إجراءات دعوى بطلان حكم التحكيم

إجراءات دعوى بطلان حكم التحكيم

بظهور حكم التحكيم النهائي للعلن وإصداره تنتهي ولاية هيئة التحكيم المصدرة للحكم في النزاع إلا أنه في حال توفر سبب من أسباب إبطال حكم التحكيم تبدأ مرحلة جديدة أمام منصة القضاء طلبًا للبطلان. وسنتحدث هنا عن إجراءات دعوى بطلان حكم التحكيم وآثاره من خلال تعريف دعوى بطلان حكم التحكيم وبيان إجراءات الطعن بدعوى البطلان، وتحديد آثار الطعن في حكم التحكيم.

والمشرع الأردني لم يشرع ممارسة الرقابة القضائية أو التدخل القضائي في تنفيذ أحكام التحكيم بالطرق القانونية العادية ولكن أجاز أن ترفع دعاوى بطلان حكم التحكيم وفق نصوص قانون التحكيم في المواد (49، 50، 51) وقد جعل القانون الأردني حكم التحكيم ملزمًا  قابل للاستئناف في حال لم يتفق الطرفان على غير ذلك، وفي حال لم يكن النزاع قيمته أقل من ألف دينار، وفي حال أيضًا لم يكن المحكمون مفوضون بالصلح ليكون الحكم نهائيًا في مثل تلك الحالات.

أولًا: تعريف دعوى بطلان حكم التحكيم

ثانيًا: إجراءات الطعن بدعوى البطلان

ثالثًا: آثار الطعن في حكم التحكيم

وسوف نتناول فيما يلي تعريف دعوى بطلان حكم التحكيم، وإجراءات الطعن بدعوى البطلان، وآثار الطعن في حكم التحكيم.

أولًا: تعريف دعوى بطلان حكم التحكيم

المقصود بالبطلان بشكل عام أنه إجراء يلحق حكم التحكيم وهو إجراء يرتبه المشرع في حالة عدم استيفاء الحكم الشروط الموضوعية والشكلية الخاصة به.

والبطلان يعرف على أنه “تكييف لعمل يخالف نموذجه القانوني بوجود مخالفة تؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي يرتبها القانون إذا كان كاملًا”.

ويرى الفقهاء أن البطلان هو وصف لاحق للعمل الإجرائي الذي تخلفت منه أحد عناصره أو أحد شروط صحته وهو ما يمنع ترتيب آثاره القانونية حتى ولو كان العمل صحيحًا.

ويمكن تعريف دعاوى بطلان التحكيم على أنها : “دعوى موضوعية مبتدأه تختص بها المحكمة اختصاصًا نوعيًا تفصل فيها المحاكم بشكل نهائي ولا يقبل الطعن عليها بأي شكل من أشكال الطعن.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن دعاوى البطلان في الواقع المقصود منها هو إنكار كل سلطة للمحكم بينما يسلم الطاعن كقاعدة عامة عند الطعن في حكم التحكيم بسلطته في الفصل في النزاع.

ثانيًا: إجراءات دعوى البطلان

لا تندرج دعوى البطلان ضمن طرق الطعن، كما لا يمكن ان  تعد دعوى البطلان جزءً أو استئنافًا لمرحلة خصومة التحكيم، وتنفرد دعاوى بطلان التحكيم بطبيعة إجرائية خاصة بها تختلف عن الدعاوى الموضوعية الأخرى من حيث حصر الحالات التي يمكن بها رفع دعوى البطلان بجانب مواعيد رفع البطلان وأثرها على التنفيذ والمحكمة الخاصة بها وعدم تعرضها لموضوع النزاع أي إنها في النهاية دعوى جزائية لتوقيع البطلان على حكم التحكيم بسبب تخلف الشروط الموضوعية أو الشكلية أو مخالفة النظام العام أو لعيب إجرائي في الحكم باعتباره آخر إجراء في الخصومة

من المعلوم سلفًا أنه لا تقبل أية دعوى قضائية إلا من صاحب المصلحة ومن له صفة فيها، ووفقًا للسند القانوني يمكن اعتبار الصفة القانونية على إنها السند القانوني الذي يخول المدعي مطالبة القاضي بالفصل في أصل الحق ولقد اشترط القانون الأردني أن ترفع دعوى البطلان خلال ثلاثين يومًا  التالية لتاريخ إعلان المعنيين بالحكم النهائي الذي صدر في الخصومة، ولا يمكن أن يتم حرمان أصحاب المصلحة من رفعها حتى لو أعلنوا عن تنازلهم في حق رفع دعوى البطلان قبل صدور حكم التحكيم، وبعد تقديم الطلب تدقق محكمة التمييز فيها وترد على الأسباب الواردة بها، ولها أن تطلب ترجمة أي من الأوراق المقدمة إليها حتى يتسنى لها المراجعة للأسباب الواردة بدقة.

لصحيفة البطلان بعض المطالب الشكلية الواجب توفرها لكي يتم تقديمها خالية من العيوب أمام محكمة التمييز حيث يجب أن تشتمل على أسباب البطلان وإلا بطلت ويجب أن يودع مقدمها كفالة مالية ما يقرب من 20 دينار ولا تقبل إدارة الكتاب صحيفة دعوى بطلان حكم التحكيم إذا لم يتم تقديم ما يفيد بدفع الكفالة، وللمحكمة أن تنظر في موضوع حكم التحكيم بعد الفصل في دعوى البطلان.

ومن خلال ما تقدم يتضح أن المشرع الأردني قد حدد بعض الأمور فيما يخص البطلان:

أولًا: شمول صحيفة الدعوى على أسباب البطلان وإلا كانت باطلة.

ثانيًا: لم يضع المشرع الأردني شرط خاص وهو تضمين الكفالة عند تقديم صحيفة الدعوى إلى إدارة كتاب المحكمة وليس في قانون الأردن نصوص مشابهة لذلك.

ثالثًا: المشرع الأردني قد وفق في تحديد ميعاد رفع الدعوى وهو ثلاثين يومًا من تاريخ تبليغ حكم التحكيم وذلك حرصًا على مصالح الأطراف ولضمان استقرار المراكز القانونية.

رابعًا: المحكمة المختصة بنظر النزاع وذلك وفقًا لقواعد النزاع المتفق والمنصوص عليها في قانون المرافعات وذلك باستقراء نصوص القانون في المادة الثانية قد اختصت محكمة الاستئناف بنظر دعاوى بطلان حكم التحكيم التي يجري من دائرة ونطاق الاختصاص ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.

خامسًا: أن المشرع الأردني قد جعل إمكانية رفع دعاوى البطلان أمام المحكمة الاستئنافية لمصلحة المحكوم عليه دون المحكوم له، وهو ما يمكن أن نسميه قصور تشريعي على الرغم من أن في حال كان حكم التحكيم مختلط وهو ما يكون معه الحكم مشتمل على طرفين محكوم لهما ومحكوم عليهما.

ثالثًا: آثار الطعن في حكم التحكيم

بعد أن يتم استيفاء الإجراءات الشكلية سابقة الذكر يتوجب على محكمة التمييز التأكد من ميعاد رفع دعوى البطلان خلال مدة ثلاثين يومًا واستيفاء المتقدم للشروط الواردة بالقانون الأردني من بينها استناده إلى أسباب معقولة في طلب البطلان وعند مراجعة وتدقيق الحكم يكون أمامها خياران أما تأكيد الحكم ورفض دعوى البطلان وأما إبطاله وفق الأسباب الواردة في المادة 49 من القانون الأردني والواردة على سبيل الحصر وفي حال قضت ببطلان حكم التحكيم يكون لها مباحًا أن تنظر موضوع حكم التحكيم بناءً على طلب الخصوم، وفي حال حكمت المحكمة ببطلان التحكيم يمكن الطعن على حكم البطلان خلال ثلاثين يومًا أمام محكمة التمييز وفي حال أيدت محكمة التمييز ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف يترتب على ذلك سقوط حكم التحكيم عملًا بأحكام المادة (51/ب) من قانون التحكيم.

وبمراجعة نصوص المادة (53) من قانون التحكيم الأردني “لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن موعد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى”. ويفسر من ذلك أن من كان حكم التحكيم لصالحه وواجب النفاذ لا يمكنه تطبيق حكم التحكيم إلا بعد انقضاء ميعاد دعوى البطلان والمقدرة بمدة 30 يومًا تحتسب من اليوم التالي لإعلان حكم التحكيم.

والبعض يرى أنه في حال اتخاذ المحكوم عليه موقفًا غير إيجابي ولم يبادر برفع الدعوى خلال المدة المقررة تكون نصوص المادة 53 قد عالجت ذلك، ولكن للأسف قد تجاهلت تلك المادة الفرض الآخر وهو اتخاذ موقف إيجابي ورفع دعوى البطلان خلال مدة المحددة، وبعد استقراء نصوص مواد قانون التحكيم نرى أن ذلك لا يمثل أية مشكلة.

ونجد أن المشرع الأردني قد نص على الآتي : “لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن موعد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى”، وعليه فقد أوجب التشريع الأردني تنفيذه بمجرد إقامة دعوى البطلان، ويكفي لإيقاف تنفيذ الحكم خشية وقوع أضرار جسيمة، ولا يلزم تعذر إدراكه.

وإذا يجوز للمحكمة الحكم بوقف التنفيذ أو استمراره لحين صدور أحكامها القطعية في دعاوى البطلان، كما أن لها حق اشتراط تقديم الكفالة في ذلك الصدد أو أن تأمر بما تراه إحقاقًا لطبيعة أحكام التنفيذ وصيانة حقوق المحكوم له، ويكون النظر في الحكم بناءً على طلبه بجانب الحكم بطلب وقف التنفيذ أو الحكم برفضه ليكون حكم وقت حائز لحجية مؤقتة.

وفي حال إذا قضت المحكمة بتأييد حكم التحكيم وعدم صحة طلب البطلان شكلًا وموضوعًا لها أحقية استصدار أمر تنفيذ الحكم في أقرب فرصة ويكون قرارها في ذلك قرارًا قطعيًا. وفي حال إذا قضت ببطلانه فيترتب على ذلك إعلان إبطال الحكم، ولكن ليس سقوطه ما لم يكن الاتفاق باطلًا بذاته.

وهو ما يتضح معه أن للمحكمة الحكم بتنفيذ حكم المحكمة أو وقف استمراره لحين إصدار حكمها القطعي في صلب القضية، وفي حال رفض المحكمة وقف التنفيذ يعني ذلك استمراره، والحكم بوقف التنفيذ أو استمراره بمثابة حكم وقتي يحوز حجية مؤقتة ولا يقيد المحكمة أيًا كان عندما تصدر المحكمة حكمها في طلب البطلان.

ويترتب على ذلك نتيجة هامة ألا وهي أنه لا يعد البطلان طريقًا للاحتكام أمام محكمة أعلى من التي قضت بحكم التحكيم، بل أن البطلان يعد بمثابة طريق لتصحيح الأخطاء التي وردت على حكم التحكيم وعلى ذلك لا يجوز لمحكمة التحكيم بحث موضوع النزاع، وقد ميز فقهاء القانون بين دعوى البطلان ودعاوى الطعن على الحكم، ولكن الطعن في الحكم يشمل خطأ الإجراءات أو الخطأ في التقدير.

وأخيرًا نشير إلى أن محكمة التمييز الأردنية قد بينت أهمية إثبات بطلان الإجراءات وتأثيره في الحكم، وذلك في حكمها رقم 2093 لسنة 2020 بصفتها الحقوقية، حيث قررت ما يلي : “وإذا كان المشرع الأردني قد جعل بعض الإجراءات سبباً من أسباب بطلان حكم التحكيم فإن مقتضى ذلك أن القانون لا يرتب البطلان كجزاء يتعين توقيعه على كل مخالفة إجرائية وإنما يقع على عاتق مدعي البطلان أني يثبت أن هذا الإجراء الباطل قد رتب ضرراً أي أنه قد غير وجه الحكم”

إعداد/ أميرة سعيد