولية عن فعل الغير:

ورد في حكم محكمة التمييز بصفتها الحقوقية رقم 6241 لسنة 2020 ما يلي:

هذا ولما كان لا يسأل أحد عن فعل غيره ومع ذلك فللمحكمة بناءً على طلب المضرور إذا رأت مبرراً أن تلزم بأداء الضمان المحكوم به على من أوقع الضرر إذا كانت له على من وقع منه الأضرار سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه ولو لم يكن حراً في اختياره إذا كان الفعل الضار قد صدر من التابع في حال تأدية وظيفته أو بسببها وفقاً لأحكام المادة 288/1/ب من القانون المدني .

هذا ولما كان مركز صحي ….. والتابع لوزارة الصحة هو الذي أصدر التقرير الطبي للمدعيين والذي تبين أنه صدر نتيجة الإهمال وعدم الاحتراز مما نتج عنه ضرر للمدعيين فإن وزارة الصحة والحالة هذه ووفقاً لمسؤوليتها عن أعمال تابعيها هو الملزمة بتعويض ذلك الضرر.

ورد في حكم محكمة التمييز بصفتها الحقوقية رقم 6289 لسنة 2020ما يلي:

أن الثابت من خلال البينات المقدمة ومنها الحكم الجزائي رقم 1283/2011 الصادر عن محكمة الجنايات الكبرى بتاريخ 30/9/2012 والمكتسب الدرجة القطعية بموجب قرار محكمة التمييز رقم 2410/2012 والذي يتضمن إدانة ابن المدعى عليه ….. بجناية هتك العرض بعد أن قام بالاعتداء على ابن المدعي …… كما ثبت من خلال التقرير الطبي القضائي رقم (م و/ع/5/965) تاريخ 29/11/2011 الصادر بحق ابن المدعى عليه بأنه يعاني من التخلف العقلي متوسط الدرجة وأنه غير مدرك لكنه أفعاله وأقواله ولا يؤمل شفاؤه وأن عمره العقلي لا يتجاوز سبع سنوات مما يؤكد أنه ناقص الأهلية وبحاجة إلى الرقابة بسبب حالته العقلية وأن والده هو المسؤول قانوناً عن رقابة ابنه وعن الضرر الذي يحدثه هذا التابع وفقاً لأحكام المادة (288) من القانون المدني.

ورد في حكم محكمة التمييز بصفتها الحقوقية رقم 4053 لسنة 2019 ما يلي:

ولما كان ذلك وكان ما قام به المدعى عليهما ……، ……. من تزوير لعقد البيع رقم ……. وتسجيل قطعة الأرض رقم ….. حوض …… مرج الحمام الغربي باسم ……. والذي قام ومع علمه بتزوير العقد ببيع قطعة الأرض موضوع العقد للمدعي …… ، فإن الجهة المميزة (دائرة الأراضي والمساحة) تكون مسؤولة عمّا لحق بالمميز ضده من أضرار بسبب ما قام به موظفاها من أفعال في حال تأدية وظيفتهما أو بسببها وإذ خلص القرار المميز لهذه النتيجة استناداً لأوراق الدعوى وما قدم فيها من بينات وفقاً للمادة(288/ب) من القانون المدني بصرف النظر فيما إذا كانت المميزة قامت ببيع المميز ضده قطعة الأرض وقبض ثمنها أم لا مما يجعل هذا السبب مستوجباً الرد.

إعداد/ حسام حسن.

[1] سن الرشد في القانون الأردني هو ثماني عشر عام، أما في القانون المصري فهو أحدى وعشرون عاماً.

[2] أنظر الأستاذ الدكتور/ نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للالتزام، 2017، دار الجامعة الجديدة، ص 408.

[3] دكتور سمير عبد السيد تناغو, مصادر الالتزام, الطبعة الأولى 2009, ص 278.

[4] دكتور/ سمير عبد السيد تناغو, كتاب مصادر الالتزام, الطبعة الأولى2009 ص 282.

[5] دكتور/ سمير عبد السيد تناغو, مرجع سابق, ص283.

[6] الدكتور/ سمير عبد السيد تناغو، مرجع سابق، ص284.