اللجوء السياسي وفقاً لأحكام القانون الدولي
يُعد اللجوء السياسي من القضايا الهامة، وقد جاءت اتفاقية عام 1951 وبروتوكولها عام 1967 لوضع الأسس التي يقوم عليها اللجوء السياسي، ومنح الحماية الدولية للاجئين، واللجوء السياسي في القانون الدولي هو الحماية التي تمنحها دولة لفرد طلب منها هذه الحماية عند توافر شروط معينة، سوف نتعرف عليها من خلال مقالنا التالي.
ثانيًا: حكم اللجوء السياسي في القانون الدولي
ثالثًا: ضوابط اللجوء السياسي في القانون الدولي
سوف نقدم شرحاً تفصيلياً فيما يخص اللجوء السياسي من خلال مقالنا التالي:
أولًا: تعريف اللجوء السياسي
سنوضح تعريف اللجوء السياسي لغة واصطلاحا ثم تعريفه في القانون الدولي
أ_ تعريف اللجوء السياسي لغة:
اللجوء لغة: مصدر الفعل لجأ، يقال: لجأ إلى الشيء والمكان يلجأ لجأ ولجوءً وملجأ، بمعنى لاذ به واعتصم، قال ابن فارس: اللام والجيم والهمزة: كلمة واحدة، وهي اللجأ والملجأ: المكان يلتجئ إليه، يقال: لجأت والتجأت “.
ويقال: ألجأت أمري إلى الله، أي أسندت، ولجأت إلى فلان وعنه والتجأت وتلجأت إذا استندت إليه، واعتضدت به، أو عدلت عنه إلى غيره وألجأه إلى الشيء: اضطره إليه وألجأه: عصمه، والتلجئة: الإكراه، والملجأ واللجأ محركه المعقل والملاذ، ومنه قوله جلا وعلا: ( لَوْ يَجِدُونَ مَلْجأً أو مَغَاراتٍ أو مُدَّخلاً لَّوَلَّوْا إليه وهم يَجْمَحُونْ).
ب_ تعريف اللجوء اصطلاحًا
1. تعريف اللجوء السياسي في اصطلاح الفقهاء:
هناك فريقين يختلفان في تعريف اللجوء السياسي؛ فهناك من يرى أنه من قبيل الهجرة قديماً.
وعلى صعيدٍ آخر هناك من يرى أن حق اللجوء السياسي هو في حقيقته عقد أمان، فمصطلح اللجوء السياسي يعد مصطلح حديث نسبياً، حيث لم يُذكر في كتب الفقه الإسلامي هذا المصطلح، وما تم ذكره هو فقط عقد الأمان والمستأمن، لذا فإن هذا الفريق اعتبر اللجوء السياسي في عصرنا هو مقابل عقد الأمان قديماً.
ويعد الرأي الثاني هو أرجح القولين، حيث إن الهجرة مظهراً من مظاهر اللجوء، ولإيضاح ذلك لابُد وأن نقف على المعنى اللغوي والاصطلاحي لعقد الأمان.
· تعريف الأمان لغة:
مصدر الفعل أمن يأمن أمناً وأماناً وأمانة وأمنةً إذا اطمأن ولم يخف، فهو آمن وأمن، قال الخليل: الأمنة من الأمن، والأمان: إعطاء الأمنة.
فالأمان عدم توقع المكروه في الزمن الآتي، وأصله من طمأنينة النفس وزوال الخوف.
· تعريف الأمان اصطلاحا:
فقد تم تعريفه من قبل الفقهاء بعدة تعريفات من أهمها وأشملها ما ذكره ابن عرفة من أنه: ( رفع استباحة دم الحربي ورقه وماله حين قتاله أو العزم عليه مع استقرارها تحت حكم الإسلام مدة ما).
فعقد الأمان يُؤَمن الحربيين ضد قتلهم وعدم استباحة دمائهم وأموالهم أو استرقاقهم، فالدولة الإسلامية تفرض واجب حماية كل من لجأ إليها واستقر تحت سمائها مدة معينة.
فإن المُستأمن كافر سُمح الله البقاء في أراضي المسلمين مدة محددة، ولسببٍ مشروع، مثل سماع القرآن، عقد صلح، أو مهادنة، أو معرفة دعوة الإسلام، أو أداء رسالة، أو لتجارة، أو علاج، أو أي سبب آخر لا يخرج عن نطاق الشرعية.
2. تعريف اللجوء السياسي في القانون الدولي:
تم تعريف اللجوء السياسي من قِبَل معهد القانون الدولي بأنه: ” الحماية التي تمنحها دولة فوق أراضيها، أو فوق أي مكان تابع لسلطتها، لفرد طلب منها هذه الحماية.
وقد ورد تعريف اللاجئ في بنود اتفاقية اللاجئين لعام 1951 بأنه: ” شخص يوجد خارج بلد جنسيته بسبب خوف له ما يبرره، من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة أو إلى رأي سياسي ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد ” .
ولكن جاء هذا التعريف مشوباً بالقصور، من حيث عدم شموله الأشخاص الفارين نتيجة حروب أهلية داخل بلادهم، أو عدوان خارجي، أو احتلال، أو سيطرة أجنبية.
وقد عالج هذا القصور ما ورد بتعريف اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لشئون اللاجئين لعام 1969 اللاجئ والذي شمل الأشخاص المضطرين إلى مغادرة دولتهم الأصلية بسبب عدوان خارجي، أو احتلال أجنبي، أو سيطرة أجنبية ،أو بسبب أحداث تثير الاضطراب بشكل خطير بالنظام العام في إقليم دولة الأصل كله أو في جزء منه.
يجب توافر بعض الشروط فيمن يطلق عليه لاجئ وفقاً للقانون الدولي:
الشرط الأول: ألا يوجد الشخص داخل نطاق دولته الأصلية، أو المعتادة، إذا كان من عديمي الجنسية.
الشرط الثاني: ألا يكون الشخص تحت كنف دولته متمتعاً بحمايتها، سواء كان راجعاً إلى الدولة برفضها فرض الحماية على الشخص، أو كان بسبب حروب أهلية أو دولية، أو عدم رغبته في التمتع بتلك الحماية؛ خوفاً من الاضطهاد.
الشرط الثالث: وجود أسباب معقولة تبرر ذلك الخوف.
الشرط الرابع: ألا يكون هذا الشخص قد ارتكب أية جرائم ضد السلام، أو الإنسانية، أو جريمة حرب، أو سبق وأن ارتكب جرائم ضد ما تدعو إليه هيئة الأمم المتحدة.
ثانيًا: حكم اللجوء السياسي في القانون الدولي
سنبين أولاً حكم طلب اللجوء السياسي ثم حكم منح اللجوء السياسي
· حكم طلب اللجوء السياسي:
يُعد اللجوء السياسي من الحقوق التي كفلتها العهود والمواثيق الدولية لجميع الأفراد، باعتباره حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان.
فجميع الأفراد متساوون في الحقوق الأساسية، فله أن يأمن على نفسه وأهله، وألا يتعرض لأي أذى مادي أو معنوي، وعدم اضطهاده، فله الحق في اللجوء لدولة أخرى للتمتع بحمايتها.
وقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان موضحاً تلك المسألة في الفقرة الأولى من المادة الرابعة عشر أن: ” لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى، والتمتع به خالصاً من الاضطهاد “.
كما جاء الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في مادته الثانية عشر في الفقرة الثالثة على أن: ” لكل شخص الحق عند اضطهاده في أن يسعى ويحصل على ملجأ في أي دولة أجنبية، طبقاً لقانون كل بلد، وللاتفاقيات الدولية “.
ونشير أيضا إلى ما أقره المفوض السامي لشئون اللاجئين لعام 1988من أن لكل فرد الحق في اللجوء لدولة أخرى، ليأمن تحت كنفها، من اضطهاد دولته.
· حكم منح اللجوء السياسي
كما أسلفنا أنه تم وضع اتفاقية 1951 وبروتوكولها عام 1967 من أجل حماية اللاجئين وكيفية منحهم الحماية اللازمة لهم، وقد صدق على هذه الاتفاقية عدد لا بأس به من الدول بلغت 133 دولة في وقتنا الحالي، وانضم إلى البروتوكول نفس العدد.
وفي سبيل القضاء على تلك الأزمة، فقد عملت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين على منح تلك الحماية للاجئين، من خلال محاولة توسيع الدعم الحكومي، حيث تُوَزَّع على الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بشكل عادل المسئوليات الموكلة إليهم.
فتعمل مفوضية الأمم المتحدة من أجل تعزيز دور الدول في توفير الحماية اللازمة للاجئين من خلال:
- دعوتهم إلى الانضمام إلى الاتفاقيات والقوانين بشأن اللاجئين وتنفيذها.
- العمل على معاملة اللاجئون وفق معايير القانون الدولي.
- منح اللجوء للاجئين، وعدم إعادتهم قسراً إلى بلادهم.
- ابتكار حلول لمشكلات اللاجئين بشكلٍ دائم.
- تنفيذ الإجراءات اللازمة لمعرفة ما إذا كان الشخص لاجئاً أم لا، كما ورد بالاتفاقية الخاصة باللاجئين.
ويُجدر بنا الإشارة إلى أن اتفاقية اللاجئين قد لعبت دوراً هاماً فيما يخص تنظيم كيفية تمتع اللاجئين بالحماية اللازمة لهم، وحقوقهم، حيث إنها منحتهم نفس الحقوق الممنوحة لأي مواطن أجنبي مقيم داخل دولة أخرى، بل وفي أحيان كثيرة نفس المعاملة الممنوحة لمواطنيها.
وتُعد تلك الاتفاقية اعترافا من قِبل المجتمع الدولي بمشكلة اللاجئين، والتعاون بين الدول لمحاولة إيجاد حلول لتلك الأزمة، مما يساعد على توطيد العلاقات بين الدول.
ونشير إلى أن الحماية الممنوحة للاجئين بمقتضى تلك الاتفاقية، ليست سوى حماية مؤقتة، تزول بزوال الأسباب الموجبة للجوء، وأيضاً في حالة تاخم أعداد اللاجئين قد تضطر الدول إلى ترحيلهم إلى أوطانهم إذا كانت ظروف بلد المنشأ تسمح بذلك.
مدى أهمية انضمام الدول إلى الاتفاقية الخاصة باللاجئين
ومن الأهمية بمكان توضيح مدى أهمية انضمام الدول إلى الاتفاقية الخاصة باللاجئين وبروتوكولها، حيث من خلالها:
- يتبين مدى التزام الدول بمعاملة اللاجئين وفقاً للمعايير القانونية والإنسانية المعترف بها دولياً.
- ويوفر فرصاً للاجئين في الوصول إلى بر الأمان.
- يمنع أية حروب أو انتهاكات بسبب هذا اللجوء، حيث إن هذه الاتفاقية تجعل وقت منح لجوء لشخص ما، أمراً طبيعياً محاطاً بالقانون، سلمياً وإنسانياً، وليس انتهاكا وتعدياً على دولة المنشأ.
- كما أنه يُظْهِر مبادرات الدول في استعدادها لمنح اللجوء.
- يسهم مع مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في تأمين حماية اللاجئين، وتعبئة الدعم الدولي لهم.
ومنه يبين لنا أن جميع الدول المُصَدِّقة على اتفاقية اللاجئين، هم المسئولون عن تحقيق الحماية للاجئين طبقاً للشروط المُسَطَّرة في تلك الوثيقة من وقت التصديق على هذه الاتفاقية، كما أن جميع الدول الموقعة وغير الموقعة على الاتفاقية ملزمون على الامتثال للمعايير الأساسية لحماية اللاجئين، والتي أضحت جزءً لا يتجزأ من القانون الدولي العام.
يتضح لنا مما سلف أن منح حق اللجوء السياسي، يقع على عاتق جميع الدول بوجه عام، ولكي يكتسب اللاجئ حق اللجوء، لابد وأن يتم معرفة ماهية اللجوء، والشروط المتوافرة فيه، وقد نصت على ذلك المادة (32/1) من اتفاقية اللاجئين لعام1951: ” تمتنع الدول المتعاقدة عن طرد اللاجئ الموجود بصورة شرعية على أراضيها، إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام “.
وجاء بالفقرة (2) من نفس المادة أنه: ” لا يتم طرد مثل هذا اللاجئ إلا تنفيذاً لقرار متخذ وفقاً للأصول القانونية “.
ونصت المادة (33) على أنه: ” يحظر على الدول المتعاقدة طرد أو رد اللاجئ بأي صورة إلى الحدود أو الأقاليم حيث حياته أو حريته مهددتان”.
ويُعد مبدأ عدم رد اللاجئين إلى الدولة الفار منها، يمثل حماية قصوى وأمان تام بالنسبة للاجئ، فلا يحق لأية دولة من الدول الأطراف في الاتفاقية إبداء أية تحفظات تخص تلك المادة.
ثالثًا: ضوابط اللجوء السياسي في القانون الدولي
لا يتم منح الحماية الدولية لجميع الأشخاص، حيث إن منح الحماية يتطلب معاييراً محددة، قد لا تتوافر لدى بعض الأشخاص، والذين لا يستحقون أن يستضلوا بتلك الحماية.
وقد أوضحت ذلك الفقرة (ج) من اتفاقية 1951 على أنه: ” يتوقف مفعول هذه الاتفاقية بحق أي شخص تنطبق عليه أحكام النبذة (أ) في حال:
- تذرعه الطوعي بحماية الدولة التي يحمل جنسيتها.
- استعادته الطوعية لجنسيته التي كان قد فقدها.
- أو اكتساب جنسية جديدة، وتمتعه بحماية بلد جنسيته الجديدة.
- أو إذا عاد طوعاً ليقيم في البلد الذي تركه، أو الذي أقام خارجه خشية الاضطهاد.
- أو إذا أصبح متعذراً عليه الاستمرار في رفض حماية البلد الذي يحمل جنسيته بسبب زوال الأسباب التي أدت إلى اعتباره لاجئاً.
كما ورد بالفقرة (و): ” لا تسري هذه الاتفاقية مع أي شخص توجد بحقه أسباب جدية تدعو إلى اعتبار أنه:
- اقترف جريمة بحق السلام، أو جريمة حرب، أو جريمة ضد الإنسانية، كما هو معروف عنها في الوثائق الدولية الموضوعة والمتضمنة أحكاماً خاصة بمثل هذه الجرائم.
- ارتكاب جريمة جسيمة خارج بلد الملجأ قبل دخوله هذا البلد كلاجئ.
- ارتكب أعمالاً مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة “.
نلاحظ من خلال استعراض بعض نصوص مواد الاتفاقية أنه لا يتمتع بحماية اللاجئين الأشخاص الذين مازالوا يتمتعون بحماية دولتهم، أي أنهم لاجئين باختيارهم، وأيضاً فإن الأشخاص مرتكبي جرائم الحرب، ومنتهكي حقوق الإنسان، كما أن كل شخص هرب من دولته لخروجه على القانون لا يتم وضعه تحت مظلة الحماية الدولية؛ فإنه يتم إخضاعهم لمبدأ تسليم المجرمين في القانون الدولي.
إلا أن الأشخاص المُدانين في جرائم غير سياسية، ومعرضون للاضطهاد داخل دولهم لأية أسباب سواء أكانت أسباباً سياسية أو غير سياسية، يتم اعتبارهم لاجئين، وأيضاً المدانون بجريمة النشاط السياسي، يتم وضعهم تحت الحماية الدولية الممنوحة للاجئين.
ونود الإشارة إلى أن المتهرب من الخدمة العسكرية يتم اعتباره لاجئاً سياسياً، أخذاً بمبدأ حقه في الاعتراض وفقاً لضميره الحر، حيث إنهم ارتأوا أنه كما يحق للدولة دعوة مواطنيها لأداء الخدمة العسكرية، فيحق أيضاً للمواطن الحق في الاعتراض.
كما يحق للمرأة إذا تعرضت لاضطهاد قد يُشكل خطورة عليها، سواء أكانت اضطهادات من قِبل الحكومة، أو اضطهاد غير حكومي، إذا ارتأت عدم مناسبة بعض القيود العرفية المفروضة لشخصها، بشرط أن تكون هناك عواقب وخيمة قد تحدث من جراء فرض تلك القيود عليها.
إعداد : نسمة مجدي