الدعوى الكيدية

الدعوى الكيدية

توجد في أروقة المحاكم العديد من القضايا أو الدعاوى التي يطالب أصحابها بالحصول على حقوقهم المسلوبة أو التي أخذت منهم دون وجه حق، وهذا هو الهدف الأساسي والسامي من إنشاء المحاكم وإقامة الدعاوى لديها من قبل كل من له مصلحة مشروعة سواءً كانت المصلحة متحققة أو مصلحة احتمالية  ، لكن كما هو معروف وللأسف الشديد في أي حق  من الحقوق الممنوحة للأشخاص أن هناك من يسيء استعمال هذه الحقوق عن قصد، وحق  التقاضي و اللجوء للمحاكم هو من الحقوق التي يساء استعمالها من قبل بعض الأشخاص  والدعوى الكيدية هي أحدى أوجه إساءة استعمال هذا الحق ، فما هي الدَعْوَى الكيدية ؟ وقد تطرقنا في موضوع منفصل عن الشكوى الكيدية نحيل إليه.

ما المقصود بالدعوى الكيدية؟

قبل التعرف على المقصود بالدَعْوَى الكيدية والتطرق إلى تفاصيلها سنذكر بشكل موجز المقصود بكل من الدَعْوَى والكيد لغتاً واصطلاحاً .

الدَعْوَى لغةً :  اسم ما يدعى .

الدَّعْوَى : (القانون) إجراء قانونيّ يقدّمه شخصٌ إلى المحكمة يطلب فيه الإنصاف من شخص آخر أو استرداد حقٍّ له أقام دَعْوَى على فلانٍ.

وقد عرفت محكمة التمييز الأردنية الدَعْوَى على أنّها: “أساس الخصومة وهي الوسيلة القانونية التي يلجأ الشخص بمقتضاها صاحب الحق إلى القضاء لحماية حق.

الكيد لغةً :  المكر والخبث.

الكيد اصطلاحاً :

قال الجرجاني: (الكَيْد: إرَادَةُ مضرَّة غير الخُفْيَة، وهو مِن الخَلْق: الحِيلة السَّيئة، ومِن الله: التَّدبير بالحقِّ لمجازاة أعمال الخَلْق).

يتضح لنا من تعريف مما سبق أن هدف هذه الدعوى هو الإضرار بالغير وهذا ما يتنافى مع شروط إقامة الدَعْوَى وهو شرط المصلحة ، والمصلحة : ( كل نفع يحصل عليه المدعي من اللجوء إلى القضاء لاستخلاصه”، لذلك يُقال إنّ المصلحة هي الباعث من إقامة الدعوى من ناحية، كما أنها الغاية المقصودة من رفع الدعوى، وحتى تكون المصلحة منتجة ومعتبرة يجب أن تكون مُستندة إلى حق ويستوي أن تكون هذه المصلحة إما مادية أو أدبية .  ومن هنا نستخلص المقصود بالدعوى الكيدية : هي الدعوى التي ترفع من قبل شخص على أخر مطالباً بأمر لا حق له فيه .

كيف تستطيع المحكمة التمييز بين الدعوى التي تتوافر فيها المصلحة المشروعة وبين الدعوى الكيدية ؟

مهمة المحكمة هي تحقيق العدالة بحماية حقوق الأفراد وإعادة الحقوق المسلوبة لذلك تكييف الدعوى على أنها كيدية تعود للقضاء بالنظر إلى وجود مصلحة مشروعة في إقامة الدعوى من عدم وجودها .  فتكيف المحكمة الدعوى على أنها كيدية بالنظر إلى مدى توافر الشروط التي تم وضعها للقول بأن الدعوى كيدية ، فما هي شروط الدعوى الكيدية ؟

شروط الدعوى الكيدية :

1_ انتفاء وجود المصلحة المشروعة .

عدم وجود مصلحة مشروعة من إقامة الدعْوَى دليلاً على أن الدَعْوَى كيدية .

2_اعتراف المدعي أن دعواه هي من قبيل الدعاوى الكيدية التي قصد بها الحصول على أمر ليس له حق فيه  والإضرار بالغير .

3_ مطالبة مدعي الحق بشيء تم الحكم والبت فيه من قبل أحد محاكم الدولة ،  أن الدعوى قد سبق النظر والحكم فيها من قبل المحكمة ، وهنا اعتبرت المحكمة أن هذه الدعوى كيدية لأنه تأخر عمل القضاء والتقاضي ، وتطالب بحقوق غير مشروعة .

4_ عدم وجود أي أدلة أو إثباتات تثبت أحقية الحق المطالب به .

بعض الأحكام المتعلقة بالدعوى الكيدية :

 الحكم رقم 2956 لسنة 1999 تمييز حقوق

“حيث ان الخبير الذي استعانت به محكمة البداية قد قرر ان المميز ضدهما قد تضررا من البناء الذي أقامه المميز الذي تسبب بحجب 40% من ضوء الشمس وان غرفة النوم في الشقة التي يشغلها المميز ضدهما قد نقصت فيها التهوية بنسبة 4%
وان منظر الشقة وأطلالها على الخارج قد تأثرت بنسبة مقدارها 100% كل ذلك يثبت ان الدعوى التي تقدم بها المميز ضدهما كان لها ما يبررها وانها لم تكن دعوى كيدية يقصد بها الأضرار بالمميز وهذا ما تايد بالأحكام القضائية التي يحتج بها المميز والتي تضمنت انه وان لم يكن من حق المميز ضدهما إزالة البناء الذي أقامه المميز ولكن لهما الحق في طلب فسخ العقد أو انقاص الأجرة بنسبة نقصان المنفعة التي تأثرت بالبناء الذي أقامه المميز”

. الحكم رقم 1828 لسنة 1997

“ان المادة (141) من قانون أصول المحاكمات المدنية تجيز للمدعي في الدعوى الحقوقية اللقاء الحجز التحفظي على أموال المدعى عليه المنقولة وغير المنقولة لحين البت في الدعوى ، بشرط تقديم كفالة عما يلحق المحجوز عليه من عطل وضرر اذا ظهر ان طالب الحجز غير محق في دعواه
ان المشرع حمل المدعي ما يلحق بخصمه من عطل وضرر ، نتيجة الحجز اذا خسر دعواه فقط ، ولم يشترط ان تكون الدعوى كيدية وبسوء قصد ، لان الأصل ان يتقدم بدعواه وفي حال الحكم له يقوم بالتنفيذ على أموال المحكوم عليه ، الا ان القانون أجاز له حجز أموال خصمه تحفظا بشرط الزامه بالعطل والضرر ، ان تبين انه غير محق في دعواه
اذا طلب المدعيان ( المميزان) إتاحة الفرصة لهما بتقديم البينة بواسطة الشهود على الضرر الذي لحق بهما وحجمه ، الا ان المحكمة رفضت الطلب على الرغم من انه لا يوجد في القانون ما يمنع من ذلك ، وعلى الرغم من إنتاجية هذه البينة مما نرى معه ان القرار من هذه الناحية مستوجب النقض” .

الحكم رقم 4464 لسنة 2019

” 1-استقر الاجتهاد القضائي على اللجوء للمحاكم رخصة لا يترتب على استعمالها تعويض للخصم عما لحقه من ضرر عملاً بالمادة (101) من الدستور والتي نصت على ان المحاكم مفتوحة للجميع وان المادة (61) من القانون المدني نصت على ان الجواز الشرعي ينافي الضمان فمن استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر إلا ان المادة (66) من ذات القانون حددت أحوال الحكم بالتعويض في حال التعسف باستعمال الحق

2-ان اللجوء الى القضاء حق مشروع قرره وضمنه المشرع لكل شخص من أفراد المجتمع ومؤدى هذا الحق عدم مسؤولية من يلج أبواب القضاء متمسكاً بحق أو ذوداً عنه ما لم يثبت انحرافه عنه الى اللدد في الخصومة والعنت ابتغاء الأضرار بالخصم ، وفقاً لقرار تمييز حقوق (2156/2011) وقرار (347/2013)

3-ان الدعوى لا تعتبر كيدية الا اذا كان المدعى فيها قد استعمل حقه استعمالاً غير مشروع ، وفقاً لأحكام المادة (66) من القانون المدني وان استعمال حق التقاضي بصورة غير مشروعة هو صورة من صور التعسف في استعمال الحق الموجب للتعويض ، وفقاً لقرار تمييز حقوق (251/1993)

4-تستقل محكمة الموضوع في تقدير ووزن البينة وتكوين قناعاتها دون رقابة عليها من محكمة التمييز في ذلك طالما أن النتيجة التي توصلت إليها جاءت مستخلصة استخلاصاً سائغاً ومقبولاً ومستمدة من بينات قانونية ثابتة في الدعوى وذلك وفقاً لنص المادتين (33) و (34) من قانون البينات

5-لا تثريب على محكمة الموضوع إذا قررت إتباع النقض الوارد إليها من محكمة التمييز وسارت في الدعوى من النقطة المنقوضة وعالجتها وفصلت فيها وفقاً لما جاء في قرار النقض وذلك وفقاً لأحكام المادة (202) من قانون أصول المحاكمات المدنية.”

عقوبة الدعوى الكيدية

إذا ثبت للقضاء أن الدعوى المرفوعة أمامه هي دعوى كيدية يحكم برد الدعوى ، ويحق للمدعى عليه أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحقه جراء رفع هذه الدعوى .

الحكم رقم 280 لسنة 1998 تمييز جزاء

“تعلن محكمة الموضوع عدم مسؤولية المتهم اذا كان الفعل لا يشكل جرماً ولا يستوجب عقاباً، وتعلن براءته في حال كان لا يوجد بينة كافية للحكم عليه ، تقضي على المدعي الشخصي في الوقت ذاته بطلب الظنين التعويض اذا ظهر لها ان الدعوى أقيمت عليه بصورة كيدية سنداً لنص المادة (178) من قانون أصول المحاكمات الجزائية”