عقد العمل ووباء كورونا

  1. عقد العمل ووباء كورونا

    درسنا في مقال سابق الأثر القانوني لوباء كورونا على العقد بين نظرية الظروف الطارئة و مفهوم القوة القاهرة ، بحيث أن العقد بشكل عام يعتبر مفسوخا حكما بقوة القانون في حال ظهرت قوة قاهرة تجعل من تنفيذ الالتزام للمتعاقدين أو لاحدهما مستحيلا استحالة مطلقة كأن يهلك محل الالتزام ، أما في حال ظهرت ظروف طارئة تجعل من تنفيذ الالتزام مرهقا أو يستحيل تنفيذه في وقت محدد وهذا ما يعرف بالاستحالة النسبية وهذا نجده في العقود المستمرة ( مثل عقد العمل )  ، فهنا يعود الأمر للقضاء ، إما في إرجاء تنفيذ الالتزام لوقت يستطيع فيه المتعاقدين أو أحدهما تنفيذه دون الحكم بتعويض لأي طرف ، بحيث يوازن القاضي في الخسارة (إن وُجدت) بين طرفي العقد ، و إما فسخ العقد و إلزام طالب الفسخ بالتعويض عن  الأضرار التي قد تنشأ عن  الفسخ . وقد منح القانون لقاضي الموضوع سلطة تقديرية في موازنة الأضرار التي قد تنجم نتيجة للظرف الطارئ بين طرفي العقد، وذلك في حدود العرف (المادة 205 من القانون المدني الأردني).

    من خلال المقال السابق، توصلنا الى أن جائحة كورونا قد تنضوي تحت مفهوم القوة القاهرة تارة، وتنضوي تحت مفهوم الظروف الطارئة تارة أخرى، وهذا يعتمد على اعتبارات معينة أهمهما نوع العقد ومحله، وتعتبر العقود المستمرة أو المتراخية أكثر العقود تأثرا بهذه الظروف، كون محل الالتزام يحتاج وقتا معينا أو فترات طويله أحيانا قد تمتد لسنوات، ويعتبر عقد العمل أحد أهم هذه العقود.

    أصبح من الواضح وأكثر اقترابا للواقع الأثر الخطير الذي ستحدثه أزمة كورونا على العالم والدول النامية على وجه الخصوص، سواء القطاع العام أم الخاص والعاملين فيهما، لكن في المقابل قد لا يواجه العاملين في القطاع العام حجم الخطر الذي بات يواجه العاملين في القطاع الخاص، وذلك لاختلاف المرجعية القانونية للعقود في المبرمة بالنسبة للقطاعين العام والخاص، ولاختلاف المراكز القانونية التي يحتلها طرفي العقد.

    تخضع العلاقة للعاملين في القطاع الخاص في كثير من المجالات لقانون العمل، ويحكم هذه الرابطة بين أطرافه عقد العمل، بالتالي فإن الأثر الذي قد يولده خطر جائحة كورونا، ينجُم عنه اختلال في توزان الرابطة العقدية، بل أحيانا تهاتر هذه الرابطة لتسير نحو طلب الفسخ أو الانفساخ بقوة القانون، حيث لا قدرة راهنة على تنفيذ الالتزام وأحيانا استحالة تنفيذه، دون أن يكون لطرفي العقد إرادة في انفكاك هذه الرابطة وانتهائها.

    وعلى الصعيد القانوني والعملي،

    فقد جاء في العديد من مواد قانون العمل والقانون المدني التي تعالج موضوع الإرهاق في تنفيذ الالتزام أو استحالته استحالة مطلقة ، فبات معلوما انه اذا أصاب العقد قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام  مستحيلا ، يكون العقد مقضيا أو مفسوخا بقوة القانون دون استحقاق أي من طرفي العقد للتعويض ، و لا حاجة لحكم القضاء للبت في ذلك ( تطبيقا للمادة 247 من القانون المدني) ، من ناحية أخرى ، فقد يصيب العقد ظروفا طارئة خارجة عن إرادة طرفي العقد يجعل من تنفيذ العمل أو الاستمرار فيه أمرا مرهقا لطرفي العقد ، بحيث يصبح عقد العمل عقدا موقوفا ، يستطيع طرفي العقد 1. الاستمرار في تنفيذه بعد زوال الطارئ، أو 2. الطلب من القضاء رد الالتزام الى الحد الذي يستطيع معه طرفي العقد الاستمرار في تنفيذه بحيث يزول الإرهاق وتتوازن الخسارة بين طرفي العقد، أو 3. طلب الفسخ مع تعويض الطرف الأخر بحيث يكون للقاضي السلطة التقديرية في ذلك بما يوافق العُرف.

    وعلى الصعيد ذاته،

    عالج قانون العمل الأردني في نصوصه المــآل الذي تنتهي إليهم عقود العمل، حيث نصت المادة 21 منه على: “ينتهي عقد العمل في أي من الحالات التالية: أ – إذا اتفق الطرفان على إنهائه. ب – إذا انتهت مدة عقد العمل أو انتهى العمل نفسه. ج – إذا توفي العامل أو أقعده مرض أو عجز عن العمل وثبت ذلك بتقرير طبي صادر عن المرجع الطبي……..”

    أيضا، نصت المادة31 / أ من ذات القانون على أن: ” إذا اقتضت ظروف صاحب العمل الاقتصادية أو الفنية تقليص حجم العمل أو استبدال نظام انتتاج باخر أو التوقف نهائيا عن العمل مما قد يترتب عليه أنهاء عقود عمل غير محدودة المدة أو تعليقها كلها أو بعضها، فعليه تبليغ الوزير خطيا معززا بالأسباب المبررة بذلك قبل اتخاذ أي إجراء بهذا الخصوص.

    وجاء في المادة 50 من ذات القانون:

    ” إذا اضطر صاحب العمل إلى وقف العمل بصورة مؤقتة بسبب لا يعزى إليه وليس في وسعه دفعه فيستحق العامل الأجر عن مدة لا تزيد على العشرة أيام الأولى من توقف العمل خلال السنة وأن يدفع للعامل نصف أجرة عن المدة التي تزيد على ذلك بحيث لا يزيد مجموع التعطيل الكلي المدفوع الأجر على ستين يوما في السنة ”

    من خلال نصوص المواد المذكورة آنفا، يُـفهم انه قد يصيب أحد طرفي العقد (العامل أو صاحب العمل) من الظروف التي تجعل من الاستمرار في تنفيذ العقد امر مرهقا وأحيانا مستحيلا، ويمكن تلخيص في ذلك في أمرين اثنين:

    الأول: استحالة تنفيذ العقد من جهة العامل،

    وذلك بدلالة المادة 21/ج من قانون العمل، وذلك في حال تعرض العامل للمرض الطويل أو أصابته بالعجز بصورة تجعل تنفيذه للالتزام مستحيلا، شريطة أثبات ذلك بتقرير طبي من الجهة الطبية المعتمدة من وزير العمل. وعليه، لا يُـلزم العامل بتعويض صاحب العمل عن مدة العقد المتبقية في حال كان العقد محدد المدة، أو عن مهلة الأشعار في حال كان العقد غير محدد المدة.

    الثاني: استحالة تنفيذ العقد من جهة صاحب العمل

    ، بدلالة نص المادة 31/1 ونص المادة 50 من قانون العمل، وهنا يظهر الفرضين التاليين: 1. إذا كان سبب الاستحالة أجنبيا لا يد لصاحب العمل فيه، فإن عقد العمل ينفسخ وينتهي بقوة القانون، دون مسؤولية صاحب العمل عن تعويض العامل عن المدة المتبقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة، أو عن مهلة الأشعار إذا كان العقد غير محدد المدة، 2. إذا كان سبب استحالة تنفيذ العقد يرجع لصاحب العمل وليس لسبب أجنبي، فهنا لا ينفسخ عقد العمل ولا ينقضي بقوة القانون، بالتالي إذا قام صاحب العمل بإنهاء عقد العمل تبعا لذلك، فيكون مسؤولا عن تعويض العامل عن المدة المتبقية في العقد إذا كان محدد المدة، أو عن مهلة الإشعار إذا كان غير محدد المدة، مثال ذلك، إغلاق المصنع بسبب مخالفة ارتكبها صاحب العمل أو لقلة الأرباح التي يجنيها.

    وتنطبق هذه الحالات عندما يكون تنفيذ الالتزام مستحيلا استحالة مطلقة، لكن، قد لا يكون تنفيذ الالتزام مستحيلا بالمطلق، وإنما تكون الاستحالة في التنفيذ مؤقتة أو نسبية.

    الاستحالة النسبية في تنفيذ عقد العمل

    لقد خلّف اجتياح وباء كورونا العديد من الأثار الخطيرة التي يصعب معها تنفيذ الالتزام في عقد العمل كونه من العقود المستمرة، ويجعل في ذلك استحالة نسبية أو وقتية لطرفي العقد، فهنا لا ينقضي العقد ولا تؤدي الى انفساخه، وإنما يعتبر موقوفا لحين زوال الاستحالة النسبية أو الوقتية، فيعود الالتزام الى التنفيذ.

    وعليه، إذا قام صاحب العمل بإنهاء العمل خلال هذه الفترة، يعتبر ذلك أنهاء غير مشروعا، أوفي حال قام العامل بترك العمل، يعتبر تركه للعمل تركا غير شروعا، وعليه تقوم المسؤولية العقدية في كلا الحالتين، ويُـلزم الطرف المخالف بتعويض الأخر حسب نصوص قانون العمل.

    بناء على ذلك، في حال قام صاحب العمل بعدم تنفيذ التزامه في العقد، أو قام بإنهاء العقد مع العامل، مستندا في ذلك لنص المادة 50 من قانون العمل، فهل يعتبر أنهاؤه للعقد مشروعا؟

    لا شك في أن الظرف الذي تمر به البلاد في هذا الوقت ليس له مثيل في السابق ، وله تأثير كبير على مختلف مناحي الحياة ، لكن لا يخرج عن كونه ظرفا طارئا “مؤقتا “يجعل من تنفيذ الالتزام امرأ مرهقا وخصوصا في حق الأشخاص العاملين في القطاع الخاص ( أصحاب العمل والعمال ) والذين يخضعون لأحكام قانون العمل، وعليه لا يستطيع صاحب العامل إعمال نص المادة 50 من قانون العمل في ظل تطبيق قانون الدفاع ، وإصدار أوامر حكومية ورسمية بتعطيل القطاعين العام والخاص إلا ما تم استثناؤه من قبل الحكومة ، فإن قام صاحب العمل بإنهاء العمل مستندا في ذلك على نص المادة 50 ، سيكون أنهاؤه حتما أنهاء غير مشروعا ، يُــلزمه بتعويض العامل عن المدة المتبقية في العقد اذا كان محدد المدة ، أو عن مهلة الإشعار اذا كان عقد العمل غير محدد المدة ، و أي حقوق أخرى مترتبة في ذمة صاحب العمل للعامل . إضافة لمسألة صاحب العمل قانونيا لمخالفته قانون الدفاع وأوامره الصادرة عن رئيس الوزراء.

    تم بحمد الله

    المراجع

    1. القانون المدني الأردني، والمذكرات الإيضاحية له
    2. قانون العمل الأردني
    3. رمضان، سيد محمود، الوسيط في شرح قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي، عمان دار الثقافة ،2005، الطبعة الأولى

     

    .

نموذج عقد عمل 2023

نموذج مخالصة موظف نهائية- قابل للطباعة والنسخ