جرائم اليوتيوب

جرائم اليوتيوب

لقد أصبح اليوتيوب جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث شمل كل جوانب الحياة، ونظرًا لسرعة انتشار اليوتيوب في كافة أنحاء العالم ، وسرعته الهائلة في نقل المعلومات والأخبار من جميع دول العالم عبر مقاطع فيديو، فضلًا عن سهولة التعامل معه من قبل كافة الأعمار حتى الأطفال، فإن ذلك جعله أكثر خطورة إذا تم استخدامه في الأعمال غير المشروعة، فمجرمي اليوم لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا التقدم التقني الهائل، بل قاموا باستغلاله في تحقيق أفعالهم غير المشروعة، وبذلك يكون اليوتيوب سلاح ذو حدين، وسوف نتناول في هذا المقال جرائم اليوتيوب وذلك من خلال العناصر الرئيسية الآتية:

أولا: معلومات عن “اليوتيوب”

ثانيًا: ماهية الجرائم الإلكترونية.

ثالثًا: خصائص جرائم اليوتيوب.

رابعًا: جرائم الذم والتحقير

خامسًا: جريمة الرسومات والصور المسيئة

سادسًا: جريمة التحريض على ارتكاب جريمة

سابعًا: جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال

ثامنًا: جرائم الاعتداء على الحياة الخاصة

تاسعًا: جرائم أخرى تُرتَكب عبر اليوتيوب.

عاشرًا: طرق مواجهة جرائم اليوتيوب

الحادي عشر: السوابق القضائية

ونقدم شرح تفصيلي لكل عنصر من العناصر الرئيسية الآتية، فيما يلي:

أولا: معلومات عن “اليوتيوب”

لقد أدى التطور التكنولوجي إلى ظهور الكثير من الوسائل التكنولوجية المستخدمة بين الأفراد ومن هذه الوسائل اليوتيوب، ولقد تم إنشاء اليوتيوب في شهر فبراير عام ٢٠٠٥م من قبل ثلاثة أشخاص وهم ستيف تشين (Steve Chen)، وتشاد هيرلي (Chad Hurley)، وجاويد كريم (Jawed Karim)، وبعد عام من تأسيسه قامت شركة جوجل بشرائه.

اليوتيوب هو أحد المواقع الويب، ونظرًا لزيادة الإقبال عليه فهو يحتل المرتبة الثانية بين مواقع الإنترنت، وذلك طبقا لتصنيفات أليكسا الإنترنت، فاليوتيوب يسمح للمستخدمين بمشاهدة مقاطع الفيديوهات بمختلف مواضيعها، وأفلام وموسيقى وتسجيلات صوتية ورفع تسجيلات مرئية والبث الحي وغير ذلك.

ثانيًا: ماهية الجرائم الإلكترونية.

المشرع الأردني لم يعرف الجريمة الإلكترونية في قانون الجرائم الإلكترونية، تاركًا هذا الأمر للفقه والقضاء، ويمكن أن نعرف الجريمة الإلكترونية بأنها كل سلوك مخالف القانون يرتكب أساليب التقنية وتكنولوجيا المعلومات ويسبب أضرارًا للآخرين سواء كانت هذه الأضرار مادية أو معنوية.

ثالثًا: خصائص جرائم اليوتيوب.

إن جرائم اليوتيوب تتميز بخصائص تجعلها مختلفة عن الجرائم التقليدية، ونبين هذه الخصائص كالآتي:

١- تتميز جرائم اليوتيوب بأنها عابرة للحدود الجغرافية، فهي لا تتقيد بدولة معينة، فمثلًا عند نشر فيديو في دولة ما فإنه يمكن للعالم بأسره أن يراه.

٢- من السهل ارتكاب تلك الجرائم فهي لا تحتاج إلى تخطيط، بل يمكن لمرتكبها القيام بها وهو في منزله، كما أنها تتميز بأنها جريمة ناعمة لا تتطلب أي عنف أو مجهود لحدوثها، وهذا بخلاف ارتكاب الجرائم بطرق التقليدية.

٣- في أغلب الأحيان يكون من الصعب ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم؛ لأنه من السهل أن يقوموا بانتحال شخصيات مزيفة، وبالتالي فهي صعبة الإثبات، كما يصعب أيضًا اكتشافها لأن الضحايا في معظم الأحيان لا يقومون بالتبليغ عن الجريمة خوفًا من التشهير.

رابعًا: جرائم الذم والتحقير

إن جرائم الذم والقدح والتحقير تدخل تحت ضمن مسمى جرائم التشهير، فالمجرمون يقومون باستخدام أساليب التشهير للكشف عن أسرار الناس دون موافقتهم من أجل تحقيق أغراضهم ومقاصدهم غير المشروعة، وقد قام الكثير بأعمال التشهير عبر اليوتيوب وهذا يعرف بالتشهير الإلكتروني، ويقصد به : “استخدام الإنترنت لنشر مواضيع مضرة بسمعة وكرامة الغير سواء كان ذلك عن طريق إحدى الصحف الإلكترونية أو بواسطة البريد الإلكتروني أو من خلال النشر على لوحة الإعلانات الإلكترونية أو بأية وسيلة إلكترونية أخرى متاحة على شبكة الإنترنت”([1]).

وسنتناول جرائم الذم والقدح والتحقير من خلال العناصر الآتية:

1- المقصود بالذم والتحقير في القانون:

لقد قام المشرع الأردني في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960م بتجريم أفعال الذم والقدح والتحقير، ولقد عرفت الفقرة الأولى من المادة (١٨٨) من قانون العقوبات الذم بأنه: “إسناد المادة معينة إلى شخص ما ولو في معرض الشك والاستفهام من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه لبعض الناس واحتقارهم سواء كانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا ” وقد جاء في الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر المقصود بالقدح بأنه: “الاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره ولو في معرض الشك والاستفهام من دون بيان مادة معينة”.

وقد عرفت المادة 190 من قانون العقوبات سالف الذكر المقصود بالتحقير وهو “كل تحقير أو سُباب -غير الذم والقدح- يوجه إلى المتعدي عليه وجها لوجه بالكلام أو بمخابرة برقية أو هاتفية أو بمعاملة غليظة”، إذا فالتحقير يعتبر أي فعل من شأنه تقليل قيمة الشخص الآخر دون علانية.

٢- ارتكاب جرائم الذم والقدح والتحقير عبر اليوتيوب:

وتقوم هذه الجرائم عبر اليوتيوب عندما يقوم أحد الأشخاص بالاعتداء على شرف الغير وكرامته واعتباره من خلال نشر مقاطع فيديو فيها سب وشتم شخص آخر بتقليل من قيمته وإهانة كرامته وإساءة سمعته.

ونظرًا لما تسببه هذه الجرائم قام المشرع الأردني بوضع عقوبة لكل من ارتكبها في قانون الجرائم الإلكترونية حيث نصت المادة (11) على أنه: “يعاقب كل من قام قصدًا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن (100) مائة دينار ولا تزيد على (2000) ألفي دينار”.

٣- أركان الجريمة:

تتمثل أركان الجريمة في الركن المادي والركن معنوي، على النحو التالي:

أ- الركن المادي:

يتمثل الركن المادي في جرائم الذم والقدح والتحقيق في السلوك الإجرامي، الذي يتحقق عندما يقوم المرسل بإرسال البيانات أو المعلومات التي تحتوي على الذم أو القدح والتحقير إلى الغير أو يقوم بإعادة إرسالها أو بنشرها بحيث تكون متاحة للجميع للاطلاع عليها، وأن يكون ذلك من خلال برنامج اليوتيوب باعتباره أحد وسائل التشهير الإلكتروني في العالم.

ج- الركن المعنوي:

يتمثل الركن المعنوي في القصد الجنائي، فيكفي لقيام جريمة الذم أو القدح توافر القصد العام للجريمة بعنصريه العلم والإرادة، علمًا بأن ارتكاب الركن المادي للجريمة هنا يُفترض معه توافر القصد الجنائي المتمثل في الذم أو القدح أو التشهير بالغير.

خامسًا: جريمة الرسومات والصور المسيئة

لقد جرم المشرع الأفعال التي تسيء للآخرين والتعدي عليهم من خلال نشر صور ورسومات وفيديوهات تسيء إليهم سواء كان هذا التعدي على شخص بذاته أو مجموعة من الأشخاص، وتعتبر هذه الجريمة صورة من صور التعدي على الآخرين، وإذا ارتكبت هذه الجريمة ضد شخص معين بذاته تدخل ضمن جرائم الذم والقدح والتحقير.

ولقد نص المشرع على هذه الجريمة في (المادة 468) من قانون العقوبات على أنه: “من طبع أو باع أو عرض نقوشًا أو صورًا أو رسومًا تعطي عن الأردنيين فكرة غير صحيحة من شأنها أن تنال من كرامتهم واعتبارهم، عوقب بالحبس حتى أسبوع وبالغرامة خمسة دنانير وتصادر تلك النقوش والصور والرسوم”، وبذلك يكون المشرع قد جزم الرسوم والصور التي من شأنها أن تسيء للشعب.

كما قد نصت (المادة 15) من قانون الجرائم الإلكترونية على أنه: “كل من ارتكب جريمة معاقبة علي بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات أو موقع إلكتروني أو اشترك أو تدخل أو حرض على ارتكابها يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع”.

ويتضح لنا من المادة سالفة الذكر أن المشرع الأردني لم يُحدد عقوبة بعينها حال نشر الرسوم والصور التي تسيء للآخرين عن طريق استخدام تقنية المعلومات، ولكن أنزل العقوبات ذاتها المقررة على الجريمة بشكل عام أيًا كان الطريقة المستخدمة.

ويُمكن ارتكاب جريمة الرسومات والصور المسيئة باستخدام اليوتيوب عن طريق نشر مقاطع فيديو بهذه الرسومات والصور المسيئة عن طريق قسم جرائم أنظمة المعلومات في الأمن العام، بعد أن يقوم المدعي العام بإصدار قرار بإحالتها.

سادسًا: جريمة التحريض على ارتكاب جريمة

يُقصد بالتحريض هو خلق فكرة الجريمة لدى الجاني ودفعه إلي تنفيذها بأي طريقة كانت، وقد استخدم مجرمي الإنترنت اليوتيوب كوسيلة لارتكاب أعمال التحريض على ارتكاب الجرائم، والتحريض على ارتكاب الجريمة يعد أخطر من الجريمة المرتكبة ذاتها، لأن المحرض على الجريمة هو من يخلق الفكرة الإجرامية في نفس الجاني ويدفعه لارتكابها أو تشجيعه على ارتكابها وتدعيمه.

ولا شك في أن التحريض الذي يتم عن طريق اليوتيوب له تأثير كبير من التحريض الذي يتم بالطرق الأخرى، حيث إن المؤثرات الصوتية والمرئية تعزز من دور المحرض في تنفيذ ما يسعى إليه من مشروعة الإجرامي، فضلًا عن ذلك يحصل على عدد كبير من المستجيبين لأفكاره، كما يمكن أن يقوم بالتخفي في العديد من الأدوار لتعزيز ما يحرض إليه ونشر رسالته ويدعو الغير بنشرها.

لذلك قام المشرع الأردني بتجريم فعل التحريض على ارتكاب الجرائم من أجل الحفاظ على المجتمع والنظام العام، وذلك في المادة (١٤) من القانون الجرائم الإلكترونية حيث نصت على أن: “يعاقب كل من قام قصدا بالاشتراك أو التدخل أو التحريض على ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بالعقوبة المحددة فيه لمرتكبيها”.

سابعًا: جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال

إن نمو وتطور تقنية المعلومات قد سمح للجميع باستخدام التكنولوجيا من قبل كافة الأعمار حتى الأطفال، ولا شك في أن هناك إيجابيات وفوائد متعددة للأطفال، ولكن ذلك لا يخلو من المخاطر التي قد تتعرض لها الأطفال عند ممارسة أنشطتهم عبر الإنترنت أو أثناء التواصل مع غيرهم من الأطفال أو البالغين، وبالتالي ظهر نوع جديد من الجرائم وهي جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال.

وقد أصبح ممكنًا استخدام اليوتيوب في ارتكاب هذه الجريمة، بل انتشر ذلك بشكل ملحوظ سواء تم هذا الاستغلال بطريقة مباشرة، أو بشكل غير مباشر وذلك من خلال الإعلانات المخلة والمنافية الآداب والنظام العام وغيرها من الطرق الأخرى التي يتم خلالها استدراج الأطفال وخداعهم من أجل الايقاع بهم واستغلالهم بكل الطرق الممكنة.

ولقد عرف المشرع الأردني الطفل في مشروع قانون حقوق الطفل الأردني في المادة (٢) بأنه: “من لم يكمل الثامنة عشرة من عمره ذكرًا كان أم أنثى”، وعُرف الاستغلال الجنسي للأطفال بأنه ” سوء استعمال وسائل التواصل الإجتماعي كغرف الدردشة أو وسائل تكنولوجيا المعلومات الأخرى لغرض التلاعب بالأطفال، أو الاستفادة غير المشروعة منهم عن طريق دفعهم للقيام بسلوكيات مخلة ومنافية للآداب”([2]).

ونلاحظ أن الفئة الأكبر المقبلة على استخدام الانترنت هم الأطفال فكثيرًا ما يقعون ضحية في هذا النوع من الجرائم، حيث يقوم مرتكبوها باستغلال ضعف قدرات الأطفال العقلية والجسمانية، وعدم دراكهم ووعيهم وقيامهم بالأعمال التي يطلبونها هؤلاء المجرمين، وما يؤديه ذلك من انعكاسات خطيرة على نفسية الأطفال، وبالتالي تدق هذه الجريمة أجراس الخطر ليس على المجتمع الأردني فقط بل على كافة المجتمعات.

لذلك قام المشرع بتجريم الأعمال الإباحية والاستغلال الجنسي في المادة (٩) من قانون الجرائم الإلكترونية حيث نصت على أنه: “أ‌. يعاقب كل من أرسل أو نشر عن طريق نظام معلومات أو الشبكة المعلوماتية قصدًا كل ما هو مسموع أو مقروء أو مرئي يتضمن أعمالا إباحية أو تتعلق بالإستغلال الجنسي لمن لم يكمل الثامنة عشرة من العمر بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن (300) ثلاثمائة دينار ولا تزيد على (5000) خمسة آلاف دينار.

ب‌. يعاقب كل من قام قصدًا باستخدام نظام معلومات أو الشبكة المعلوماتية في إنشاء أو اعداد أو حفظ أو معالجة أو عرض أو طباعة أو نشر أو ترويج أنشطة أو أعمال إباحية لغايات التأثير على من لم يكمل الثامنة عشرة من العمر أو من هو معوق نفسيا أو عقليا، أو توجيهه أو تحريضه على ارتكاب جريمة، بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن (1000) ألف دينار ولا تزيد على (5000) خمسة آلاف دينار”.

وعلى الرغم من وجود القوانين والتشريعات التي تجرم نشر أي صور إباحية عن الأطفال على مواقع الإنترنت إلا أنه قد اتسع استخدام اليوتيوب بل وجميع الوسائل التكنولوجية في ارتكاب الجريمة الاستغلال الجنسي، وأصبح هذا الاستغلال الجنسي للأطفال في شكل عروض الإباحية أكثر إتساعًا مما جعل من العسير على الحكومات والقوانين السيطرة عليه.

ثامنًا: جرائم الاعتداء على الحياة الخاصة

لكل إنسان حياته الخاصة به ولا يجوز لأي شخص آخر أن يقوم بالتعدي عليها بأي طريقة كانت، ونظرًا لطبيعة هذه الحياة واختلاف الجرائم التي عليها واختلافها من زمن لزمن لا يوجد تعريف محدد لها، كما أن معظم التشريعات لم تضع لها تعريف تاركةً هذا الأمر الفقه والقضاء، ولكن يمكن القول بأن عناصر الحياة الخاصة تتضمن المسكن، وحرمة جسم الإنسان، والمراسلات، والصور.

ومن الجدير بالذكر أن المشرع الأردني لم يشرع قانون خاص بحماية الحياة الخاصة، ولكن وضع مجموعة نصوص في قانون العقوبات رقم (١٦) لسنة١٩٦٠م وتعديلاته، وفي قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (٩) لسنة ١٩٦١م وتعديلاته.

ولا شك أن التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم أصبح يهدد حياة الفرد بسبب الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا من قبل الأفراد الذين يسعون إلى حرمة الحياة الخاصة للإنسان، وذلك بنشر فيديوهات أو صور عبر اليوتيوب باعتباره أحد المواقع التكنولوجية، لذا ازدادت أهمية حرمة الحياة الخاصة في الفترة الأخيرة بعد انتشار بنوك المعلومات لتحقيق غايات المستخدمين في المجالات المختلفة منها العلمية والثقافية وغيرها.

ونتيجة لذلك قام المشرع في قانون الجرائم الإلكترونية بحماية الحياة الخاصة حيث نصت المادة (٤) منه على أنه: ” يعاقب كل من أدخل أو نشر أو استخدم قصدًا برنامجًا عن طريق أو باستخدام نظام معلومات لإلغاء أو حذف أو إضافة أو تدمير أو إفشاء أو إتلاف أو حجب أو تعديل أو تغيير أو نقل أو نسخ أو التقاط أو تمكين الآخرين من الإطلاع على بيانات أو معلومات أو إعاقة أو تشويش أو إيقاف أو تعطيل عمل نظام معلومات أو الوصول إليه أو تغيير موقع إلكتروني أو إلغائه أو إتلافه أو تعديل محتوياته أو أشغاله أو انتحال صفته أو انتحال شخصية مالكه دون تصريح أو بما يجاوز أو يخالف التصريح يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن (200) مائتي دينار ولا تزيد على (1000) ألف دينار”.

كما جرم المشرع أيضًا سلوك التنصت والالتقاط واعتراض الرسائل وذلك في المادة (٥) من القانون سالف الذكر حيث نصت على أنه: “يعاقب كل من قام قصدًا بالتقاط أو باعتراض أو بالتنصت أو أعاق أو حور أو شطب محتويات على ما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن (200) مائتي دينار ولا تزيد على (1000) ألف دينار”.

تاسعًا: جرائم أخرى تُرتَكب عبر اليوتيوب.

هناك العديد من الجرائم التي ترتكب من خلال اليوتيوب كأحد مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن هذه الجرائم لم يذكرها المشرع الأردني في قانون الجرائم الإلكترونية رقم (٢٧) لسنة٢٠١٥م بشكل صريح ولكن وضع نص عام يمكن اعتباره المرجعية القانونية لكل فعل يعد جريمة في التشريعات الأخرى، حيث يعاقب على كل فعل مجرم في القوانين إذا ارتكب من خلال نظام التقني والتكنولوجي بما هو مقرر في القانون المذكورة فيه.

وهذا يتضح لنا من المادة (١٥) من قانون الجرائم الإلكترونية حيث نصت على أنه: “كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات أو موقع إلكتروني أو اشترك أو تدخل أو حرض على ارتكابها يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع”، لذا نبين بعض الجرائم التي ترتكب من خلال اليوتيوب وجرمتها التشريعات والقوانين كما يلي:

 ١- جريمة الابتزاز الإلكتروني:

يقصد بالابتزاز هو محاولة تهديد الضحية بكشف أسرار أو معلومات خاصة من أجل الحصول على منفعة مادية أو معنوية، أما الابتزاز عبر اليوتيوب هو أحد أشكال الابتزاز الإلكتروني الذي يتم عن طريق الوسائل التكنولوجية، وقد عرف قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات العماني رقم (١٢) لسنة ٢٠١١م وتعديلاته الابتزاز الإلكتروني في المادة (١٨) بأنه: “استخدام الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع ولو كان هذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعًا، أو كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور مخلة بالشرف أو الاعتبار”.

وعلى الرغم من شدة خطورة هذا النوع من الجرائم التي ترتكب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن المشرع الأردني لم ينص عليها في قانون الجرائم الإلكترونية، لذا يتم الرجوع إلى قانون العقوبات بدلالة المادة (١٥) من قانون الجرائم الإلكترونية، حيث جاء في المادة (٤١٥) من قانون العقوبات المعدلة بموجب القانون رقم (٢٧) لسنة ٢٠١٧م على أنه: ” 1. كل من هدد شخصا بفضح أمر أو إفشائه أو الأخبار عنه وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو من شرفه أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من خمسين دينارًا إلى مائتي دينار. ٢. كل من ابتز شخصًا لكي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له أو لغيره عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين دينارًا ولا تزيد على مائتي دينار”.

٢- جريمة ذم الجهات الرسمية:

لقد أوجب المشرع مسؤولية كل من قام بسلوك فيه اعتداء على الجهات الرسمية بالمملكة، أو على أحد الموظفين أثناء تأدية أعماله الوظيفة، فقد نصت المادة (١٩١) من قانون العقوبات على أنه: “يعاقب على الذم بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين إذا كان موجها إلى مجلس الأمة أو أحد أعضائه أثناء عمله أو بسبب ما أجراه بحكم عمله أو إلى إحدى الهيئات الرسمية أو المحاكم أو الإدارات العامة أو الجيش أو إلى أي موظف أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب ما أجراه بحكمها”،

وعلى ذلك إذا قام أي شخص بنشر فيديو عبر اليوتيوب فيه كلام يسيء إلى المجلس أو أي من أعضائه أو إلى أي جهة من الجهات الرسمية، فتشكل الواقعة جريمة إلكترونية، ويعاقب مرتكبها بما هو مقرر في القانون.

٣- جرائم الإرهاب الإلكتروني:

أصبحت اليوم جرائم الإرهاب متسلحة بالأجهزة الإلكترونية من أجهزة الحاسوب والمحمول المتصلة بالإنترنت، مما أدى ذلك إلى سهولة التنفيذ، ولقد أدى التطور الكبير في التكنولوجيا إلى ظهور الإرهاب الإلكتروني من خلال وسائله المختلفة، حيث يعتبر اليوتيوب من أكثر التطبيقات التي تستخدم في نشر الإرهاب لسهولة البحث والوصول إلى المعلومات، فهو يسمح للمستخدمين البحث عن المحتوى الذي يريدونه بحرية تامة مع سرعة استجابة العرض، وعرض قائمة بالموضوعات المرتبطة والمشابهة.

ولقد عرف المشرع الأردني الإرهاب في قانون العقوبات في المادة رقم (١٤٧/١) على أنه: ” كل عمل مقصود أو التهديد به أو الامتناع عنه أياً كانت بواعثه وأغراضه أو وسائله يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي من شأنه تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو إحداث فتنة إذا كان من شأن ذلك الإخلال بالنظام العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق والأملاك العامة أو الأملاك الخاصة أو المرافق الدولية أو البعثات الدبلوماسية أو احتلال أي منها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية أو الاقتصادية للخطر أو إرغام سلطة شرعية أو منظمة دولية أو إقليمية على القيام بأي عمل أو الامتناع عنه أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة”.

كما لم يَرِدّ في التشريع الأردني المقصود بالإرهاب الإلكتروني، ويُمكن تعرفه بأنه: “استخدام نظام المعلومات والشبكات المعلوماتية للقيام بأعمال إرهابية، حيث تستفيد الجماعات الإرهابية من الخدمات المتنوعة التي تقدمها شبكة الإنترنت لجميع مستخدميها وذلك من أجل تنفيذ مخططاتهم وعملياتهم الإجرامية الخطيرة التي تستهدف إلحاق الضرر بالبنية الأساسية للدولة وتدمير أنظمة الاتصالات والطيران ومحطات الطاقة والمنشآت الحيوية، والذي بدوره يؤدي إلى خلق حالة من القلق والخوف والذعر والتهديد المستمر لكثير من الأفراد والجماعات والدول”([3] ).

“ومن خلال النص على الإرهاب والأعمال والإرهابية في التشريع الأردني نستطيع أن نستخلص منه أن الإرهاب يقوم على خاصيتين، أولهما الأفعال التي تؤدي إلى بث الذعر إلى نتائج والخوف بين الناس، وثانيهما أن هذه الجرائم ترتكب بوسائل متعددة الأمر الذي يؤدي إلى نتائج محددة ومن تلك الوسائل التكنولوجية الحديثة والتي تختص بالبرامج والتطبيقات والاتصالات”( [4]).

عاشرًا: طرق مواجهة جرائم اليوتيوب

رغم الجهود المبذولة من قبل المملكة لمواجهة الجرائم التي ترتكب من خلال التقنية وتكنولوجيا المعلومات، إلا أنه ما زال هناك فراغ في التشريعات، وذلك يرجع إلى أن هذا النوع من الجرائم دائما في تقدم وتطور مستمر وهذا يتطلب أن القوانين تكون مواكبة طبيعة هذه الجرائم، ومن الطرق التي يمكن أن تواجه الجرائم اليوتيوب باعتبارها إحدى الوسائل التكنولوجية أن نعمل على:

١- توعية المواطنين بمدى خطورة الجرائم الإلكترونية من جميع جوانب الحياة، وتوضيح طرق التعامل معها والحماية منها، والإسراع في الإبلاغ عنها عند التعرض لها.

٢- إنشاء مراكز متخصصة في مكافحة جرائم التي تتم باستخدام اليوتيوب وبأي وسيلة إلكترونية، واستخدام أساليب متطورة للكشف عن شخصية مرتكب الجريمة، ولكشف وتحديد المخاطر الإلكترونية، وإنشاء برامج تمنع الاتصال بالمواقع الإرهابية، وعدم ظهور كل ما هو منافي الأخلاق والآداب العامة.

٣- إنشاء محكمة مختصة في نظر الجرائم إلكترونية لسد الفجوة القانونية الناتجة عن التطور التقني والتكنولوجي، وهذا يتطلب قضاه متخصصون في تكنولوجيا المعلومات، وللقيام ذلك لابد من تنظيم الدورات التدريبية اللازمة لتأهيل القاضي الإلكتروني.

٤- نشر عبر وسائل الإعلام المختلفة العقوبات التي تم تنفيذها على الجرائم المرتكبة لبث الخوف والذعر فيمن يفكر في القيام بأي سلوك مخالف للقانون والآداب.

 الحادي عشر: السوابق القضائية

لقد وردَ في الحكم رقم (1980) لسنة 2021م الصادر من محكمة صلح جزاء جنوب عمان بتاريخ ٢٩/٤/٢٠٢١م، بما نصه: “إنه وفي يوم بتاريخ (13/3/2021) وأثناء وجود المشتكى عليه الأول على سطح منزله خلال فترة الحظر الشامل، شاهد رجال الشرطة حضروا إلى مسجد القريب من منزله وقاموا بإلقاء القبض على المصلين والإمام كونه لا توجد صلاة جمعة بناء على أمر الدفاع، وعندها قام المشتكى عليه الأول بتصوير لحظة إلقاء القبض عليهم ونشر مقطع الفيديو على مجموعة واتس أب خاصة بعائلته، ونتيجة تداول المقطع على تطبيقات التواصل الاجتماعي وصل المقطع إلى المشتكى عليه الثاني عن طريق أحد أصدقائه، وعندها قام بنشره على تطبيق (التيك توك) ثم بعدها قام بحذف المقطع، وقدمت الشكوى، وبتطبيق القانون على وقائع الشكوى نجد أن الوصف القانوني الواجب اسناده للمشتكى عليهما هو جرم القيام بطباعة أو بيع أو عرض نقوش أو صور أو رسوم تعطي عن الأردنيين فكرة غير صحيحة من شأنها أن تنال من كرامتهم أو اعتبارهم خلافا لأحكام المادة (468) من قانون العقوبات وبدلالة المادة (15) من قانون الجرائم الإلكترونية.

كما ورد في الحكم رقم (4322) لسنة 2020م الصادر من محكمة صلح جزاء عمان بتاريخ ٣/٩/٢٠٢٠م، بما نصه: “إنه بتاريخ 12/2/2020 قام المشتكى عليه بنشر فيديو مدته (11:35) دقيقه، حيث تم مشاهدته عن طريق وحدة مكافحة الجرائم على قناه عبر موقع اليوتيوب وتم التتبع له، وتبين أنه ينشر من لندن وأن الذي ظهر بالفيديو هو المشتكى عليه الذي نشر من خلالها وهو يظهر بالفيديو ويقوم بذكر مدير دائرة المخابرات العامة الأردنية واتهامه له بالاعتداء على الأعراض ومحاولات التصفية والاغتيالات من احتلال المخابرات وتهديداتها من خلال جواسيسها، وذكر بالفيديو تهديداته بالقتل لمدير المخابرات العامة وبيناته، حيث ذكر مكان سكنه بالتفصيل واماكن عمل ودراسة بناته، وقام بالسب والشتم على الأجهزة الأمنية المختلفة بالأردن ونظم ضبط المشاهدة اللازم وجرت الملاحقة، وبتطبيق القانون على الواقعة، قامت المحكمة بإدانة المشتكى عليه بجرم التهديد خلافًا لأحكام المادة (350) من قانون العقوبات، بجرم اختلاق الجرائم خلافًا لأحكام المادة 209 من قانون العقوبات، وبجرم ذم هيئة رسمية خلافًا لأحكام المادة 191 من قانون العقوبات، وبدلالة المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية، تنفيذ العقوبة الأشد المحكوم بها المشتكى عليه عملًا بأحكام المادة (72) من قانون العقوبات”.

إعداد/ محمد محمود

[1] . د/ سامان فوزي عمر، المسئولية المدنية للصحفي، (ص ٢٤٢).

[2] . د/ إبراهيم إسماعيل، الاستغلال الجنسي للأطفال عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ص١٥٠ .

[3]. د/محمد على سويلم، جرائم الإرهاب الإلكتروني، (ص٦٩) .

[4]. د/ باسل فايز حمد القطاطشة، المواجهة التشريعية لجرائم الإرهاب الإلكتروني، (ص١٠) .