حجية السندات الرسمية

حجية السندات الرسمية في الإثبات 

تعد الكتابة من أهم طرق الإثبات ،ولا يوجد خلاف على ذلك لا في الفقه القانوني ولا في القضاء، وقد وردت الكتابة كأحد أدلة الإثبات في غالبية التشريعات الخاصة بالإثبات.

وقد اعتبر قانون البينات الأردني رقم (30) لسنة 1952 وتعديلاته، الدليل الكتابي كأحد وسائل الإثبات المهمة التي يقدمها المدعي لإثبات دعواه، وقد قسم المشرع الأردني الدليل الكتابي الى ثلاثة أنواع هي: الأسناد الرسمية والأسناد العادية والأوراق غير الموقع عليها. [1]

وفي مقالنا هذا سوف نتناول تعريف السند الرسمي ومدى حجيته في الإثبات وغيرها من الموضوعات المتعلقة فيه كالآتي:

تعريف السندات الرسمية

هي السندات التي ينظمها الموظفون الذين من اختصاصهم تنظيمها وتوثيقها وفقا للأوضاع القانونية، وهي أيضا السندات التي ينظمها أصحابها ويصادق عليها الموظفون الذين من اختصاصهم تصديقها طبقا للقانون.

أشكال السندات الرسمية

  • السند الرسمي الذي ينظمه الموظف العام: وهذا السند ما يميزه هو أنه يصدر عن موظف عام مختص، حيث يحكم به دون أن يكلف مبرزه إثبات ما نص عليه فيها، والعلة في ذلك أنه صادر عن الموظف العام أو من يدخل في اختصاصه تنظيمه، ويعمل بهذا السند ما لم يثبت تزويره.
  • السند الرسمي الذي ينظمه صاحبه: وهذا السند يختلف عن السند الرسمي الذي ينظمه الموظف العام، كونه منظم من قبل صاحب هذا السند، ويصادق عليه الموظف الذي يدخل في اختصاصه المصادقة عليه طبقا للقانون، حيث ينحصر العمل في هذا السند في التاريخ والتوقيع فقط.

شروط حجية السندات الرسمية

صدور المحرر عن موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة:

والموظف العام هو كل من يشغل وظيفة عامة، وهو أيضا الشخص المعين من جهة مختصة لإشغال وظيفة مدرجة في نظام تشكيلات الوظائف المدنية على موازنة احدى الدوائر الحكومية أيا كانت طبيعة تلك الوظيفة أو مسماها.

والموظفين العامين تتعدد وظائفهم ومسمياتهم وطبيعة أعمالهم، وعليه فإن الأوراق الرسمية الصادرة عن الموظف أو الشخص المكلف بخدمة عامة، إما أن يحررها بنفسه وقد لا يحررها بخط يده، أي يثبت في الورقة كل ما وقع تحت نظره من تصرفات مثل استلام الثمن أو البيع بحضوره، وشهادة الشهود وأسمائهم وتوقيعهم وأسماء الأطراف وتوقيعهم وتاريخ الورقة الرسمية.

أن يكون الموظف العام مختصا:

فلا بد أن يكون الموظف العام أو الشخص المكلف بخدمة عامة والذي يتولى تحرير المحرر الرسمي مختصا بكتابته من حيث الموضوع ،ومن حيث الزمان و المكان ،أي يجب ان تكون له ولاية موضوعية فيما تولاه ،فالموظف يكون مختصا من الناحية الموضوعية بتحرير نوع معين من الأوراق الرسمية التي بين يديه مثل كاتب العدل ،أما من حيث الاختصاص المكاني فلا بد ان يصدر المحرر في دائرة الاختصاص الإقليمي للموظف أو المكلف بالخدمة العامة ،ولا يجوز له أن يباشر عمله خارج دائرة اختصاصه ،فالقانون حدد اختصاصا مكاني لكل موثق في تحرير الأوراق الرسمية .

مراعاة الأوضاع القانونية التي حددها القانون:

من البديهي ان لكل نوع من أنواع المحررات قواعد و إجراءات معينة لتحريرها ،يتوجب أن يلتزم الموظف فيها عند تحرير المحرر حتى تثبت له صفة رسمية ،وتتمثل هذه الإجراءات في انه يجب على الموثق أو كاتب العدل (على سبيل المثال)القيام بإجراء عملية التوثيق و التأكد من أهلية طرفي الورقة الرسمية ،و التحقق من أشخاصهم ،والتأكد من قيامهم بدفع الرسوم المقررة ،وبيان أسمائهم وصفاتها ،ومحل ميلادهم وأسماء من ينوب عنهم والشهود ،كما يجب كتابة المحرر بخط واضح دون كشط أو إضافة أو تحشير ،مع ذكر التاريخ باليوم و الشهر والسنة والساعة ،وذكر اسم الموظف ولقبه ووظيفته ومكان التوثيق ،ويتوجب على الموظف وقبل توقيعه على المحرر هو وذوي الشأن و الشهود أن يتلو عليهم الصيغة كاملة ،وأن يبين لهم الأثر القانوني المترتب عليه . [2]

وعليه وإذا لم يتوافر في السند الرسمي أحد الشروط السابقة لا يكون له إلا قيمة السند العادي ،شريطة أن يكون ذوو الشأن قد وقعوا عليه بتواقيعهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم.

حجية السندات الرسمية في الإثبات

يؤدي توافر الشروط التي يتطلبها القانون في السند الرسمي على نحو ما سبق وذكرته وثبوت الصفة الرسمية لقيام قرينة قانونية على سلامة المحرر المادية بصدوره ممن يحمل التوقيع، وللخصم الذي ينازع في أي محرر أن يثبت ادعائه بطرق متعددة، إلا أنه لا يستطيع ذلك في المحررات الرسمية إلا عن طريق الطعن فيها إلا بالتزوير.

وقد جاء نص المادة 7 فقرة 1 من قانون البينات واضحا وصريحا فيما يتعلق بحجية البيانات الواردة في السند الرسمي على الناس كافه ،سواء ما بين المتعاقدين ،أو في مواجهة الغير ،ولا يجوز لذوي الشأن أو الغير نفي هذه الحجية إلا بثبوت التزوير ،ومن خلال نص المادة 7 لفقرتيها الأولى والثانية نجد أن المشرع الأردني فرق بين نوعين من البيانات (الوقائع المادية) التي ترد على السندات الرسمية ،الأولى تتمثل بالوقائع التي تمت على يد الموظف والتي وقعت تحت بصره ،سواء أكان هو الذي قام بها ،أو كان ذوو الشأن هم الذين قاموا بها أمامه ،أما الثانية فهي الوقائع الأخرى التي تلقاها الموظف من ذوي الشأن وهي تلك التي وقعت تحت سمعه دون أن تقع تحت بصره وأمامه ،فلا تكون لها نفس الحجية في الإثبات ،إنما يجوز دحضها عن طريق إثبات عكسها دون حاجة إلى الطعن في الورقة بالتزوير ،ومثال ذلك أن يذكر المشتري أنه قبض المبيع أو أن يذكر البائع أنه قبض الثمن ،فهذه الإقرارات أمام الموظف العام بحد ذاتها صحيحة ولكن واقعة الاستلام (الثمن أو المبيع)قد لا تكون صحيحة ،وليس مطلوب من الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة أن يتحقق من صحتها ،وبالتالي يمكن إثبات عكسها دون اللجوء إلى طريق الطعن بالتزوير .

أما فيما يتعلق بالأوراق السرية التي يراد بها تعديل الأسناد الرسمية، فلا يكون لها أية مفعول أو حجية إلا ما بين موقعيها، فحجيتها قاصرة فقط على الأطراف الذين قاموا بالتوقيع عليها دون أن يكون لها حجية على الغير.

حجية صورة السند الرسمي إذا كان الأصل موجودا

بينت المادة 8 من قانون البينات مدى حجية صورة السند الرسمي في حالة كان أصل السند موجودا ،بحيث يصبح للصورة ذات الحجية التي يتمتع بها السند الرسمي نفسه ،وقد اشترط توافر شرطين للصورة لكي يكون لها حجية الأصل ،الأول أن يكون السند الرسمي موجودا ،وهو الأصل الذي يحمل توقيعات ذوي الشأن والموثق/الموظف العام والشهود ،حيث أن كل سند رسمي يصدره الموظف العام أو من في حكمه يتم بتحريره من أصل وصور ويبقى الأصل محفوظا لدى الجهة المنظمة للسند الرسمي ،فأصل قرار الحكم مثلا يبقى محفوظا في ملف الدعوى ،وأصل الوكالات بمختلف أنواعها تبقى محفوظة لدى كاتب العدل ،فالأصل في حجية السند الرسمي أن تكون قاصرة على نسختها الأصلية ،لان الأصل يفترض فيه الصحة ولا يجوز إنكاره إلا عن طريق الطعن بالتزوير ،والشرط الثاني هو أن تكون الورقة التي يحتج بها أحد الأطراف  هي صورة وليس أصل السند ،وعليه إذا كان أصل السند موجودا فإن الصورة المأخوذة عنه سواء الخطية أو الفوتوغرافية يكون لها حجية الأصل ،أي حجيتها مستمدة من الأصل المحفوظ لدى الجهة المنظمة له ،ومجرد إنكار الصورة من قبل أحد الأطراف ،يفقدها قيمتها في الإثبات ويوجب مطابقتها للأصل ،وعلى المحكمة أن تأمر بالمراجعة ما لم يتبين من ظروف الحال أن المقصود من الإنكار هو مجرد الكيد وأنه لا يبنى على سبب مستساغ ،أما إذا لم ينازع الخصم أمام محكمة الموضوع بأن لصورة لا تتطابق مع الأصل ،فلا تثريب على المحكمة إن هي اعتمدت الصورة .

حجية السند الرسمي إذا كان الأصل غير موجود

بينت المادة 9 من قانون البينات حجية صورة السند الرسمي إذا كان الأصل غير موجود، فقد ميزت بين ثلاث حالات وهي:

أن تكون الصورة (الأولى)المقدمة مأخوذة من الأصل مباشرة:

تعامل في هذه الحالة الصورة الأولى من السند معاملة الأصل من حيث الحجية، طالما صدرت عن موظف عام مختص وكان مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك بمطابقتها بالأصل، ويرى البعض أن الأخذ بهذا الحكم ينطوي على قدر كبير من الجرأة، فقد تكون الورقة خالية من الشوائب في مظهرها الخارجي ولكنها لا تطابق الأصل، وعدم وجود هذا الأصل سيكون حائلا دون تحقيق صحتها، وإعطائها قوة الأصل فيه خطورة كبيرة، أما إذا كان ما يثير الشك في مطابقتها للأصل كأن يوجد فيها كشط أو محو، ففي هذه الحالة تسقط حجتها في الإثبات.[3]

أن تكون الصورة الخطية أو الفوتوغرافية مأخوذة من الصورة الأولى:

بين المشرع في المادة 9 فقرة 2 من قانون البينات، مدى حجية الصورة المأخوذة من الصورة الأولى للسند الرسمي، ومنحت هذه الصورة نفس قوة وحجية الصورة الأولى شريطة صدورها عن موظف عام مختص، ووجوب مصادقتها على مطابقتها للأصل الذي أخذت منه، وقد أجازت المادة نفسها للطرفين إمكانية طلب مراجعة هذه الصورة على الصورة الأولى للسند مشترطا أن تكون هذه المراجعة في مواجهة الخصوم فقط.

     ج- الصورة المأخوذة عن الصورة الثانية:

بين المشرع في المادة 9 فقرة 3 أن الصورة المأخوذة عن الصورة الثانية للسند الرسمي، لا يكون لها أية حجية في الإثبات، وبين أنه يمكن الاستئناس بها فقط تبعا للظروف، دون ان يكون لها أية حجية أو إلزامية للأطراف أو للمحكمة من حيث الإثبات.

من النصوص القانونية المتعلقة بالحجية للسندات الرسمية

قانون البينات وتعديلاته

المادة 8:

  1. إذا كان أصل السند الرسمي موجوداً ، فان الصور الخطية والفوتوغرافية التي نقلت منه وصدرت من موظف عام في حدود اختصاصه تكون لها قوة السند الرسمي الأصلي بالقدر الذي يعترف فيه بمطابقة الصورة للأصل.
  2. وتعتبر الصورة مطابقة للأصل ما لم ينازع في ذلك أحد الطرفين ، وفي هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل.

من قرارات الأحكام الصادرة عن محكمة التمييز الأردنية والمتعلقة بالحجية الرسمية للسندات

الحكم رقم 8675 لسنة 2019 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية

ورداً على أسباب التمييز:

وعن الأسباب من الأول وحتى الرابع التي تنصب على تخطئة المحكمة الاستئنافية عندما استبعدت عقد العمل المنظم حسب الأصول والمصادق عليه من قبل موظف رسمي مختص الذي يعتبر من قبيل السندات الرسمية وفقاً لأحكام المادة (6) من قانون البينات وعندما استبعدت كافة البينات التي تثبت أن المميز عمل لدى المميز ضدها الأولى.

وفي ذلك نجد أن المميز ضدها الأولى وفي لائحتها الجوابية ذكرت صراحة (أنه لا يوجد أي عقود عمل موقعة فيما بين (المدعي) المميز والمدعى عليها (المميز ضدها الأولى) ولا يخضع لإشرافها وغير تابع لها ….. وليس ضمن الكادر الوظيفي بها ولا تربطه بالمدعى عليها أية علاقة عمل).

بينما نجد أن بينات المميز ضدها سواء أكانت خطية أم شخصية أثبتت أن المميز عمل لديها وأن عقد العمل المبرم بين المدعي (المميز) والمدعى عليها (المميز ضدها الأولى) يحمل توقيع المدعى عليها (المميز ضدها) وكان المميز يقود طائرات مملوكة وتابعة لها ولا يملك المميز رفض التعليمات والأوامر والتعليمات الخاصة من مدير العمليات لدى المميز ضدها الأولى وهذا ما ورد في أقوال المدعى عليها وهو رئيس مجلس إدارة المميز ضدها والمفوض بالتوقيع عنها الذي ذكر في استجوابه لدى محكمة الدرجة الأولى إضافة لما سبق (أن التوقيع الوارد على المسلسل رقم (3) من البينات والمحررات الرسمية من بينات المميز (المدعي) وهو عقد العمل هو توقيعي وقد منحته لموظف اسمه بكر أبو سليم وذلك لغايات إتمام المعاملات الخاصة بالمدعى عليها الأولى (المميز ضدها) لدى إدارة الإقامة والحدود ووزارة العمل ووزارات أخرى ومؤسسات رسمية أخرى والختم الوارد على المسلسل يعود للمميز ضدها) .

كما نجد أن صورة عقد العمل المقدمة ضمن بينات الدعوى الذي تمت المصادقة عليها من قبل وزارة العمل الذي ورد فيه أن المميز (المدعي ) أبرم عقد عمل مع المميز ضدها الأولى وتضمن أركان وشروط انعقاد عقد العمل كافة الذي تمت المصادقة عليه من قبل الموظف المختص لدى وزارة العمل ومن ثم أصبح من عداد السندات الرسمية عملاً بأحكام المادة (6/ب) من قانون البينات وتتمتع بالحجية على الناس كافة بما ورد فيها من أفعال مادية قام بها الموظف العام في حدود اختصاصه أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره وذلك ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً (المادة 7/1) من القانون ذاته .

وحيث إن المميز (المدعي) العامل أنكر توقيعه عليها فإن الأثر القانوني المترتب على هذا الإنكار لا يكون باستبعاد هذه البينة وما أحاط بها من ظروف قد ترتقي إلى تكوّن أفعال جرمية معاقب عليها ……؟

إعداد المحامية : ثمار إبراهيم

الموقع الإلكتروني حماة الحق للمحاماة

[1] المادة 5 من قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته

[2] د. محمد لورنس عبيدات، إثبات المحرر الإلكتروني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان –الطبعة الأولى سنة 2005، ص 60.

[3]  د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني صفحة 169

error: Alert: Content is protected !!