أحكام عقد السمسرة في التشريع الأردني

أحكام عقد السمسرة في التشريع الأردني

يعد نشاط السمسرة من أهم الأنشطة التي أخذت في الانتشار في الآونة الأخيرة واتسع نطاقها بصورة ملحوظة، ولعل ذلك يجد ما يبرره في طبيعة هذا النشاط الذي يستهدف بالأساس مساعدة الأفراد في الحصول على السلع والخدمات التي تفي باحتياجاتهم الضرورية وتعينهم على إشباعها، لاسيما وأن نشاط السمسرة لم يعد مقتصراً على مجالات محددة بل أصبح يشمل غالبية – وإن لم يكن جميع – مجالات الحياة المختلفة.

ولعل أهمية هذا النشاط هي ما حدت بمشرعي القانون في مختلف الدول لوضع تنظيم قانوني يحكم العقد الذي ينظم ذلك النشاط ويحدد ضوابطه وأحكامه، إلا أن تلك الأحكام والضوابط قد تختلف بعض الشيء من دولة إلى أخرى ومن تشريع إلى آخر، لذلك سوف نخصص هذا المقال لبيان أحكام عقد السمسرة في ظل الأحكام التي حددها المشرع الأردني.

 

أولاً: المقصود بعقد السمسرة

ثانياً: مميزات عقد السمسرة

ثالثاً: الطبيعة القانونية لعقد السمسرة

رابعاً: التفرقة بين عقد السمسرة وبعض العقود التي تتشابه معه

خامساً: الأركان اللازم توافرها لانعقاد عقد السمسرة

سادساً: كيف يتم إثبات عقد السمسرة؟

سابعاً: انقضاء عقد السمسرة

ثامناً: نماذج من أحكام محكمة التمييز الأردنية ذات العلاقة

تاسعاً: الخاتمة

 

أولاً: المقصود بعقد السمسرة

بالعودة إلى معاجم اللغة العربية تبين لنا أن لفظ “السمسرة” هو لفظ ليس له أصول عربية ولكنه لفظ معرب ذو أصل فارسي، تم تعريبه ليستدل منه على العديد من المعاني والمقاصد، فهو يدل على البيع والشراء[1]، كما يدل أيضاً على الوساطة بين البائع والمشتري، وهو يستخدم أيضاً للدلالة على النشاط الذي يدل القائم به المشتري على السلعة التي يرغب في شرائها كما يدل البائع على الثمن الذي تباع به سلعته، وغيرها من المقاصد الأخرى التي لا تختلف كثيراً عن سابقتها التي ذكرناها سلفاً.

أما على الصعيد التشريعي فنجد أن هناك جانب من المشرعين لم يتناول عقد السمسرة بالتعريف وترك الأمر كما جرت العادة في تعريف المصطلحات القانونية إلى الفقه القانوني، بينما اتخذ الجانب الآخر من المشرعين منحى مختلف حيث تعرضوا بالتعريف القانوني لعقد السمسرة، ومن أهم التعاريف الفقهية لعقد السمسرة يمكننا أن نذكر ما يلي:

  • عقد السمسرة من وجهة نظر البعض عرف بأنه العقد الذي بموجبه يلتزم شخص – وهو السمسار – بإيجاد متعاقد لإبرام صفقة مع الشخص الذي فوضه في ذلك، وهذا لقاء أجر يحصل عليه السمسار[2].
  • وعرفه البعض الآخر بأنه عقد يلتزم بموجبه السمسار إما بالتفاوض مع شخص محدد لإقناعه بإبرام تعاقد مع مفوض السمسار، وإما بالبحث عن أي شخص يقبل التعاقد مع مفوضه، وذلك نظير عمولة متفق عليها يتقاضاها السمسار.
  • بينما ذهب جانب آخر إلى تعريف عقد السمسرة بأنه عقد يتعهد بمقتضاه السمسار للعميل الذي يتعاقد معه بالبحث عن شخص آخر ليتوسط بينه وبين هذا العميل لإبرام تعاقد محدد، وذلك نظير أجر يتقاضاه السمسار[3].

ويتبين من مجمل تلك التعاريف أنها تدور حول مضمون واحد وهو أن عقد السمسرة في جوهره هو عقد وساطة يتم إبرامه بين طرفين، الطرف الأول هو العميل الذي يفوض الطرف الثاني وهو السمسار في البحث عن شخص ثالث غير محدد أو التفاوض مع شخص محدد، وذلك لإبرام تعاقد بين هذا الشخص الثالث والعميل، ويتقاضى السمسار أجراً نظير ذلك العمل.

وقد كان المشرع الأر دني من مشرعي القانون الذين تعرضوا بالتعريف لعقد السمسرة، حيث عرف عقد السمسرة في نص المادة رقم (99/1) من قانون التجارة الأردني رقم 12 لسنة 1966، والتي جاء بها أن (السمسرة هي عقد يلتزم به فريق يدعى السمسار لأن يرشد الفريق الآخر إلى فرصة لعقد اتفاق ما أو أن يكون وسيطاً له في مفاوضات التعاقد، وذلك مقابل أجر).

ثانياً: مميزات عقد السمسرة

يتمتع عقد السمسرة بجملة من المميزات التي تمنحه خصوصيته عن سائر العقود الأخرى، وهذه المميزات نستخلصها من التعريف الذي وضعه له المشرع الأردني، وسوف نتناول تلك المميزات في النقاط التالية.

1- عقد السمسرة هو عقد رضائي

يعد عقد السمسرة من العقود الرضائية التي تنعقد سواء تمت بشكل شفهي أو مكتوب، فهي عقود لا يشترط لانعقادها أن تفرغ في شكل معين، وحتى في القوانين التي اشترطت أن يتم إفراغ عقود السمسرة في شكل مكتوب فهي لم تشترط ذلك كسبب لازم للانعقاد ولكنها اشترطته ليكون أداة لإثبات وجود العقد[4].

ويتأكد لنا ذلك بالرجوع إلى أحكام قانون التجارة الأردني والمنظمة لعقد السمسرة، حيث لم تتضمن النصوص الخاصة بتلك الأحكام ما يفيد الالتزام بشكل محدد لإبرام عقد السمسرة، وإن كان العرف قد جرى على أن عقود السمسرة يتم تحريرها في شكل كتابي حفاظاً على حقوق الطرفين ولتيسير عملية إثباتها.

2- عقد السمسرة هو عقد ملزم للجانبين

يقصد بالعقد الملزم للجانبيثن العقد الذي يتحمل كلاً من طرفيه التزاماً لصالح الطرف الآخر، فيكون التزام كلاً منهما بمثابة حق للطرف الآخر، فالسمسار يتحمل بالتزام إيجاد الطرف الذي سيتعاقد مع عميله والتفاوض معه حتى يتم إبرام هذا التعاقد، بينما يتحمل العميل بالتزام قوامه دفع الأجر أو العمولة المتفق عليها بعقد السمسرة، وكلاً من هذين الالتزامين يعد في جوهره حقاً للطرف الآخر.

3- عقد السمسرة هو عقد معاوضة

المقصود بعقود المعاوضة العقود التي يتحصل فيها كل طرف على مقابل نظير ما يقوم بمنحه للطرف الآخر، وهو بالفعل ما يتحقق في عقود السمسرة، فالسمسار يتحصل على الأجر أو العمولة نظير ما يقوم به من عمل، والعميل يتحصل على شخص يتعاقد معه نظير ما يمنحه للسمسار من أجر أو عمولة.

4- عقد السمسرة هو عقد احتمالي

إذا ما نظرنا إلى الالتزامات التي يرتبها عقد السمسرة على طرفيه سنجد أنها بالنسبة للسمسار تنحصر في إيجاد شخص ليتعاقد مع العميل والقيام بمفاوضات معه لإتمام إبرام هذا التعاقد، وهذه المفاوضات قد تكلل بالنجاح ويتم التعاقد بين العميل والشخص الذي وجده السمسار، أو قد تمنى بالفشل ولا يتم إبرام العقد بينهما، أما التزامات العميل فتتمثل في سداد الأجر أو العمولة في حالة نجاح السمسار في إتمام التعاقد مع الشخص الذي يحضره، أما في حالة فشل السمسار في ذلك فلا يستحق أجره أو عمولته ولا يسددها له العميل، وبالتالي فإن كلاً من طرفي عقد السمسرة يحتمل أن ينفذ التزامه أو لا ينفذه وفقاً لظروف الحال، وهو ما يسبغ على عقد السمسرة صفته كعقد احتمالي.

5- عقد السمسرة لا يتوافر فيه عنصر الرقابة والإشراف

تعتبر تلك السمة من السمات التي تمنح عقد السمسرة خصوصيته وتفرده وتضع الحد الفاصل بينه وبين بعض العقود الأخرى التي تتشابه معه كعقود العمل والتمثيل التجاري، حيث أن السمسار في تأديته لعمله المتمثل في البحث عن متعاقد لا يخضع لرقابة العميل ولا لإشرافه، بل يتمتع بمطلق الحرية لكي يؤدي التزامه هذا بالصورة التي يراها، فهو لا يعد موظفاً لدى العميل ولا أجيراً لديه أو تابعاً له، فلا يلتزم بتعليماته ولا بتوجيهاته بل يمارس عمله على الوجه الذي يراه.

6- عقد السمسرة هو عقد يقوم على الاعتبار الشخصي

والاعتبار الشخصي هنا مزدوج فهو ينطبق على السمسار والعميل، فالعميل دائماً ما يلجأ إلى سمسار محدد لثقته فيه ولعلمه بكفاءته في عمله بنشاط السمسرة ولسمعته الجيدة ونزاهته وغيرها من السمات التي تتوافر بالسمسار وتعد لصيقة بشخصه، كما أن قبول السمسار للتعاقد مع العميل يكون مستنداً إلى علم السمسار بأن هذا العميل ذو ملاءة مالية تمكنه من سداد الأجر أو العمولة، وأيضاً على سمعة العميل ونزاهته، وبالتالي فإن وفاة أحد طرفي عقد السمسرة أو فقده لأهليته يترتب عليها انقضاء عقد السمسرة، فلا يكون العميل مجبراً على استكمال العقد مع ورثة السمسار، ولا يكون السمسار مجبراً على استكمال الاعقد مع ورثة العميل.

ثالثاً: الطبيعة القانونية لعقد السمسرة

اختلفت القوانين وآراء الفقه القانوني في شأن الطبيعة القانونية لعقد السمسرة، فمنها من منجها طبيعة تجارية مطلقة، ومنها من منحها الطبيعة التجارية المقيدة بشروط معينة منها أن يكون السمسار ممارساً لذلك النشاط على وجه الاحتراف، وغيرها من الآراء والاتجاهات الأخرى التي اختلفت حول الطبيعة القانونية لعقد السمسرة.

إلا أننا ومنعاً للإطالة لن نخوض في تلك الآراء نظراً لأن المشرع الأردني لم يترك تحديد الطبيعة القانونية لعقد السمسرة لآراء الفقه، ولكنه كان صريحاً في هذا الشأن وقرر الطبيعة القانونية لهذا العقد بنص قانوني واضح وهو نص المادة رقم (6/1/ح) من قانون التجارة الأردني، وقد تضمن هذا النص ما يلي (1- تعد الأعمال التالية بحكم ماهيتها الذاتية أعمالاً تجارية برية: ……. ح- العمالة والسمسرة).

ومن خلال النص القانوني السابق يتبين لنا أن المشرع الأردني قد حدد صراحة أن عقد السمسرة هو عقد تجاري، وذلك بغض النظر عما إذا كان السمسار يمارس نشاط السمسرة بشكل دائم أو كانت تلك العملية المبرم عنها العقد هي عملية منفردة، فيكون عقد السمسرة تجارياً بالنسبة للسمسار في كافة الأحوال[5].

أما بالنسبة للعميل فإن الأمر يختلف حيث لا يعد عقد السمسرة تجارياً بالنسبة إليه إلا إذا كان هذا العميل تاجراً وكانت الصفقة المزمع إبرامها مع الشخص الذي يستقدمه السمسار هي صفقة تجارية، بينما يعد العقد مدنياً بالنسبة للعميل متى لم يكن تاجراً وكانت الصفقة المزمع إبرامها ليست ذات صفة تجارية، فالأمر هنا يتوقف على صفة العميل وطبيعة محل الصفقة والهدف منها، وقد جرى قضاء محكمة التمييز الأردنية فيما تواترت عليه أحكامها على تأكيد تلك القاعدة[6].

رابعاً: التفرقة بين عقد السمسرة وبعض العقود التي تتشابه معه

هناك بعض العقود التي قد تتداخل في نظر البعض مع عقد السمسرة، ولعل ذلك يرجع إلى اشتراكها معه في بعض السمات والخصائص التي تميزه، لذلك رأينا ضرورة توضيح ذلك بالنسبة لبعض من هذه العقود وبيان أوجه الاختلاف بينها وبين عقد السمسرة.

1- عقد السمسرة وعقد الوكالة

نصت المادة رقم (99/2) من قانون التجارة الأردني على أنه (تسري قواعد الوكالة بوجه عام على السمسرة)، وهو ما يوضح أن المشرع الأردني قد أخضع السمسرة للأحكام التي تخضع لها الوكالة، وهو ما جعل البعض يظن أن عقد السمسرة يعد في جوهره عقد وكالة بصورة جعلت العقدين يلتبسان في نظرهم.

وقد عرف المشرع الأردني عقد الوكالة بنص المادة رقم (833) من القانون المدني رقم 43 لسنة 1976 بأنه (الوكالة عقد يقيم الموكل بمقتضاه شخصاً آخر مقام نفسه في تصرف جائز معلوم)، ومن خلال مطالعة تعريف كلاً من العقدين يمكننا أن نتبين أهم أوجه الاختلاف بينهما والتي تتمثل في:

  • تختلف السمسرة عن الوكالة في أن الوكيل عندما يقوم بتأدية التزاماته فإنه يقوم بذلك لحساب موكله وليس لحسابه الخاص، بينما نجد أن السمسار عندما يقوم بالعمل المنوط به بموجب عقد السمسرة فإنه لا يقوم به لحساب موكله، بل هو يقوم بذلك لحسابه الشخصي.
  • ما يقوم به الوكيل بموجب عقد الوكالة من أعمال تنصرف آثارها بشكل مباشر إلى ذمة موكله، بينما الأعمال التي يقوم بها السمسار بناء على عقد السمسرة يتحمل وحده مسؤولية ما يترتب عليها من آثار دون أدنى مسؤولية على العميل.

2- عقد السمسرة وعقد الوكالة التجارية

يعد عقد الوكالة التجارية نوعاً خاصاً من عقود الوكالة، حيث عرفه الفقه بأنه عقد يقيم بمقتضاه شخص آخر مقام نفسه في عمل تجري مشروع ومحدد، وعلى الرغم من أن هناك بعض الجوانب التي يتشابه فيها عقد الوكالة التجارية مع عقد السمسرة والتي نذكر منها:

  • يتسم كلاً منهما بأنه عقد معاوضة حيث أن السمسار والوكيل التجاري لا يقوم بعمله على سبيل التبرع ولكنه يتقاضى عنه أجر أو عمولة يتم الاتفاق عليها.
  • يعد كلاً من العقدين بمثابة عقد وساطة بمعناه العام ومفهومه الواسع.
  • يخضع كلاً من العقدين إلى الأحكام العامة لعقد الوكالة، وذلك فيما لم يقرر به المشرع حكماً خاصاً بأياً منهما.
  • يتمتع كلاً من السمسار والوكيل التجاري بالحرية والاستقلال في ممارستهما لمهام عملهما.

إلا أن عقد السمسرة يختلف عن عقد الوكالة التجارية في العديد من الأوجه، ويمكننا أن نذكر أهمها وأبرزها في النقاط التالية:

  • يقتصر عمل السمسار على التصرفات والأعمال المادية فقط دون سواها، بينما يمتد عمل الوكيل التجاري ليشمل الأعمال المادية وأيضاً الأعمال القانونية.
  • عقد السمسرة ذو طبيعة تجارية بشكل مطلق بغض النظر عما إذا كان السمسار يمارس السمسرة عل وجه الاحتراف أم لا، في حين أن الوكالة التجارية لا تتمتع بالطبيعة التجارية بشكل مطلق، بل إنها تعد ذات طبيعة تجارية متى كانت تنصب على أعمال أو تعاملات تجارية، بينما تعد ذات طبيعة مدنية متى كانت تنصب على أعمال أو تعاملات مدنية، وذلك طبقاً لما نص عليه المشرع في المادة رقم (80/1) من قانون التجارة الأردني من أنه (تكون الوكالة تجارية عندما تختص بمعاملات تجارية).
  • يتم إبرام عقد السمسرة بهدف التفاوض على صفقة وحيدة ومحددة، بينما يتم إبرام عقد الوكالة التجارية إما لصفقة واحدة أو لأكثر من صفقة.
  • يحتلف محل عقد السمسرة عن محل عقد الوكالة التجارية، ففي عقد السمسرة يكون المحل هو ما يقوم السمسار ببذله من مجهود لإيجاد المتعاقد المنشود من قبل العميل، بينما يتمثل محل عقد الوكالة التجارية قي التصرف الذي يبرمه الوكيل التجاري لحساب موكله.

خامساً: الأركان اللازم توافرها لانعقاد عقد السمسرة

حتى ينعقد عقد السمسرة صحيحاً فهناك مجموعة من الأركان التي يلزم تحققها وتوافرها فيه، وهذه الأركان تتمثل في ركن الرضا، وركن المحل، وركن السبب.

1- الركن الأول: ركن الرضا

باعتبار أن عقد السمسرة من العقود الرضائية فإنه يلزم أن يتوافر الرضا لدى كلاً من طرفيه، وهو ما يقصد به تطابق إيجاب وقبول الطرفين على إبرام العقد، وهذا الأمر يتطلب أن تكون إرادة كلاً من طرفي عقد السمسرة في إبداء الإيجاب والقبول هي إرادة حرة وخالية من أي عيب يشوبها.

وبالتالي فإنه يلزم لانعقاد عقد السمسرة أن يكون الإيجاب الصادر من العميل والقبول الصادر من السمسار كلاهما منصباً على ذات المضمون الذي يشتمل عليه العقد بكافة عناصره، سواء العمل الذي يؤديه السمسار أو الأجر الذي سيتقاضاه لقاء عمله، وغيرها من المسائل الجوهرية المتعلقة بالعقد، وذلك بكامل إرادتيهما الحرة دون أي مؤثرات تعيبها.

وتقتضي صحة الإرادة أن يتمتع صاحبها بالأهلية القانونية اللازمة لاعتبار أن إرادته هي إرادة سليمة وكاملة يمكنها أن تحدث الأثر القانوني المنشود، ونقصد بالأهلية هنا أهلية الأداء التي تحدد مدى قدرة وصلاحية الشخص على استخدام إرادته بالصورة التي تحدث فيها أثراً قانونياً معتبراً، لذلك فإن السمسار والعميل يجب أن يكونا قد بلغا من العمر ثمانية عشر عاماً عند إبرام عقد السمسرة، وألا يكون قد طرأ على أحدهما أي عارض من عوارض الأهلية كالجنون أو العته أو الحجر.

أما إذا كان أياً من طرفي عقد السمسرة هو شخص معنوي فإن الأمر هنا بالنسبة لتحديد تمتعه بالأهلية من عدمه يستلزم الرجوع إلى القانون الذي تم إنشاؤه في ظله، وذلك باعتباره اغلسند المحدد لشروط تمتع هذا الشخص المعنوي بالأهلية القانونية التي تمنحه الإرادة المطلوبة لإبرام العقود.

2- الركن الثاني: ركن المحل

اختلفت آراء الفقه حول المقصود بالمحل في عقود السمسرة، إلا أنها واجهت العديد من أوجه النقد ولم يصب منها كبد الحقيقة والصواب إلا تفسير وحيد، وسوف نذكر نموذجاً من تلك الآراء بجانب الرأي الصائب في بيان محل عقد السمسرة وذلك على النحو التالي:

  • ذهب البعض في تفسير محل عقد السمسرة على أنه العقد الذي يقوم السمسار بالوساطة فيه بين العميل والشخص الذي سيستحضره، وهذا التفسير يؤخذ عليه أن جوهر المحل هو ما يقع على عاتق المتعاقد تنفيذه من التزامات، وباعتبار أن العقد الذي سيبرم بين العميل والشخص الثالث الذي سيجده السمسار لن يكون الأخير طرفاً فيه وبالتالي لن يتحمل بأياً من التزامات ذلك العقد، فإنه لا يجوز اعتبار أن ذلك التعاقد هو محل عقد السمسرة.
  • في حين فسره البعض الآخر على أنه العمل الذي يمارسه السمسار في استحضار هذا الشخص والتفاوض معه، وهذا التفسير هو التفسير الصائب، حيث أن العمل الذي يؤديه السمسار في البحث عن شخص ليتعاقد مع العميل، وما يقوم به من مفاوضات لإقناعه بالتعاقد تعد هي الالتزامات الرئيسية التي تقع على عاتق السمسار، وهو ما يجعلها صالحة لكي تكون محلاً لعقد السمسرة.

3- الركن الثالث: ركن السبب

عقد السمسرة هو عقد مثل سائر العقود الأخرى التي يستلزم القانون أن يتوافر فيها ركن السبب، ويقصد بالسيي الغرض أو الهدف المباشر الذي يتم التعاقد من أجاه، فهو يعد بمثابة الغاية التي يسعى إلى تحقيقها المتعاقد[7]، لذلك فإن السبب يختلف بالنسبة لكلاً من طرفي عقد السمسرة، فالسبب بالنسبة للسمسار هو حصوله على الأجر أو العمولة التي تستحق له عند إتمامه لعمله المنوط به، بينما السبب بالنسبة للعميل هو الحصول على المتعاقد الذي سيبرم معه العقد، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك الاختلاف فإن السببين يتفقان في عدة أمور، حيث يجب أن يكون كلاً منهما سبباً مشروعاً لا يخالف القانون أو النظام العام والآداب، وأن يكون كلاً منهما موجوداً وصحيحاً.

سادساً: كيف يتم إثبات عقد السمسرة؟

بداية فإن المقصود بإثبات عقد السمسرة هو إقامة الدليل على وجود هذا العقد وترتيبه لآثاره القانونية، وقد اختلف مشرعي القانون حول مسألة إثبات عقد السمسرة، لاسيما وأنه كما سبق وأن ذكرنا هناك بعض القوانين التي لم تشترط إفراغ عقد السمسرة في شكل مكتوب باعتباره عقداً من العقود الرضائية التي يكفي التراضي لانعقادها كما هو الحال في القانون الأردني، لذلك كان لكل مشرع سبيل مستقل في شأن إثبات عقد السمسرة.

فعلى سبيل المثال نجد أن المشرع المصري قد استلزم في عقد السمسرة لكي يتمتع بالصفة التجارية أن يكون السمسار الذي أبرمه يمارس السمسرة على وجه الاحتراف، وبالتالي فإن العقد الذي يبرمه السمسار الذي لا يمارس السمسرة على وجه الاحتراف يكون مدنياً، وهو ما يترتب عليه عدم جواز إثبات العقد في مواجهته إلا عن طريق دليل كتابي أو بطريق الإقرار.

أما عن موقف المشرع الأردني فإنه يختلف عن ذلك، حيث أنه يعتبر أن عقد السمسرة هو عقد تجاري بالنسبة للسمسار سواء كان يمارس السمسرة على وجه الاحتراف أو أبرمه لمرة وحيدة، وبالتالي يجوز إثبات عقد السمسرة في مواجهته بكافة طرق الإثبات باعتباره عملاً تجارياً، ولا يتقيد العميل في إثباته بطرق محددة من طرق الإثبات.

وعلى صعيد فإن إثبات عقد السمسرة قبل العميل يختلف باختلاف طبيعة هذا العقد بالنسبة إليه وما إذا كان تجارياً أم مدنياً، فإذا كان العقد بالنسبة للعميل تجارياً فعندئذ يتم إثباته من قبل السمسار بكافة طرق الإثبات الممكنة، بينما إذا كان العقد مدنياً بالنسبة له فتقتصر عملية إثباته في مواجهته على طرق الإثبات المعتمدة في إثبات الالتزام المدنية.

سابعاً: انقضاء عقد السمسرة

بمجرد أن يبرم عقد السمسرة بين السمسار والعميل بشكل قانوني صحيح، فعندئذ تبدأ مهمة السمسار رسمياً ويكون عليه البدء في البحث عن المتعاقد المنشود من قبل عميله، فإذا ما قام السمسار بعمله ونجح في إيجاد هذا المتعاقد وجمع بينه وبين العميل، فإنه يستحق عندئذ أجره أو عمولته المتفق عليها، وذلك بغض النظطر عن تمام التعاقد بين العميل والمتعاقد من عدمه، وبمجرد تقاضيه للأجر أو العمولة فإن عقد السمسرة ينقضي لاستنفاذه الغرض منه، وتكون نهايته هنا هي نهاية طبيعية.

إلا أنه هناك حالات قد ينقضي فيها عقد السمسرة بعد إبرامه وقبل أن ينفذ السمسار مهمته المنوطة إليه، ويمكننا أن نوجز أهم تلك الحالات في النقاط الآتي بيانها:

  • أن يكون عقد السمسرة محدد المدة بحيث يتفق فيه على تحديد مدة معينة يجب على السمسار أن يجد المتعاقد المنشود خلالها، وهو أمر جائز باعتبار أن عقد السمسرة من العقود الزمنية، فإذا انقضت تلك المدة المحددة دون أن يتمكن السمسار من العثور على المتعاقد المطلوب فإن عقد السمسرة ينقضي بانتهائها ولا يستحق السمسار أجره أو عمولته، ويجوز أن يتفق السمسار مع العميل على مد مدة العقد لفترة أخرى.
  • أن يصبح تنفيذ عقد السمسرة مستحيلاً، وذلك كما هو الحال في أن يكون محل عقد السمسرة هو البحث عن متعاقد ليشتري من العميل عقار ما، وأثناء بحث السمسار عن هذا المتعاقد ينهار العقار بسبب زلزال أو يتم إزالته بموجب قرار من الجهات المختصة، وبالتالي ينقضي عقد السمسرة.
  • قد ينقضي عقد السمسرة بالفسخ وذلك متى أخل أحد طرفيه بتنفيذ التزامه المترتب على هذا العقد، فعندئذ يحق للطرف الآخر أن ينذر الطرف المخل بضرورة تنفيذ التزكامه خلال مهلة محددة، فإذا انقضت تلك المهلة دون أن ينصاع الطرف المخل لذلك، فيحق للطر ف الآخر عندئذ اللجوء إلى القضاء بطلب الفسخ.
  • ينقضي عقد السمسرة أيضاً بوفاة السمسار، وهو ما سبق أن أشرنا إليه في هذا المقال عندما تعرضنا لكون عقد السمسرة من العقود القائمة على الاعتبار الشخصي بالنسبة للسمسار، ويكون شخص السمسار محل اعتبار عند تعاقد العميل معه، وبالتالي تعد وقاته بمثابة انقضاء لعقد السمسرة، فإذا ما رغب العميل في استكمال تنفيذ عقد السمسرة مع ورثة السمسار فيلزم أن يبرم معهم عقد جديد، وتأخذ حالة فقدان السمسار لأهليته ذات الحكم الخاص بوفاته أيضاً.

ثامناً: نماذج من أحكام محكمة التمييز الأردنية ذات العلاقة

1- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 96 لسنة 1999 والصادر بجلسة 20/10/1999 والمتضمن أنه (تعتبر المدعية بتعاطيها أعمال السمسرة المنصوص عليها في المواد (99 و 6 / أ / ج و 9 / 1/ أ) من قانون التجارة ذات صفة تجارية وأن المدعى عليهما مالك العقار والمشتري يعتبران ذوا صفة مدنية وبالتالي فإن طبيعة العلاقة بينهما وبين المدعية هي تصرف مختلط فهو بالنسبة للمدعية تصرف تجاري وبالنسبة للمدعى عليهما تصرف مدني ويترتب على ذلك أن القواعد التجارية في الإثبات تسري على من كان التصرف مدنيا بالنسبة له ويكون للمدعى عليهما الإثبات في مواجهة المدعية وتصرفها تجاري بالبينة الشخصية والقرائن أيا كانت قيمة التصرف، أما المدعية فلا تستطيع الإثبات بمواجهة المدعى عليهما بما يزيد على عشرة دنانير إلا بالكتابة في حال اعتراض الخصم باعتبار تصرفهما مدنيا).

2- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 1097 لسنة 2002 والصادر بجلسة 27/5/2002 والمتضمن أنه (وحيث أن عبارة وساطة تجارية يندرج ضمنها السمسرة لأن السمسرة تعد من الأعمال التجارية بمقتضى المادة (6/ح) من قانون التجارة رقم 12 لسنة 1966 والسمسار هو تاجر بموجب المادة (9) من قانون التجارة ويتوجب عليه التسجيل في غرفة التجارة في المكان الذي يتعاطى فيه هذه المهنة بموجب المادة (3/د) من نظام الغرف التجارية رقم 58 لسنة 1961، وحيث أن محكمة الاستئناف توصلت إلى أن الجهة المدعية مرخصة بتعاطي أعمال شراء الأراضي والعقارات وبيعها والتوسط في بيعها وشرائها ومسجلة لدى غرفة تجارة عمان لغايات الكمسيون والوساطة التجارية وأن الشروط الشكلية لغايات سماع الدعوى متوافرة وفقاً لأحكام المادة (4) من نظام الدلالين والسماسرة فتكون ما انتهت إليه واقعاً في محله ومتفقاً وأحكام القانون وهذا السبب لا يرد عليه).

 

تاسعاً: الخاتمة

الحديث عن عقد السمسرة هو حديث يطول ويتشعب بصورة قد لا يتسع لها مقال واحد بل يلزم تخصيص عدة مقالات لذلك، ولكننا اكتفينا في هذا المقال بالتعرض إلى أهم الأوجه الخاصة بعقد السمسرة، وإن كان لنا تعقيب أخير في ختام هذا المقال فإنه سيكون منصباً على ما تلاحظ لنا من ندرة الكتابات والمؤلفات والدراسات التي تناولت عقد السمسرة بالشرح والإيضاح، لذا فإننا نشدد على ضرورة اهتمام فقهاء القانون بوضع المزيد من المؤلفات التي تتناول التنظيم القانوني والأحكام الخاصة بعقود السمسرة.

 

كتابة: أحمد عبد السلام

[1] – جمال الدين ابن منظور – معجم لسان العرب – مج 4 – دار بيروت للطباعة والنشر – لبنان – 1955 – ص380.

[2] – سميحة القليوبي – شرح العقود التجارية – دار النهضة العر بية – مصر – 1987 – ص214.

[3] – عزيز العكيلي – شرح القانون التجاري – الجزء الأول – دار الثقافة للنشر والتوزيع – الأردن – 1998 – ص433.

[4] – عزيز العكيلي – الوسيط في شرح القانون التجار ي – الجزء الأول – مكتبة دار الثقافة – الأردن – 2008 – ص399.

[5] – سحر النعيمي – الاتجاهات المختلفة في تنظيم الوكالة التجارية – رسالة ماجستير غير منشورة – جامعة عمان العربية – عمان – 2002 – ص47 وما بعدها.

[6] – يراجع البند (ثامناً) من هذا المقال – الحكم رقم (1).

[7] – أنور سلطان – مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني – مطابع الجامعة الأردنية – عمان – 1987 – ص132.

error: Alert: Content is protected !!