عقود الإذعان
عقود الإذعان من العقود المستحدثة نتيجة التطور الاقتصادي والصناعي الذي نشأت عنه الشركات الكبرى، وعقود الإذعان اصطلاح عصري يشير إلى العقود المطبوعة التي تعدها الإدارات الحكومية والشركات الاحتكارية التي تفرض على المتعاملين معها شروطها.
من المتعارف عليه أن العقود تتم بإرادة الأطراف المتعاقدة ، حيث يتم الاتفاق على بنود العقد فيما بينهم بحيث توضع شروط وبنود العقد حسبما يتفق عليه الأطراف ، وقد لا تعجب بعض البنود أحد الأطراف فيعمل على تعديلها وتغير مضمونها بموافقة الطرف الأخر ، وقد لا يتفقا ولا يتم توقيع العقد بينهما ويقوم كل طرف بتعاقد مع أطراف أخرى يتفق معهم على بنود العقد ، وذلك لكثرة الفرص المتاحة للتعاقد.
فالعقود التي تتم بين الأشخاص كثيرة منها العقود التجارية التي تتضمن بيع وشراء مختلف السلع والمواد ، عقود الإيجار ، عقود التمليك ، عقود العمل ، وغيرها من العقود التي لا تلزم أي طرف بالتعاقد، بل على العكس له حرية التعاقد بما يتناسب مع متطلباته واحتياجاته .
ومثال ذلك العقود التي تفرضها شركات المياه والكهرباء والسكك الحديدية والخطوط الجوية، ويجد المتعاملين معها من المستهلكين أو المسافرين أو العمال أنفسهم ملزمين بتوقيعها بلا أي مناقشة لأنهم الطرف الضعيف في العقد المفروض من قبل الطرف الأقوى.
وسبب تسمية تلك العقود بعقود الإذعان نظرًا لأن أحد المتعاقدين فيها يذعن للشروط التي يمليها المتعاقد الآخر على كافة المتعاملين معه إذعانا اقتضى معه توفير حماية خاصة لهؤلاء، تجد مكانها في مجال تنفيذ العقد ومجال تفسيره.
فعقود الإذعان تتعلق شروطها بتقديم أو توفير خدمة مهمة للأفراد والمجتمع لا غنى عنها مثل الماء والكهرباء والبريد والهاتف وغيرها وأن تكون هذه الخدمات على سبيل الاحتكار للجهات المنتجة، فتلك الجهات تضع منفردة شروط العقد، وصور الإيجاب للجمهور تكون موحدة.
جدول المحتويات
المعايير التي سار عليها الفقه والقضاء
المقصود بالعقد
إن العقد هو اتجاه إرادة الأطراف المتعاقدة إلى إحداث أثر قانوني معين بحيث يترتب على انعقاد العقد فيما بينمها التزامات على كل من الأطراف المتعاقدة، وكما هو معروف عُرفاً وقانوناً أن العقد شريعة المتعاقدين، بحيث إذا أخل أحد أطراف العقد بالتزاماته المترتبة عليه في العقد وجب عليه تنفيذ ما اتفقا عليه في حال الإخلال بأحد بنود العقد، كالشرط الجزائي مثلاً، وإلا كان للطرف الأخر اللجوء للقضاء لاتخاذ الإجراءات القضائية المناسبة.
أنواع العقود
تنقسم العقود إلى عدة أنواع وذلك حسب تصنيفها، من حيث القواعد التي تحكمها الى عقود مدنية أو تجارية، من حيث المقابل الى عقود معاوضة وعقود تبرع، من حيث طبيعتها الى عقود محددة أو احتمالية، من حيث الآثار التي تنتجها الى عقود ملزمة لجانبين أو لجانب واحد، من حيث وجود تنظيم قانوني يشملها فيمكن تقسيم العقود الى عقود مسماة أو عقود غير مسماة.
فمن حيث تكوينها تنقسم العقود إلى عقود شكلية وعقود رضائية، العقود الشكلية وهي التي تتطلب شكل معين لانعقادها كعقود بيع المركبات والأراضي تشترط التسجيل العقد لدى الدائرة المختصة، العقود الرضائية وهي العقود التي تتم برضا الطرفين وغالباً جميع العقود رضائية باستثناء عقود الإذعان فما المقصود بعقود الإذعان؟
المقصود بعقود الإذعان
عند السماع بمصطلح عقود الإذعان يتجه التساؤل عما هو المقصود بكلمة الإذعان؟ وما هي طبيعة هذه العقود؟، وعند البحث في معنى الإذعان ستجد أنه الخضوع والانقياد، وبتالي ستصل إلى فكرة أن عقد الإذعان هو عقد غير رضائي، إذا أن العقد الرضائي هو العقد التي يتم وضع بنوده بموافقة أطراف العقد أي أنه عقد يفتح المجال لأطرافه لمناقشة وتعديل أو تغير بنوده بالاتفاق فيما بينهم، بينما عقد الإذعان هو عقد ينفرد بصياغة بنوده وشروطه أحد المتعاقدين، ولا يملك الطرف الأخر إلا قبوله أو رفضه دون إمكانية المناقشة أو المفاوضة.
أمثلة على عقود الإذعان
عقود توريد الكهرباء، والماء، والهاتف، عقود النقل، عقود المرافق العامة.
في الغالب لا يستطيع الطرف الأخر رفض عقود الإذعان، لماذا؟
نظراً للحاجة الضرورية لما تقدمه هذه العقود، فمثلاً لا يستطيع أي شخص العيش دون كهرباء أو ماء، فعقود الإذعان تتم من قبل الشركات الاحتكارية والإدارات الحكومية التي تقدم خدمات لا يستطيع المواطن الاستغناء عنها.
صيغة عقود الإذعان
إن عقد الإذعان كأي عقد أخر ينص على الإيجاب وعلى القبول.
أن الاختلاف بعقد الإذعان أن الإيجاب هنا عام لا يوجه إلى شخص أو أشخاص محددين وإنما يقدم بصيغة واحدة، وشروط موحدة للجمهور، ولمدة زمنية طويلة، وذلك على عكس العقود الرضائية فهي تعقد بين أشخاص محددين ولاعتبارات محددة ولمدة معينة.
أيضا القبول في عقد الإذعان يختلف عن القبول في أي عقد أخر ففي العقود الأخرى قد يكون القبول مشروط أو غير مشروط أو قبول مع تعديل، أما في عقود الإذعان أما القبول بالعقد كما هو أو رفضه، وكأي عقد أخر إذا اختار الشخص الرفض فهو حر باختياره ولا يلزم بالتعاقد إلا أنه كما ذكرنا لا يستطيع الرفض لحاجته لما تقدمه هذه العقود من سلع وخدمات ضرورية.
محل عقود الإذعان
مواد أو سلع أو خدمات يحتاجها الناس كافة ولا يستطيعون الاستغناء عنها.
أركان عقد الإذعان :
أركان عقد الإذعان هي الصيغة، والعاقدان، والمعقود عليه، وسنتناول كل بالشرح فيما يلي :
الصيغة :
الإيجاب في عقود الإذعان :
الإيجاب في عقد الإذعان هو ما يصدر من أحد العاقدان ليدل على رضاه بأبرام أو انشاء العقد والإيجاب في عقود الإذعان يكون معروض على كافة الأشخاص، وبشروط معتبرة، وبصورة مستمرة، سواء أصدرت بصورة صريحة أو ضمنية، والإيجاب فيها يكون ملزمًا للموجب، ويجب أن يمكن الموجب الجميع من الاطلاع على شروط العقد.
والإيجاب في عقد الإذعان يشترك فيه شروطًا متعددة هي :
- أن يكون مستمرًا مدة طويلة.
- أن يتضمن الشروط والبيانات الجوهرية.
- أن يكون موجهًا للجمهور أو فئة غير محددة.
- أن يكون الإيجاب موحدًا فتكون الشروط متماثلة لا تختلف من شخص لآخر.
القبول في عقود الإذعان :
القبول هو ما صدر ثانيًا من العاقد الآخر دالًا على رضاه بما أوجبه العاقد الأول.
والقبول في عقود الإذعان يُعد تسليمًا للشروط التي وضعها الموجب، ومن أوصاف القبول في عقود الإذعان التي يتميز بها عن غيره هي :
- القابل في عقد الإذعان أمام خيارات إما القبول أو الرفض فقط.
- الطرف القوي في عقد الإذعان ملزم بالتعاقد إذا قبل الطرف المذعن.
- توافق الإيجاب والقبول أمر لابد منه في عقد الإذعان كغيره من العقود لإتمام العقد.
- لا يحق للطرف المذعن القابل المساومة أو المناقشة في شيء من شروط عقد الإذعان.
- يجب توافق الإيجاب والقبول في عقد الإذعان كغيره من العقود.
العاقدان :
في عقود الإذعان يتميز العاقدان عن غيرهما من العقود الأخرى بميزات خاصة تفرضها طبيعة العقد نفسه، وكذلك يكون كل واحد منهما قابًلا أو موجبًا، كما سيلي شرحه :
العاقد الأول : الموجب
ويكون هو المسيطر على العقد بحيث يعرض إيجابه للجميع بشكل عام دون تفرقه بينهم، وكذلك شروطه للجميع واحدة، وتلك الشروط تراعي مصلحته في الغالب، كما أنه يكون محتكرًا للسلطة احتكارًا قانونيًا أو فعليًا، أو بحد أدنى يكون مسيطرًا عليها بشكل يحد من المنافسة في عديد الخدمات كالماء، والكهرباء، والغاز، والخدمات المصرفية.
العاقد الثاني : القابل
وهو يكون بعكس الموجب في واقع الأمر وقد يكون جهة حكومية، أو أهلية، أو شركة، أو فردًا، يسلم بشروط العقد كافة، فيوافق عليها جميعًا أو يرفضها جميعًا، فهي لا تقبل المناقشة أو التجزئة، ولكن الواقع يقول إن القابل لا يستطيع أن يرفضها لحاجته الماسة لمحل العقد.
المعقود عليه (محل العقد) :
يتعلق المعقود عليه بسلعة معينة كما في المنافع كشركات الكهرباء، والشبكة العالمية، والهاتف، أو خدمات كما في شركات التأمين، أو كما في الوكالات الحصرية عندما يستورد سلعة ما ويضع شروطه التي يريدها، وجميعها يحتاج إليها جمهور الناس فلا يستطيعون الاستغناء عنها، وبدونها لا تستقيم حياتهم.
شروط عقد الإذعان :
وسوف نتناول شروط العقد العامة المتعلقة بالصيغة والعاقدين والمعقود عليه، ثم سيلي ذلك التعرض لشروط العقد الخاصة لعقد الإذعان.
شروط العقد العامة :
شروط الصيغة ( التراضي في التعاقد) :
للصيغة المعبرة عن الرضا عدة شروط منها :
- أن يكون الإيجاب والقبول بصيغة الماضي أو الحاضر ولا يصح العقد بصيغة الاستفهام.
- أن يكون الإيجاب والقبول في نفس الزمن فلا يصح العقد إذا كان الإيجاب في زمن والقبول في زمن آخر.
- أن يكون الإيجاب موافقًا للقبول في كل الوجوه وفي كل جزء من أجزائه حقيقة أو حُكمًا.
- أن يتصل الإيجاب بالقبول بأن يكون في مجلس واحد ولا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل ينتهي به الإيجاب.
- أن يكون القبول من العاقد نفسه ولا يصح قبول الورثة إذا مات الوجب قبل تمام العقد.
- أن يكون اللفظ المستعمل في القبول وفي الإيجاب يدل لغة أو عرفًا على نوع العقد المقصود للعاقدين.
- أن يكون الإيجاب بصيغة الطلب.
شروط العاقدين :
العقد لا يتم ولا تترب عليه آثاره إلا إذا كان صحيحًا، ولا يكون العقد صحيحًا حتى يصدر ممن يصح عقده، ويصح العقد إذا توافرت به شروط منها :
الأهلية :
في حال نقص الأهلية أو فقدانها تتوقف عليها المعاملات والتصرفات على كافة أنواعها سواء كانت فعلية أو قولية، وتثبت أهلية المتعاقدين بالعقل بحيث أنه لا يصح العقد من المجنون، وكذلك التمييز فلا يصح العقد من الصبي غير المميز.
شروط المعقود عليه ( محل العقد) :
- أن يكون المعقود عليه قابلًا لحُكم العقد ومقتضاه، بحيث يُمكن تطبيق مقتضى العقد عليه.
- أن يخلوا المعقود عليه من الغرر الذي يفضي إلى التنازع، أو يؤدي لخداع أحد المتعاقدين.
شروط العقد الخاصة بعقد الإذعان :
لتحقق عقد الإذعان في الاصطلاح القانوني الحديث يشترط توافر أربعة شروط هي على النحو التالي :
- أن يكون محل العقد منافع أو سلع يكون الناس بحاجة إليها ولا يكون لهم غنى عنها، كالكهرباء، والماء، والهاتف، والغاز.
- احتكار الموجب لتلك السلع، أو المرافق، أو المنافع احتكارًا فعليًا ،أو قانونيًا.
- انفراد الطرف الموجب بوضع تفاصيل العقد وشروطه، بغير أن يكون للطرف الآخر أي حق في مناقشتها أو تعديل أو إلغاء أي شيء منها.
- صدور الإيجاب ” العرض” موجهًا إلى الجمهور، وأن يكون موحدًا في تفاصيله، إضافة لذلك أن يكون ساري المفعول مدة طويلة.
خصائص عقد الإذعان :
ينفرد عقد الإذعان عن غيره من العقود بمجموعة من الخصائص سنجملها في الآتي :
- يصدر الإيجاب موحد التفاصيل الشروط للجمهور، وعلى شكل دائم، فهو موجه لمن يملك أهليه القبول، فهو غير موجه لشخص بعينه، بل موجه لكل من يملك أهلية القبول وبغير أن ينتهي بانتهاء المجلس كما في العقود التقليدية.
- في تلك العقود يكون القبول تسليمًا بما جاء في الإيجاب جملة وتفصيلًا، وفيما يتعلق بالإلزام فالموجب يكون ملزمًا في العقد إن لم يشترط لنفسه حق الفسخ، أما إن اشترط ذلك لنفسه فلا يكون ملزمًا به، أما بالنسبة للطرف القابل فعقد الإذعان يكون ملزمًا بالنسبة له.
- يكون عقد الإذعان متعلقًا بالسلع أو المرافق التي تُعتبر من الضروريات الأولية بالنسبة للمستهلكين، كالمياه والكهرباء، والتليفون، والغاز، والنقل.
- الموجب ينفرد بوضع الشروط والتفاصيل التي عادتًا لصالحه، وليس للطرف الآخر أي شروط.
- في عقد الإذعان يحتكر مقدم السلعة أو الخدمة لها احتكارًا فعليًا، قانونيًا كشركات الهاتف والكهرباء والمياه، أو كتفرد الموجب الإنتاج، أو غيرها من وسائل السيطرة والاحتكار.
- لا تتسم عقود الإذعان بطابع الأبدية ، ولكنها تنتهي بانتهاء الفترة المحددة لها.
- الإيجاب يصدر في قالب نموذجي، ويُعرض ككل يقبل جمله أو يرفض، ويغلب عليه الصفة المطبوعة تنطوي عليه كثير من الدقة والتعقيد لا يستسيغها أو يتفهمها الطرف العادي وقد لا يكلف نفسه مؤونة قراءتها.
المعايير التي سار عليها الفقه والقضاء الأردني في عقود الإذعان :
تبنى الفقه والقضاء الأردني عدة معايير في عقود الإذعان، وسنتطرق إليها تباعًا كما سيلي :
معيار احتكار السلع والخدمات :
الاحتكار من الموضوعات الخطرة محليًا ودوليًا فهو يؤدي لعرقلة المنافسة فهو يمثل اختلالًا في توزيع القدرات والقوى في السوق من الناحية الاقتصادية، ويغلق باب المنافسة أمام صغار المنتجين أو الموزعين، فيؤدي لرفع مستويات الربح، ومن ثم يُبالغ في الأسعار، فيصبح السعر لا يًعبر تعبيرًا حقيقيًا عن قيمة السلعة الفعلية، إضافة غلى أنه يؤدي لانخفاض التطور الصناعي والتكنولوجي.
والمادة رقم (6) من قانون المنافسة الأردني رقم (33) لسنة 2004 تنص على أنه : ” يُحظر على أي مؤسسة لها وضع مهيمن في السوق، أو في جزء هام منه إساءة استغلال هذا الوضع للإخلال بالمنافسة، أو الحد منها، أو منعها بما في ذلك ما يلي : تحديد، أو فرض أسعار أو شروط إعادة بيع السلع والخدمات….”
فالمشرع الأردني كما يتضح قد أخذ بالوضع المهيمن في السوق، وهي الحالة التي تكون فيها المنشأة قادرة على التوجيه، والسيطرة، وفرض إرادتها على نشاط السوق.
وظاهرة الهيمنة تؤدي إلى الاحتكار والتحكم فيه من ناحية سعر السلعة وكميتها، من خلال شخص أو مجموعة أشخاص، عن طريق تداول نسبة لها تأثير من إجمالي الكمية المتداولة في السوق على نحو يؤدي لإبعاد المنافسين عنه ومنع دخول منافسين جُدد، ومن ثم يؤدي ذلك لأضرار جمة منها الأضرار بمبدأ الحرية التنافسية للسلع والخدمات، وفرض شروط وسعر في مواجهة الطرف الأخير وفي ظل غياب البديل، ومن ثم يكون الطرف الأخير مجبرًا على التسليم للشروط، لأنه لن يجد أي بديل آخر للمتعاقد المحتكر، وذلك لعدم وجود مثيل لتلك السلعة أو الخدمة.
والقانون الأردني قد وضع قواعد للمركز الاحتكاري والوضع المهيمن وهو القدرة على التحكم والتأثير في الأسعار في نطاق المنتجات، والخدمات، بيد أنه لم يُحدد متى يكون التاجر قادرًا على تحديد الأسعار، ونشير إلى أن السعر يُعتبر احتكاريًا بتحديد أسعار أكثر من التي كان يُمكن تحديدها لو كانت المنافسة موجودة ومكفولة من خلال حركة السوق التلقائية بحرية العرض والطلب ووجود منافسة شريفة.
وقد قضت محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم (11740) لسنة 2019 ما يلي : “ وهنا تجد الإشارة إلى أن عقد الاشتراك سواء بالكهرباء أو المياه هو من العقود التي تنطبق عليها أوصاف عقد الإذعان لما فيه من احتكار للسلعة أو الخدمة علاوة على ضرورتها في الحياة اليومية واكتفاء المشترك بالقبول بالشروط الواردة في عقد الإذعان. “.
ضرورية السلع والخدمات :
تُعتبر السلعة أو الخدمة ضرورية عندما لا يُمكن الاستغناء عنها، ويُقصد بها السلع الأساسية لمقومات الحياة الأساسية للإنسان، ولا يوجد أو يتوفر بديل مناسب وملائم لها، والحاجات الضرورية تختلف باختلاف الأوقات والأماكن وهي مرتبطة بالاحتكار، والاحتكار لا يكون إلا في سلعة ضرورية لا يُمكن الاستغناء عنها أو تركها.
والقضاء المصري أوضح المقصود بالسلع الضرورية في عقد الإذعان بأنها السلع التي لا تتحقق مصالح الناس بدونها والتي لابد منها لإشباع حاجاتهم الأساسية.
وقد أكدت محكم التمييز الأردنية هذا المعيار في قرارها رقم (1891) لسنة 2018 حيث اعتبرت فيه عقود التسهيلات المالية ومن ضمنه عقد الحساب الجاري المدين من ضمن العقود الرضائية، ولشخص المتعاقد مع البنك الحرية الكاملة في التعاقد من عدمه، ولكونها لا تتعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة للمستهلكين أو المنتفعين كعقود الاشتراك بالمياه أو الكهرباء ، وبالتالي لا تعتبر هذه العقود من عقود الإذعان.
انفراد الموجب بتحرير بنود العقد وعرضه على الكافة :
من آثار التقدم التكنولوجي والصناعي أن أصبحت عملية إعداد العقود تتم من قبل المنتجين والمنشآت الكبرى، بهدف الدخول للأسواق المحلية والدولية وإبرام العقود بسرعة وسهولة ويسر عن طريق عقود نموذجية معدة مسبقًا، تحوي شروط نموذجية أحادية التحرير.
وعقد الإذعان من خلال هذا المعيار يكون مفهومه في الانخراط بعقد نمطي أو نموذجي قام أحد المتعاقدين بكتابته لوحده، ويرتبط به الطرف الآخر بدون أن يستطيع تغيير شيء في بنوده، ويجب أن ينفرد الموجب بإعداد العقد وتحديد بنوده، إذ لا يكفي مجرد قبول العقد جملة دون مناقشة.
والعقد النموذجي يعني العقد الذي تم تحريره مسبقًا ويحوي مجموعة من الشروط والبنود النموذجية في شكل مكتوب اتفق عليها تجار سلعة أو خدمة معينة في مكان جغرافي محدد، وبإرادتهم المنفردة يتقيدون بالأخذ بها فيما يقوموا به من معاملات تتعلق بالمنتجات والسلع، ويتضمن العقد النموذجي شروطًا وبنودًا يقتصر دور الأطراف التعاقدية المنضمين إليه بالقيام بكتابة أسمائهم وتعبئة المعلومات والفراغات.
ووفق نص المادة (202) من القانون المدني الأردني نجد أن من أهم القواعد التي تحكم العقود هو مبدأ حُسن النية، وبناء على ذلك تدخل المشرع في القانون المدني الأردني في المادة (924) منه وقام بإبطال بعض الشروط والبنود النموذجية التي توضع في عقد التأمين منها ما هو متعلق بغاية عقد التأمين، والتقليل من عناصر المخاطرة والمجازفة المبني عليها هذا العقد.
والمادة (924) من القانون المدني الأردني أوردت اعتبارات شكلية تتعلق بعلم المؤمن أو إمكانية العلم بتلك الشروط، واشترط أن تُكتب بشكل واضح وظاهر كشرط التحكيم، وهو من باب التأكيد على علم الطرف الآخر بهذا الشرط.
ونشير إلى تبني محكمة التمييز الأردنية في قراراتها لهذا المعيار فقد ورد في القرار رقم (2539) لسنة 2016 : بأن عقد العمل موضوع الدعوى، والشروط الواردة فيه لا تنطبق عليه صيغة عقد الإذعان، لأنه ليس من العقود المعدة والمطبوعة سلفًا، وإنما أُعد وطُبع وتم التوقيع عليه من الطرفين، مما يعني أن مؤداه قد نوقش من طرفي العقد، وأتُفق عليه قبل التوقيع، ويخضع لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
مميزات عقود الإذعان عن غيره من العقود
ما يميز عقد الإذعان عن غيره من العقود عدة مميزات وهي
1_ انفراد أحد أطراف العقد بصيغة العقد ووضع بنوده وشروطه، وهذا الانفراد يكون حصراً للطرف المقدم لعرض التعاقد وهو الإيجاب.
2_ المعقود عليه هو سلعه أو مواد أو خدمات ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها.
3_ الاحتكار الفعلي أو القانوني للمعقود عليه في عقود الإذعان.
4- عقد الإذعان لا يوجه لفئة محددة وإنما للجمهور.
5_ صيغة عقود الإذعان موحدة لكافة الراغبين بالتعاقد.
العدالة وعقود الإذعان
عن النظر في عقود الإذعان نجد أنها تخلو من العدالة، فالقبول فيها أو الرفض، وقد تحتوي هذه العقود على شروط تعسفية وظالمه للطرف الأخر فما هو رأي القانون والقضاء في حال وجود شروط تعسفية؟
إن السلطة القضائية تهدف إلى تحقيق العدالة وإحقاق الحق بين الأطراف الذين يلجئون إليها، وذلك بموجب أحكام القانون، وعليه تم وضع مجموعة من الوسائل التي تكفل الحماية للطرف المذعن وهي
1_ تفسير شروط عقود الإذعان التي تتسم بالغموض يكون لمصلحة الطرف المذعن.
2_ للقاضي الحق في تعديل الشروط التعسفية، فللقاضي أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول الذي يتفق مع العدالة.
3_ للقاضي إعفاء الطرف المذعن من الالتزامات الناتجة عن العقد والتي تحمل الطابع التعسفي.
هل سلطة القاضي مطلقة في تعديل عقود الإذعان؟
لا ، بل سلطته مقيده بتعديل الشروط التعسفية فقط وذلك بما يتفق وروح العدالة والإنصاف ، وبما لا يلحق الضرر بأي طرف من الأطراف المتعاقدة .