القرائن القانونية
تعتبر القرائن من الوسائل غير المباشرة في الإثبات ،كونها لا تقع مباشرة على الواقعة المراد إثباتها ،بل تنصب على واقعة أخرى تتصل بالواقعة المراد إثباتها اتصالا وثيقا ،والمشرع الأردني وفي قانون البينات رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته ،قسم القرائن إلى نوعين ،القرائن القانونية والقرائن القضائية ،وتناولت كل من المادة 40 و 41 منه القرائن القانونية على وجه التفصيل ،وفي مقالنا هذا سوف نتحدث عن :
جدول المحتويات
المقصود بالقرينة
يمكن تعريف القرينة بأنها استنباط المشرع أو القاضي لواقعة غير ثابتة من واقعة ثابتة استنادا إلى الغالب من الأحوال ،وبالتالي توجد واقعتين إحداهما مجهولة (الواقعة المراد إثباتها)والأخرى معلومة (التي يتم الاستنباط منها)فيتم التوصل لإثبات الواقعة المجهولة بواسطة الواقعة المعلومة ،نظرا لقربها منها واتصالها بها ،وذلك على أساس راجح الوقوع وليس على أساس اليقين المطلق ،ومن الجدير بالذكر بأن المشرع الأردني لم يعرف القرينة بقانون البينات ،إنما أقتصر على بيان أنواع القرائن وهي القرائن القانونية والقرائن القضائية .
تعريف القرائن القانونية
جاء في المادة 40 من قانون البينات رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته، على أن القرينة التي ينص عليها القانون تغني من تقررت لمصلحته عن أي طريقة أخرى من طرق البينات، مع جواز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك.
وعليه نجد أن المشرع الأردني لم يضع تعريفا للقرينة القانونية في هذه المادة إنما اقتصر فقط على بيان مصدرها وحجيتها.
ويمكن تعريف القرينة القانونية بأنها استنباط المشرع بواقعة غير ثابتة من واقعة ثابتة استنادا إلى الغالب من الأحوال بصيغة عامه ومجردة تبين الشروط الواجب توافرها للتمسك بتلك القرينة.
عناصر القرائن القانونية
العنصر المادي (الواقعة الثابتة):
ومعنى هذا أن الواقعة يجب أن تكون ثابتة ثبوتا قطعيا لا مجال فيه، حتى يكون الاستنباط المبني عليها سليما، ومثال ذلك قرينة إعسار المدين على أساس واقعة ثابتة وهي وجود دين للدائن مترتب في ذمة المدين.
العنصر المعنوي (استنباط الواقعة المجهولة):
ومعنى ذلك أن يقرر بموجبها المشرع أنه ما دام قد ثبت واقعة ثابتة فأن واقعة أخرى تثبت بثبوتها، فعلى سبيل المثال جاء بالمادة 20 من قانون البينات رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته، أن التأشير على السند من قبل الدائن قرينة على الوفاء إلى أن يثبت عكس ذلك.
ميزات القرائن القانونية
تمتاز القرائن القانونية بأنها من صنع المشرع، أي لا يمكن أن تقوم أية قرينة قانونية بدون نص في القانون، وعليه فهي واردة ومحددة على سبيل الحصر، ولا يجوز القياس عليها.
كما تمتاز هذه القرائن بأن لها طابع مجرد وإلزامي، فهي مجردة حيث يتم النص عليها قبل حصول الحالة ومتى وجدت تكون ملزمة لكل من القاضي والخصوم.
تعتبر القرينة القانونية من أدلة الإثبات غير المباشرة، أي أنه إذا تم إثباتها يعتبر ذلك إثباتا للواقعة مصدر الحق المدعى به بطريق غير مباشر، والميزة الأخيرة لهذه القرائن هي أنها ليست في مرتبة واحدة، فهنالك قرائن قانونية بسيطة حيث يجوز إثبات عكسها، وهنالك قرائن قاطعة لا تقبل الإثبات بالدليل العكسي. [1]
أنواع القرائن القانونية
للقرائن القانونية نوعين هما:
القرائن القانونية البسيطة:
وهي تلك القرائن التي يجوز للخصم في الدعوى نقضها وإثبات عكسها، ذلك أن القرينة في هذا النوع راجحة الوقوع وليست مطلقة أي لا تقوم على يقين، ويطلق على هذا النوع من القرائن أيضا بالقرائن النسبية والقرائن غير القاطعة.
ويعد إعفاء من تقررت لمصلحته هذه القرينة من الإثبات ليس مطلقا، إنما مؤقتا إذا تمكن الخصم الآخر في الدعوى من إثبات عكس هذه القرينة، ويستطيع من تقررت لمصلحته أن ينفي إثبات خصمه لعكس القرينة.
ومن الأمثلة على القرائن البسيطة ما نصت عليه المادة 1280 من القانون المدني الأردني (الحائط المشترك) وهو الفاصل بين بنائين يعد مشتركا ما لم يقم الدليل على عكس ذلك (إقامة المالك له على نفقته وعلى أرضه). [2]
ويطلق عليها القرائن القانونية البسطة وهي القرائن التي تقبل إثبات العكس ومن أمثلتها:
– افتراض علم الجاني بقيام الزوجية -في جريمة الزنا-، ما لم يثبت انه لم يكن مقدوره العلم بها.
– قرينة تخلف الشاهد عن الحضور أمام المحكمة للإدلاء بشهادته دليل على امتناعه عن أدائها ما لم يثبت ان تخلفه عن الحضور كان لعذر مشروع
حجية القرائن القانونية البسيطة في الإثبات
يجوز نقض هذه القرينة وفقا للقواعد العامة، حيث يمكن إثبات عكسها بالكتابة، وبالإقرار ممن تقررت لمصلحته أو بنكوله عن اليمين، ويجوز نقضها أيضا بالشهادة وبالقرائن القضائية.
وعليه فيجوز إثبات عكسها، ويكون ذلك بأن يثبت الخصم عدم انطباق شروط هذه القرينة على واقعة الدعوى.
ومن الجدير بالذكر أن هنالك قرائن قانونية يحتاج نقضها طرق خاصة وليست مطلقة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن المشرع الأردني جعل السندات الرسمية حجة على الكافة مشترطا لنقضها إثبات تزويرها بالطرق المقررة قانونا وهذا ما جاء في نص المادة 7/1 من قانون البينات رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته.[3]
القرائن القانونية القاطعة
وهي القرينة التي لا يجوز نقضها بالدليل العكسي، أي لا يجوز نقض دلالتها بإثبات عكسها، وهذه القرائن تقترب من القواعد الموضوعية، وتخرج عن أدلة الإثبات، ولا يمكن اعتبارها وسيلة إثبات حقيقية، حيث يمكن اعتبارها قاعدة موضوعية شأن أي حكم آخر يقرره القانون بنص في الموضوع.
ولا بد من الإشارة الى تعريف القاعدة الموضوعية ليتسنى لنا فهم وإدراك ما تم ذكره أعلاه، فالقاعدة الموضوعية هي تلك التي تتعلق بموضوع الحق أو الدعوى التي تحميه سواء اتصلت هذه القاعدة بأسباب وجوده أو انتقاله أو انقضائه.
فالمشرع في القاعدة الموضوعية يضع في اعتباره واقعة واحدة محددة على خلاف القرينة القانونية، ومتى تقررت هذه القاعدة توارت العلة خلفها، أي أن العامل الراجح الوقوع في هذه القاعدة يختفي ورائها، وعليه لا يجوز معارضتها بالعلة في تقريرها، حيث أن هذه العلة تختفي ورائها، ومن أجل التوضيح والتبسيط أكثر نضرب مثال على هذه القاعدة وهو إذا كان الشخص بالغ الذكاء في عمر (17) سنة، فهذا الشخص لا يزال قاصرا بنظر القانون لعدم بلوغه سن الرشد (18).
هذه النوع من القرائن يقيد القاضي والخصوم ,لا يمكن المجادلة في صحته أو إثبات عكسه ,والقرينة القاطعة تقوم على أساس فكرة الاحتمال أو الرجحان ,ولهذا فأن المشرع عندما يجعل القرينة قاطعة فأن ذلك ليس راجعا الى أنها تؤدي بالضرورة الى حقيقة مؤكدة , فقوتها في القطع ليست بسبب مطابقتها للواقع على نحو تام وإنما بسبب ما هو راجح الوقوع فحسب ,وحين يمنع المشرع القاضي من إثبات عكسها فأنه سوف يفترض ان ثمة أحوال ستتخلف فيها القرينة حتما ,وهذه الأحوال وان قلت الا أنها تعرض القرينة للنقض ولذلك يمنع إثبات عكسها ,,ومن أمثلتها:
- قرينة انعدام التمييز عند الصغير من لم يبلغ التاسعة والمجنون وبالتالي انتفاء مسؤوليتهما الجنائية.
- قرينة الصحة في الأحكام النهائية الباتة وبالتالي عدم جواز الحكم على خلافها.
- قرينة العلم بالقانون بعد نشره بالجريدة الرسمية وبالتالي عدم جواز الاعتذار للجهل به.
حجية الشيء المقضي به
جاء في المادة 41 من قانون البينات رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته، أن الأحكام التي حازت الدرجة القطعية تعتبر حجة بما فصلت فيه من الحقوق، حيث لا يجوز قبول أي دليل ينقض هذه القرينة، واضعا المشرع فيها شروط حتى تكون لتلك الأحكام هذه القوة وهي أن يكون النزاع قد قام بين الخصوم أنفسهم ودون تغيير في صفاتهم وبالإضافة الى تعلق النزاع بالحق ذاته من حيث المحل والسبب.
وعليه لابد من توضيح وبيان المقصود بحجية الشيء المقضي به، فهو وصف يلحق بالحكم القضائي ويدل على أن هذا الحكم صدر صحيحا من حيث الشكل، وعلى حق من حيث الموضوع، وهو حجة على ما قضي به، فهو يشكل نوعا من الحماية، حيث يمتنع بمقتضاه مناقشة ما حكم به في دعوى سابقة في دعوى جديدة بالنسبة الى ذات الخصوم وذات الحق محلا وسببا.
وتثبت حجية الشيء المقضي به للأحكام القطعية الصادرة عن القضاء بمجرد صدورها، بحيث لا يجوز طرح ذات الموضوع على القضاء مرة أخرى لسبق الفصل فيه.
وعليه فقد نص المشرع على هذه الحجية ضمن القرائن القانونية في المادة 41/1 من قانون البينات رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته، جاعلا منها قرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس.
وفي ذات المادة المشار اليها أعلاه وبقرتها الثانية أجاز المشرع للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها، ليجعل هذه القرينة متعلقة بالنظام العام بصريح النص، وأن الخصوم لا يملكون حق التنازل عنها، مجيزا لقاضي الموضوع التعرض لها والأخذ بها من تلقاء نفسه، حتى لو لم يتمسك بها الخصوم.
النصوص القانونية المتعلقة بالقرائن القانونية
قانون البينات الأردني
المادة 40:
القرينة التي ينص عليها القانون تغني من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك.
المادة 41:
- الأحكام التي حازت الدرجة القطعية تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه القوة إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بالحق ذاته محلا وسببا.
- ويجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها.
المادة 7/1:
تكون الأسناد الرسمية المنظمة حجة على الناس كافة بما دون فيها من أفعال مادية قام بها الموظف العام في حدود اختصاصه، أو وقع من ذوي الشأن في حضوره وذلك ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانونا.
المادة 1280:
الحائط الذي يكون وقت إنشائه فاصلا بين بنائين يعد مشتركا حتى مفرقهما ما لم يقم دليل على غير ذلك.
اجتهادات محكمة التمييز الأردنية بشأن القرائن القانونية
قرار محكمة التمييز الصادر عن الهيئة العادية رقم 2907/2007 فصل 8/6/2008
“وحيث نجد إذا كان الدين دينا نقديا وتمت المطالبة بالفائدة القانونية فيستحق المدعي الفائدة القانونية والفائدة القانونية هي تعويض للدائن عن عدم استعمال مبلغه المحدد وبتأخير المدعى عليه بدفع هذا المبلغ وحيث ان موضوع الحكم بالفائدة القانونية باعتباره تعويضا عن العطل و الضرر الذي لحق بالمدعي نتيجة عدم دفع المدعى عليه للمبالغ التي قام بحسمها في الدعوى رقم 94/4588 واكتسب هذا الشق الدرجة القطعية بموجب قرار محكمة التمييز رقم 573/2005 فان المطالبة بها بوصف آخر غير جائز باعتبار ان شروط القضية المقضية بالنسبة الى هذا الشق قد توافرت وهي وحدة الخصوم و وحدة السبب و وحدة الموضوع وفقا لأحكام المادة 41/1 من قانون البينات وحيث ان محكمة الاستئناف في قرارها المطعون فيه قد ذهبت الى خلاف ذلك فيكون قرارها في غير محله “.
قرار محكمة التمييز الصادر عن الهيئة العادية رقم 146/2017 فصل 9/2/2017
“وحيث أن المستفاد من أحكام المادة 41 من قانون البينات الباحثة في شروط القضية المقضية أن القضية تكون مقضية إذا بت بالنزاع وحاز الحكم الدرجة القطعية بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بالحق ذاته محلا وسببا.
وأنه إذا اختل شرط من شروط هذه القاعدة من حيث وحدة الخصوم أو الموضوع أو السبب باختلاف أي منها في القضية الثانية ما كان عليه في الدعوى الأولى فأنه لا يكون للحكم الأول قوة تمنع من الدعوى الثانية.
وفي الحالة المعروضة فأن الثابت من أوراق الدعوى أن القرارات الاستئنافية محلها يختلف عن محل الدعوى 333/2013 على اعتبار أن القرارات الاستئنافية تعلقت بموضوع جواز طرح سند الرهن لدى دائرة التنفيذ بينما موضوع الدعوى 333/2013 هو منع المطالبة بما تضمنه سند الرهن وبالتالي فإن الشروط الواجب توافرها لاعتبار القضية مقضية قد تخلف فيها شرطي المحل والسبب وحيث أن محكمة الاستئناف توصلت للنتيجة ذاتها فيكون قرارها في محله”.
إعداد المحامية : ثمار إبراهيم
المراجع
الموقع الإلكتروني حماة الحق للمحاماة
[1] -أحمد شرف الدين، أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية، ص 240.
[2] -القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976 -المادة 1280.
[3] -قانون البينات الاردني رقم 30 لسنة 1952 –المادة 7/1.