عقد القرض
القرض هو عقد يرتب التزامًا على المُقرض بأن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود أو أي شيء مثلى آخر، نظير أن يرد إليه المقترض عند نهاية القرض شيئًا مثله في المقدار والنوع والصفة.
فعقد القرض محله دومًا يكون شيئًا مثليًا، وهو في الغالب نقود ، فيقوم المقرض بنقل ملكية الشيء المقترض إلى المقترض، نظير أن يسترد منه مثله في نهاية القرض، وذلك بمقابل وهو الفائدة أو بغير مقابل.
جدول المحتويات
وسوف نتناول في مقالنا خصائص عقد القرض، وأركان عقد القرض، وآثار القرض.
خصائص عقد القرض :
يُمكن أن نستخلص خصائص عقد القرض من تعريفه، فعقد القرض عقد رضائي، وملزم للجانبين، وهو في الأصل تبرع وقد يكون عقد معاوضة.
القرض عقد رضائي :
القرض عقد رضائي لأنه يتم بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، ولكن نقل ملكية الشيء المقترض وتسليمه إلى المقترض فهذا التزام ينشئه عقد القرض في ذمة المقرض، وليس ركنًا في العقد ذاته.
وقد كان القرض في التقنين المدني السابق عقدًا عينيًا على غرار القنين المدني الفرنسي، أي لا يتم إلا بتسليم الشيء المقترض إلى المقترض ونقل ملكيته إليه.
وفي يومنا هذا أصبح التراضي كاف لانعقاد العقد، وليس هناك من مسوغ لإحلال التسليم محل الشكل، ولم تعد تقتضي الحاجة إلى الشكل أو التسليم، وما دامت الرضائية هي الأصل في التعاقد، فليس هناك ثمة أهمية عملية للقول بأن القرض عقد عيني لا يتم إلا بالتسليم.
القرض عقد ملزم للجانبين :
القرض من العقود التي تنشئ التزامات متقابلة في جانب كل من المقرض والمقترض، وبالتالي فهو عقد ملزم للجانبين.
والالتزامات التي ينشئها عقد القرض على عاتق المقرض هي نقل ملكية الشيء المقترض وتسليمه إياه، ولا يسترده منه إلا عند نهاية القرض، كما أنه يضمن الاستحقاق والعيوب الخفية.
وعن الالتزامات التي ينشئها عقد القرض في جانب المقترض فهي أن يرد المثل عند نهاية القرض، وأن يدفع المصروفات، وقد يدفع فوائد مقابلاً للقرض إذا أخل المقترض بالتزامه من دفع الفوائد المشترطة في العقد، ففي حال أخل المقترض من التزامه بدفع الفوائد، جاز للمقرض فسخ القرض واسترداد ما أقرض.
القرض عقد تبرع في الأصل :
عقد القرض بحسب الأصل هو عقد تبرع، بحيث أن المقرض يخرج عن ملكية الشيء إلى المقترض ولا يسترد المثل إلا بعد مدة من الزمن، ومن غير مقابل، ومن ثم يكون متبرعًا.
ولكن يجب الانتباه إلى أنه إذا اشترط على المقترض أن يدفع فوائد معينة في مقابل القرض، فإن القرض يصبح عقد معاوضة، بيد أنه لا تجب الفوائد إلا إذا اشترطت، لأن عقد القرض بحسب الأصل عقد تبرع.
أركان عقد القرض :
لعقد القرض ثلاثة أركان وهي التراضي والمحل والسبب.
التراضي في عقد القرض :
في حديثنا عن التراضي سنتطرق للحديث عن شروط الانعقاد في التراضي، ثم شروط صحة التراضي.
شروط الانعقاد :
كما سلف الذكر فإن عقد القرض من العقود الرضائية، فيكفي لانعقاده توافق الإيجاب والقبول من المقرض ومن المقترض.
وليس هناك ثمة أحكام خاصة بعقد القرض في هذا الصدد، فتسري القواعد العامة في نظرية العقد، ومن ذلك أساليب التعبير عن الإرادة سواء كان التعبير صريحًا أو ضمنيًا، والوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثره، وفقد أهلية أو موت من صدر منه التعبير عن الإرادة، والنيابة في عقد القرض، والتعاقد ما بين الغائبين، وغيرها من الأحكام العامة.
والجدير بالعلم أنه قد يتخذ القرض صورًا مختلفة أخرى غير الصورة المألوفة ومن ذلك إيداع نقود في بنك، فالعميل الذي قام بإيداع النقود هو المقرض والبنك هو المقترض، وتلك وديعة ناقصة وتُعتبر قرضًا، ومن ذلك تحرير سند أو كمبيالة تحت الإذن أو سند لحامله، فتلك الأوراق قد تكون قروضًا يقوم بعقدها من حررها وهو المقترض لمصلحة من حُررت له وهو المقرض.
والجدير بالإشارة أن القرض يخضع في إثباته للقواعد العامة المقررة في الإثبات، والقرض يكون تجاريًا بالنسبة إلى المقرض إذا كان داخلًا في أعمال المقرض التجارية، ويكون القرض تجاريًا بالنسبة إلى المقترض، وبالتالي يحق للمقرض إثباته بكافة الطرق في حال عقده المقرض في عمل من أعمال التجارة.
شروط الصحة :
الأهلية في عقد القرض :
يجب أن تتوافر في المقرض أهلية التصرف، بناء على أنه يقوم بنقل ملكية الشيء المقرض المقترض، وهذا إذا كان القرض بفائدة، ولكن إذا كان القرض بدون فائدة فهو تبرع ، وبالتالي يجب أن تتوفر في المقرض أهلية التبرع.
والمقترض تشترط فيه أهلية الالتزام، وذلك لأنه يقع عليه التزام برد المثل، وذلك بغض النظر كان القرض بفائدة أو بدون فائدة، فليس من الجائز للقاصر ولا للمحجور أن يقترضا ولو بغير فائدة، وحتى لو كان القاصر مأذونًا له في إدارة أعماله، والعقد في تلك الحالة يكون قابلًا للإبطال.
عيوب الإرادة في عقد القرض :
ليس هناك ثمة أحكام يختص بها عقد القرض فيما يتعلق بعيوب الإرادة، فتسري عليه أيضًا القواعد العامة المقررة في نظرية العقد، ونستنتج من ذلك أن القرض يكون قابًلا للإبطال إذا شاب إرادة أحد المتعاقدين عيب من عيوب الإرادة وهي والإكراه والتدليس والغلط.
المحل في عقد القرض :
بحسب الأصل فإن محل القرض هو الشيء المقترض، وقد تشترط فوائد للقرض فيكون للعقد محل آخر هو هذه الفوائد المشترطة.
الشيء المقترض :
الشروط الواجب توافرها في الشيء المقترض :
يجب أن تتوافر في الشيء المقترض شروطًا عامة وهي :
- أن يكون الشيء موجودًا.
- أن يكون معينًا أو قابلًا للتعيين.
- ألا يكون مخالفًا للنظام العام أو للآداب.
والشيء المقترض غالبًا يكون نقودًا، وبالتالي فالشروط سالفة الذكر تكون متوافرة طالما قد حدد مقدار المبلغ المطلوب.
بيد أنه من الممكن أن يكون الشيء المقترض أشياء مثلية غير النقود، كالقمح مثلًا، ففي تلك الحالة يتعين أن تكون كمية القمح المقترضة موجودة عند القرض، فلو كانت قد أُتلفت قبل القرض انعدم المحل ولا ينعقد القرض، إضافة إلى ذلك فيجب أن تكون معلومة المقدار، حتى يُمكن أن يُرد مثلها عند نهاية القرض، وفي حال كان الشيء المقترض محرمًا، كالمخدرات بكافة أنواعها، فالمحل يكون مخالفًا للنظام العام ويكون القرض باطلًا.
وإضافة إلى الشروط العامة سالفة البيان يجب أن يكون الشيء المقترض من المثليات، وكما قدم القول فالشيء المقترض غالبًا ما يكون نقودًا، بيد أنه ليس هناك ثمة مانع أن يكون هذا الشيء غير نقود ما دام من المثليات، فلا يوجد مانع من اقتراض الحبوب والغلال وغيرها من المكيلات والموزونات والمزروعات متى كانت معينة النوع والمقدار أو قابلة للتعيين، والشيء المثلي المقترض يغلب عليه أن يكون قابلًا للاستهلاك.
إقراض مال الغير :
يجب أن يكون المقرض مالكًا للشيء المقترض حتى يستطيع أن ينقل ملكيته، بيد أن إقراض ملك الغير يكون صحيحًا لما كان نقل ملكية الشيء المقترض هو التزام في عقد القرض، ولكن تطبيقًا للقواعد العامة، يكون قابل للفسخ بناء على طلب المقترض.
فوائد القرض :
القرض بحسب الأصل هو عقد من العقود التبعية، فلا تجب فوائد على المقترض، وحتى في حال كان القرض تجاريًا، باستثناء إذا كان هناك اتفاق على ذلك بينه وبين المقرض، فالغالب في العمل أن يشترط المقرض على المقترض دفع فوائد بسعر معين، وهذا الشرط يثبت وفقًا للقواعد العامة في الإثبات.
السبب في عقد القرض :
السبب في عقد القرض هو الباعث الدافع إلى التعاقد وذلك بحسب النظرية الحديثة، فأصبح من المتعين الأخذ بالنظرية الحديثة في عقد القرض وسائر العقود، فيجب الاعتداد بالباعث الدافع إلى التعاقد في عقد القرض، وجعله هو السبب ما دام المتعاقد الآخر لديه العلم بهذا الباعث أو ينبغي أن يعلم به.
آثار القرض :
كما سبق القول فإن عقد القرض من العقود الملزمة للجانبين والتي ترتب التزامات على ذمة المقرض وعلى ذمة المقترض.
التزامات المقرض :
يقع على المقرض عديد الالتزامات سنجملها في الآتي :
الالتزام بنقل الملكية :
إذا كان الشيء المقترض نقودًا كما هو الغالب، فإن على المقرض أن ينقل ملكية هذا المبلغ من النقود، فالالتزام هنا متعلق بنقل ملكية وارد على النقود، وبمجرد تمام القرض يُصبح المقترض دائنًا للمقرض بهذا المبلغ، فيستطيع المقترض مطالبة المقرض بهذا الدين، كما يستطيع أن يجبر المقرض بالوفاء بالتزامه ولو بواسطة الحجز على ماله.
ويقع على المقرض التزامًا أخر – وإن كان نادرُا – إذا وقع القرض على أشياء مثلية أخرى غير النقود، كأن يقرض شخصًا لآخر كمية من القمح أو الشعير مثلًا فإنه يكون ملزمًا بنقل تلك الكمية إلى المقترض، وفي هذا الالتزام تسري القواعد العامة بنقل الملكية.
الالتزام بالتسليم :
يقع على المقرض التزامًا بتسليم الشيء المقترض، وهو التزام تسري عليه القواعد العامة، وبشكل خص القواعد المقررة في التزام البائع بتسليم الشيء المبيع، ومحل التسليم هو المبلغ المقترض أو الأشياء المثلية المقرضة، والتسليم يتم بوضع الشيء المقترض تحت تصرف المقترض في المكان والزمان المعينين، وفي حال أخل المقرض في التزامه بالتسليم ، جاز للمقترض أن يطلب التنفيذ عينًا، أو يطلب فوائد التأخير طبقًا للقواعد المقررة، أو أن يفسخ القرض.
وفيما يتعلق بهلاك الشيء المقترض فإنه من غير المتصور هلاك الشيء المقترض إذا كان نقودًا، بيد أنه عل النقيض يمكن تصور ذلك إذا كان من المثليات، فإذا هلكت بعد التسليم كان هلاكها على المقترض، ولكن إذا هلكت قبل التسليم بسبب أجنبي، فإنها تهلك على المقرض.
كما يقع على المقرض التزام بعدم المطالبة برد المثل إلا عند انتهاء القرض، وهو التزام سلبي هام يكون في ذمة المقرض دومًا.
ضمان الاستحقاق :
في حال أن كان القرض بأجر فإن أحكام البيع هي التي تسري، وبناء عليه إذا كان الاستحقاق كليًا، كان للمقترض أن يطلب من المقرض قيمة الشيء في وقت الاستحقاق إضافة إلى الفوائد الثانوية من ذلك الوقت، وقيمة الثمار وكافة المصروفات بأنواعها، أي تعويض المقترض بوجه عام عما لحقه من خسارة أو ما فاته من كسب.
ولكن إذا استحق بعض الشيء المقترض، وكانت خسارة المقترض من ذلك قد بلغت حدًا لو عرف به لما أتم العقد، كان من حقه أن يرد للمقرض ما بقي في يده من الشيء المقترض وما أفاده منه، إضافة إلى طلب التعويضات التي سبق وذُكرت في الاستحقاق الكلي.
وفي حال كان ضمان الاستحقاق في القرض بغير أجر فأحكام العارية هي التي تسري، فلا يضمن المقرض استحقاق الشيء المقترض إذا كان القرض بغير أجر إلا في حالتين :
- إذا اشترط عليه المقترض الضمان.
- إذا لم يكن الضمان مشروطًا، ولكن المقرض كان يعلم سبب الاستحقاق وتعمد إخفاءه.
ويرجع المقترض على المقرض بالتعويض عما لحق به من ضرر بسبب الاستحقاق الكلي أو الجزئي للشيء المقترض وذلك في الحالتين السابقتين.
ضمان العيوب الخفية :
في حال وجود عيب خفي في القرض بأجر تبينه المقترض وتوافرت فيه شروطه، جاز له أن يطلب من المقرض تعويضه عن الضرر الذي حل به بسبب العيب، ويكون ذلك بأمرين لا ثالث لهما :
- إصلاح العيب إذا كان ذلك ممكنًا.
- تبديل الشيء المقترض بغيره إذا كان إصلاح العيب غير ممكنًا.
وفي حال كان القرض بغير أجر وظهر في الشيء المقترض عيب خفي، فليس من حق المقترض في القرض بغير أجر، إجبار المقرض إصلاح العيب أو حتى استبدال شيء سليم في المعيب، ولكن عليه الاختيار بين أمرين :
- إما رد الشيء المعيب على الفور إلى المقترض، فبذلك ينتهي القرض.
- أو استبقاء الشيء المعيب إلى نهاية القرض، على ألا يرد إلى المقرض إلا قيمة هذا الشيء معيبًا.
ويكون له حق إصلاح العيب أو استبدال شيء سليم بالمعيب في حالتين :
- إذا علم المقرض بالعيب وتعمد إخفاؤه.
- إذا كان المقرض جاهلًا بالعيب، بيد أن المقترض اشترط عليه الضمان، ففي تلك الحالة يسري الشرط الذي ارتضاه المقرض بالقدر الذي يحدده هذا الشرط.
التزامات المقترض :
يقع على عاتق المقترض عديد الالتزامات سنتطرق إليها تباعًا كما سيلي :
الالتزام بدفع الفوائد :
بحسب ما قدمنا فإن الأصل في القرض أن يكون بلا فائدة، وفي حال أراد المقرض أن يتقاضى فوائد وجب عليه أن يشترط ذلك على المقترض، وعن المدة التي تدفع فيها الفوائد، ففي حال اشترط المقرض على المقترض أن يدفع فوائد على القرض بسعر معين، فهذه الفوائد بحسب الأصل تستحق من اليوم الذي يتسلم فيه المقترض مبلغ القرض، وليس قبل ذلك.
ولو انقضت المدة بين تمام القرض وتسلم المبلغ المقترض، فليس على المقترض أن يدفع فوائد عن تلك المدة، وذلك بسبب أن الفوائد تكون مقابل الاستفادة بمبلغ القرض، والمقترض لا ينتفع بمبلغ القرض إلا في يوم تسلمه إياه، واليوم الذي ينتهي فيه القرض ينتهي فيه أيضًا سريان الفوائد.
أما عن الزمان والمكان اللذان ترفع فيهما الفوائد، فالفوائد تُدفع في المواعيد التي يُتفق عليها، فالمقرض قد يشترط أن يدفع المقترض الفوائد كل شهر أو ثلاثة أشهر أو كل عام، والفوائد تُدفع في المكان الموضح في عقد القرض، وتسري القواعد العامة إذا لم يعين في عقد القرض مكان دفع الفوائد، أي وجب دفعها في مكان المقترض.
وفي حال لم يدفع المقترض الفوائد في المواعيد المحددة لها، فإنه من الجائز للمقرض أن يجبره على دفعها بالطرق القانونية، وكذلك يجوز للمقرض أن يطلب فسخ القرض لإخلال المقترض بالتزامه من دفع الفوائد في المواعيد المقررة.
الالتزام برد المثل :
في نهاية القرض يتعين على المقترض أن يرد أن يرد للمقرض مثل ما اقترضه، وفي حال كان الشيء المقترض أشياء مثلية غير النقود، كالحبوب أو القمح، فالمقرض يقع عليه التزام برد كميات مماثلة في المقدار والنوع والصفة.
أما عن المكان الذي يجب فيه الرد فعلى المقترض أن يرد المثل في المكان والزمان المتفق عليهما، وإذا لم يتم الاتفاق على تلك النقطة فيكون الرد في المكان الذي يوجد فيه موطن المدين.
وإذا وجد اتفاق على أجل للرد، فيتعين على المقترض أن يرد المثل إلى المقرض بمجرد أن يحل هذا الأجل، والأجل يحل بانقضائه أو بسقوطه.
ومن الجائز أن يكون الرد قبل الأجل إذا وافق من له مصلحة فيه، وغالبًا إذا ما كان القرض بدون فائدة، أن يكون الأجل لمصلحة المقترض، فله حق أن ينزل عن الأجل وأن يرد المثل قبل حلوله، وعلى النقيض إذا كان القرض بفائدة ، فالأجل حينها يكون في مصلحة الطرفين، ومن غير المسموح التنازل عنه ورد المثل قبل حلوله بغير اتفاق الطرفين، إلا أنه يجوز استثناء للمقترض أن يرد المثل قبل حلول الأجل، إذا توافرت شروطاً معينة.
أما في حالة إذا لم يوجد أجل للرد اتفقا المتعاقدان عليه، وإن كان هذا نادر الحدوث، إلا أنه وإن حدث تسري القواعد العامة، والقواعد العامة تقضي بتفسير نية المتعاقدين في هذا الشأن.