لا حجة مع التناقض

مبدأ لا حجة مع التناقض

مبدأ لا حجة مع التناقض من القواعد الفقهية والقانونية التي نص عليها القانون المدني الأردني في المادة (85) منه، فما المقصود بهذا المبدأ، وما نطاق تطبيقه، وأثره على الأحكام القضائية، وقبل الحديث عن مبدأ أو قاعدة لا حجة مع التناقض، لا بد من التطرق إلى معنى كل من الحجة والتناقض، ليسهل علينا فهم المقصود والغاية من هذا المبدأ بالإضافة الى شرح مفهوم لا حجة في حال التناقض ، وتطبيقها في تناقض الشهادة وتناقض الأدلة.

الحجة والتناقض

إن الحجة هي الدليل والبرهان، والتناقض هو الاختلاف والتعارض والتباين، والحجة المتناقضة هي اختلاف وتعارض الأدلة أو البينات، بحيث أحدها يدل على الحق والأخر على الباطل، والمقصود بالحجة في القانون هي الأدلة التي تقدم في الدعوى، وتسمى أدلة الإثبات وهي الكتابة، الشهادة، اليمين، الإقرار، المعاينة والخبرة، وما تقصده القاعدة القانونية أو المبدأ تحديداً في الحجة هي الشهادة، إذا موضوع ونطاق تطبيق هذا المبدأ هو الشهادة.

التناقض في الدعوى والشهادة  

في الدعوى

التناقض إما أن يكون في الدعوى فقط، أو في الشهادة فقط، أو بين الدعوى والشهادة، فإذا كان التناقض في الدعوى ابتداءً فلا تسمع، كأن يدعي المدعي أنه مستأجر لمنزل ثم يدعي ملكيته، فلا تسمع دعواه لأن ادعائه متناقض، أما في حال وفق في دعواه بحيث يدعي أنه استأجر المنزل ومن ثم اشتراه فتسمع دعواه لانتفاء التناقض، لذلك للعبارات والألفاظ دور مهم في الأمور القانونية.

في الشهادة

إي أن تكون أقوال الشاهد متناقضة بحيث يكون كلامه يناقض بعضه البعض كأن ينفي ويؤكد معاً حصول أمر ما خلال الإدلاء بشهادته، والمقصود بالتناقض في القاعدة السابقة هو تناقض الشاهد في شهادته المثبتة للدعوى، فما أثر التناقض في أقوال الشاهد على الحكم بالدعوى؟

أصل القاعدة الفقهية والقانونية (مبدأ لا حجة مع التناقض)

القانون المدني الأردني، نص المادة (85) منه، حيث جاء فيها (لا حجة مع التناقض، ولكن لا إثر له في حكم المحكمة إذا ما ثبت بعده ولصاحب المصلحة حق الرجوع على الشاهد بالضمان).

مجلة الأحكام العدلية، نص المادة (80) منها، حيث جاء فيها (لا حجة مع التناقض لكن لا يختل معه حكم الحاكم، مثلا: لو رجع الشاهدان عن شهادتهما لا تبقى شهادتهما حجة، لكن لو كان القاضي حكم بما شهدا به أولا لا ينتقض ذلك الحكم، وإنما يلزم على الشاهدين ضمان المحكوم به.

وبالنظر إلى هذه النصوص نجد أن هناك نطاق محدد لإعمال هذه القاعدة، أولاً من حيث النطاق الموضوعي فهي تخص تناقض الشهادة، ونطاق زمني لتطبيقها، فما هو الحد أو المجال الزمني لإعمال هذه القاعدة؟

النطاق الزمني لتطبيق قاعدة (لا حجة مع التناقض)

بالتدقيق في النص القانوني نجد أن المشرع قد حدد نطاق تطبيق هذه القاعدة، بمعنى متى يأخذ في التناقض ويكون له أثر في الدعوى، ومتى لا يؤخذ به، والمقصود بالنطاق الزمني هو نطاق تطبيقه وأثره على الدعوى، فيختلف أثر التناقض قبل إصدار حكم في الدعوى، عند أثره بعد صدور حكم في الدعوى فما هذا الأثر؟

أثر مبدأ لا حجة مع التناقض على الدعوى

جاء بنص المادة (85) من القانون المدني: – (لا حجة مع التناقض ولكن لا إثر له في حكم المحكمة إذا ما ثبت بعده …..)، وجاء بنص المادة (80) من مجلة الأحكام العدلية: – (لا حجة مع التناقض لكن لا يختل معه حكم الحاكم، مثلا: لو رجع الشاهدان عن شهادتهما لا تبقى شهادتهما حجة، لكن لو كان القاضي حكم بما شهدا به أولا لا ينتقض ذلك الحكم …..)، وعليه يفهم من النص الفقهي والقانوني أن لا أثر لتناقض الشهادة بعد صدور الحكم، ويقتصر أثرها على الدعوى قبل الصدور الحكم.

أثر مبدأ لا حجة مع التناقض قبل وبعد صدور حُكم في الدعوى

إذا وقع التناقض في شهادة الشاهد قبل الحكم في الدعوى انهدم الاحتجاج بشهادته، وامتنع القضاء بها، أي لا يؤخذ بالشهادة، اما إذا ظهر التناقض في الشهادة بعد الحكم بها، كما لو رجع الشاهد عن شهادته، أو اعترف بما يكذبها بعد الحكم، فإن القضاء الواقع لا يبطل، أي أن لا أثر لهذا الرجوع على الحكم (لا يختل معه حكم الحاكم)، (لا أثر له في حكم المحكمة إذا ثبت بعده).

الحكمة من عدم إحداث التناقض في الشهادة أثر على الحكم بعد صدوره

لو جاز إبطال كل حكم رجع فيه الشاهد عن شهادته، لكانت الكثير من القضايا معرضة للإلغاء، نظراً لإمكانية إغراء الشهود لتغير أقوالهم في سبيل إبطال الحكم، مما يفتح المجال لممارسة هذه السلوكيات، وزعزعة الأحكام القضائية، والتي تتسم بالقطعية بعد استنفاذ وسائل الطعن المنصوص عليها في القانون، ولذا كان من القواعد أن القضاء يصان عن الإلغاء ما أمكن.

أثر ظهور التناقض في الشهادة بعد صدور الحكم على المحكوم عليه

إن كان التناقض في الشهادة لا أثر له على الحكم بعد القضاء به، وذلك لاعتبارات قانونية يقصد منها الحفاظ على القضاء، إلا أن ذلك لا يعني إضاعة حق المحكوم عليه، بل له أن يرجع على الشاهد المتناقض بالضمان، (ولصاحب المصلحة حق الرجوع على الشاهد بالضمان) المادة (85) من القانون المدني، (وإنما يلزم على الشاهدين ضمان المحكوم به) المادة (80) من مجلة الأحكام العدلية.

شروط الرجوع عن الشهادة المعتبرة

ويشترط في رجوع الشاهد أن يكون أمام القاضي، فلو أظهر الرجوع خارج مجلس القضاء فلا عبرة لرجوعه لا قبل الحكم ولا بعده.

ما هو المقصود بالرجوع على الشاهد بالضمان في مبدأ لا حجة مع التناقض؟

إذا رجع الشاهد عن شهادته قبل الحكم أو ظهر تناقض فيها ، فلا يؤخذ بالشهادة ، ولا يمكن الرجوع على الشاهد بالضمان ، لأن شهادته لم يتم الأخذ بها ولم تحدث أي أثر سلبي على المحكوم عليه ، لكن إذا رجع الشاهد عن شهادته بعد صدور حكم في الدعوى ، فإن الحكم لا يبطل ، ويلزم الشاهد الضمان نظراً لتأثير شهادته المتناقضة على مضمون الحكم الصادر ، فيجب عليه ضمان ما اتلف بشهادته من الحكم فمثلاً شهد الشاهد أن فلان غير وارث ورجع عن شهادته بعد صدور حكم في الدعوى وقال كنت مخطئاً وفلان وارث ، فللمشهود له أن يرجع على الشاهد بضمان الورث ، أي بقيمة ما يرثه ولم تحكم له المحكمة به نظراً لشهادته  ، أو أن يرجع على الخصم الأخر فله الخيار .

أساسيات تطبيق مبدأ لا حجة مع التناقض

1_ موضوع ونطاق تطبيق هذا المبدأ هو الشهادة.

2_ يختلف أثر التناقض قبل إصدار حكم في الدعوى، عند أثره بعد صدور حكم في الدعوى.

3_ لا أثر لتناقض الشهادة بعد صدور الحكم، ويقتصر أثرها على الدعوى قبل الصدور الحكم.

4_ إذا ظهر التناقض قبل الحكم في الدعوى انهدم الاحتجاج بشهادته، وامتنع القضاء بها.

5_ إذا ظهر التناقض في الشهادة بعد الحكم بها، لا أثر لهذا الرجوع على الحكم.

6_ يشترط في رجوع الشاهد أن يكون أمام القاضي.

7_ لا يمكن الرجوع على الشاهد بالضمان إذا كان التناقض قبل صدور حكم، أما إذا ظهر بعد صدور الحكم فيلزم الشاهد بالضمان.

قرارات لمحكمة التمييز متضمنه مبدأ لا حجة مع التناقض

1_ الحكم رقم 4813 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية (التناقض في الدعوى)

وفي ذلك نجد أن المميز وفي اللائحة الجوابية المقدمة منه على لائحة الدعوى قد ادعى بأنه قام بالوفاء بمبلغ 7255 ديناراً من أصل المبلغ المطالب به وتقدم ببينته الخطية وهي عبارة عن سندات قبض أثبتت من خلالها بأنه قام بالوفاء بمبلغ 4330 ديناراً وعاد وطلب توجيه اليمين الحاسمة حول واقعة إيفائه بمبلغ 5485 ديناراً وحيث إن المميز قد تناقض في دفاعه وحيث إنه لا حجة مع التناقض فإن عدم إجازة توجيه اليمين للتناقض يكون موافقاً للقانون وهذا السبب لا يرد على القرار المطعون فيه ويستوجب الرد.

2_ الحكم رقم 2777 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية (لا يؤخذ بالبينة الواقع فيها التناقض قبل صدور حكم في الدعوى).

برجوع المحكمة إلى ملف القضية وجدت بأن (س) قد أقر في أقواله المعطاة لدى المدعي العام بحضور المجني عليه إلى منزله بناء على طلبه يوم الثلاثاء وقيامه بشلح ملابسه والتوقيع بعد ذلك مما يشكل ذلك تناقض فيما تحاول البينة الدفاعية إثباته مع ما جاء في أقوال المتهم (س) أمام المدعي العام وحيث إن لا حجة مع التناقض الأمر الذي يقضي الالتفات عما ورد في البينة الدفاعية.

3_ الحكم رقم 4228 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية (لا حجة مع التناقض)

نجد أن هذا النفي في غير محله لأن ما ورد في اللائحة الجوابية من حيث عدم علمه بالكمبيالة وإنه ينكر ما ورد في متنها من بيانات وتوقيع يتناقض مع الادعاء بالدفع بالظروف التي أحاطت توقيع وتحرير هذه الكمبيالة بأنها أخذت غشاً وتدليساً واحتيالاً … وهو تناقض بيِّن وواضح ، لأن من يتعرض للغش والاحتيال والتهديد يتعين عليه أن يتبع الطرق القانونية لحمايته فيكون ما توصلت إليه المحكمة بأنه لا حجة مع التناقض وعدم إجراء الخبرة جاء موافقاً للقانون ، وبالتالي فإن الحكم بإلزام المدعى عليه بالمبلغ المطالب به في محله ، مما يتعين رد هذين السببين .

إعداد المحامية: – ليلى خالد

تدقيق المحامي: – سامي العوض