أركان المسئولية عن نقل الفيروس
تمهيد : تتمثل أركان المسؤولية أيا كانت طبيعة هذه المسؤولية [1]، في الخطأ والضرر وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر[2]. فقد بينت هذه الأركان المادة 163 من القانون المدني المصري التي نصت على أن ” كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ” [3] .وسنتحدهنا أركان المسئولية الناشئة عن نقل الإصابة بالفيروس ونموذج لنقل مرض الالتهاب الكبد الوبائي بسبب عمليات نقل الدم.
ويعتبر الضرر من أهم أركان المسؤولية ، إذ لا يمكن أن تقوم المسؤولية بدون تحقق الضرر [4] ، كما أن للضرر دورا هاما في تحديد مقدار مبلغ التعويض [5] ، إذ يستحق المضرور مبلغا من المال كبير على سبيل التعويض إذا كان الضرر الذي إصابة جسيما ، بخلاف إذا كان الضرر بسيطا ، فيستحق المضرور مبلغ التعويض الذي يتناسب مع هذا الضرر .
وفي مجال نقل الدم يترتب على إصابة المريض بفيروس مرض التهاب الكبد الوبائي بسبب عملية نقل دم ملوث إلية بفيروس التهاب الكبد الوبائي إلحاق هذا المريض بأضرار جسيمة سواء كانت هذه الأضرار مادية أو أدبية ، فينشا لهذا المريض المضرور الحق في الحصول على التعويض الجابر للضرر الذي أصابه .
وإذا كانت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر من الأركان الأساسية للمسئولية حتى يستطيع المضرور أن يحصل على التعويض عما لحقه من أضرار فإنه يلزم أن يكون نقل الدم إلى المريض هو الذي أدي إلى إصابة هذا الأخير بفيروس التهاب الكبد الوبائي ، فإذا لم تتوافر علاقة السببية بين عملة نقل الدم وأصابه المريض بالفيروس ، فلا مسؤولية على مركز نقل الدم .
جدول المحتويات :
ركن الخطأ
ركن الضرر
أولا الضرر المادي
ثانيا الضرر المعنوي أو الأدبي
ثالثا الضرر الخاص بالإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي
ركن العلاقة السببية
أولا نظرية السبب المنتج
ثانيا نظرية تعادل أو تكافؤ الأسباب
ركن الخطأ في المسئولية عن نقل الفيروس
يتمثل الشرط الأساسي للمسئولية العقدية في الإخلال بالالتزام العقدي ، ويتخذ صورة عدم التنفيذ ، أو التأخير في التنفيذ ، أو التنفيذ الناقص ، أو التنفيذ المعيب .
ويتمثل الإخلال بالضرورة ، ووفق ما درج علية القضاء ، وجانب من الفقه في أن تتخذ إحدى الصور السابقة مظهر الخطأ أي أن يكون الإخلال خطاً ، ولذلك يقال خطأ ناقل ، أو خطأ البائع ، أو خطأ المؤجر ، أو خطأ الطبيب .
وعلى هذا النحو يعرض مصطلح الخطأ في المسئولية العقدية أو التقصيرية ، ويحاول البعض التقريب بينها قولا بأن الخطأ في الحالتين يتمثل في الإخلال بالالتزام أو بواجب .
غير أن جانبا آخر يري أن الخطأ العقدي يتمثل في مجرد عدم التنفيذ ، أو التنفيذ المعيب للالتزام ، في حين أن الخطأ التقصيري يعكس انحرافا في سلوك الشخص عن سلوك الرجل العادي ، وبالتالي يتضمن جانبا أخلاقيا في تقييم هذا السلوك ، ويستهدف أيضا ضرورة تطابق هذا السلوك مع نموذج معين تقتضيه القوانين واللوائح المختلفة .
وانطلاقا من هذه المغايرة في المعني اتجه جانب من الفقه إلى القول بان الإخلال بالالتزام العقدي الذي يستوجب المسئولية العقدية لا يرتبط بالضرورة بارتكاب خطأ من جانب المدين ، فقد تقوم هذه المسؤولية بدون خطأ ، ولمجرد الإخلال بالالتزام العقدي .
والدائن ليس ملزما بالتالي بإثبات الخطأ مادام قد اثبت عدم التنفيذ أو التنفيذ المعيب للالتزام ، خاصة وان هناك حالات لا تنحصر فيها مسئولية المدين لمجرد نفي الخطأ ، وتتمثل هذه الصورة الأخيرة في كل حالة يكون فيها الالتزام بتحقيق نتيجة .
ففي هذه الحالة تنعقد مسئولية المدين عن عدم التنفيذ لمجرد تخلف النتيجة المطلوبة ، ودون الحاجة إلى إثبات خطأ من جانبه ، بل ولا تنحسر مسئوليته بمجرد نفي الخطأ ، بل تنحسر فقط إذا اثبت سببا أجنبيا غير منسوب إلية .
أما إذا تعلق عدم تنفيذ الالتزام ببذل عناية فان أمر وصف المسلك بالخطأ يصبح اقرب إلي القبول ، ففي هذا الفرض علي المدين أن يبذل العناية اللازمة في الوفاء بالتزامه ، وهي عناية شخص من أواسط أمثالة ، والأصل هو افتراض أنه بذل العناية المطلوبة ، فإذا ادعي الدائن عكس ذلك وقع علية هو عبء إثبات الإخلال ، ولا شك أن هناك الكثير من الالتزامات لا يستهان بها ذات مضمون بذل العناية ، سواء في الالتزامات الرئيسية ، في كثير من العقود – خاصة العقود التي تنشئ التزامات علي عاتق أصحاب المهن الحرة ، كالأطباء ، والمحامين و الاستشاريون وغيرهم ، وكذلك اغلب الالتزامات التبعية التي ابتدعها الفقه و القضاء الحديث ، مثل الالتزام بالتبصير والإعلام و التحذير [6].
ركن الضرر في المسئولية عن نقل الفيروس
إن الوظيفة الأساسية للمسؤولية المدنية تتمثل في جبر الضرر الذي أصاب المضرور ، ومن ثم فإن مقدار التعويض يتحدد بقدر الضرر ، ولهذا يعتبر الضرر أساس هذه المسؤولية لأنه محل الالتزام بالتعويض الذي يتولد بسبب وجود خطأ وعلاقة سببية ، بحيث أن عدم ثبوت الضرر يؤدي إلى رفض التعويض ، ويقصد بالضرر الإخلال بمصلحة محققة مشروعة للمضرور في ماله أو في شخصه .
وأكدت محكمة النقض على هذا المعني فقضت بان ” حق المضرور في التعويض إنما ينشأ إذا كان من أحدث الضرر أو تسبب فيه قد أخل بمصلحة مشروعه للمضرور في شخصه أو ماله مهما تنوعت المسائل التي يستند إليها في تأيد طلب التعويض”
ولذلك فالاعتداء علي حق الملكية بإتلاف المال ، أو المساس بسلامة الجسم ، أو الإساءة إلى السمعة والشرف أو الحرمان من العائل الذي تجب علية النفقة قانونا يتحقق به ركن الضرر ، إذ يتعلق الاعتداء بحق من الحقوق التي يحميها القانون .
وقد قضت محكمة النقض بان ” العبرة في تحقق الضرر المادي للشخص الذي يدعيه نتيجة وفاة شخص أخر ، هي ثبوت أن المتوفى كان يعوله فعلا وقت وفاته على نحو مستمر ودائم وان فرصة الاستمرار على ذلك كانت محققة ” .
ويشترط أن يكون الضرر محققا بان يكون قد وقع بالفعل أو بان يكون وقوعه في المستقبل أمرا حتميا .
وقد قضت محكمة النقض في هذا الصدد بانة ” يشترط للحكم بالتعويض عن الضرر المادي الإخلال بمصلحة مالية للمضرور وان يكون الضرر محققا بان يكون قد وقع بالفعل أو يكون وقوعه في المستقبل حتميا ”
أما مجرد احتمال وقوع الضرر في المستقبل فلا يكفي للحكم بالتعويض .
وقد يتعذر أحيانا تقدير الضرر المحتم الوقوع في المستقبل ، ولذا نصت المادة 170 من القانون المدني علي أنه ” إذا لم يتيسر له – أي القاضي – وقت الحكم أن يعين مدة التعويض تعينا نهائيا ، فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطلب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير ” .
ولذا يجوز للمضرور أن يطلب تكملة التعويض عند تفاقم الضرر الذي إصابة بعد صدور الحكم النهائي له بالتعويض .
وقد أكدت محكمة النقض علي هذا المعني فقضت بان ” الحكم بالتعويض المؤقت – علي ما جري به قضاء هذه المحكمة – متى حاز قوة الأمر المقضي وان لم يحدد الضرر في مداه أو التعويض في مقداره يحيط المسؤولية التقصيرية في مختلف عناصرها ويرسي دين التعويض في أصلة ومبناه مما تقوم بين الخصوم حجيته ، وبهذا تستقر المسئولية و تتأكد المديونية إيجابا أو سلبا ، ولا يسوغ في صحيح النظر أن يقصد الدين الذي أرثاه الحكم علي ما جري به المنطوق رمزا له و دلالة علية بل يمتد إلي كل ما يتسع له كمحل للدين من عناصر تقديره ولو بدعوي لاحقة يرفعها المضرور بذات الدين استكمالا له وتعينا لمقداره ، فهي بهذه المثابة فرع لأصل حاز قوة الأمر المقضي به فبات عنوانا للحقيقة ” .
وفي مجال الأضرار التي تلحق بالمريض بسبب فيروس التهاب الكبد الوبائي الناشئ من عملية نقل دم ملوث إلية ، فالأضرار تبدأ من لحظة إصابة المريض بالفيروس ، والمريض يمر بمراحل تبدأ من لحظة دخول الفيروس لجسم المريض ، ويظل هذا الجسد لفترة معينة حاملا للفيروس وقابلا لان ينقل العدوى لغيرة ، ثم تتطور حالته الصحية بعد ذلك ليصل إلى مرحلة المرض الكامل الذي يعقبه بنسبة كبيرة موت المريض .
وليس هناك مشكلة تتعلق بعناصر الضرر التي أصابت المريض الذي وصل إلى مرحلة المرض الكامل ، فكل هذه العناصر ناتجة من الإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي بسبب عملية نقل دم الملوث قد تحققت بالفعل ويراعي قاضي الموضوع كل عناصر الضرر التي لحقت بالمريض في مرحلته الأخيرة عند الحكم بالتعويض .
أما بالنسبة للمريض الذي أصيب بفيروس التهاب الكبد الوبائي وأصبح حاملا له دون أن يصل إلى مرحلة المرض الكامل ، فيثور التساؤل حول عناصر الضرر التي يجب علي قاضي الموضوع أن ينظر إليها بعين الاعتبار عند الحكم لهذا المريض بالتعويض .
فقد استقر الفقه [7] والقضاء [8] على أنه يجوز للمضرور أن يطالب بتكملة التعويض إذا تفاقم الضرر بزيادة العناصر المكونة له بعد صدور الحكم النهائي بالتعويض . ولا يمكن الاحتجاج في هذه الحالة بقوة الأمر المقضي به للحكم الذي صدر وقضي بتعويض الضرر الذي أصاب المضرور وقت صدوره ، لان القاضي في حالة التعويض التكميلي ، يواجه ضررا جديدا لم يسبق أن فصل فيه ، يتمثل فيما زاد عن الضرر القديم .[9]
وإذا كان الدم الملوث بفيروس مرض الالتهاب الكبد الوبائي قد تم نقلة مباشرة إلي المريض ، إلا أنه لا يعتبر المضرور الوحيد ، بل يمكن أن يكون هناك مضرورين آخرين ، أما بسبب وجود علاقات بينهم وبين المريض المضرور كزوجته و أبناءه ، فيصبح هؤلاء الأشخاص مصابين بفيروس ذات المرض ، مثل شريك حياة المريض المضرور لوجود علاقة جنسية مشروعه ، وأما بسبب قرابتهم المباشرة للمريض المضرور فهؤلاء المضرورون بطريق الارتداد تصيبهم أضرارا مادية بسبب فقد مصدر إعالتهم ، كما في حالة موت المريض المضرور ، وتصيبهم كذلك أضرارا أدبية تتمثل في الحزن و الآسي من جراء الضرر الأدبي الذي أصاب المريض المضرور .
ولنتناول كل نوع من أنواع الضرر في فرع مستقل مع بيان تعويض الأضرار التي يتحملها المضرورين بطريق الارتداد .
أولا الضرر المادي في المسئولية عن نقل الفيروس
الضرر المادي هو الذي يصيب الإنسان في ماله أو في جسمه [10] وقد قضت محكمة النقض في هذا الصدد بان ” الضرر المادي الذي يجوز التعويض عنة هو المساس بمصلحة مشروعه للمضرور في شخصه أو في ماله و يتحقق أما بالإخلال بحق ثابت يكفله القانون أو الإخلال بمصلحة مالية له ، وحق الإنسان في الحياة وسلامة جسمه من الحقوق التي كفلها الدستور و القانون وحرم التعدي علية ومن ثم فان المساس بسلامة الجسم بأي أذي من شأنه الإخلال بهذا الحق يتوافر بمجرد قيام الضرر المادي ، وإذا ما ترتب علية تكبد نفقات في سبيل العلاج كان ذلك إخلالا بمصلحة مالية يتوافر أيضا قيام الضرر المادي [11] “.
فالضرر الجسماني يعتبر ضررا حالا ومؤكدا ، إذ يمكن تقديره من خلال كافة جوانب حياة المضرور ، واستقلالا عن أثرة على الدخل المالي [12] ، فهذا الضرر يتمثل في المساس بسلامة الجسم وكيانه المادي .
وفي مجال الإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي بسبب نقل دم ملوث بهذا الفيروس إلى المريض فانه مما لا شك فيه أن هناك أضرارا مادية تلحق بهذا الأخير من جراء عملية نقل الدم الملوث .
ولبيان عناصر هذه الأضرار المادية فانه يجب التفرقة بين حالة المصاب بفيروس مرض التهاب الكبد الوبائي الذي يكون حاملا للفيروس ، دون أن يصل لمرحلة المرض الكامل ، وحالة المريض بفيروس التهاب الكبد الوبائي الذي وصل لمرحلة المرض الكامل .
بالنسبة لحامل فيروس المرض ، فان الإصابة بهذا الفيروس لا تؤدي إلى عجز هذا المصاب عن القيام بالعمل الوظيفي أو المهني ، إذ أثبتت العلوم الطبية أن هذا المصاب تكون لدية القدرة على العمل وممارسة نشاطه بطريقة عادية . ولذلك فلا يحرم المصاب من دخلة أو أجرة نظرا لقيامة بالعمل المكلف به ، وممارسته لجميع أنشطته اليومية التي كان يقوم بها قبل إصابته بفيروس المرض [13] .
ولكن التأثيرات المعنوية التي يشعر بها المصاب ويحس بآلامها نتيجة لابتعاد المحيطين به اجتماعيا بسبب اكتشافهم مرض المصاب تكون لها رد فعل سلبي علي حسن أداء العمل المطلوب منة .
ولهذا فان تقدير الكسب الفائت يكون مسألة واقع تخضع لتقدير قاضي الموضوع الذي يتولى فحص كل حالة على حدة لبيان هذا الكسب الفائت الذي حرم منة المصاب والمتمثل في فقد دخلة أو أجرة ، وهذا ما نصت علية المادة 221 من القانون المدني فقرة أولي حيث نصت على أنه ” إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو بنص في القانون ، فالقاضي هو الذي يقدره ، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب ، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به “.
أيضا فان المصاب في هذه المرحلة تلحق به خسارة ، وان كانت اقل من الخسارة التي يتحملها المريض الذي وصل إلى مرحلة المرض الكامل ، متمثلة في المصروفات الطبية مثل إجراء التحاليل اللازمة لمعرفة الدرجة التي وصل إليها المرض والمريض ، وفحوص طبية لتحديد نوع العلاج ، ونفقات هذا العلاج .
وقد أكدت محكمة النقض على هذا المعني فقضت بانة ” يشترط للحكم بالتعويض عن الضرر المادي الإخلال بمصلحة مالية للمضرور وان يكون الضرر محققا بأن يكون قد وقع بالفعل أو يكون وقوعه في المستقبل حتميا ، وان مناط تحقق الضرر المادي الذي يدعيه شخص نتيجة تعذيبه ، أن يكون من شأن هذا التعذيب إصابة الجسم أو العقل بأذى يخل بقدرة صاحبة على الكسب أو يكبده نفقات العلاج “[14] .
أما مريض التهاب الكبد الوبائي الذي وصل لمرحلة المرض الكامل ، فان الأضرار المادية تتمثل في الكسب الفائت المتعلق بفقد دخلة أو أجرة لعدم قدرته نهائيا على القيام بأي عمل أو نشاط مهني ، إذ تنشط كل الفيروسات الانتهازية التي تهاجم جسم المريض بسبب انهيار جهازه المناعي تماما ، وبالتالي تنهار مقاومة جسم المريض الذي يكون عرضة للإصابة بمختلف أنواع السرطان ، فضلا عن الأمراض الأخرى.
أيضا يتمثل الضرر المادي فيما يلحق المريض المضرور – في هذه المرحلة المتقدمة – من خسارة في نفقات العلاج والإقامة في المستشفى وتكاليف الفحوص الطبية التي يلزم المريض إجرائها لمتابعه تطور المرض ، ومصاريف الكشف عند الأطباء ، والأدوية التي يتناولها المريض ، وغير ذلك من المصروفات التي يضطر المريض لدفعها لمتابعه العلاج .
وكذلك يعتبر من قبيل الضرر المادي المساس بسلامة الجسم ، إذ النقص في القدرة الجسمانية تعتبر ضررا جسمانيا واجب التعويض حتى إذا كان المريض المضرور لم يمارس عملا أو مهنة .
فقد اعتبرت محكمة النقض أن المساس بسلامة الجسم بأي أذى من شأنه الإخلال بحق الإنسان في الحياة وسلامة جسمه يتوافر به الضرر المادي [15].
ولهذا إذا توفي المريض بفيروس التهاب الكبد الوبائي بسبب عملية نقل دم ، فان الحق في التعويض عن الأضرار المادية التي إصابته يدخل في الذمة المالية باعتباره حقا ماليا ينتقل إلى الورثة ضمن تركة المضرور سواء كان هذا الأخير قد طالب بالتعويض قبل وفاته أو لم يطالب به ، وسواء قد تحدد هذا التعويض قبل الوفاة بحكم قضائي أو اتفاق أم لم يحدد [16] .
ويستطيع الوارث أن يطالب بالتعويض الذي كان لمورثة أن يطالب به لو بقي حيا ، وهذا التعويض المورث مستقل عن التعويض الذي يلحق المضرور الوارث شخصيا ، إذ الضرر الذي يصيب الوارث شخصيا أطلق علية الفقه ” الضرر المرتد ” فالضرر المرتد ” وهو الضرر غير المباشر ” وهو الضرر الذي يصيب طالب التعويض شخصيا نتيجة لضرر أصاب شخصا أخر ، فالضرر الذي أصاب الأول يسمي الضرر الأصلي ، وقد ينعكس ويرتد على شخص أخر فيصيبه بالضرر ، ولهذا يسمي بالضرر المرتد . [17].
فإذا توفي الشخص المريض بسبب عملية نقل دم ملوث بفيروس التهاب الكبد الوبائي ، وكان وقت وفاته يعول شخصا علي نحو مستمر ودائم ، فان هذا الأخير يستطيع أن يطالب بالتعويض عن الضرر المادي المرتد الذي إصابة نتيجة فقد عائلة الذي كان يتولى الإنفاق علية ، فيستطيع هذا المضرور الذي ارتد إلية الضرر المادي ، أن يطالب بالتعويض من المؤسسة العلاجية ، سواء كانت مستشفيي عام أو خاص – وله كذلك طلب التعويض من الطبيب المعالج للمضرور الأصلي أو الجراح ، وكذلك يحق له أن يطلب التعويض من مركز نقل الدم بسبب الإخلال بالالتزام الملقي علي عاتق كل منهم بضمان سلامة المريض .
ولا يقتصر الحق في التعويض عن الضرر المادي المرتد على أقارب المريض إلى درجة معينة ، فلا يتقيد من لهم الحق في التعويض عن هذا النوع من الضرر بالقيد الوارد في المادة 222 من القانون المدني الفقرة الثانية ، لان هذا القيد متعلق بالضرر الأدبي المرتد [18].
ثانيا الضرر المعنوي أو الأدبي
الضرر الأدبي هو الضرر الذي لا يصيب الشخص في ماله ، ولكنة يصيب مصلحة غير مالية ، وقد عرفت محكمة النقض المصرية الضرر الأدبي بانة ” كل ضرر يؤذي الإنسان في شرفة و اعتباره ، أو يصيب عاطفته وإحساسه ومشاعره ، فيندرج في ذلك العدوان علي حق ثابت للمضرور كالاعتداء علي حق الملكية ، ولذا فان إتلاف سيارة مملوكة للمضرور التي يتخذها وسيلة لكسب الرزق و العيش يعتبر عدوانا علي حق الملكية و حرمانه من ثمرتها من شأنه أن يحدث لصاحب هذا الحق غما واسي و هذا هو الضرر الأدبي الذي يسوغ التعويض عنة ” [19].
فكل ما يصيب الشرف والاعتبار والعرض ، بالقذف والسب وهتك العرض وإيذاء السمعة بالقول والاعتداء على الكرامة ، يعتبر ضررا أدبيا ، لأنها تضر بسمعه الإنسان وتؤذي شرفة واعتباره بين الناس [20] ، فإذا أصيب شخص بفيروس التهاب الكبد الوبائي بسبب عملية نقل دم فان إذاعة هذه الإصابة يسئ إلى المريض ، الأمر الذي يؤدي إلى إصابة هذا المريض بأضرار أدبية .
وقضت محكمة مصر الابتدائية الوطنية في هذا الصدد بان ” الأمراض في ذاتها من العورات التي يجب سترها، حتى لو كانت صحيحة ، فإذاعتها في محافل عامة وعلى مسمع من العامة يسيء إلى المريض إذا ذكرت أسماؤهم وبالأخص بالنسبة للفتيات ، لأنه يضع العراقيل في طريق حياتهن ويعكر صفو أمالهن وهذا خطأ يستوجب التعويض ” [21].
أيضا كل ما يصيب الشخص في عاطفته وشعوره ، مثل تنكر الأبناء لأحد والديهم بسبب مرضه بفيروس التهاب الكبد الوبائي بسبب عملية نقل دم ملوث يشكل ضررا أدبيا يدخل إلي قلب الوالدين أو أحدهما الغم والآسي والحزن ، كذلك كل ما يلحق بالمصاب في جسمه من الألم الحسية والنفسية التي عانى منها منذ وقت الإصابة ، تعد ضررا أدبيا [22].
كل هذه الأضرار الأدبية تلحق بالمريض الذي أصيب بفيروس التهاب الكبد الوبائي بسبب عملية نقل دم ، فضلا عن شعور هذا المريض المضرور بألم النفسي الشديد نتيجة للضعف والعجز عن ممارسة حياته ونشاطه بطريقة عادية .
وإذا توفي المريض المضرور فان الحق في التعويض عن الأضرار الأدبية التي إصابته لا تنتقل إلى الغير – مثل الورثة – إلا إذا تحدد مقتضي لذلك ، أو طالب بالتعويض أمام القضاء [23].
وقضت محكمة النقض في هذا الصدد بان ” الحق في التعويض عن الضرر الأدبي مقصور على المضرور نفسه فلا ينتقل إلى غيرة إلا أن يكون هناك اتفاق بين المضرور و المسئول بشأن التعويض من حيث مبدئه ومقداره أو أن يكون المضرور قد رفع الدعوي فعلا أمام القضاء مطالبا بالتعويض ” [24].
هذا الضرر الأدبي الموروث مستقل عن الضرر الأدبي المرتد ، فإذا أصيب شخص بضرر أدبي مرتد نتيجة لوفاة المريض بفيروس التهاب الكبد الوبائي بسبب عملية نقل دم ، فهل يستطيع أن يطالب بالتعويض عن هذا الضرر الأدبي المرتد الذي إصابة دون أن تكون هناك صلة بينة وبين المريض الذي توفي بهذا الفيروس اللعين؟
نصت المادة 222 في فقرتها الثانية من القانون المدني علي أنه ” ومع ذلك لا يجوز الحكم بتعويض إلا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب ” .
ويتضح من هذا النص أن الحق في التعويض عن الضرر الأدبي المرتد يقتصر على أحد الزوجين لوفاة الأخر ، أو للأقارب إلى الدرجة الثانية فقط ، فلا يجوز لغير هؤلاء الأشخاص المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي المرتد .
ولقد أكدت محكمة النقض هذا المعني فقضت بانة ” لا يجوز لكل من ارتد علية ضرر أدبي مهما كانت درجة قرابته لمن وقع علية الفعل الضار أصلا ، المطالبة بهذا التعويض إذ أن تقدير ذلك متروك لمحكمة الموضوع تقدره في كل حالة على حدة ، والتعويض هذا يقاس بقدر الضرر المرتد لا الضرر الأصلي وبحيث لا يجوز أن يقضي به لغير الأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية إعمالا للفقرة الثانية من نص المادة 222 / 2 من القانون المدني أو استهداء بها ” [25].
ولكن هل من حق الأشخاص السالف ذكرهم في المادة السابقة المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي المرتد الذي أصابهم ، حتى في حالة إذا لم يتوف مريضهم بفيروس التهاب الكبد الوبائي ؟ .
لقد أجابت محكمة النقض علي هذا التساؤل بالحكم الذي جاء فيه بان ” المشرع وإن كان قد خص هؤلاء الأقارب بالحق في التعويض عن الضرر الأدبي في حالة الموت فلم يكن ذلك ليحرمهم مما لهم من حق أصيل في التعويض عن الضرر الأدبي في حالة ما إذا كان الضرر أدبيا ناشئا عن الإصابة فقط و لو كان المشرع قصد منع التعويض عن الضرر الأدبي في حالة إصابته فقط لما احتاج الذكر لذلك حين قيد فيها الأشخاص الذين يحق لهم التعويض عن الضرر الأدبي في حالة موت المصاب و هو تحديده لأشخاص من يحق لهم التعويض عن الضرر الأدبي وليس تحديدا لحالات و لأسباب استحقاقه – وهو ما ينطبق بدورة – من باب أولي – في تحديد المستحقين للتعويض عن هذا الضرر في حالة الإصابة ” [26].
ولهذا يجوز التعويض عن الضرر الأدبي المرتد في حالة الإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي بسبب عملية نقل دم ملوث بالفيروس ، كما في حالة الوفاة ، إذ علي الرغم من أن نص المادة 222 في فقرتها الثانية من القانون المدني قد واجه حالة التعويض عن الألم الناشئ من جراء موت المصاب ، إلا أنه لم يقصد سوي تحديد أشخاص من يستحقون التعويض ، ولم يستهدف تحديد حالات وأسباب استحقاقه ، ذلك لان الألم الناتج عن إصابة القريب المضرور يستحق التعويض باعتباره ضررا أدبيا مرتدا ، قد يكون أبلغ أثرا من الضرر الناشئ عن وفاة هذا القريب [27].
إن رؤية المريض بفيروس التهاب الكبد الوبائي العاجز عجزا شديدا تسبب ألما مستمرا وكبيرا لأقاربه يفوق الألم الناتج عن وفاته .
ثالثا الضرر الخاص بالإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي
يقصد بالضرر الخاص بفيروس مرض التهاب الكبد الوبائي مجموعة الاضطرابات والآلام التي تصاحب حامل فيروس مرض التهاب الكبد الوبائي من جهة ، والمريض بهذا الفيروس الذي وصل لمرحلة المرض الكامل من جهة أخري .
ويوصف هذا الضرر بانة ضرر ذات طابع شخصي ، متعلق بحامل الفيروس أو المريض المضرور نفسه ، وبانة ضرر معنوي لا يتعلق بالذمة المالية بالنسبة لحامل هذا الفيروس اللعين .
فنظرا لطبيعة هذا الفيروس الفتاك بجسم المصاب به ، ولخطورته بسبب عدم التوصل إلى علاج فعال يقضي علية تماما في اغلب الحالات ، بالرغم من تظافر جميع الجهود من مختلف الدول والعلماء والأطباء ، وبالرغم من ظهور بعض أنواع العلاج والأدوية المتعلقة بهذا المرض إلا انه لم يثبت بشكل قاطع قدرته على العلاج التام من هذا الفيروس ، فان كل هذه العوامل تؤدي إلى إصابة حياة حامل هذا الفيروس بالاضطرابات والآلام النفسية ، بالإضافة إلى القلق من انتقال فيروس التهاب الكبد الوبائي إلى أقرب الناس إلى نفس المصاب .
ولقد أكدت الدراسات الطبية على أن فيروس مرض التهاب الكبد الوبائي ينتقل عن طريق الجروح والإبر وكل ما من شأنه اختراق جسم الإنسان المُحمل بدم ملوث .
ولهذا فان المصاب بهذا الفيروس يفقد فرصة بناء أسرة بالزواج والإنجاب – إذا كان غير متزوج – وتتهدم حياته الزوجية والعائلية إذا كان المصاب متزوجا ، إذا علم بالمرض وأفصح عنة للمتقدم لها للزواج [28].
كما أن ارتباط عملية انتقال الفيروس من شخص مصاب لشخص سليم عن طريق الحقن والإبر ، دفع العديد من الناس للاقتناع بان السلوك غير القويم واللجوء للمخدرات وأصدقاء السوء هو أحد أسباب الإصابة بهذا الفيروس مما ينعكس على نفسية المريض بفيروس مرض الالتهاب الكبد الوبائي بالسلب ويؤثر على نفسيته ، وخصوصا إذا كان المريض في مرحلة الشباب والمراهقة .
أما بالنسبة لمرحلة المرض الكامل ، فتزداد حدة الأضرار الخاصة بفيروس التهاب الكبد الوبائي المتعلقة بالآلام النفسية والجسدية التي يعاني منها المريض المضرور في هذه المرحلة نتيجة ظهور الأمراض وأنواع السرطان على جسده ، فيصبح جسد المريض متهالك ومشوه بطريقة تجعل أقرب الناس إلى المريض يفضلون الابتعاد عن مقابلته حتى لا يصيبونه بألم نفسي نتيجة اندهاشهم من هذه التطورات الجسدية علية .
كذلك تعد من الأضرار الخاصة بفيروس التهاب الكبد الوبائي التي تصيب المريض تلك الأضرار المتعلقة بفقد مباهج الحياة ، إذ أن المريض بفيروس التهاب الكبد الوبائي الكامل لا يستطيع أن يمارس الرياضة التي يفضلها أو الهواية التي يحبها وربما يعجز عن الانتقال من دولة لآخري لمنع السلطات انتقاله وهو مريض بهذا الفيروس.
والإنسان كائن اجتماعي بطبعة خلقة الله للعبادة والعمل ولكي يقوي على ذلك لابد له من الاستمتاع بمباهج الحياة ولابد له من الاستفادة بما تقدمة الحياة من أوجه نشاط تحقق السعادة له ولأسرته ، فيكون للإنسان الحق في قضاء أوقات فراغه بالصورة التي تسعده ويمارس الهوايات التي يفضلها ، إلا أن المريض بفيروس مرض التهاب الكبد الوبائي يحرم نفسه من التمتع بمباهج الحياة سواء برضاه أو بدون رضاه بسبب المرض ، الأمر الذي يزيد من ألأمه النفسية .
كذلك تعتبر من الأضرار الخاصة بفيروس مرض التهاب الكبد الوبائي التي تلحق بالمريض تلك الأضرار المتعلقة بفقد فرصة البقاء على قيد الحياة في اغلب الحالات ، وقد استقر القضاء على أن فقد فرصة البقاء على قيد الحياة تعتبر ضررا محققا ، يخول المضرور الحق في المطالبة بالتعويض [29].
لذا يستطيع المريض المضرور بفيروس مرض التهاب الكبد الوبائي أن يطالب بالتعويض عن الحرمان من فرصة حياته عن متوسط الأعمار بسبب الإصابة بهذا الفيروس .
ولقد أشارت محكمة Toulouse في حكم لها في 16 يوليو من عام 1992 ، إلى ذلك حين قررت أن التعويض يشمل الضرر الذي أصاب المريض المتمثل في ثمن الحياة الضائعة أو ثمن الحياة المختصرة [30] .
ركن العلاقة السببية
يقصد بعلاقة السببية وجود علاقة مباشرة بين الخطأ الذي ارتكبه المسئول والضرر الذي أصاب المضرور . فلا يكفي لقيام المسئولية – أيا كانت طبيعتها – وقوع خطأ من شخص وحدوث ضرر لشخص أخر ، بل لابد أن يكون الخطأ هو الذي سبب الضرر ، إذ أن علاقة السببية تعتبر ركنا مستقلا عن الخطأ والضرر [31].
وقد قضت محكمة النقض في هذا الصدد بانة ” إذا كان الحكم المطعون فيه قد أوضح أركان المسئولية الموجبة للتعويض من خطأ هو إخلال الطاعنين بالتعاقد ومنافستهما المطعون علية منافسة غير مشروعه ومن ضرر غير محقق نتيجة لان التسمية التي اتخذها الطاعنان لشركتهما توجد لبسا في تحديد مصدر منتجات كل من الشركتين لدي المستهلكين ومن وجود رابطة السببية بين الخطأ والضرر فلا محل للنعي علية بالقصور ” [32].
وإذا كان من اليسر في بعض المواقف تقدير علاقة السببية ، إلا أنه غالبا ما يكون ذلك عسيرا في مواقف أخري بسبب تعدد ظروف الأحوال وتداخلها ، فإذا تعددت الأسباب التي أدت إلى إلحاق ضرر بشخص ، بحيث اشتركت عدة عوامل في إحداث الضرر ، فهل كل هذه العوامل تعتبر السبب في إحداث الضرر ، أم أن هناك عاملا منتجا يستند إلية هذا الضرر ؟
هذا التساؤل يثور أيضا في مجال الإصابة بفيروس الالتهاب الكبد الوبائي ، إذ تتعدد العوامل التي أدت إلي إلحاق الضرر بالمريض و المتمثل في إصابته بالفيروس ، فسائق السيارة الذي تسبب في وقوع حادث طريق استلزم نقل الدم إلي المصاب ، وخطأ الطبيب المعالج الذي قرر نقل الدم الملوث ، ومركز نقل الدم الذي قام بتوريد الدم أو احد مشتقاته إلي المؤسسة العلاجية – سواء كانت عامة أو خاصة – التي يتناول فيها المريض العلاج ، والتي تعتبر مسئولة أيضا عن تلوث الدم ، فهل كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلي توافر علاقة السببية أم أن علاقة السببية تتوافر بأحدي هذه العوامل فقط ؟ وإذا كانت كذلك فما هو معيار هذا العامل الذي تتوافر على أساسه علاقة السببية ؟
للإجابة على التساؤلات السابقة ، يتنازع في الفقه نظريتان ، الأولي تسمي ” نظرية السبب المنتج ” والثانية تسمي ” نظرية تعادل أو تكافؤ الأسباب ”
وسوف نتعرض لهذه النظريات بالشرح على النحو التالي :
أولا نظرية السبب المنتج
تشرح نظرية السبب المنتج علاقة السببية بانة إذا ساهمت أسباب متعددة في حدوث الضرر ، فانه يجب التميز بين الأسباب العارضة والأسباب المنتجة ، والسبب العارض هو السبب غير المألوف الذي ليس من شأنه بطبيعته ووفقا للمجري العادي للأمور أن يحدث ضررا ، وإنما ساهم في إحداثه عرضا .
أما السبب المنتج فهو السبب المألوف الذي يحدث الضرر عادة ، بحيث لولاة لما حدث هذا الضرر [33].
وعند تحديد المسئولية يجب الوقوف عند السبب المنتج في إحداث الضرر دون السبب العارض [34].
ويحب على المضرور إثبات السبب المنتج بإقامة الدليل علي أن الفعل كان ضروريا لتحقق الضرر وجعله متوقعا وفقا للمجري العادي للأمور .
ولهذا ليس المقصود إقامة المسئولية عن كل الأسباب التي تدخلت في الحادث الناتج ، ولكن المقصود البحث عن السبب الذي تدخل في إحداث النتيجة .
ولقد طبق القضاء الفرنسي نظرية السبب المنتج في حالة إصابة المريض بفيروس مرض الإيدز بسبب نقل دم ملوث إلية بهدف إسناد التلوث إلى عملية نقل الدم ، فقضت محكمة Versailles الاستئنافية [35]. لأول مرة بمسئولية الطبيب الجراح بسبب عملية نقل دم ملوث بفيروس مرض الإيدز إلى المريض استنادا إلى نظرية السبب المنتج ، لأقامه علاقة السببية بين موت المريض متأثرا بفيروس مرض الإيدز وخطأ الطبيب المتمثل في إجراء ثلاث عمليات جراحية أدت إلى إضعاف حالة المريض الصحية ، الأمر الذي استلزم عملية نقل دم إلية كان ملوثا بفيروس مرض الإيدز[36] .
ولقد واجهت محكمة versailles الاستئنافية عقبة ذو شقين تتمثل من جهة في أنه ليس من المؤكد وجود علاقة سببية بين خطأ الطبيب وموت المريض بسبب فيروس مرض الإيدز ، ومن ناحية أخري لا يوجد ارتباط بين تطور فيروس مرض الإيدز في جسم المريض وعملية نقل الدم التي أجراها المريض ، فمن المحتمل على سبيل المثال أن يكون هذا الفيروس قد انتقل إلى المريض من خلال علاقة جنسية ، ولهذا فلا يمكن التأكيد على أن موت المريض – بعد عملية نقل الدم – كان بسبب واحد هو خطأ الطبيب .
وتغلبت المحكمة على هذه العقبة بإعمال نظرية السبب المنتج ، إذ اعتبرت أن السبب المنتج هو السبب الذي يحدث الضرر وفقا للمجري العادي للأمور ، وميزت المحكمة بين السبب العارض الذي لا يلعب إلا دورا ثانويا في إحداث الضرر ، وبين السبب المنتج الذي يكون له الدور الرئيسي في إحداث هذا الضرر .
وانتهت المحكمة إلى إقامة علاقة السببية بين خطأ الطبيب وموت المريض بسبب عملية نقل الدم الملوث بفيروس مرض الإيدز على أساس أن ” المسئولية المدنية تتحقق عندما يرتبط الضرر المدعي بالخطأ برابطة السببية المنتجة ، هذه الرابطة توجد عندما يكون الخطأ ناتجا عن عنصر لعب دورا فعالا ، غير تاركا للعناصر الأخرى – حتى وإن ساهمت في إحداث الضرر – إلا دورا عرضيا ثانويا”
وعل ذلك تكون المحكمة الاستئنافية قد قررت وجود علاقة السببية – استنادا لنظرية السبب المنتج – بين خطأ الطبيب المتمثل في عمليات نقل الدم المتكررة التي أجراها للمريض ، والتي كانت زائدة عن حاجة هذا المريض الأخير طبقا لحالته الصحية الأولي ، وبين موت المريض متأثرا بمضاعفات فيروس مرض الإيدز بسبب عمليات نقل الدم ، ولهذا يكون الطبيب مسئولا عن موت المرض[37] .
وهو ذات المنطق الذي يمكن الأخذ به في حالة وفاة مريض بسبب نقل فيروس الالتهاب الكبد الوبائي عن طريق نقل دم ملوث له ، عقب إجراء عملية أو مجموعة عمليات جراحية إذا استلزم الأمر لذلك حرصا علي حياة المريض فيمكن لنا أن نستند لهذا النص القضائي لتطبيق ذات الحكم علي الطبيب المعالج في حالة نقل فيروس التهاب الكبد الوبائي .
وقد انتصرت محكمه النقض المصرية للنظرية الأخير [38]، وبعد أن نوهت بأن استخلاص السبب المنتج من بين الأسباب المتعددة هو من مسائل الواقع وليس من مسائل القانون بشرط أن يكون هذا الاستخلاص سائغا .
وأيدت محكمه الاستئناف فيما أجرته من تفرقه بين الأسباب العارضة والأسباب المنتجة ” المؤثرة في أحداث الضرر ” [39]، كما أن القضاء المختلط كان يؤيد هذه النظرية حتى مع وجود استعداد شخصي لضحيه الفعل الضار ، فلم تتردد في القول بتوافر علاقة السببية مادامت الحادثة هي ” السبب ” الذي اظهر هذا الاستعداد الشخصي ” ولو فرض أن الاستعداد له كان كافيا ، قبلها ، في جسمه [40].
ثانيا نظرية تعادل أو تكافؤ الأسباب
يقصد بنظرية تعادل أو تكافؤ الأسباب ، أن كل سبب كان له دخل في إحداث الضرر مهما كان بعيدا ، يعتبر من الأسباب التي أحدثت الضرر ، فكل الأسباب التي تدخلت في إحداث الضرر متكافئة ، وكل واحد منها يعتبر سببا في إحداث الضرر إلا إذا كان عدم توافره لا يوقع الضرر[41] .
وعلي ذلك عندما تتعدد العوامل التي تساهم في إحداث الإصابة بفيروس مرض الالتهاب الكبدي الوبائي بسبب عملية نقل دم ، فإن كل واحد من هذه العوامل يعتبر سببا في إحداث الضرر ، يجيز للمضرور أن يطالب مرتكبة بالتعويض .
ولهذا أقر القضاء الفرنسي – تطبيقا لنظرية تعادل أو تكافؤ الأسباب – مسئولية قائد السيارة التقصيرية عن الإصابة التي لحقت بالمضرور بالفيروس بسبب نقل دم إلية عقب حادث الطريق الذي تعرض له بخطأ من قائد السيارة ، إذ يعتبر الخطأ الصادر من جانب قائد السيارة السبب المباشر في جعل حالة المضرور تحتاج إلى نقل دم أدت إلى إصابته بالفيروس بسبب تلوث الدم بهذا الفيروس[42] .
لذا يستطيع المريض المضرور أن يرجع علي قائد السيارة ، مع بقية المسئولين الذين ساهموا بعوامل أخري – مثل خطأ الطبيب المعالج ، وخطأ المستشفى التي تناول فيها المضرور العلاج ، وخطأ مركز نقل الدم – في إصابته بالفيروس للمطالبة بالتعويض .
ولقد اعتنقت كذلك محكمة Bobigny [43] نظرية تعادل أو تكافؤ الأسباب ، فقضت بأن هناك عدة عوامل أدت إلى إصابة المضرور من حادث الطريق الذي تعرض له بالفيروس بسبب نقل دم ملوث بالفيروس.
وكل هذه العوامل تعتبر أساسا للضرر الذي لحق بالمضرور ، ولذا تلتزم شركة التأمين – المؤمن لديها – بتعويض كافة الأضرار التي تصيب المضرور بسبب نقل دم ملوث بالفيروس .
ولهذا يرجع الفضل إلى نظرية تعادل أو تكافؤ الأسباب في جعل قائد السيارة مسئولا في مواجهة المضرور الذي أصيب بالفيروس بسبب عملية نقل دم ملوث بالفيروس عقب الحادث ، على الرغم من أن قائد السيارة لا علاقة له بعلاج المضرور [44].
قائمة المراجع
المراجع العربية
- إبراهيم الدسوقي أبو الليل ، تعويض الضرر في المسؤولية المدنية – دراسة تحليلية تأصيلية لتقدير التعويض – مطبوعات جامعه الكويت – 1995.
- حسام الدين كامل الاهواني ، النظرية العامة للالتزام ، مصادر الالتزام ، الجزء الأول – الطبعة الثانية 1995.
- حمدي عبد الرحمن – مصادر الالتزام ، دار النهضة العربية ، طبعة عام 2004 .
- عبد الرازق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني – مصادر الالتزام – العمل الضار والإثراء بلا سبب والقانون – المجلد الثاني – الطبعة الثالثة – دار النهضة العربية 1981.
- عبد الرازق السنهوري ، الوسيط – نظرية الالتزام – مصادر الالتزام – الجزء الثاني – المجلد الثاني .
- عاطف عبد الحميد حسن ، المسؤولية وفيروس مرض الإيدز – دار النهضة العربية – طبعة 1998 .
- عبد الرشيد مأمون ، علاقة السببية في المسئولية المدنية – دار النهضة العربية .
- سليمان مرقص ، الوافي في شرح القانون المدني – في الالتزامات – في الفعل الضار والمسؤولية المدنية – المجلد الثاني – الطبعة الخامسة – 1988.
- محمد أبو زيد ، بعض المشكلات القانونية الناتجة عن مرض فقد المناعة المكتسبة ، الإيدز – جامعه الكويت .
المراجع الأجنبية
- Bobigny ،19 dec . 1991 ، Pal. 1991 .
- Lambert – Faivre ( y) : De la poursuit a la contribution ، precite .
- Versailles ،30 mars – 1989 ،c.p.1990 ،2،21505،obs،dorsner-dolivet ( a ).
- Toulouse ، 16 juill، 1992 ،op،cit
الهوامش
[1] سواء كانت مسؤولية إدارية أو مسؤولية مدنية، وسواء كانت المسؤولية المدنية عقدية أم تقصيريه .
[2][2] عبد الرازق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، مصادر الالتزام، العمل الضار والإثراء بلا سبب و القانون، المجلد الثاني الطبعة الثالثة , 1981 , ص 1078 وما بعدها –فقرة 524 .
[3] هذه المادة تقابل المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي التي تنص علي ما يلي “tout fait quelconque de l’homme qui cause an autrui un dommge oblige celui par faute duquel il est. arrive a la reparer
[6] حمدي عبد الرحمن – مصادر الالتزام – دار النهضة العربية – طبعة عام 2004 – ص 480 -481 .
[7] إبراهيم الدسوقي أبو الليل، تعويض الضرر في المسؤولية المدنية، دراسة تحليلية تأصيلية لتقدير التعويض، مطبوعات جامعه الكويت ,1995 – صفحة 217 , فقرة 125 .
حسام الدين كأمل الاهواني – النظرية العامة للالتزام – مصادر الالتزام – الجزء الأول – الطبعة الثانية 1995 – صفحة 509 – فقرة 747 .
عبد الرازق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – مصادر الالتزام – العمل الضار والإثراء بلا سبب والقانون – المجلد الثاني – الطبعة الثالثة – دار النهضة العربية 1981- صفحة 1203 وما بعدها .
[8] قضت محكمة النقض بأن ” القضاء للمدعي بالحق المدني أمام محكمة الجنح بتعويض مؤقت عن الضرر الذي أصابه لا يحول بينة وبين المطالبة بتكملة التعويض أمام المحكمة المدنية لأنه لا يكون قد استنفذ كل ما له حق أمام محكمة الجنح، ذلك أن موضوع الدعوي أمام المحكمة المدنية ليس هو ذات موضوع الدعوي الأولي بل هو تكملة له – نقض مدني 23/ 5 / 1978 , الطعن رقم 870 , لسنة 45 ق .
[9] دكتور عاطف عبد الحميد حسن – المسؤولية وفيروس مرض الإيدز – دار النهضة العربية – طبعة 1998 – صفحة 167
[10] حسام الدين كأمل الاهواني – النظرية العامة للالتزام – مصادر الالتزام – الجزء الأول – الطبعة الثانية 1995 – ص 517
[11] نقض مدني 20 / 2 / 1994 , الطعن رقم 3100 , لسنة 58 ق – منشور في سعيد أحمد شعلة – قضاء النقض المدني – ص 248
[12] عاطف عبد الحميد حسن ، المسؤولية وفيروس مرض الإيدز – دار النهضة العربية – طبعة – 1998 – ص 157 .
[13] محمد أبو زيد، بعض المشكلات القانونية الناتجة عن مرض فقد المناعة المكتسبة، الإيدز – جامعه الكويت – طبعه عام 1995 – ص 110
[14] نقض مدني 16 / 4 / 1992 , الطعن رقم 1666, لسنة 56 ق
[15] نقض مدني 22 / 2 / 1994 – الطعن رقم 3517 – لسنة 52 ق
[16] دكتور عاطف عبد الحميد حسن – المسؤولية وفيروس مرض الإيدز – دار النهضة العربية – طبعة 1998 – صفحة 173
[17] حسام الدين كأمل الاهواني – النظرية العامة للالتزام – مصادر الالتزام – الجزء الأول – الطبعة الثانية 1995 – ص 527 .
سليمان مرقص – الوافي في شرح القانون المدني – في الالتزامات – في الفعل الضار والمسؤولية المدنية – المجلد الثاني – الطبعة الخامسة – 1988 – ص 149 – فقرة 64
[18] حسام الدين كأمل الاهواني – النظرية العامة للالتزام – مصادر الالتزام – المرجع السابق – ص 529 .
[19] نقض مدني15 / 3 / 1990 , الطعن رقم 308 – لسنة 58 ق
[20]عبد الرازق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – مصادر الالتزام – مرجع سابق – ص 1029 .
[21] محكمة مصر الابتدائية الوطنية – 14 / 3 / 1949 – المحاماة – لسنة 29 – ص 202 – رقم 117 .
[22] إبراهيم الدسوقي أبو الليل – تعويض الضرر في المسؤولية المدنية – دراسة تحليلية تأصيلية لتقدير التعويض – مطبوعات جامعه الكويت – 1995 – ص 138 – فقرة 84 .
[23] تنص المادة 222 فقرة أولي من القانون المدني علي أن ” يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضا، ولكن لا يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلي الغير إلا إذا تحدد بمقتضي اتفاق، أو طالب الدائن به أمام القضاء .
[24] نقض مدني 1 / 4 / 1981 – الطعن رقم 703 – لسنة 43 ق .
[25] نقض مدني 30 / 4 / 1994 – الطعن رقم 3635 – لسنة 59 ق .
[26] نقض مدني 24 / 3 / 1994 – الطعن رقم 273 – لسنة 60 ق .
[27] حسام الدين كأمل الاهواني، النظرية العامة للالتزام – مصادر الالتزام – مرجع سابق – صفحة 531 فقرة 773 .
[28] دكتور عاطف عبد الحميد حسن – المسؤولية وفيروس مرض الإيدز – دار النهضة العربية – طبعة 1998 – صفحة 182
[29] نقض مدني 22 / 3 / 1977 – الطعن رقم 352 – لسنة 41 ق، النقض المدني في 28 / 4 / 1983 – الطعن رقم 1380 لسنة 52 ق .
[30] Toulouse , 16 juill, 1992 ,op,cit
[31] عبد الرازق السنهوري – الوسيط – مصادر الالتزام – المجلد الثاني المرجع السابق – ص 1220 – فقرة 581 ز
سليمان مرقص، الوافي، في الالتزامات، في الفعل الضار – مرجع سابق – ص 455 , عبد الرشيد مأمون، علاقة السببية في المسئولية المدنية – دار النهضة العربية
[32] نقض مدني رقم 98 في 12 / 12 / 1959 – مجموعه أحكام النقض لسنة 10 ق – ص 651 , نقض مدني رقم 220 في 28 / 11 / 1969 – مجموعه أحكام النقض لسنة 19 ق – ص 1448 .
[33] عبد الرازق السنهوري – الوسيط – نظرية الالتزام – مصادر الالتزام – الجزء الثاني – المجلد الثاني – المرجع السابق – ص 1264 – فقرة 606
سليمان مرقص – الوافي – الالتزامات – الفعل الضار والمسئولية المدنية – المرجع السابق – ص 464 .
[34] دكتور عاطف عبد الحميد حسن – المسؤولية وفيروس مرض الإيدز – دار النهضة العربية – طبعة 1998 – صفحة 190 .
[35] Versailles ,30 mars – 1989 , j.c.p.1990 ,2,21505,obs,dorsner-dolivet ( a ).
[36] دكتور عاطف عبد الحميد حسن – المرجع السابق – ص 191 .
[37] Le chirurgien est. donc entierement responsaible due deces de la victime et de ses consequences .
[38] حيث قضت بوجوب أن يكون الخطأ من الأسباب المنتجة و المؤثرة في أحداث الضرر وليس سببا عارضا ، نقض مدني 30 من يونيو م عام 1965 – مجموعه المكتب الفني – س 16 رقم 137 ص 870 .
[39] السنهوري- مرجع سابق – رقم 606 ص 761 .
[40][40] محكمه الاستئناف المخاط في أول ديسمبر من عام 1927 – مجله التشريع المختلط س 40 – ص 55 .
[41] عبد الرازق السنهوري – الوسيط – نظرية الالتزام – مصادر الالتزام – الجزء الثاني – المجلد الثاني – المرجع السابق – ص 1264 – فقرة 605 وما بعدها .
[42] محمد أبو زيد، بعض المشكلات القانونية الناتجة عن مرض فقد المناعة المكتسبة، مرجع سابق – ص 62 .
[43] Bobigny ,19 dec . 1991 , gaz. Pal. 1991 . p233
[44] Lambert – Faivre ( y) : De la poursuit a la contribution,art.precite .
إعداد : المحامي الدكتور عمرو دبش