جريمة الرشوة
إن من أخطر أنواع الجرائم التي تسبب شرخاً في المؤسسات الحكومية وتزعزع ثقة المواطنين فيها جريمة الرشوة إذ أنها تتسبب في نخر هذه المؤسسات بالفساد الإداري والمالي والذي إذا انتشر فإنه يهدد استقرار ومكانة الوظيفة العامة ويؤثر على مكانة الدولة بين شقيقاتها.
وقد حرم الإسلام الرشوة بالإضافة إلى اعتبارها جرم خطير يهدد المجتمع، وكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ” لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما ” فما هي الرشوة وكيف تتم ومن هم أطرافها وما هي أركان الجريمة وعقوبتها هذا ما سنتناوله في هذا المقال:
ما هو المقصود بالرشوة؟
قيام موظف عام أو شخص ذو صفة عامة أو منتدب لخدمة عامة سواء بالانتخاب، أو التعيين بأخذ ،أو طلب مال ،أو هدية، أو منفعة أو وعد أو أي أمر فيه منفعة، لنفسه أو لغيره، لغايات القيام بعمل يعد من واجبات وظيفته.
وعليه فإن أهم عنصر لقيام جريمة الرشوة هو أن يكون المرتشي أو طالب الرشوة موظفاً عام أو من يعتبر في حكم الموظف العام.
ويقوم الموظف باستغلال وظيفته والسلطة المخولة له بمقتضاها بطلب من شخص يقوم بتقديم معاملة مهمة وبحاجة ماسة لإنهائها فيستغل الموظف حاجة الإنسان لهذه المعاملة ويستغله في طلب هدية معينة أو مبلغ من المال أو منفعة سواء لنفسه أو لشخص آخر حتى يقوم بإنجاز المعاملة وإلا فإنه لم يتم إنجازها، على الرغم من أن هذه المعاملة هي في صميم عمل هذا الموظف ومن واجبه إنجازها ويتقاضى
راتب من الدولة على قيامه بوظيفته.
فكون الوظيفة العامة تمنح الموظف سلطة أو نفوذ في نطاق تخصصه، لا يعني أن يقوم باستغلالها بهذا الشكل فهذه السلطة أو النفوذ ممنوحة على سبيل الأمانة وعليه أن يحافظ عليها وأن يستخدمها بطريقة صحيحة وفقاً لمهامه الوظيفية وبنزاهة ولا يقوم بخيانتها واستغلالها لمصالحه الشخصية.
وعليه في حال خان الأمانة الممنوحة له وقام باستغلال وظيفته لتحقيق مطامعه في كسب غير مشروع على حساب الوظيفة المكلف بها، فقد أضر بوظيفته بالدرجة الأولى كما أضر بالجهة الحكومية التي عينته إذا لم تتم محاسبته وفق القانون، إذ أنه يلوث سمعة هذه الجهات ويشوهها بالفساد الذي إذا دخل إلى أي مؤسسة حكومية سيؤثر على الدولة بأكملها.
أركان جريمة الرشوة:
الركن المادي:
- صفة الجاني:
يجب أن يكون الجاني (المرتشي) موظفاً عاماً أو من في حكمه وعليه فإنه لا يمكن أن تتم الرشوة إذا لم يكن أحد أطرافها موظف عام.
- طلب الرشوة و/أو أخذها أو قبولها:
إن مجرد قيام الموظف بطلب فائدة معينة، أو هدية، أو مبلغ مالي ،أو منفعة يعتبر من قبيل التجارة بالوظيفة ويشكل جريمة الرشوة، سواء تم قبول الطلب من الطرف الآخر أم لا.
ولا يشترط في جريمة الرشوة أن يحصل المرتشي على فائدة عاجلة من صاحب الحاجة فالرشوة قائمة بمجرد قبول الوعد بالحصول على الفائدة المستقبلية، ولا يشترط الوفاء بالوعد من قبل الراشي وقد يكون قبول الرشوة معلقاً على شرط وتعتبر الرشوة قائمة بالقبول ولا تتوقف على تنفيذ موضوع الاتفاق.
الأخذ للرشوة سواء كان بشكل مقدم على إنجاز العمل المطلوب أو مؤجل.
الركن المعنوي:
والمتمثل بالقصد الجرمي، وهو علم المرتشي أن ما سيتلاقاه نتيجةً لتلبية طلب الراشي هو ثمن للإتجار بوظيفته واستغلالها، بعض النظر عن نوع الثمن العائد عليه سواءً كان مبلغ من المال أو فائدة غير مادية تتمثل بالحصول على خدمة ما، كتوظيف أحد الأقارب أو تقديم عمل معين، ولا يشترط أن يقوم الموظف باستلام الفائدة بشكل شخصي فقد تسلم لأحد أقاربه أو زوجته أو أولاده.
تعتبر العلاقة الجنسية من قبيل الفائدة وممكن أن نعتبرها رشوة إذا قدمت بالطريقة التي شرحناها سابقاً.
لقيام جرم الرشوة يجب أن تكون الفائدة المطلوبة أو المأخوذة غير مشروعة وغير مستحقة للمرتشي.
ما هو الهدف من الرشوة؟
إن الهدف من طلب الرشوة أو أخذها كما ذكرت سابقاً هو لغايات قيام الموظف بعمل ما من واجبات وظيفته، وقد يكون طلب الرشوة لغايات الامتناع عن عمل مثال ذلك امتناع ضابط من تحرير مخالفة سير نتيجة أخذ هدية معينة.
أيضاً من أهداف الرشوة الإخلال بواجبات الوظيفة ويكون من خلال ممارسة أي سلوك ينسب للوظيفة أو يعد من واجبات الوظيفة، ولكن بشكل منحرف وتحقيق مصلحة خاصة من خلال ذلك سواء بأخذ الرشوة للقيام بعمل أو للامتناع عن العمل.
من هم أطراف جريمة الرشوة؟
- الراشي: هو الشخص الذي يقوم بعرض أو تقديم الهدية للموظف لغايات إنجاز معاملة معينة أو الامتناع عن عمل معين.
- المرتشي: هو الموظف العام أو من حكمه والذي قد يطلب أو يقبل أو يأخذ هدية أو مبلغ مالي مقابل إنجاز عمل من واجبات وظيفته أو يمتنع عن عمل كان واجباً عليه القيام به.
- الوسيط: وهو شخص ثالث قد يتدخل بين الراشي والمرتشي ويسمى بالرائش وسواء كان الوسيط من طرف الراشي أو المرتشي أو وكيل عن الطرفين فهو شريك في جريمة الرشوة.
- المستفيد: إذ قد يكون الشخص المستفيد من الرشوة شخص آخر غير المرتشي (الموظف العام) كأن يقوم بتوظيف أحد أقاربه مقابل إتمام معاملة.
عقوبة جريمة الرشوة:
نصت المادة 170 من قانون العقوبات على أنه:
” كل موظف وكل شخص ندب إلى خدمة عامة سواء بالانتخاب أو بالتعيين وكل شخص كلف بمهمة رسمية كالمحكم والخبير والسنديك طلب أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أية منفعة أخرى ليقوم بعمل حق بحكم وظيفته عوقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة تعادل قيمة ما طلب أو قبل من نقد أو عين”
كما جاء في المادة 171 من ذات القانون ما يلي:
” 1. كل شخص من الأشخاص المذكورين في المادة السابقة طلب أو قبل لنفسه، أو لغيره هدية ،أو وعداً، أو أية منفعة أخرى ليعمل عملاً غير حق أو ليمتنع عن عمل كان يجب أن يقوم به بحكم وظيفته عوقب بالأشغال المؤقتة وبغرامة تعادل قيمة ما طلب أو قبل نقد أو عين.
2.يعاقب بالعقوبة نفسها المحامي إذا أرتكب هذه الأفعال.”
كما نص قانون العقوبات الأردني على عقوبة للراشي أيضاً ولم يقتصر على عقوبة المرتشي فقط وذلك في نص المادة 172 منه حيث جاء فيها:
” 1. يعاقب الراشي أيضاً بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين السابقتين.
2. يعفى الراشي والمتدخل من العقوبة إذا باحا بالأمر للسلطات المختصة أو اعترافا به قبل إحالة القضية إلى المحكمة.”
كما جرم المشرع الأردني عرض الرشوة وذلك بنص المادة 173 من قانون العقوبات حيث نصت على ما يلي:
” من عرض على شخص من الأشخاص الوارد ذكرهم في المادة (170) هدية أو منفعة أخرى أو وعده بها ليعمل عملاً غير حق أو ليمتنع عن عمل كان يجب أن يقوم به عوقب – إذا لم يلاقِ العرض أو الوعد قبولاً – بالحبس لا أقل من ثلاثة أشهر وبغرامة من عشرة دنانير إلى مائتي دينار.
بعض اجتهادات لمحكمة التمييز بخصوص جريمة الرشوة:
قرار تمييز جزاء رقم 2292/2020
“إن المتهم …… موظف في مؤسسة الضمان الاجتماعي وإنه أقدم بحكم وظيفته لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي على الذهاب إلى شركة …….وعرض عليهم أن يقوم بتخفيض مديونية شركة) لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي من مبلغ تسعة وسبعين ألف دينار إلى مبلغ تسعة وعشـــــــــــرين ألف دينار وذلك مقابل مبلغ نقدي ومقداره (10000 دينار) تلقاها من المتهمين وراتب نقدي مقداره (300 دينار) يقبضه من مؤسسة……
كما أقدم على أخذ جهاز لابتوب من شركة …… بحجة قيامه بالعمل لصالحهم في منزله وكذلك أخذ مبلغ ألف دينار من الشركة ذاتها حيث قدم له باقي المتهمون تلك المبالغ على سبيل الرشوة من أجل أن يقوم بالأعمال المتفق عليها فيما بينهم لصالح شركة….. التي يعملون بها.
وأقدم المتهم بناءً على ذلك التلاعب بسجلات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي وقام بتخفيض المديونية حسب الاتفاق بدس حسابات غير صحيحة في هذه السجلات وكذلك أقدم بمساعدة باقي المتهمين على تزويد الشركة بكتب مزورة وغير صادرة أصلاً عن مؤسسة الضمان الاجتماعي وذلك لغايات تقديمها لوزارة العمل من أجل وضع الشركة في القائمة الذهبية والحصول على امتيازات معينة.”
قرار تمييز جزاء رقم 2304/2020
” إنه وقبل شهر تقريباً من تاريخ الواقعة وخلال عمل المتهم في مركز إصلاح وتأهيل سواقة صادف النزيل…. والمحكوم بقضية مخدرات والذي يعرفه من السابق وكون المتهم يعلم بأن النزيل …. يتعامل بالمواد المخدرة أبدى المتهم استعداده لإدخال المواد المخدرة للنزيل داخل مركز الإصلاح مقابل مبلغ (1000) دينار عندها طلب منه النزيل مقابلة أحد الأشخاص خارج مركز الإصلاح وقام بتزويده برقم هاتفه عندها قام المتهم بالاتصال به والتقى به وقام … بإعطاء المتهم باكيت دخان يحتوي على مواد مخدرة وطلب من المتهم إيصاله للنزيل…. داخل مركز الإصلاح مقابل مبلغ (1000) دينار فوافق المتهم على ذلك.
وقام بإدخال باكيت الدخان الذي يحتوي على المواد المخدرة للنزيل … عن طريق نزيل آخر والذي قام بدوره بإعطاء المتهم مبلغ (1000) دينار المتفق عليه وبعدها بفترة زمنية كرر المتهم ما فعله في المرة الأولى وقام باستلام باكيت دخان آخر يحتوي على مواد مخدرة من المدعو…. وقام بإيصاله للنزيل …داخل مركز الإصلاح مقابل مبلغ (1000) دينار وبعدها بفترة اتفق المتهم مع المدعو…على أن يقوم المتهم بإدخال باكيت دخان يحتوي على مواد مخدرة للنزيل مقابل مبلغ (1500) دينار .
حيث قام المتهم باستلام باكيت الدخان الذي يحتوي على المواد المخدرة لإيصالها للنزيل وبتاريخ 18/11/2019 وأثناء حضور المتهم إلى مركز عمله تم تفتيش المتهم في بوابة قسم المراقبة وتم ضبط بحوزته باكيت دخان في داخله (69 حبة من المواد المخدرة) والذي تبين من خلال فحصها مخبرياً بأنها تحتوي على مادة الأم فيتامين المخدرة وتم ضبط قطعة لون بني بحجم ربع كف ملفوفة بقطعة قماش لون أبيض مكتوب عليها كلمة (الزعيم) تبين من خلال فحصها بأنها من مركبات الحشيش المخدرة ومبلغ (224) ديناراً كان بحوزة المتهم.”