الإلتزام بالامتناع عن فعل في عقد العمل
عقد العمل من العقود التبادلية التي ترتب التزامات متقابلة في ذمة عاقديه ولكن يتميز عقد العمل عن غيره من العقود بكونه ذو طبيعة خاصة حيث أن الأصل العام في العقود الملزمة لجانبين أن العقد هو قانون المتعاقدين فيكون لكل طرف من أطراف العقد حق التفاوض واختيار شروط وبنود العقد إلا أن عقد العمل قد يرد به بعض الشروط التي يفرضها صاحب العمل ويكون على العامل إتباعها برغم عدم الاتفاق عليها حيث منح المشرع الأردني صاحب العمل الحق في فرض بعض الشروط على العامل تلزمه بالامتناع عن القيام ببعض الأعمال حتي بعد انتهاء علاقة العمل وهو ما قد يمثل قيد على حرية العامل ومن ذلك مثلا شرط عدم المنافسة الذي يمثل التزام على العامل بالامتناع عن القيام بعمل ينطوي على منافسة صاحب العمل
وسوف نتناول في هذا المقال كل ما يتعلق بالتزام العامل بالامتناع عن بعض الأعمال على النحو التالي: –
أولا: المقصود بالامتناع عن عمل
ثانيا: -مصادر الالتزام بالامتناع عن عمل
ثالثا: -تطبيقات الالتزام بالامتناع عن عمل في قانون العمل الأردني
أولا: المقصود بالامتناع عن عمل
يقصد بالالتزام بالامتناع عن عمل هو التزام سلبي يقع على عاتق المكلف به بالتزامه بالامتناع عن إتيان عمل معين وقد عرف الفقه القانوني الالتزام بالامتناع عن عمل وفقا لهذا الاتجاه حيث عرفه الفقه على إنه ” التزام يستلزم من المدين أن يمتنع عن إتيان عمل كان جائزا له القيام به لولا وجود هذا الالتزام على عاتقه ويعد المدين في هذا النوع من الالتزامات منفذا لالتزامه تنفيذا عينيا مادام ممتنعا عن القيام بالعمل الذي امتنع عنه “[1]
كما تم تعريفه أيضا أنه ” التزام بتحقيق نتيجة سلبية هي عدم القيام بالعمل الذي تعهد المدين عدم القيام به” ولقد نص المشرع الأردني على الالتزام بالامتناع عن عمل في أكثر من موضع ومنها ما نصت عليه المادة 359 من القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1967 والتي نصت على أنه ” إذا كان موضوع الحق هو الامتناع عن عمل وأخل به المدين جاز للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفا له أو أن يطلب من القضاء إذنا بالقيام بهذه الإزالة على نفقة المدين.”
ثانيا: -مصادر الالتزام بالامتناع عن عمل
يمكن تقسيم مصادر الالتزام بالامتناع عن عمل إلى مصدرين هما العقد أو القانون كما يلي: –
أ) العقد
قد يكون مصدر الالتزام بالامتناع عن عمل هو العقد فالأصل العام أن العقد شريعة المتعاقدين ومن تطبيقات هذا المبدأ أن يتفق المتعاقدين على التزام أحدهم بالامتناع عن عمل يفرضه عليه المتعاقد الاخر
ب) القانون
القانون هو مصدر من أهم مصادر الالتزام بالامتناع عن عمل ولقد نص القانون الأردني على الامتناع عن إتيان عمل معين في أكثر من صورة ومن ذلك مثلا التزام مالك العقار بعدم الإضرار بالغير والتزام المحامي بعدم إفشاء أسرار موكله
ثالثا: -تطبيقات الالتزام بالامتناع عن عمل في قانون العمل الأردني
يلتزم العامل بالامتناع عن القيام ببعض الأعمال وفقا لقانون العمل الأردني ومنها عدم إفشاء أسرار المنشأة وعدم العمل لدي صاحب عمل اخر خلال فترة العمل وكذا شرط عدم المنافسة والتي نذكرها تفصيلا على النحو التالي: –
أ) الالتزام بعدم إفشاء أسرار صاحب العمل
تتفق جميع التشريعات العمالية في ضرورة التزام العامل بالمحافظة على أسرار العمل ومنها التشريع الأردني الذي نص في المادة (814) فقرة (5) من القانون المدني رقم 43 لسنة 1976 على إنه ” أن يحتفظ بأسرار صاحب العمل الصناعية والتجارية ولو بعد انقضاء العقد وفقا لما يقتضيه الاتفاق أو العرف”
ولقد اكد المشرع الأردني علي التزام العامل بعدم افشاء اسرار العمل وفقا للمادة 496 من المذكرة الايضاحية للقانون المدني والتي نصت على انه ” ان هذه المواد تتعلق بالتزامات العامل ومؤداها ان العامل يجب ان يقوم بحفظ الامانة التي استأمنه عليها صاحب العمل فيحرص على صيانة وحفظ كل ما تحت يده كما يحتفظ بأسرار صاحب العمل حتى لا يلحقه من ذلك ضرر يؤثر عليه كما انه لا يجوز ان يشتغل وقت العمل المطلوب منه بشيء اخر ولا ان يعمل مدة العقد لدى غير صاحب العمل واذا كان العامل يقوم بعمل يسمح له بالاطلاع على اسرار العمل ومعرفة عملاء المنشاة جاز للطرفين ان يتفقا على شروط تؤمن مصلحة الطرفين على انه لا يجوز في مثل هذه الحالة ان يتضمن الاتفاق تضمين العامل مبلغا كبيرا يقصد اجباره على البقاء والا كانت موافقته مشوبة بعيب الاكراه ولذلك يعتبر الشرط غير صحيح عملا بمذاهب الفقهاء الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة . وقد روعي في صياغة واحكام تلك المواد احترام ما يتفق عليه المتعاقدان والتشجيع على بذل الجهد للابتكار والاختراع والاكتشاف مع مراعاة حق صاحب العمل وعدم استغلاله من قبل العامل أيضا”
كما نصت على ذات المعني المادة (19) فقرة (ب) من قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 على إنه “المحافظة على أسرار صاحب العمل الصناعية والتجارية وألا يفشيها بأي صورة من الصور ولو بعد انقضاء عقد العمل وفقا لما يقتضيه الاتفاق أو العرف”
وقد أكدت نصوص المواد السابقة على ضرورة احتفاظ العامل بالأسرار أو المعلومات أو الوثائق التي يطلع عيها العامل بمناسبة قيامه بالعمل المكلف به ويمتد هذا الالتزام ليشمل كافة مستويات العمل وجميع مجالاته كما يمتد هذا الالتزام إلى ما بعد انقضاء علاقة العمل ويستمر العامل في حفظ هذه الأسرار حتى تفقد أهميتها ويترتب على إخلال العامل بهذا الالتزام توافر مسؤوليته الإدارية والجنائية
والتزام العامل بعدم إفشاء أسرار العمل يرد عليه بعض الاستثناءات ومنها حالة التفتيش أو إذا تضمنت هذه الأسرار جريمة معاقب عليها ففي هذه الحالة يكون هناك التزام على العامل بتبليغ السلطات المختصة[2]
ب) شرط عدم المنافسة
الأصل هو حرية العمل فالقاعدة العامة أن يلتزم العامل بأداء العمل المكلف به بموجب العقد فقط وفي حدود الوقت المحدد للعمل كما يترتب على انتهاء علاقة العمل أن يسترد العامل حريته في ممارسة أي عمل يراه مناسبا ولكن المشرع أجاز لصاحب العمل أن ينص في العقد علي شرط يلتزم بموجبه العامل بعدم منافسة صاحب العمل ولقد نص القانون المدني على شرط عدم المنافسة بموجب نص المادة (818) من القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976 والتي نصت على إنه ” 1- إ ذا كان العامل يقوم بعمل يسمح له بالاطلاع على أسرار العمل ومعرفة عملاء المنشأة جاز للطرفين أن يتفقا على ألا يجوز للعامل أن ينافس صاحب العمل أو يشترك في عمل ينافسه بعد انتهاء العقد .
2-على أن الاتفاق لا يكون مقبولا إلا إذا كان مقيدا بالزمان والمكان ونوع العمل بالقدر الضروري لحماية المصالح المشروعة لصاحب العمل”
ولقد أكد على هذا المشرع الأردني بموجب نص المادة )819(من ذات القانون والتي نصت على أنه ” إذا اتفق الطرفان على تضمين العامل في حالة الإخلال بالامتناع عن المنافسة -تضمينا مبالغا فيه بقصد إجباره على البقاء لدى صاحب العمل كان الشرط غير صحيح”
وبمقتضي نص المواد السابقة فقد أجاز المشرع الأردني لصاحب العمل والعامل الاتفاق على شرط يتضمن عدم منافسة العامل لصاحب العمل حتى بعد انتهاء علاقة العمل غير أن هذا الاتفاق قد قيده المشرع بأن يكون محدد بالزمان والمكان ونوع العمل الذي لا يستطيع العامل ممارسته ويكون حظر المنافسة بالقدر الضروري لحماية مصالح صاحب العمل بمعني ألا يتوسع صاحب العمل في تطبيق هذا الشرط حيث أنه يتعلق بالمساس بحرية العامل لذلك وجب تحديد مفهوم وشروط وضوابط عدم المنافسة على النحو التالي: –
1) المقصود بعدم المنافسة
لقد عرف الفقهاء شرط عدم المنافسة على إنه “اتفاق بين صاحب العمل والعامل يتعهد بموجبه العامل أن يمتنع عن منافسة صاحب العمل اثناء تنفيذ العقد أو بعد انقضائه سواء كانت المنافسة من خلال قيام العامل بعمل مماثل لعمل صاحب العمل لحسابه الخاص أم عن طريق صاحب عمل أخر يباشر المهنة نفسها أو الصناعة التي يباشرها صاحب العمل الأول ” [3]
2) شروط عدم المنافسة
شرط عدم المنافسة على إطلاقه يتضمن قيد على حرية العامل وحقه في العمل كذلك يتضمن تعارض مع الحق في العمل والذي قرره المشرع الأردني بمقتضي نص المادة 23 من الدستور الأردني ولذلك يجب عدم التوسع في تفسيره وأن يتم إعماله وفقا لشروط محدده أهمها [4]
– حماية مصلحة مشروعه لصاحب العمل
يقتضي إعمال شرط عدم المنافسة أن يكون لتطبيقه مصلحة مشروعه لصاحب العمل تبرره وتتوافر تلك المصلحة المشروعة إذا كانت طبيعة عمل العامل تسمح له بالاطلاع على أسرار صاحب العمل ومعرفة عملائه وبالتالي يخشى من منافسة العامل لصاحب العامل أن يستغل العامل ما تم اطلاعه عليه من أسرار في منافسة صاحب العمل أو التواصل مع عملائه فإذا اثبت العامل أنه لا يمكنه الاطلاع على أسرار صاحب العمل أو معرفة عملائه تكون مصلحة صاحب العمل غير متوفرة وبالتالي يقع هذا الشرط باطلا[5]
– التراضي على هذا الشرط
لم يشترط المشرع الأردني شكلا معين لشرط عدم المنافسة بينما اشترط أن تتجه إرادة طرفي عقد العمل إلى عدم منافسة العامل لصاحب العمل وألا يعمل لأي جهة اخري أو أن يقوم بمنافسة صاحب العمل
– أهلية العامل للتعاقد
عقد العمل كغيره من العقود يشترط لإبرامه توافر الأهلية في عاقديه وبالتالي فإنه يشترط للنص على شرط عدم المنافسة أن تتوافر في العامل الأهلية اللازمة للتعاقد لاسيما وإن هذا الشرط يتضمن قيدا على حرية العامل مما يستلزم إدراك العامل للنتائج المترتبة على هذا الشرط
– أن يكون طبيعة العمل تسمح للعامل بالاطلاع على اسرار صاحب العمل
ويعتبر هذا الشرط أحد تطبيقات شرط المصلحة المشروعة لصاحب العمل ولقد أكد المشرع الأردني على هذا الشرط من شروط عدم المنافسة حيث نصت المادة (818) من القانون المدني رقم 43 لسنة 1967 على انه ” -إ ذا كان العامل يقوم بعمل يسمح له بالاطلاع على أسرار العمل ومعرفة عملاء المنشأة جاز للطرفين أن يتفقا على ألا يجوز للعامل أن ينافس صاحب العمل أو يشترك في عمل ينافسه بعد انتهاء العقد”
– أن يكون الشرط مقيد من حيث الزمان والمكان
لقد قررت محكمة التمييز الأردنية بطلان شرط عدم المنافسة المطلق حيث قضت ” إن الشرط جاء عاما مطلقا مما يخالف روح نص المادة 818 من القانون المدني وروح نص المادة 23 من الدستور والمادة 4/ب من قانون العمل “[6]
ويستفاد من قرار محكمة التميز أن شرط عدم المنافسة يجب ألا يتم إطلاقه بل يشترط أن يكون مقيدا سواء من حيث الزمان أو من حيث المكان كما يلي: –
من حيث الزمان: –
اشترط المشرع الأردني أن يكون التزام العامل بالامتناع عن منافسة صاحب العمل محدد بمدة زمنية معينة ومعقولة وإلا اعتبر هذا الشرط باطلا وتخضع تحديد مدي معقولية مدة المنع إلى تقدير القضاء
من حيث المكان: –
يجب أن يكون شرط عدم المنافسة مقيدا من حيث المكان سواء فيجب أن يكون المنع بخصوص مكان معين بذاته يكون مرتبط بالمكان الذي يمارس فيه صاحب العمل نشاطه
ت) التزام العامل بالامتناع عن العمل لدي صاحب عمل أخر
حيث نصت المادة 805 فقرة 2 من القانون المدني الأردني على إنه “أما إذا كان العامل غير مقيد بان لا يعمل لغير صاحب العمل أو لم يوقت لعمله وقت فلا ينطبق عليه عقد العمل ولا يستحق به أجره الا بالعمل حسب الاتفاق.”
ويستفاد من نص المادة السابقة إنه يشترط لاعتبار العقد عقد عمل أن يلتزم بمقتضاه العامل بالامتناع عن العمل لدي أي صاحب عمل أخر حيث يعتبر هذا الالتزام صورة من صور الالتزام بالامتناع عن عمل ولقد أكد المشرع الأردني على هذا الالتزام بمقتضي نص المادة (816) من ذات القانون والتي نصت على انه ” لا يجوز للعامل أن يشغل نفسه وقت العمل بشيء آخر ولا أن يعمل مدة العقد لدى غير صاحب العمل وإلا جاز لصاحب العمل فسخ العقد أو إنقاص الأجر بقدر تقصير العامل في عمله لديه.”
كتابة / كريم عبد السلام
[1] – التنظيم القانوني للالتزام بالامتناع عن عمل وتطبيقاته في القانون الأردني – مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية – كتابة شمس الدين قاسم محمد ص85
[2] – الوجيز في شرح قانون العمل الأستاذ/ بشير هدفي ص85
[3] – اتفاق أو شرط عدم المنافسة في عقد العمل بين حماية مصالح صاحب العمل المشروعة وحق العامل في العمل – كتابة / شواخ بن محمد الأحمد مجلة كلية القانون الكويتية ص 250
[4] – التزامات العامل ورب العمل بين الفقه والقانون – اعداد خليل حسن حامد – اشراف دكتور / جمال زيد الكيلاني ص 47
[5] – التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل بين التشريع وأحكام القضاء – دكتور محمد خليل يوسف أبو بكر -جامعة الزيتون الأردنية ص 463
[6] – محكمة التمييز الأردنية قرار رقم 1120 لسنة 2014 تاريخ 23/9/2014