لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

من القواعد الفقهية المشهورة هي قاعدة لا ضرر ولا ضرار، حتى أنها أصبحت متداولة عند المجتمع بشكل عام وليس المجتمع القانوني فقط، وهذه القاعدة هي لفظ حديث شريف وهي أصل تشريعي ودليل نصي لمنع الفعل الضار ومعالجة عواقبه عيناً ، أَو عقوبة ، أَو تعويضاً. وقاعدة لا ضرر ولا ضرار لها فروع متصلة بها وهي الضرر يزال والضرر يدفع بقدر الإمكان ، وقاعدة الضرر لا يزال بمثله أو بالضرر.

ويجب قبل ذلك ألا يفهم من كلمة ( لا ضرر ) أنه لا يوجد ضرر، بل الضرر في كل الأوقات والأزمان موجود، وإنما المقصود هنا أنه لا يجوز الضرر أي الإضرار ابتداء، لأن الضرر هو ظلم والظلم ممنوع في كل دين كيفما كان، وجميع الكتب السماوية قد منعت الظلم .

كما أن معنى الضرر هو الحاق مفسدة بالغير مطلقاً ، والحديث يمنع إيقاع الضرر باي شكل من الأشكال ويوجب رفعه، والضرار مقابلة الضرر بالضرر ، وانه لا يصح رفعه بضرر أخر ؛ لأنّ ذلك لا يفيد المتضرر ، ولا الأمة ، ولا يستفاد منه أحد ، وان الأضرار انتقام وإضاعة للطاقات والثروات ، بل يجب عليه أن يراجع الحاكم ويطلب إزالة ضرره بالصورة المشروعة ولذلك يجبر الضرر بالتعويض ويستفاد منه المتضرر.

أولا : مشروعية القاعدة في كل من الشريعة والسنة.

تأتي هذه القاعدة من السنة النبوية في الأصل حيث جاء فيما رواه الحاكم وغيره عن أبي سعد الخدري رضي الله عن الرسول صل الله عليه وسلم قال : (لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله ومن شاق شاق الله عليه) ومن ذلك فإن القاعدة من أركان الشريعة وتشهد بذلك عدة نصوص من السنة والكتاب، حيث إنها أساس لمنع الفعل الضار وترتيب نتائج في التعويض المالي والعقوبة، كما أنها تعد سند لمبدأ الاستصلاح في جلب المصالح ودرء المفاسد، وهي قاعدة الفقهاء وعمدتهم وميزاتهم في تقرير الأحكام الشرعية.

 وإن المقصود من نفي الضرر في الشريعة هو نفي فكرة الثأر الذي كان منتشر حيث إن الثأر يزيد الضرر فقط.

لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة الضرر يزال

وفي القانون المدني الأردني فقد دمج المشرع بين قاعدتين كانت كل واحدة منهما مستقلة، وهما قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة الضرر يزال، وذلك في المادة 62 من القانون المدني حيث نص على أن لا ضرر ولا ضرار، والضرر يزال.

حيث إن القاعدة الأولى هي القاعدة التي وضعها الفقهاء من أجل النهي عن إيقاع الضرر ابتداء كإجراء وقائي، وهي بنصها حديث نبوي شريف كما سبق الذكر، كما أن هنا وقع خلاف بين الفقهاء في الفرق بين الضرر والضرار.

حيث جاء القول الأول أنهما بنفس المعنى لأن حمل اللفظ على التأسيس أولى من التأكيد، وجاء القول الثاني بأن الضرر هو الاسم والضرار يعد الفعل منه، فيما جاء القول الثالث على أن الضرر يدخل على غيره ضررا، بما ينتفع هو به، والضرار أن يدخل على غرار ضرارا، بما لا ينتفع هو به، كمن منع ما لا يضره، ويضره، ويتضرر به الممنوع، وآخر القول إن الضرر هو أن يضر بمن لا يضره، والضرار أن يضر بمن قد أضر به، على وجه غير جائز.

 كما قد تفرعت عن القاعدة الأولى القاعدة الثانية التي دمجها المشرع معها وهي أن الضرر يزال.

نص المادة 260 من القانون المدني الأردني

وقد نصت المادة 260 من القانون المدني الأردني نفسه حيث جاءت كما يلي : “ليس لمن أتلف ماله شخص أن يتلف مال ذلك الشخص وإلا ضمن كل منهما ما أتلف”. وحيث يرى الأستاذ مصطفى الزرقا أن المادة هنا بمكن الاستغناء عنها لأنها صورة تطبيقي عن القاعدة من الأساس كما أن المبدأ قد أصبح مشهورا عند عامة القانونيين وهو أن جزاء الإتلاف هو الضمان وليس الإتلاف.

المادة 65 على أنه يدفع الضرر العام بالضرر الخاص

كما جاء في المادة 65 على أنه يدفع الضرر العام بالضرر الخاص، والأشد بالأخف. حيث إن هذه المادة عبارة عن تفرع من القاعدة العامة وهو أن يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام، كما أن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.

حكم قضائي تطبيقي

وفي قـراراً صـدر بتاريخ 8 ربيع الأول سنة 1442هـ الموافـق 26/10/2020م. في قضية  يملك مدعيان فيها قطع الأراضي ذوات الأرقام (5 و23 و243 و244) حوض رقم (5) تليل من أراضي قرية الكفير في محافظة جرش نوع ميري/ سقي وكذلك يملكان قطعة الأرض رقم (97) حوض رقم (4) الدمنة من أراضي قرية جبة في محافظة جرش نوع ميري/ سقي والمدعي الأول يملك قطعة الأرض رقم (371) حوض رقم (5) تليل من أراضي قرية الكفير في محافظة جرش نوع ميري/ سقي والمدعي الثاني يملك قطعة الأرض رقم (370) رقم (5) تليل من أراضي قرية الكفير في محافظة جرش نوع ميري/ سقي والمدعى عليهم الثانية والثالثة والرابعة يملكون سيل الزرقاء والمدعى عليها الخامسة تقوم بإسالة المياه العادمة وتدفقها في السيل، ونتيجة جريانه في غير مجراه غمر أجزاء و/أو كامل قطع الأراضي ووضع الطمي والحجارة والأتربة والأنقاض في قطع الأراضي مما حرم المدعيان من الانتفاع بها وكذلك نتيجة اختلاط المياه العادمة بمياه السيل حرم المدعيان من زراعة الأرض بالمزروعات المختلفة التي اعتادوا على زراعتها منذ عشرات السنين .

وحيث نتيجة لهذا تضررت قطع الأراضي موضوع الدعوى حيث إن جريان السيل أدى إلى طمر قطع الأراضي وجرف أجزاء منها أو كلها وأصبحت كامل قطع الأراضي غير صالحة للزراعة والانتفاع بها .

وبعد السير بإجراءات الدعوى والمحاكمة وفي جلسة 17/9/2015 وبناء على طلب وكيل المدعيين وعدم مخالفة وكيل المدعى عليها شركة السمراء لتنقية المياه العادمة قررت محكمة الدرجة الأولى وعملاً بأحكام المادة (126) من قانون أصول المحاكمات المدنية إسقاط الدعوى عن المدعى عليها شركة السمراء لتنقية المياه العادمة والسير بإجراءات الدعوى بمواجهة باقي المدعى عليهم وكذلك الأمر وفي جلسة 21/3/2019 وللأسباب ذاتها أعلاه ومفاعيلها قررت محكمة الدرجة الأولى إسقاط الدعوى عن المدعى عليهما شركة مياه اليرموك وسلطة وادي الأردن والسير بإجراءات الدعوى بمواجهة المدعى عليها سلطة المياه.

الضرر المحتمل غير الواقع في الواقع

يعرف المشرع المغربي الضرر بكونه الأذى الذي يصيب الإنسان في جسمه، أو ماله، أو شرفه، أو عاطفته.

وهو الركن الثاني من أركان المسؤولية في القانون المغربي حيث يسبقه الخطأ وتلحقه العلاقة السببية وبغير توفره لا تتوفر المسؤولية ولا يمكن للقضاء الحكم بالتعويض. حيث لا يعترف المشرع المغربي بالضرر المحتمل غير الواقع في الواقع كأساس للعقاب. وينص المشرع المغربي كنص على نص القاعدة الثاني وهو الضرر يزال بالتعويض حيث عنى به المشرع كل ما يلتزم به المسؤول مدنيا قبل من أصابه بضرر. وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصل 77 و98 من ق.ل.ع ونصت عليه المادة 123 من القانون المدني المصري بقولها على أن كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، وتجدر الإشارة إلى أن التعويض بهذا المعنى لم يكن معروفا من قبل إلا بعد صدور التقنين المدني والفرنسي لعام 1904 حيث فصل بصورة قاطعة بين المسؤولية المدنية والجنائية. وقد كان لهذا التمييز أثره المباشر على التعويض وحدد نطاق وظيفته وجعلها في جبر الضرر فحسب.

ثانيا : فروع القاعدة.

كما بينا فرغم أن المشرع الأردني قد جمع بين القاعدة الأصل والقاعدة المتفرعة منها، الى أن القاعدة الأصل هي أنه لا ضرر ولا ضرار وهذه القاعدة تفرعت منها قواعد عدة وهي :

1-الضرر يزال:

تعتبر هذه القاعدة متفرعة من القاعدة الأولى وفي نفس الوقت تتمة لها حيث إن القاعدة الأولى تنهي عن الضرر والأضرار فيما جاءت القاعدة الثانية لتتم الأولى بكون أن الضرر يجب معالجته في حالة وقوع الضرر، حيث إن في أغلب التشريعات سواء السماوية أو الوضعية كما هو الحال في القانون المدني الأردني فإن الضرر عقابه إلزام المتسبب بالضرر بإزالة الضرر.

2-الضرر يدفع بقدر الإمكان.

قاعدة الضرر يدفع بقدر الإمكان هي أن الضرر حسب القاعدة يجب دفعه ما أمكن بدون ضرر أصلا فيها، وإلا فيتوسل لدفعه بالقدر الممكن، وقد تطرق لهذه القاعدة عديد القوانين سواء الأردني أو المغربي أو غيرها حيث نصوا على أحكام لها من قبيل متى يمكن تجنب الضرر الأكبر بإيقاع الضرر الأصغر متى كان لا مفر من إيقاع أحد الضررين، وغيرها من الأحكام لذا تقرر الفرع الضرر يدفع بقدر الإمكان.

3- الضرر لا يزال بمثله، أو بالضرر:

قاعدة الضرر لا يزال بمثله ، هذه القاعدة تعتبر بشكل أدق قيدا للقاعدة الأم لكون أن الضرر لا يزال بضرر مثله وهنا نعود لهدف الشريعة في إزالة فكرة الثأر، لكون أن الضرر المقابل ليس بإزالة حيث كمثال إذا أصاب شخص آخر وجعل به إعاقة دائمة فليس رض الضرر وإعافة الشخص المتسبب في الإعاقة بحل لإن النتيجة هي شخصية بإعاقتين عاجزين عن تقديم إضافة للمجتمع، لذي فكانت الإزالة هي فكرة إزالة الضرر ما أمكن ذلك.

4- الضرر الأشد يزال بضرر أخف

فقد وردت هذه القاعدة في مجلة الأحكام العدلية لسنة 1876 بالمادة 27  ( إزالة الضرر الأشد )

تفسير القاعدة

يقصد بها أن الضرر الأشد يزال بضرر أخف. إذا دار الأمر بين ضررين أحدهما أشد من الآخر، فيتحمل الضرر الأخف في مقابلة الضرر الأشد

وأصل هذه المادة:
  1. قصة الحديبية ومصالحة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ المشركين على الرجوع، وإن

جاء أحد من مكة مسلمًا رده إليهم، ومن راح من المسلمين لا يردونه، وذلك لدفع ضرر أعظم، وهو قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا بمكة ولا يعرفهم الصحابة، وفي قتلهم معرة عظيمة على المؤمنين، فاقتضت المصلحة ارتكاب الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد، وإلى هذا يشير قوله تعالى:(ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم) سورة الفتح، الآية 25.

  1. ما روي أن أعرابيًا قام إلى ناحية المسجد فبال فيها، فصاح به الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دعوه) ، فلما فرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء، فصب على بوله.

ثالثا : تطبيقات القاعدة.

هناك العبد من تطبيقات القاعدة في المعاملات المختلفة أهمها :

  1. لو بنى مشتري ما للأرض فيها أو غرس فيها ثم تبين أن بها مستحق، فهنا إذا كانت قيمة البناء أكثر/ حق للمشتري أن يتملل الأرض بقيمتها جبرا على صاحبها المستحق، والعكس بالعكس.
  2. جبر الشريك على العمارة إذا أباها في ثلاث محلات وهي : ما إذا كان وصي يتيم ، أو متولي وقف ، وعند ضرورة تعذر القسمة، فإنه شرع توقياً من تضرر الصغير والوقف والشريك من تداعي العقار للخراب.
  3. لو كان برجل جرح، لو سجد سال دمه يومئ، ويصلي جالسا، لأن ترك السجود أهون من ترك الصلاة.
  4. لو باع لآخر ما يتسارع إليه الفساد وغاب المشتري قبل قبضه وقبل نقد الثمن فأبطأ ، فللبائع بيعه لغيره توقياً من تضرره بفساده ، ولا يرجع على المشتري بشيء لو نقص الثمن الثاني عن الأول.
  5. مشروعية الخيار للبائع في فسخ البيع إذا كان يتضرر في غير ما باعه ، كما لو باع جذعاً مثلاً من سقف ، أو باع حصة شائعة من زرع مملوك له غير مستحصد فإن له الخيار في فسخ البيع في الأولى ، لأنه بقلع الجذع يتضرر في غير ما باعه وهو بقية السقف ، وكذلك له الخيار في الثانية إذا طالبه المشتري بالقسمة قبل استحصاد الزرع توقياً من تضرره فيما لم يبعه وهو بقية الزرع ، إذ لا تمكن القسمة إلا بعد قلع الكل.
  6. لو ثبت الحق على المدعى عليه بالبينة وبإقراره وقضي عليه ، فإنه يعتبر قضاءً بالإقرار لأنه أقوى لكن إذا كان في اعتباره قضاءً بالبينة تحرز عن إيقاع ضرر بالمدعى عليه ، فحينئذٍ يعتبر القضاء مستنداً إلى البينة ، وذلك كما إذا استحق المبيع من يد لمشتري بإقراره وبالبينة وقضي عليه ، فإنه يعتبر القضاء مستنداً إلى البينة لا إلى الإقرار ، إذ في اعتباره قضاءً عليه بالإقرار إيقاع ضرر به وهو عدم تمكنه من الرجوع على بائعه بالثمن ، لأن الإقرار حجة قاصرة لا يتعدى إلى البائع ، بخلاف البينة فإنه حجة متعدية ، فإذا اعتبر القضاء مستنداً إليها يتمكن المشتري من الرجوع على بائعه بالثمن ولا يتضرر وهي تطبيق لقاعدة الضرر لا يزال بمثله، أو بالضرر .
  7. لو استقرض بالمرابحة إلى أجل معلوم ثم حل الدين بموت المديون أو وفاة المديون قبل حلول الأجل فليس للدائن من المرابحة إلا بقدر ما مضى من الأيام.

المراجع :

القانون المدني الأردني.

قانون الالتزامات والعقود المغربي.

شرح مختصر الروضة في أصول الفقه / نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوقي / تحقيق: د. إبراهيم الإبراهيم / مطابع الشرق الأوسط، 1989م.

الزحيلي، وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية.

عبد الهادي أبو أصبع: الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية، دار الكتب الوطنية ببنغازي، الطبعة الأولى 1994.

error: Alert: Content is protected !!