مضمون التزام الكُفلاء المتضامنون

مضمون التزام الكُفلاء المتضامنون من حيث الأشخاص

تُعد الكفالة صورة من صور التأمينات الشخصية، التي تُعَد أحد الوسائل الائتمانية التي يلجأ إليها الدائن ليضمن الحصول على ماله من حق، حيث يُطلَب من المدين أن يأتي بكفيل تُضم ذمته المالية إلى ذمة المدين بحيث يستطيع الدائن أن يتقاضى حقه من أيهما، ومن ثم تنشأ علاقات قانونية بين كل من الدائن والكفيل وبين الكفيل والمدين، وفي هذا الصدد انتهج المشرع الأردني نهج الإمام أبي حنيفة النعمان الذي يرى أن الدائن له أن يُطالِب الكفيل بالدين مع بقاء هذا الدين في ذمة المدين. وفي مقالنا الحالي سنوضح بشيء من التفصيل الأحكام القانونية التي تتعلق بمضمون التزام الكُفلاء المتضامنون من حيث الأشخاص والتي تنطبق في العلاقات بين المدين والكفيل وبين الدائن والكفيل في ضوء التشريع الأردني والتشريع المصري مع الاستشهاد ببعض الأحكام القضائية الصادرة عن محكمة التمييز الأردنية ومحكمة النقض المصرية.

أولا: علاقة الكُفلاء المتضامنين بالدائن:

ثانيا: علاقة الكُفلاء المتضامنين بالمدين:

ثالثا: علاقة الكُفلاء فيما بينهم:

أولًا: علاقة الكُفلاء المتضامنين بالدائن:

ترتكز العلاقة بين الكفلاء المتضامنين والدائن على عنصرين جوهريين وهما:

  • أن للدائن الحق في أن يطالب الكفلاء المتضامنين بالدين.
  • الدفوع التي يتسنى للكفيل التمسك بها في مواجهة الدائن.

1- حق الدائن في مطالبة الكفيل المتضامن:

أ- متى يحق للدائن الرجوع على الكفيل؟

يحق للدائن أن يطالب الكفيل بالدين الذي يشغل ذمة المدين، ويحق له أن يُنفذ على أموال الكفيل ليحصل على حقه، إلا أن مطالبة الدائن للكفيل تتوقف على أن يكون الدين أصبح مستحق الداء، ومن ثم فإنه يجوز أن يكون الدين المكفول حال الداء بحيث يكون للدائن أن يطالب الكفيل فور انعقاد عقد الكفالة، أو يكون الدين مضاف إلى أجل وفي هذه الحالة لا يحق للدائن أن يُطالب الكفيل إلا بعد انقضاء هذا الأجل.

ولما كانت الكفالة من العقود التبعية فإنه يترتب على ذلك أن دين الكفيل لا يجوز أن يكون مستحق قبل دين المدين، مع ملاحظة أنه قد يكون دين الكفيل مستحق في وقت لاحق لاستحقاق دين المدين، كما لو كان عقد الكفالة معلق على شرط واقف وتأخر تحقق هذا الشرط إلى ما بعد استحقاق الدين، وفي هذه الحالة لا يجوز للمدين أن يرجع على الكفيل إلا بعد حلول الأجل الخاص بالكفيل حتى ولو أصبح الدين مستحق في ذمة المدين.

وجديرًا بالذكر – ونظرًا لصفة تبعية عقد الكفالة – فإن أي تعديل يطرأ على الالتزام الأصلي فإن الكفيل يستفيد منه، كما لو تم مد أجل استحقاق الدين، أما إذا كان التعديل من شأنه أن يسوئ من مركز المدين فإن ذلك لا يمس الكفيل الذي يظل متمتعاً بالمميزات التي حصل عليها لحظة قبوله كفالة المدين.

ولكن لما كان الدائن لا يستطيع الرجوع على الكفيل إلا بعد حلول أجل دين المدين، فهل يستطيع الرجوع على الكفيل فور سقوط الأجل الممنوح للمدين كما لو كان أشهر إفلاسه أو إعساره أو أضعف ما قدمه من تأمينات؟؟

لم تكن إجابة هذا التساؤل محل اتفاق بين الفقهاء، ولكن ذهب الرأي الراجح فقهًا – وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور/عبد الرزاق السنهوري – إلى أن سقوط الأجل الممنوح للمدين لا يترتب عليه إمكانية مطالبة الكفيل بالدين، حيث يظل الكفيل مُحصن بالأجل الأصلي الذي يحول دون مطالبته قبل حلول هذا الأجل، فالمدين لا يستطيع أن يسوئ مركز الكفيل.

وهذا ما تؤكده محكمة النقض المصرية في حكمها رقم ١٢٩٠٤ لسنة ٨٢ قضائية الصادر بجلسة 26/5/2016 والتي قضت فيه بالآتي: (إفلاس أحد الملتزمين لا أثر له على مركز الكفلاء المتضامنين معه ويترتب على ذلك أنه إذا سقط أجل الدين بالنسبة للمدين نتيجة شهر إفلاسه فلا يسقط بالنسبة لكفيله المتضامن كما إذا أوقف سريان الفوائد بالنسبة إليه نتيجة لذلك فلا تقف سريانها بالنسبة لكفيله أيضاً).

ب- ما هو حكم الكفالة المُؤجلة؟

يُجمع الفقه الإسلامي على جواز أن يكون الأجل الممنوح للكفيل أطول من الأجل الممنوح للمدين، وفي هذه الحالة يتعين على الدائن أن ينتظر انقضاء الأجل الممنوح للكفيل حتى يتسنى له مطالبته بالدين، وهذا ما أقره المشرع الأردني بنصه في المادة (670) من القانون المدني على أن: (إذا كفل أحدهم بالدين المعجل كفالة مؤجلة تأجل الدين على الكفيل والأصيل معاً إلا إذا أضاف الكفيل الأجل إلى نفسه أو اشترط الدائن الأجل للكفيل فإن الدين لا يتأجل على الأصيل).

ومن ثم يوضح المشرع الأردني أن القاعدة العامة هي أن يستفيد كل من المدين الأصلي والكفيل من تأجيل الدين مالم يشترط الكفيل أن تكون الاستفادة من تمديد الأجل قاصرة عليه وحده دون المدين.

ج- حق الدائن في الرجوع على المدين أو الكفيل المتضامن:

وفقا لما قضت به محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم 3061 لسنة 2011 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر فإنه: (يستفاد من المواد (966و967) من القانون المدني أنها خولت الدائن الرجوع على المدين وحده أو الكفيل وحده أو الرجوع على الاثنين معاً).

ومن ثم فإن مطالبة الدائن لأي من الكفيل أو المدين لا تسقط حقه في الرجوع على الآخر، وهذا ما تؤكده محكمة النقض المصرية في حكمها رقم ٩٥٢٩ لسنة ٨٧ قضائية والتي قضت فيه بأن: (إذا كان هناك اتفاق على أن يكون الكفيل متضامنًا مع المدين فمن حق الدائن الرجوع على الكفيل المتضامن بكل دينه قبل أن يرجع على المدين فالكفيل المتضامن مسئول عن كل الدين، والدائن بالخيار في المطالبة إن شاء طالب المدين وإن شاء طالب الكفيل وإن شاء رجع عليهما معًا ولا ينقضي الدين المكفول إلا بالوفاء).

ولا يفوتنا أن ننوه إلى أن الدائن لا يحق له الرجوع على كفيل الكفيل قبل الرجوع على الكفيل أولاً مالم يكن الكفيل متضامناً مع كفيل الكفيل، وهذا ما تؤكد عليه المادة (972) من القانون المدني الأردني والتي نصت على أن: (لا يجوز للدائن ان يرجع على كفيل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل ما لم يكن متضامناً معه).

2- رجوع الدائن في حالة تعدد الكُفلاء:

إذا تعدد الكفلاء الضامنين لذات الدين فإنه يتعين علينا أن نفرق بين فرضين:

الفرض الأول: إذا تعدد الكفلاء المتضامنون لذات الدين بعقود مختلفة يكون للدائن حينئذ أن يرجع على أياً منهم دون أن يكون لأحدهم أن يتمسك في مواجهة الدائن لا بالتجريد ولا بالتقسيم، وهذا ما تؤكده نص المادة (974) من القانون المدني الأردني التي نصت على أن: (إذا تعدد الكفلاء لدين واحد جازت مطالبة كل منهم بكل الدين الا إذا كفلوا جميعاً بعقد واحد ولم يشترط فيه تضامنهم فلا يطالب أحد منهم الا بقدر حصته).

وهذا ما تؤكده محكمة النقض المصرية في حكمها رقم ١١٨٩ لسنة ٨٣ قضائية والتي قضت فيه بأن :(أن حق الدائن في الرجوع على الكفلاء المتضامنين غير مقيد بأي قيد، وأن الكفيل المتضامن يعتبر بوجه عام في حكم المدين المتضامن من حيث جواز مطالبة الدائن له بكل الدين دون التزام بالرجوع أولاً على المدين الأصلي أو حتى مجرد اختصامه في دعواه بمطالبة ذلك الكفيل بكل الدين).

الفرض الثاني : إذا تعدد الكفلاء لذات الدين بعقد واحد فينقسم الدين عليهم حيث يكون كل كفيل ملتزم – فقط – بمقدار حصته في الدين.

ومن ثم فإن الدين ينقسم بين الكفلاء حال تعددهم بتوافر عدة شروط وهي:

أ- أن يكون الكُفلاء قد كفلوا دينا واحداً:

حيث لو تعددت الديون فلن يكون هناك سنداً للتقسيم، ومن ثم فلا ينقسم الدين بين الكفيل وكفيل الكفيل لأن الكفيل يضمن التزام المدين، أما كفيل الكفيل فيضمن التزام الكفيل.

ب- أن يكون الكُفلاء قد كفلوا مديناً واحداً:

حيث لو تعدد المدينين وقدم كل واحداً منهم كفيل فلا ينقسم الدين بينهم، حيث يكون كل كفيل ضامناً للدين كله حتى ولو كان بين المدينين تضامن.

ج- أن يكون الكُفلاء غير متضامنين:

فكل كفيل متضامن يضمن الدين بالكامل، ومن ثم حتى ينقسم الدين بين الكفلاء لابد أن ينتفي التضامن بينهم.

د- أن يكون الكُفلاء كفلوا الدين بعقد واحد:

فكفالة أكثر من كفيل لذات الدين بعقد واحد تعني أن كل واحداً منهم قد عول على الآخر عند قبوله لكفالة الدين لذلك انقسم الدين عليهم، أما إذا تعددت عقود الكفالة فيكون كل كفيل ملزم بكامل الدين.

ولكن ينبغي الإشارة إلى أن انقسام الدين بين الكُفلاء بعقد واحد لذات الدين لا يتعلق بالنظام العام، ومن ثم يمكن أن يُتفَق على عدم انقسام الدين على الكُفلاء غير المتضامنين الكافلين لذات الدين بعقد واحد.

3- التنفيذ على أموال الكفيل:

بادئ ذي بدء نشير إلى أن الكفيل المتضامن لا يحق له أن يتمسك بهذا الدفع، فهذا الدفع مقصور على الكفيل غير المتضامن مع المدين، ذلك أن التزام الكفيل غير المتضامن يعد التزام احتياطي لا يلُجئ إليه إلا في حالة تقاعس المدين عن تنفيذ التزامه.

أما المشرع الأردني فلم يخول الكفيل الحق في التمسك بهذا الدفع حيث إنه يضع الكفيل موضع المتضامن مع المدين وذلك بنصه في المادة (967) على أن: (للدائن مطالبة الأصيل أو الكفيل أو مطالبتهما معاً، على ان مطالبته لأحدهم لا تسقط حقه في مطالبة الباقين).

أما المشرع المصري ونظيره الفرنسي فقد منحا الكفيل الحق في التمسك بالدفع بالتجريد في مواجهة الدائن، وهذا ما أكده المشرع المصري بنصه في المادة (788) من القانون المدني على أن: (لا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل وحده إلا بعد رجوعه على المدين. ولا يجوز له أن ينفذ على أموال الكفيل إلا بعد تجريده المدين من أمواله، ويجب على الكفيل في هذه الحالة أن يتمسّك بهذا الحق).

ولكن حتى يكون للكفيل أن يتمسك بالتجريد فلابد من توافر عدة شروط:

أ- شروط الدفع بالتجريد:

انتفاء التضامن بين الكفيل والمدين:

فالكفيل المتضامن لا يحق له أن يدفع بتجريد المدين، حيث يكون ملتزم في مواجهة الدائن بكامل الدين حتى ولو لم يقم الدائن بالرجوع على المدين.

ألا يكون الكفيل قد تنازل عن هذا الحق صراحةً أو ضمناً:

فهذا الحق لا يعد متعلق بالنظام العام، ومن ثم يمكن أن يُتفَق على أن الكفيل قد تنازل عن حقه في الدفع بالتجريد، ويستشف هذا التنازل سواء من الاتفاق الصريح عليه أو التنازل الضمني عنه.

أن يتمسك الكفيل بحق التجريد في الوقت المناسب:

من مطالعة نصوص القانون المدني الفرنسي يتجلى لنا أن الكفيل يجب عليه أن يتمسك بهذا الدفع قبل عند الإجراءات الأولى للدعوى، بمعنى أن عليه أن يتمسك بالدفع بالتجريد قبل أن يتكلم في الموضوع وإلا اعتبر أنه قد تنازل عنه ضمناً.

أما عن القانون المصري فلم يحدد الوقت الذي يتعين فيه على الكفيل أن يتمسك بهذا الدفع، وذهب الرأي الراجح إلى أن الدفع بالتجريد يرتبط بمرحلة التنفيذ ومن ثم يحق للكفيل أن يتمسك بهذا الدفع عندما يشرع الدائن إلى التنفيذ على أمواله ويترتب على التمسك بهذا الدفع وقف إجراءات التنفيذ.

ومن الجدير ذكره – ووفقًا لما اتجه إليه غالبية الفقه – أنه ليس هناك ما يمنع من تمسك الكفيل بهذا الدفع أثناء مرحلة المطالبة القضائية، مع ملاحظة أن التمسك بهذا الدفع لا يحول دون استكمال دعوى المطالبة التي تقدم بها الدائن، حيث إن المحكمة ستحكم على الكفيل بالدين، ولكن سيتعين على الدائن أن يرجع أولاً على المدين حتى يتنسى له أن يرجع على الكفيل.

يجب على الكفيل أن يرشد الدائن إلى أموال للمدين تفي بالدين كله:

وفقا لنص المادة (789) من القانون المدني المصري فإنه: (إذا طلب الكفيل التجريد، وجب عليه أن يقوم على نفقته بإرشاد الدائن إلى أموال للمدين تفي بالدين كله. ولا عبرة بالأموال التي يدل عليها الكفيل، إذا كانت هذه الأموال تقع خارج الأراضي المصرية، أو كانت أموالاً متنازعاً فيها).

ومن ثم يتعين على الكفيل الذي يتمسك بتجريد المدين من أمواله أن يرشد الدائن إلى أموال المدين والتي يجب أن تكون كافية للوفاء بكامل الدين، أما إذا كانت تلك الأموال لا تكفي للوفاء بالدين كله فلا يكون هناك مجال لقبول مثل هذا الدفع لأنه لا يجوز إجبار الدائن على قبول الوفاء الجزئي.

وعلى العكس من ذلك نجد أن المشرع الفرنسي قد أكتفى بأن يكون للمدين أموالاً تقبل الحجز عليها حتى ولو لم تكن كافية للوفاء بكامل الدين.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدة حالات لا يجوز فيها للكفيل أن يتمسك بالدفع بالتجريد وهي:

  • لا يحق للكفيل العيني أن يتمسك في مواجهة الدائن بالدفع بالتجريد.
  • لا يجوز لكل من الكفيل القانوني أو القضائي التمسك بمثل هذا الدفع، ذلك أن المشرع وضعهم موضع المتضامن مع المدين وذلك بنص المشرع الأردني في المادة (976) على أن (تستلزم الكفالة بنص القانون أو بقضاء المحكمة عند أطلاقها تضامن الكفلاء).
  • طالما كان التضامن مفترض في العلاقات التجارية فلا يكون للكفيل التجاري الذي يضمن الأوراق التجارية أن يدفع بالتجريد في مواجهة الدائن.

ب- آثار الدفع بالتجريد:

يترتب على تمسك الكفيل بالدفع بالتجريد في مواجهة الدائن الآثار التالية:

  • وقف إجراءات التنفيذ على أموال الكفيل.
  • يلتزم الدائن بالتنفيذ على أموال المدين التي أرشده إليها الكفيل، ويتعين على الدائن أن يسرع في التنفيذ على تلك الأموال وإلا تحمل تبعة إعسار المدين، شريطة أن يكون تأخر الدائن راجع إلى خطأ منه.
  • لا يعد الدفع بالتجريد دفعا بعدم القبول، ومن ثم يحق للدائن أن يستمر في مطالبة الكفيل قضائيا على الرغم من تمسك الكفيل بهذا الدفع.

4- وفاء الكُفلاء المتضامنين للدائن:

تنص المادة (960) من القانون المدني الأردني على أن: (تشمل الكفالة ملحقات الدين ومصروفات المطالبة ما لم يتفق على غير ذلك)، ومن ثم يتعين على الكفيل أن يدفع للدائن ليس فقط أصل الدين، وإنما يلتزم بملحقاته التي تتمثل في الفوائد قانونية كانت أم اتفاقية، وكذلك التعويضات المستحقة جراء تأخر المدين عن سداد الدين والمصروفات التي تكبدها الدائن حتى يحصل على حقه.

وإذا كان مأتم ذكره يمثل القاعدة العامة فليس هناك ما يمنع على أن يكون الاتفاق على ألا يتحمل الكفيل سوى أصل الدين فقط، ذلك أن التزام الكفيل قد يكون أخف من التزام المدين، وهذا ما يؤكده المشرع المصري بنصه في المادة (780) على أن: (لا تجوز الكفالة في مبلغ أكبر مما هو مستحق على المدين، ولا بشرط أشد من شروط الدين المكفول. ولكن تجوز الكفالة في مبلغ أقل وبشروط أهون)، وكذلك فإن المشرع الأردني يؤكد ذات المعني بنصه في المادة (953) من القانون المدني على أن: (يصح ان تكون الكفالة منجزة أو مقيدة بشرط صحيح أو معلقة على شرط ملائم أو مضافة الى زمن مستقبل أو مؤقتة)، وتلك الحالة هي صورة للكفالة المقيدة.

5- الدفوع الخاصة ببطلان الالتزام الأصلي:

“إذا سقط الأصل سقط الفرع” تلك القاعدة تبين لنا أن الكفالة تبطل إذا بطل الالتزام الأصلي، فطالما كانت الكفالة عقداً تابعاً للالتزام الأصلي فإن كل ما يتأثر به الأخير تتأثر به الكفالة.

ومن ثم يكون للكفيل أن يتمسك بنوعين من الدفوع:

  • النوع الأول : وهي كافة الدفوع المستمدة من بطلان الالتزام الأصلي والتي يترتب عليها بطلان عقد الكفالة كما لو أُبطِل الالتزام الأصلي لمخالفته للنظام العام أو تخلف من ركن من أركانه.
  • أما النوع الثاني : فهي الدفوع الخاصة ببطلان عقد الكفالة ذاته والتي يترتب عليها بطلان عقد الكفالة مع بقاء الالتزام الأصلي صحيحاً، حيث إن الكفالة هي التي تتبع الالتزام الأصلي وليس العكس.

6- الدفوع الخاصة لانقضاء التزام المدين والكفيل:

الالتزام كقاعدة عامة – أياً كانت صورته – ينقضي بالوفاء أو الإبراء أو التجديد أو المقاصة أو التقادم أو اتحاد الذمة أو استحالة التنفيذ لسبب أجنبي، ومن ثم فإذا انقضي التزام المدين الأصلي لأي من هذه الأسباب يترتب على ذلك أن ينقضي التزام الكفيل، وهذا ما يؤكده المشرع الأردني بنصه في المادة (987) على أن: (تنتهي الكفالة بأداء الدين أو تسليم المكفول به وبإبراء الدائن للمدين أو كفيله من الدين)، وكذلك نص المادة (782/1) من التشريع المدني المصري والتي نصت على أن (يُبرّأ الكفيل بمجرد براءة المدين، وله أن يتمسّك بجميع الأوجه التي يحتّج بها المدين).

ولكن يلاحظ في هذا المقام أنه إذا كنا بصدد عدة مدينين متضامنين فإن انقضاء الدين لأحدهم لا يستتبع انقضاء الدين للباقين حيث تستنزل حصة المدين الذي انقضى التزامه من الدين، ويظل باقي الدين يثقل كاهل باقي المدينين، ويسري الأمر ذاته على الكفيل الذي يصبح التزامه مقتصر على ما تبقى من الدين.

وإذا أوفى الكفيل بالدين وباشر إجراءات الرجوع على باقي الكُفلاء المتضامنين ووجد أن أحدهم معسر فإنهم جميعاً يتحملون تبعة الإعسار بما فيهم الكفيل الذي وفى بالدين، وذلك وفقًا لنص المادة (439) من القانون المدني الأردني والتي نص على أن: (لمن قضى الدين من المدينين المتضامنين حق الرجوع على اي من الباقين بقدر حصته فان كان أحدهم معسراً تحمل مع الموسرين من المدينين المتضامنين تبعه هذا الإعسار دون أخلال بحقهم في الرجوع على المعسر عند ميسرته).

ثانيًا: علاقة الكُفلاء المتضامنين بالمدين:

نتعرض هنا للحالة التي يوفي فيها الكفيل بالدين فإنه يحق له الرجوع على المدين، وقد رسم له المشرع عدة طرق لمباشرة هذا الرجوع وهو ما سنبينه على النحو التالي:-

1- الرجوع بالدعوى الشخصية:

تنص المادة (985) من القانون المدني الأردني على أن: (للكفيل ان يرجع على المدين بما يؤديه من نفقات لتنفيذ مقتضى الكفالة)، وتنص المادة (800) من القانون المدني المصري على أن: (للكفيل الذي وفّى الدين أن يرجع على المدين سواءً كانت الكفالة قد عقدت بعلمه أو بغير علمه. ويرجع بأصل الدين وبالفوائد والمصروفات، على أنه في المصروفات لا يرجع إلا بالذي دفعه من وقت إخباره المدين الأصلي بالإجراءات التي اتخذت ضده. ويكون للكفيل الحق في الفوائد القانونية عن كل ما قام بدفعه ابتداءً من يوم الدفع).

ومن ثم فللكفيل الرجوع على المدين إذا أوفى عنه الدين شريطة أن تكون الكفالة قد تمت دون معارضة من المدين، وهذا ما يؤكده المشرع الأردني بنصه في المادة (979) على أن: (ليس للكفيل ان يرجع على الأصيل بشيء مما يؤديه عنه الا إذا كانت الكفالة بطلبه أو موافقته وقام الكفيل بأدائها).

فضلًا عن أنه يشترط لتمكن الكفيل من الرجوع على الدائن بالدعوى الشخصية أن يكون قد وفى بالدين بعد حلول الأجل، أما إذا كان وفاؤه قبل حلول أجل الدين فلا يحق له مباشرة هذا الرجوع، فإذا تم الوفاء في الأجل لأيهم بعد ذلك صورة هذا الوفاء.

وجديرًا بالذكر أنه يكفي أن يكون الكفيل قد أوفى وفاءً جزئياً ليتمكن من مباشرة الرجوع بمقتضي الدعوى الشخصية، ولكن عليه في كل الأحوال – أي على الكفيل – أن يخطر المدين قبل أن يوفي للدائن بالدين.

ولكن يبقى السؤال الآن؛ ما هو الأساس القانوني لهذه الدعوى؟؟

ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى تأسيس تلك الدعوى على دعوى الفضالة أو الوكالة، أما غالبية الفقه في مصر فيذهبون إلى أن الدعوى الشخصية هي دعوى مستقلة تسمى بدعوى الكفالة.

2- الرجوع بدعوى الحلول:

تنص المادة (309) من القانون المدني الأردني على أن: (من أوفى دين غيره بأمره كان له الرجوع على الآمر بما أداه عنه وقام مقام الدائن الأصلي في مطالبته به سواء اشترط الرجوع عليه ام لم يشترط)، وفي ذات الصدد تنص المادة (326/1) من القانون المدني المصري على أن: (إذا قام بالوفاء شخص غير المدين، حلّ الموفي محل الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال الآتية: (أ) إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه).

ومن ثم فمؤدى دعوى الحلول أن الكفيل الذي دفع الدين للدائن يحل محله لمطالبة المدين بهذا الدين شريطة أن يكون الكفيل قد أوفى بكامل الدين عند حلول أجله.

ويتجلى لنا جوهر دعوى الحلول من الحكم الصادر من محكمة بداية عمان رقم 2780 لسنة 2016 الصادر بتاريخ 16/3/2017 والتي قضت فيه بأن: (عقد الكفالة موضوع هذه الدعوى هو من العقود غير اللازمة حيث يكفي في انعقاده ونفاذه إيجاب الكفيل ما لم يردها المكفول له وأن يكون الكفيل أهلاً للتبرع حيث أنه ليس للكفيل أن يرجع على الأصيل بشيء مما يؤديه عنه إلا إذا كانت الكفالة بطلبه أو موافقته وقام الكفيل بأدائها على اعتبار أن الكفالة وحسب ما جاء في المادة (950) من القانون المدني هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بتنفيذ الالتزام وبالتالي فإن للكفيل حق الرجوع على المدين بموجب أحكام الكفالة من حيث حلول الكفيل محل الدائن قبل المدين وبالتالي حق الكفيل بالرجوع بدعوى الرجوع على المدين وما هذا إلا تطبيقاً لقواعد الوفاء مع الحلول باعتبار أن الكفيل يلتزم بضمان دين دون أن يكون صاحب مصلحة في هذا الدين فإذا ما قام بالوفاء به بدين لغيره يحق له الرجوع على صاحب المصلحة في هذا الدين وهو المدين بشرط قيام الكفيل بوفاء الدين عن المدين ووفاء الكفيل بالدين عند حلول اقله وحيث أن المدعي كفيل للمدعى عليه بدينه لدى البنك فان من حق الكفيل الرجوع باستيفاء دينه على المدعى عليه وحيث أثبتت الجهة المدعية دعواها فإنه تكون محقة بها).

وفي ذات الصدد تقضي محكمة النقض المصرية في حكمها رقم ٢٨٩ لسنة ٣١ قضائية الصادر بجلسة 25/1/1968 والتي قضت فيه بأن: (إذا كان أساس دعوى رجوع الكفيل على المدين بما أوفاه عنه هو حلول الكفيل محل الدائن في الرجوع على المدين – حلولاً مستمداً من عقد الحلول المبرم بين الدائن و الكفيل ومستنداً إلى المادتين ١ / ٣٢٦ و ٣٢٩ من القانون المدني اللتين تقضيان بأنه إذا قام بالوفاء شخص غير المدين حل الموفي محل الدائن الذى استوفى حقه إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو ملزماً بوفائه عنه و أن من حل قانوناً أو اتفاقا محل الدائن كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص و ما يلحقه من توابع و ما يكفله من تأمينات و ما يرد عليه من دفوع و كان القرض – المكفول – عملاً تجاريا بالنسبة لطرفيه فإن الكفيل الموفي يحل محل الدائن الأصلي فيه بما له من خصائصه و منها صفته التجارية وبالتالي يكون للكفيل أن يرفع دعواه على المدين أمام المحكمة التجارية المتفق بين الدائن و المدين على اختصاصها).

ومن ثم يتضح أن جوهر دعوى الحلول هو أن يحل الموفي – وهو الكفيل في هذه الحالة – محل الدائن في مطالبة المدين بالدين بما يكون لهذا الدين من خصائص وما يلحقه من توابع وما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع.

3- رجوع الكُفلاء المتضامنين عند تعدد المدينين:

يجب في هذه الحالة أن نفرق بين عدة فروض:-

أ- إذا تعدد المدينين مع تضامنهم:

وفي هذا الفرض نفرق بين حالتين:

  • إذا تمت كفالة جميع المدينين المتضامنين فيكون للكفيل أن يرجع على أياً منهم بكامل الدين، وذلك ما تقرره المادة (986) من القانون المدني الأردني التي نصت على أن: (إذا كان المدينون متضامنين فلمن كفلهم بطلبهم جميعاً ان يرجع على اي منهم بكل ما وفاه من الدين).
  • أما إذا كانت الكفالة لبعض المدينين المتضامنين فيجوز للكفيل في هذه الحالة أن يرجع على من كفلهم فقط إما بالدعوى الشخصية أو دعوى الحلول، أما باقي المدينين الذين لم تشملهم الكفالة فليس له حق الرجوع عليهم.

ب- إذا تعدد المدينين وانتفى التضامن بينهم:

في هذا الفرض – أيضًا – نفرق بين حالتين:

  • إذا كانت الكفالة شاملة لكافة المدينين غير المتضامنين فيكون للكفيل أن يرجع عليهم كلاً بقدر حصته في الدين، ويكون رجوعه بمقتضى دعوى الحلول أو الدعوى الشخصية أو دعوى الإثراء بلا سبب، وفي هذا تنص المادة (974) من القانون المدني الأردني على أن (إذا تعدد الكفلاء لدين واحد جازت مطالبة كل منهم بكل الدين إلا إذا كفلوا جميعاً بعقد واحد ولم يُشترط فيه تضامنهم فلا يُطالَب أحد منهم الا بقدر حصته).
  • أما إذا اقتصرت كفالة الكفيل على بعض المدينين فلا يحق له الرجوع إلا على من كفلهم فقط.

ثالثًا: علاقة الكُفلاء فيما بينهم:

1- تعدد الكُفلاء مع عدم تضامنهم:

إذا انتفى التضامن بين الكُفلاء المتعددين فيكون كل منهم مسئول عن نصيبه فقط من الدين، ومن ثم إذا وفى أحدهم بمقدار نصيبه فلا يحق له الرجوع على باقي الكفلاء بشيء، أما إذا وفى بأكبر من نصيبه فيمكن له الرجوع على باقي الكٌفلاء ليُطالب كل منهم بمقدار نصيبه في الدين، وهذا ما تؤكده المادة (974) من القانون المدني الأردني التي نصت على أن: (إذا تعدد الكفلاء لدين واحد جازت مطالبة كل منهم بكل الدين إلا إذا كفلوا جميعاً بعقد واحد ولم يُشتَرط فيه تضامنهم فلا يُطالَب أحد منهم الا بقدر حصته).

وأيضاً فإذا كانت كفالة الكفيل لبعض المدينين دون البعض الآخر فليس له أن يرجع على كُفلاء المدينين الذين لم يكفلهم بمقتضى دعوى الحلول أو الدعوى الشخصية، وإنما يكون له أن يرجع عليهم بمقتضى دعوى الإثراء بلا سبب.

والأصل أن تتساوى حصص الكُفلاء في الدين مالم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك، وهذا ما قرره المشرع الأردني بأن الأصل هو تساوي الحصص إذا تعدد الدائنين إلا إذا وجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك.

وكذلك في حال تعدد المسئولين عن فعل ضار ولم يتسن للمحكمة تحديد مدى مسئولية كل منهم تحكم عليهم بالتساوي والتكافل بينهم وذلك ما نصت عليه المادة (265) من القانون المدني الأردني والتي نصت على أن: (إذا تعدد المسئولون عن فعل ضار، كان كل منهم مسئولا بنسبة نصيبه فيه وللمحكمة ان تقضي بالتساوي أو بالتضامن والتكافل فيما بينهم).

2- تعدد الكُفلاء مع تضامنهم:

إذا تعدد الكٌفلاء لذات الدين وكان بينهم تضامن فيكون رجوع الكفيل الموفي على أي منهم بمقدار حصته في الدين، وإذا تبين أن أحدهم معسراً فإن الكفيل الموفي يتحمل تبعة الإعسار مع باقي الكُفلاء، وهذا ما قررته المادة (975) من القانون المدني الأردني التي نصت على أن: (إذا كان الكفلاء متضامنين فيما بينهم ووفى أحدهم الدين عند حلوله كان له أن يرجع على كل الباقين بحصته في الدين وبنصيبه في حصة المعسر منهم).

ويترتب على ذلك أنه يشترط لكي يتمكن الكفيل من الرجوع على غيره من الكٌفلاء أن يكون ما وفاه يزيد على نصيبه في الدين.

ونشير أخيراً إلى أن رجوع الكفيل على غيره من الكُفلاء لا تكون إلا بدعوى الحلول أو دعوى الإثراء بلا سبب، حيث إنه لا يحق له الرجوع بالدعوى الشخصية لأن الأخيرة خاصة بعلاقة الكفيل بالمدين.

3- الرجوع على الكفيل العيني:

يقتصر التزام الكفيل العيني على العين التي قدمها لكفالة دين المدين، فإذا كانت قيمة العين أقل من قيمة الدين فإن الدين ينقسم بين الكُفلاء العينين بمقدار نسبة قيمة الدين إلى قيمة العين.

وهذا المعيار هو الذي يطبق سواء في علاقة الكفيل العيني بالدائن أو في العلاقة بين الكفيل العيني وغيره من الكُفلاء شخصيين كانوا أو عينيين، فالكفيل العيني – دائماً – لا يلتزم بأكثر من قيمة العين، بحيث إذا كانت قيمة العين مساوية للدين ووفى الكفيل العيني بكامل الدين فيكون رجوعه على باقي الكفلاء بالتساوي بينهم.

إعداد/ أحمد منصور.