حكم التحكيم الإلكتروني

حكم التحكيم الإلكتروني

للتحكيم الإلكتروني عديد المزايا التي تجعله مفضلًا على اللجوء للمحاكم الوطنية وحتى التحكيم التجاري التقليدي، ومن أهم هذه المزايا سرعة الفصل في المنازعات والسرية وقلة النفقات والاستعانة بمحكمين أكثر خبرة وحيدة. وفي هذا المقال سنبين حكم التحكيم الإلكتروني، تعريفه وتكييفه وخصائصه وكيفية صدوره ، والقوة التنفيذية لحكم التحكيم الإلكتروني، قوة حكم التحكيم الإلكتروني ومدى إلزاميته.

التحكيم يُعتبر بمثابة نظام خاص للفصل في النزاعات بين الأفراد والجماعات سواء أكانت مدنية أو تجارية عقدية كانت أو غير عقدية،  فقوام التحكيم هو الخروج على طرق التقاضي العادية ، فالتحكيم يعتمد على أن أطراف النزاع هم أنفسهم من يختارون قضائهم بدلًا من الاعتماد على التنظيم القضائي للدولة التي يقيمون بها ويطلق عليها ” هيئة التحكيم “، وتتكون من محكم واحد أو أكثر حسبما يتفق الأطراف بمشارطة التحكيم أو في الوثيقة المنظمة للعلاقة التي يتناولها التحكيم.

جدول المحتويات 

تعريف حكم التحكيم الإلكتروني :

خصائص حكم التحكيم الإلكتروني :

التكييف القانوني لحُكم التحكيم :

صدور حكم التحكيم الإلكتروني :

أنواع قوة حكم التحكيم الإلكتروني :

شرح شروط صحة حكم التحكيم الإلكتروني :

وسوف نتناول في مقالنا تعريف حكم التحكيم الإلكتروني، وخصائص حكم التحكيم الإلكتروني، وتكييف حكم التحكيم الإلكتروني، وصدور حكم التحكيم الإلكتروني، وأنواع قوة حكم التحكيم الإلكتروني.

تعريف حكم التحكيم الإلكتروني :

التحكيم الإلكتروني يُمكن تعريفه بأنه عبارة عن أسلوب اتفاقي على إخضاع المنازعة التي نشأت أو ستنشأ مستقبلًا من علاقات تجارية الكترونية أو عادية إلى التحكيم بإجراءات الكترونية.

فحكم التحكيم هو القرار النهائي التي تقوم هيئة التحكيم بإصداره في موضوع النزاع، بغض النظر أكان هذا القرار شاملًا لكل النزاع أو لجزء من النزاع، وبغض النظر أقبلت هيئة التحكيم طلبات أي من الطرفين كلها أو رفضتها كلها، أو قبلت جزء منها أو رفضت الآخر.

ويتميز التحكيم الإلكتروني بأنه يتم في عالم افتراضي لا وجود فيه لأدوات الكتابة التقليدية والورق، إضافة إلى أنه لا داعي للحضور المادي لأطراف النزاع أو أعضاء هيئة التحكيم في مكان محدد، وبالإضافة إلى ما تقدم فحكم التحكيم يُصدر بشكل الكتروني ومذيل بتوقيع الكتروني ويُرسل إلى الأطراف جاهزًا باستخدام وسائل الاتصال الإلكترونية، وخصوصًا البريد الإلكتروني، وبرامج التواصل المرئي.

خصائص حكم التحكيم الإلكتروني :

يتميز حكم التحكيم الإلكتروني بعديد الخصائص منها ما يلي :

حُكم التحكيم الإلكتروني يتم في عالم افتراضي:

أي أنه عالم لا وجود فيه للورق والكتابة التقليدية، وهو الأمر الذي لا يستدعي الحضور المادي لأطراف النزاع أو أعضاء هيئة التحكيم في مكان معين، وبالإضافة إلى ما تقدم فإن حكم التحكيم الإلكتروني يصدر بشكل الكتروني ويُرسل الى الأطراف جاهزًا باستخدام وسائل الاتصال الإلكترونية المختلفة.

السرعة في فصل النزاع :

ويتميز التحكيم الإلكتروني بالسرعة الكبيرة في حسم النزاع وتلك هي أهم ما يميز التحكيم الإلكتروني، وهي ميزة تفوق كثيرًا التحكيم التقليدي والذي يكون بحاجة إلى مدة أطول بكثير مما يتطلبه هذا التحكيم، والسبب في تلك السرعة أو تلك الميزة لأنه لا يلزم في التحكيم الإلكتروني أن ينتقل أطراف النزاع للحضور المادي أمام المحكمين، بل أن سمع المتخاصمين وشهودهم لا مشكلة في أن يتم عبر وسائل الاتصال الإلكترونية.

كما أن التحكيم الإلكتروني يتيح تبادل المستندات والأدلة فيما بين أطراف خصومة التحكيم في نفس التوقيت عبر البريد الإلكتروني أو عبر أية وسيلة الكترونية أخرى يتفق عليها، أما بالنسبة للتحكيم التقليدي فالأمر خلاف ذلك إذ يتطلب حضور الأطراف أنفسهم أو وكلاء يمثلونهم .

السرية العالية لعملية التحكيم :

السرية ميزة تتمتع بها جميع أنواع التحكيم ويتعين احترامها في كافة المراحل التي يمر بها التحكيم، فعدم العلانية هو الأصل في أي تحكيم، لكيلا يؤدي لإلحاق الضرر بسمعة الأطراف المحتكمين ونشاطاتهم.

بيد أن السرية التي يقوم التحكيم الإلكتروني بكفالتها تظهر أكثر أهمية في مجال العلاقات التجارية الدولية التي يتم إبرامها بطريقة الكترونية، ذلك استغلالًا لسرعة الاتصالات الإلكترونية الهائلة، وبالتالي فإن انتشار الأخبار التي تنطوي على أسرار صناعية، أو تجارية، أو مالية، أو اقتصادية سيتم فضحها بسرعة غير متوقعة.

ضآلة نفقات التحكيم :

التحكيم الإلكتروني يٌساهم في خفض وتقليل النفقات، وذلك لكونه لا يستلزم سداد نفقات انتقال وإقامة ولا حتى استقرار المحكمة بمكان محدد، مما يجعله أكثر ملائمة للمنازعات التي تقوم عقود التجارة الإلكترونية بإفرازها، والتي تكون غالبًا ذات قيمة متواضعة.

ومما لا شك فيه أن استخدام تكنولوجيا الاتصال السمعي والبصري الحديثة عبر برامج وتطبيقات الاتصال الإلكترونية في عقد جلسات التحكيم على الخط المباشر للأطراف وللخبراء يُساهم كذلك في تجنب نفقات السفر والانتقال التي قد تكون باهظة أو مكلفة.

يتولى التحكيم أشخاص أكثر حيده وخبره :

التحكيم الإلكتروني يتولاه أشخاص أكثر حيده وخبره حيث إنه في الغالب تجرى عملية اختيار المُحكم في التحكيم الإلكتروني بدون وساطة أو معرفة مسبقة بأطراف النزاع، وبالتالي فإن المحكمين فيه يتمتعون بقدر كبير من الحيدة والاستقلالية تجاه الطرفين، ومن جانب آخر فإنه يستلزم حل المنازعات التي تنشأ عن إبرام وتنفيذ العقود الإلكترونية أشخاص لديهم خبرة هذا المجال وهي خبرات قلما تتوافر في القاضي أو المحكم الوطني.

التكييف القانوني لحُكم التحكيم :

الطبيعة القانونية لحُكم التحكيم هي محل خلاف فقهي والسبب في ذلك يرجع إلى أربع نظريات حول مفهوم حكم التحكيم الإلكتروني التي استند إليها الفقه في هذا الخصوص.

الأولى : النظرية العقدية :

ويرى أصحاب النظرية العقدية أن حُكم التحكيم ذو طبيعة عقدية وذلك استنادًا إلى إرادة أطراف النزاع التي تُعتبر مصدر سلطة هيئة التحكيم، فإرادة الأطراف هي التي تحدد الإجراءات التي يستلزم اتباعها  من قبل هذه الهيئة عند قيامها بالفصل في النزاع، والحكم الذي سيصدر عن تلك الهيئة والمنهي لهذا النزاع يكون ملزمًا لأطراف العلاقة العقدية لأنه أثر من آثار اتفاق التحكيم، فعندما يُبرم الأطراف هذا الاتفاق فإنهم يلتزمون بكافة الآثار التي تترتب عليه بما في ذلك تنفيذ حكم التحكيم، فالاتفاق هو الأساس التي يُحدد الطبيعة القانونية لنظام التحكيم وما يصدر عنه من أحكام.

الثانية : النظرية القضائية :

ويرى أصحاب تلك النظرية أن حكم التحكيم ذو طبيعة قضائية وذلك استنادًا إلى الوظيفة ذاتها التي يقوم بها القاضي، والحكم الذي تصدره هذه الهيئة يعد حكمًا له طبيعة الحكم القضائي، فهو يتشابه مع هذا الحكم في عديد الأمور سواء من حيث الإجراءات التي يصدر بناء عليها، أو الشروط الواجب مراعاتها عند إصداره، أو الأثار التي تترتب عليه.

بيد أن الفارق بين القاضي والمحكم أن الأول قاضي عام يحقق عدالة عامة، والثاني قاضي خاص يحقق عدالة خاصة، وهذا يستلزم ألا يتمتع القاضي الخاص بكامل سلطات القاضي العام.

الثالثة : النظرية المختلطة :

والنظرية المختلطة تجمع بين النظريتين السابقتين ويرى أنصارها أن نظام التحكيم يحتل مركزًا وسطًا بين العقد والقضاء، فهو عبارة عن نظام مختلط يبدأ بعقد وينتهي بقضاء ألا وهو حكم التحكيم، وتتطلب طبيعة هذا النظام تطبيقًا مشتركًا لقواعد العقد وكذلك قواعد الحكم القضائي.

الرابعة : النظرية الخاصة أو المستقلة :

وترى تلك النظرية أن حكم التحكيم ذو طبيعة خاصة تتطلب أن يُنظر إليه نظرة مستقلة عن العقد والقضاء، بحيث لا يُمكن تحديد طبيعته القانونية بأي منهما أي العقد والقضاء أو كليهما، وهذا الجدل انعكس على موقف كلًا من القضاء الأردني والمصري وذلك بسبب غياب النص القانوني الذي يحدد هذه الطبيعة.

وحكم التحكيم الفاصل في النزاع يرتب آثارًا قانونية على عاتق هيئة التحكيم التي قامت بإصداره، وذلك كالتزامها بتسليم الخصوم هذا الحكم حتى يتمكنوا من ممارسة الحقوق التي خولها القانون لهم، واستنفاذ ولايتها الذي يؤدي إلى امتناعها عن إعادة النظر في المسألة التي فصلت فيها بحكم قطعي.

صدور حكم التحكيم الإلكتروني :

حتى يُصدر حكم التحكيم الإلكتروني فإنه يُشترط كتابته، وأن يكون موقعًا عليه كذلك من هيئة التحكيم ” التوقيع الإلكتروني ” ، كما يتعين أن يكون موثقًا استنادًا لكون توثيق التحكيم الإلكتروني يعد أفضل ضمانه كفلها القانون الأردني والقانون المصري وكثير من التشريعات العربية والدولية.

والاتفاقيات الدولية وقوانين التحكيم تفترض على المحكمين أن يصدروا حكم التحكيم مكتوبًا وموقعًا منهم، كما يجب أن يرفق طلب إكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ أصل الحكم أو صورة مصدقة عنه، إذ أنه بغير ذلك لن يستطيع المحكوم له تنفيذ الحكم جبرًا.

والجدير بالذكر أنه في التحكيم الإلكتروني من الصعب الحصول على نسخة أصلية من حكم التحكيم، فلا يوجد ما يسمى بأصل الحكم وصورة مصدقة عنه.

 من الممكن التحقق من صحة حكم التحكيم الإلكتروني والتأكد من كافة هذه الأمور باستخدام تقنيات الحماية والتشفير أو ربما الاعتماد على طرف ثالث موثوق به يُصادق على تواقيع المحكمين الإلكترونية ويشهد بأن التواقيع تعود للمحكمين ذاتهم.

وحكم التحكيم الإلكتروني لن يقبل أن ينفذ في دولة ما قبل أن تقوم تلك الدولة بإصدار قوانين خاصة بالتجارة الإلكترونية تُعطي الكتابة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني نفس القيمة التي تعطيها الكتابة العادية والتوقيع التقليدي.

والمادتين (41) و (42) من قانون التحكيم الأردني تطلبت أن يكون الحكم مكتوبًا ، أو أن يصدر بالإجماع أو بأكثرية الآراء .

ويجب أن يتضمن الحكم أسماء أعضاء هيئة التحكيم، وتسبيب الحكم وصورة من اتفاق التحكيم، وأسماء الخصوم وعناوينهم وصفاتهم وجنسياتهم، وملخص طلبات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وتاريخ ومكان إصداره وتوقيع المحكمين عليه، وتعد هذه الشروط هي الحد الأدنى التي يجب أن تتوافر في حكم التحكيم.

أنواع قوة حكم التحكيم الإلكتروني :

يميز الفقه الحديث بين ثلاثة أنواع للقوة التي يحوزها حكم التحكيم، أهمها القوة التنفيذية والقوة الملزمة للتحكيم الإلكتروني.

القوة التنفيذية لحكم التحكيم الإلكتروني :

يُقصد بالقوة التنفيذية لحكم التحكيم أي ما للأحكام الصادرة من المحكمين من قوة بالنسبة للتنفيذ، ومؤدى ذلك أن هذه القوة لا تستغرق كل قوة حكم التحكيم، وإنما تتناول فقط قوته بالنسبة للتنفيذ، أي قوته بالنسبة للتنفيذ الجبري، بمعنى آخر أثره التنفيذي أو أثره في مجال التنفيذ الجبري.

والقوة التنفيذية لحكم التحكيم ليس مقصودًا بها قوة حكم التحكيم الملزمة، ولا أيضًا قوته فيما يتعلق بالإثبات أمام القضاء، أي قوته الإقناعية، وهي لا تُعد حكرًا على حكم التحكيم، وحكم التحكيم بمفرده ليس كافيًا لترتيب هذا الأثر التنفيذي، بسبب أن فكرة الأثر التنفيذي أي السند الذي له قوه تنفيذية تُعتبر أوسع نطاقًا من فكرة السند التحكيمي التنفيذي، بل أن هذه الفكرة الأخيرة أوسع نطاقًا من فكرة حكم التحكيم بالنظر إليه باعتباره سندًا تحكيميًا والذي لا يكون تنفيذيًا إلا بعد صدور أمر بتنفيذه ووضع الصيغة التنفيذية على صورته وتوقيعها وختمها بخاتم المحكمة.

القوة الملزمة لحكم التحكيم :

يُعد حكم التحكيم عملًا قانونيًا وبالتالي تكون له قوة ملزمة، وبما أنه يُعتبر عملًا إجرائيا فبالتالي يكون له القوة الملزمة بمعناها الإجرائي وخصوصًا معنى الحجية.

ويرى البعض أن الحجية تعني القوة الملزمة للحكم القضائي، بينما يرى آخرون أن القطعية في الحكم تعني قوة الحكم المانعة من العدول عنه أو التعديل فيه من جانب من قام بإصداره.

وبحسب نص القانون فإن حجية حكم التحكيم هو أمر مقرر، وهذه الحجية تُعتبر تطبيقًا خاصًا من  تطبيقات مبدأ حجية الحكم الإجرائي منذ صدوره، مما يعني أن حجية حكم التحكيم لا تتوقف على  استصدار أمر بتنفيذه أو بإيداعه، مما يعني أنه لا يوجد تلازم بين حجية حكم التحكيم وقوته التنفيذية، باعتبار أن القوة الملزمة لحكم التحكيم – أي حجيته – لا يعد أساس قوته التنفيذية، وهو الأمر الذي ذهب إليه البعض كاتجاه في الفقه الحديث، بحيث رفض هذا الاتجاه اعتبار القوة الملزمة أساس القوة التنفيذية للمحرر الموثق، واستندوا في ذلك بالقول أنه لا وجود لتلازم بين القوتين.

من غير الضروري أن يكون لحكم التحكيم حجية الحكم القضائي أي حجية الأمر المقضي به، خصوصًا إذا كانت القاعدة هي أن حجية الأمر القضائي تحظر خضوعه لنظام دعوى البطلان، بينما القاعدة العامة أن حجية حكم التحكيم لا تحظر خضوعه لنظام دعوى البطلان.

شروط صحة حكم التحكيم الإلكتروني

يترك الأطراف التقاضي ويلجئون للتحكيم بهدف الحصول على حكم حاسم له حجية الأمر المقضي به يقطع الخصومة وينهي أمد النزاع، فمثل ما للحكم القضائي من قوة في الفصل، فإن حكم التحكيم ينطبق عليه نفس الأمر ولو كان حكمًا الكترونيًا.

ولكن باستقراء نص المادة (41) من قانون التحكيم الأردني، ونص المادة (43) من قانون التحكيم المصري، والمادة (21) من قانون التحكيم التجاري الدولي، نجد أن الأمر مرهون بشروط، سنبينها فيما مقالنا بالشرح بعد ذكر نصوص المواد السابقة.

شروط صحة حكم التحكيم الإلكتروني في نصوص قانون التحكيم الأردني والمصري وقانون التحكيم التجاري الدولي:

نصت المادة (41) من قانون التحكيم الأردني على الآتي: ” أ . يتم تدوين حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكمون ، وفي حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من محكم يكتفي بتوقيع اغلبيه المحكمين بشرط ان تثبت في الحكم أسباب عدم توقيع الأقلية .

ب- يجب أن يكون حكم التحكيم مسبباً “.

ونصت المادة (43) من قانون التحكيم المصري على الآتي : ” 1- يصدر حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكمون وفي حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من محكم يكتفي بتوقيعات أغلبية المحكمين بشرط أن يثبت في الحكم أسباب عدم توقيع الأقلية. 2- يجب أن يكون حكم التحكيم مسببًا إلا إذا اتفق طرفا التحكيم على غير ذلك أو كان القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم لا يشترط ذكر أسباب الحكم”

ونصت المادة (21) من قانون التحكيم التجاري الدولي على أنه : ” أ- يصدر حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكم أو المحكمين وفي إجراءات التحكيم التي يشترك فيها أكثر من محكم واحد يكفي أن توقعه الأغلبية أو جميع أعضاء هيئة التحكيم شريطة بيان سبب غياب أي توقيع .

ب- يبين في حكم التحكيم الأسباب التي بني عليها الحكم مالم يكن الطرفان قد اتفقا على عدم بيان الأسباب أو مالم يكن القرار قد صدر بشروط متفق عليها بمقتضى المادة (30).

ج- يجب أن يبين الحكم تاريخ صدوره ومكان التحكيم المحدد وفق الفقرة الأولى من المادة الثانية ويعتبر حكم التحكيم صادر في ذلك المكان.

شرح شروط صحة حكم التحكيم الإلكتروني :

باستقراء النصوص سالفة الذكر يتضح لنا أن القانون اشترط في حكم التحكيم عديد الشروط سنتناولها فيما يلي :

أولًا: شرط الكتابة

الكتابة من الشروط الجوهرية لقيام الحكم، بحيث أن تخلف الكتابة سيؤثر على مضمون الحكم، فالقانون لا يعرف حكم تحكيم شفوي، وقد ساوت عديد التشريعات بين الكتابة العادية والكتابة الإلكترونية.

فمن الخطأ أن يكون جزء من العقد مكتوب والجزء الآخر مسجلًا برسالة صوتية على سبيل المثال، وذلك لأن الحكم مرتبط بعضه ببعض، والكل لا يتجزأ.

ونجد أن القانون المصري قد أعطى الكتابة الإلكترونية ذات الحجية المقررة للكتابة العادية، بحيث نصت المادة (15) من قانون التوقيع الإلكتروني المصري رقم (15) لسنة 2004 على الآتي : ” للكتابة الإلكترونية وللمحررات الإلكترونية في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفق الضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

وفيما يتعلق بحجية الكتابة الإلكترونية ومدى مساواتها بالكتابة العادية في القانون الأردني، فنجد أن قانون المعاملات الأردني رقم (15) لسنة 2015 في مادته رقم (7) قد نص على الآتي : ” يعتبر السجل الإلكتروني والرسالة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني منتجًا للآثار القانونية ذاتها المترتبة على الوثائق والمستندات الخطية والتوقيع الخطي بموجب أحكام التشريعات النافذة من حيث التزامها لأطرافها أو صلاحيتها في الإثبات” . مما يعني أن القانون الأردني قد ساوى بين الكتابة العادية والكتابة الإلكترونية من حيث حجية الإثبات.

وأخيرًا نجد أن المادة (2/2) من اتفاقية نيويورك المتعلقة بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها قد ساوت بين الكتابة الإلكترونية والكتابة العادية.

ثانيًا: شرط التوقيع

وهو من الشروط الضرورية والبديهية ومن غيره لا يُمكن أن ينتج الحُكم آثاره القانونية، فيتعين أن حكم التحكيم موقعًا من المحكمين بالتوقيع الإلكتروني، والتوقيع هنا يعني نسبة ما ورد في المحرر لأطرافه، ومعظم التشريعات منحت التوقيع الإلكتروني نفس حجية التوقيع العادي.

هذا وتنص المادة (31) من قانون اليونسترال النموذجي على أنه ” يصدر قرار التحكيم كتابة ويوقعه المحكم أو المحكمون ويكفي في إجراءات التحكيم التي يشترك فيها أكثر من محكم أن توقعه أغلبية أعضاء هيئة التحكيم شريطة بيان سبب غياب أي توقيع”. هذا ورغم الاعتراف الواسع التي حظيت به الكتابة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني في الكثير من التشريعات إلا أنه يتوجب إفراغ المحررات الإلكترونية في صور ورقية لتأييد الحكم والمصادقة عليه وتنفيذه أمام المحاكم العادية لأن المحاكم وإن كانت تعترف بالوثائق الإلكترونية إلا أنها لا تتعامل بها.(1)

ثالثُا: شرط التسبيب

وجب أن يصدر حكم التحكيم مسببًا، وذلك كما الأحكام القضائية، والمقصود بتسبيب الحكم أي بيان كافة الحجج والأدلة القانونية والواقعية التي استند عليها المحكم عند إصداره لحكمه، وإلا كان الحكم معرضًا للبطلان، فإن غابت المنطقية عن الحكم، أو كانت الأسباب متناقضة مع الحكم فهذا يجعل الحكم قابلًا للإبطال.

وقد أكدت الفقرة (ب) من المادة (41) من قانون التحكيم الأردني على وجوب تسبيب الحكم حيث نصت على الآتي : ” يجب أن يكون حكم التحكيم مسببًا “.

ونجد أيضًا أن المادة (32) من قانون اليونسترال للتحكيم أوجبت تسبيب الحكم إلا في حال اتفاق الأطراف على عدم تسبيبه، وذلك بنصها على الآتي : ” يجب أن تسبب هيئة التحكيم القرار مالم يكن اتفق الطرفان على عدم تسبيبه “.

وفيما يتعلق بأهمية شرط تسبيب الحكم وتأثيره في صحة أو بطلان حكم التحكيم فقد قضت محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية في حكمها رقم 6878 لسنة 2018 بالآتي : ” وفي ذلك نجد من مراجعة أوراق الدعوى أن المحكم لم يتبع الإجراءات الواجب اتباعها في إجراءات التحكيم سواء من حيث بسط الخصوم لطلباتهم وبيناتهم ودفوعهم كما لم يراعِ حضور الخصوم أو إخطارهم بمواعيد الجلسات والاجتماعات ولم تدون وقائع كل جلسة يعقدها المحكم خلافاً لما تقضي به المادة (32) من قانون التحكيم رقم 31 لسنة 2001 وتعديلاته فجاء حكم التحكيم غير مسبب خلافاً لأحكام المادة (41) من قانون التحكيم المذكور ومن ثم فإن حكم التحكيم والحالة هذه يغدو باطلاً على مقتضى المادة (49/3و7) من القانون ذاته”.

رابعًا : شرط التبليغ

بالرجوع للمادة (42) من قانون التحكيم الأردني نجد أنها نصت على الآتي : ” أ . تسلم هيئة التحكيم الى كل من الطرفين صورة عن حكم التحكيم خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره. ب. ولا يجوز نشر حكم التحكيم أو نشر أجزاء منه الا بموافقة طرفي التحكيم “.

فمن الضروري تبليغ طرفي المنازعة بحكم التحكيم الصادر عن هيئة التحكيم، كما يتم تبليغ الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم.

هذا وعلم الأطراف بصدور الحكم يتضح من تاريخ قبولهم للحكم كتاريخ طلبات التفسير وتقديم طلبات التصحيح، وتاريخ طلب الطعن بالبطلان، فإمكانية تقديم مثل هذه الطلبات هي السبب الذي من أجله تحدد بوضوح الطريقة التي يتم من خلالها إبلاغ الحكم في النصوص الخاصة بالتحكيم الدولي. (2)

أما فيما يتعلق بالحكم الإلكتروني فمن المهم أن ينشر الحكم على موقع المؤسسة أو القضية، ولكن على اشتراط ألا يخالف السرية، وهذا أمر أكدت عليه المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وقواعد الأنترنت (سيبرتريبونال)، ولائحة المحكمة الإلكترونية.

وفيما يتعلق بأهمية التبليغ وتأثيره في صحة أو بطلان الحكم التحكيمي فقد قضت محكمة التمييز في حكمها رقم 3238 لسنة 2020 بصفتها الحقوقية ما يلي : ” أجازت المادة (49/أ/3) من قانون التحكيم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم إذا تعذر على أي من طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم تبليغه تبليغاً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته ، وحيث أن المستدعي لم يتبلغ أي من إخطار تعيين المحكم من قبل المدعى عليه ولا إخطار طلب تعيين المحكم المقدم لدى محكمة الاستئناف ولا إخطار بدء إجراءات التحكيم من قبل المحكم بصورة قانونية لكونها تمت جميعها على عنوان العمل ذاته الذي لم يثبت أنه يعود للمدعي بصورة قانونية مما أدى إلى حرمان المدعي من تقديم دفاعه وتغدو دعواه والحالة هذه موافقة لحكم المادة (49/أ/3) من قانون التحكيم ويتعين إعلان بطلان هذا الحكم ، ذلك أن ما جاء في مذكرة تبليغ المدعي للإخطار العدلي الموجه من المدعى عليه للمدعي بخصوص تعيين المحكم من شرح المحضر على لسان حارس العمارة بأن المدعي يتردد إلى المكتب باستمرار لا يعني بأن هذا العنوان هو مقر عمله على ضوء ما بيناه آنفاً. وحيث يترتب على بطلان الحكم التحكيمي بأكمله زواله مما يتعين معه والحالة هذه إلغاء قرار محكمة التمييز السابق رقم (6/ط/2020) الآمر بتنفيذ حكم التحكيم تبعاً لذلك”.

خامسًا : شرط الحفظ

يُقصد بحفظ الحكم الإلكتروني أي إيداع الحكم أو صورة موقعه منه في قلم المحكمة، وهو أمر متعارف عليه عند إيداع التحكيم العادي، أما فيما يتعلق بحكم التحكيم الإلكتروني فحفظ الحكم يكون على الموقع الإلكتروني للمؤسسة، ولكن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه في حال كان من الضروري إيداع نسخة من هذا الحكم في قلم المحكمة فإن الأمر يتطلب أن يُستصدر نسخة ورقية من الحكم، لأنه كما سبق القول إنه رغم اعتراف المحاكم بالأحكام الإلكترونية، ولكنها لا تتعامل معها إلا إن كانت بصورة ورقية.

……..

(1): بلال عبد المطلب بدوي، التحكيم الإلكترونية كوسيلة لتسوية منازعات التجارة الإلكترونية، ص 141

(2): حسام الدين ناصف، التحكيم الإلكتروني في منازعات التجارة الدولية، ص 64

error: Alert: Content is protected !!