العقوبات المالية وآلية تنفيذها في نظام المحكمة الجنائية الدولية

العقوبات المالية وآلية تنفيذها في نظام المحكمة الجنائية الدولية

طبقاً للنظام العقابي فإن هناك عقوبات بدنية وعقوبات مالية، والعقوبات المالية قد تكون تكميلية، وقد تكون أصلية في المخالفات والجنح، والعقوبات المالية هي (الغرامة – والمصادرة) وقد أجازتها الشريعة الإسلامية طبقاً للرأي الراجح للفقهاء، وإلى جانب ذلك فقد تم النص عليها في نظام المحكمة الجنائية الدولية أو ما يُعرف بنظام روما الأساسي، وسوف نقدم شرحاً وافياً لتلك العقوبات من خلال استعراضنا لماهية العقوبات المالية في الإسلام ثم مدى مشروعيتها بأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ثم بعد ذلك نتناول العقوبات المالية في المحكمة الجنائية الدولية، ونتعرف على أنواعها، وكيفية تنفيذها، من خلال هذا المقال، وإلينا التفصيل التالي.

جدول المحتويات 

أولًا: العقوبات المالية في الشريعة الإسلامية

ثانيًا: ما هي العقوبات المالية وفقاً لنظام روما الأساسي

ثالثًا: تنفيذ العقوبات المالية في نظام المحكمة الجنائية الدولية

من خلال هذا المقال سوف نجيب على الكثير من التساؤلات حول هذا الموضوع، ولكن قبل الحديث عن العقوبات المالية في المحكمة الجنائية الدولية، سنتناول هذا الموضوع من وجهة نظر الشريعة الإسلامية الغراء، وذلك على النحو التالي:

أولًا: العقوبات المالية في الشريعة الإسلامية

سنقوم بتعريف العقوبات المالية في الشريعة الغراء، ثم نتطرق لمدى مشروعيتها وأدلتها على النحو التالي:

تعريف العقوبات المالية في الشريعة الإسلامية:

عُرفت العقوبات المالية بأنها ” تغريم، أو مصادرة، أو إتلاف، أو حرمان المحكوم عليه (كامل الأهلية) من كل أو بعض ماله، جزاء ارتكاب ما نهي عنه زجراً وردعاً له.

مدى مشروعية العقوبات المالية وأدلتها:

اختلفت أقوال العلماء فيما يخص مشروعية توقيع العقوبات المالية، بين مؤيدً ومعارض، وهناك قولان في تلك المسألة.

القول الأول: يرى جواز التعزير بالمال كلاً من المالكية، والشافعي في القديم، وأبو يوسف من الحنفية، وابن تيمية وتلميذه ابن القيم من الحنابلة، وابن حزم.

وهناك أدلة من القرآن والسنة النبوية الشريفة تعزز قولهم ومنها

قول الحق تبارك وتعالى: “ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَ يَعُودُنَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُعَظُونَ بِهِ وَاللَّه لِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ “

وأيضاً قوله تعالى: ” وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلا خطأً ومن قتل مؤمناً خطأً فتحريرُ رقبةٍ مؤمنة ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أهلهِ “

ومنه أيضا قوله تعالى: ” لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عَقَّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيامٍ ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم “

قد فرض الله سبحانه وتعالى عقوباتٍ مالية على ارتكاب تلك المعاصي، كفارة على الوقوع فيها، مما يُستدل منه على مشروعية التغريم في الإسلام وفقاً لرأي الفقهاء المجيزين للتوقيع تلك العقوبات المالية.

أما ما استدلوا به على مشروعية العقوبات المالية من السنة النبوية الشريفة:

حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، ولا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمه من عزمات ربنا عز وجل، لا يحل، لآل محمدٍ منها شيء ” .

ويتضح لنا من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز العقاب بالمال حيث إنه قد أمر بأن يؤخذ ممن يمتنع عن دفع الزكاة شِطر ماله إلى جانب الزكاة من خلال قوله صلى الله عليه وسلم ( فإما آخذوها وشَطْرَ ماله )

فيُحتجُ بهذا الحديث بمشروعية العقوبات المالية، فهو حسنٌ، فقد حسنه الترمذي والألباني، ووثقه الراوي وصحح روايته جمعٌ من رجال الحديث، واحتج به كلٌ من الشوكاني، وأحمد وإسحاق، والبُخاري خارج الصحيح، وعلق له في الصحيح.

وحجتهم أيضاً أنه لا يوجد رواية تخالف رواية بهز

ومنه أيضاً حديث البراء بن عازب قال ” لقيت خالي ومعه الراية، فقلت : أين تريد؟ قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله “.

ويتضح هنا إجازة النبي صلى الله عليه وسلم لفرض العقوبة المالية بأخذ مال ممن ارتكب معصية بزواج زوجة أبيه المتوفى.

وأيضاً حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ” سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القمر المُعلَّق، فقال ” من أصاب منه بقية من ذي حاجة غير متخدٍ خُبْنَة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيءٍ، فعليه غرامة مثليهِ والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المِجَن فعليه ِ القطع “

وغيرها الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على مشروعية توقيع العقوبات المالية.

القول الثاني: يرى فريق آخر من العلماء عدم جواز التعزير بالمال وهم (الشافعي في الجديد، والحنفية، وبعض المالكية، وبعض الحنابلة ).

وسبب اختلافهم يرجع إلى ظنية الأدلة الواردة فيها، حيث يوجد فيها متسعٌ للاجتهاد، فضلاً عن وجود تعارض بين الأدلة مما يصعب معه الجمع والتوفيق، إلى جانب صعوبة اتفاقهم بشأن تطبيق قاعدة سد الذرائع، والتي قد تتسبب في إشكالية كبيرة، من أنها قد تفتح الباب أمام ظلم الحكام لأكل أموال الناس بالباطل.

وقد تم الاستدلال على عدم مشروعية العقوبات المالية بما ورد في القرآن الكريم:

بقول الله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً “.

وأيضاً قوله تعالى: ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون “.

كما استرشدوا أيضًا بالسُنة النبوية الشريفة:

ما أخرجه الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم، الحديث “.

ويُستدل منه وفقاً لرأي هذا الفريق ” حُرمة أخذ أموال الناس بطريق غير مشروع، وبناءً عليه يَعتبرون عدم مشروعية العقوبات المالية.

وأيضاً ما ذُكر من قول النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يحل مال إمرئ مسلم إلا بطيب نفس منه”.

ومنه يستنبط العلماء عدم مشروعية التعزير بالمال (العقاب بالمال) لعدم استناده إلى أسباب شرعية، وحرمة أخذ مال المِسلم جبراً.

ومن هنا فقد أوضحنا رأي الشرع الحنيف فيما يخص العقوبات المالية، وبينا آراء الفقهاء ومدى مشروعية العقوبات المالية لدى كلٍ منهم.

وسوف نستهل حديثنا الآن عن العقوبات المالية في المحكمة الجنائية الدولية أو ما يُعرف “بنظام روما الأساسي “

ثانيًا: ما هي العقوبات المالية وفقاً لنظام روما الأساسي

العقوبات المالية هي من قبيل العقوبات التي تصيب ذمة المحكوم عليه المالية وتتمثل في الغرامة والمصادرة

عقوبة الغرامة:

 تُعد عقوبة الغرامة من العقوبات المالية التي تصيب ذمة المحكوم عليه مالياً، قد يتم تطبيقها كعقوبة تكميلية إلى جانب العقوبة البدنية، وقد يتم تطبيقها منفردة، وقد ذكرت المادة (77) من نظام روما الأساسي عقوبة الغرامة كعقوبة تكميلية للسجن فنصت في فقرتها الثانية (أ) ” بالإضافة إلى السجن للمحكمة أن تؤمر: بقرض غرامة بموجب المعايير المنصوص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات “.

إلا أن النظم الأساسية للمحكمة الجنائية المؤقتة ليوغسلافيا ورواندا لم تنص على عقوبة الغرامة كجزاء تكميلي، وفي النص على هذه العقوبة داعي حيث يؤخذ في الاعتبار الدوافع التي من أجلها تم ارتكاب الجريمة، وإلى أي مدى يصل هذا الدافع لارتكابها، فقد يكون ارتكابها بدافع الكسب المالي.

ويُراعى القدرة المالية للمتهم حال توقيع العقوبة، وأيضاً يتم النظر إلى حجم الأضرار التي نجمت عن هذه الجرائم، والمكاسب التي تحصل عليها من جراء ارتكابه للجريمة.

ولا تتجاوز قيمة غرامة 75٪ من قيمة أصوله السائلة والقابلة للصرف، ويتم خصم مبلغ من المال ليفي باحتياجاته ومن يعولهم.

ومن الممكن إعطاء مهلة لتسديد الغرامة، وقد يتم سدادها على دفعات، على ألا تقل المهلة عن 30 يومًا ولا تزيد عن خمس سنوات تسدد خلالها الغرامة.

وهناك بعض التدابير التي تتخذها المحكمة في حالة عدم تنفيذ العقوبة ودفع الغرامة، منها أن يتم تمديد مدة السجن لمدة لا تتجاوز ربع المدة أو خمس سنوات أيهما أقل، إلا أنه يُستثنى من تلك القاعدة حالات السجن مدى الحياة، ولا بد أن نضع في الاعتبار عند التمديد ألا تزيد المدة عن (30سنة)، مع ضرورة عرض الأمر على المحكوم عليه، والمدعي العام، لإبداء رأيهم في التمديد، ويجوز للمحكوم عليه أن يأخذ رأي محاميه، ويُعقد ذلك في جلسة سرية مغلقة.

والغرامة في أحوال كثيرة تكون عقوبة تكميلية، إلا أنها قد تكون عقوبة أصلية في القانون الوطني فيما يخص الجنح والمخالفات، ويكون لها حد أقصى يتم تحديده في النص التجريمي.

ويجب أن نشير إلى أن ما تطبقه المحكمة الجنائية الدولية هو الغرامة النسبية، والتي يُترك تقديرها للمحكمة حيث إنه لم يُحدد لها مقدار، مخالفة بذلك ما هو متعارف عليه في القانون الوطني، والذي استدعى ذلك هو أن الجرائم الدولية على قدرٍ كبير من الخطورة.

عقوبة المصادرة:

نصت القاعدة (147) من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة على أنه:

1- في أي جلسة من جلسات الاستماع تعقد للنظر في إصدار أمر بالمصادرة، تستمع الدائرة، وفقا لأحكام الفقرتين 2 و 3 من المادة 76 والفقرة 1 من القاعدة 63، والقاعدة 143، إلى الأدلة المتعلقة بتحديد ماهية ومكان العائدات أو الأموال أو الأصول المحددة التي نشأت بشكل مباشر أو غير مباشر عن ارتكاب الجريمة.

2 – إذا علمت الدائرة قبل جلسة الاستماع أو في أثنائها بوجود أي طرف ثالث حسن النية يبدو أن له مصلحة تتعلق بالعائدات أو الأموال أو الأصول ذات الصلة، تخطر هذا الطرف الثالث بالمثول.

3 – يجوز للمدعي العام، والشخص المدان، وأي طرف ثالث حسن النية صاحب مصلحة في العائدات أو الأموال أو الأصول ذات الصلة أن يقدم أدلة تمت بصلة للقضية.

4 – يجوز للدائرة، بعد أن تنظر في أي أدلة مقدمة، أن تصدر أمرًا بالمصادرة فيما يتعلق بعائدات أو أموال أو أصول محددة إذا اقتنعت بأنه قد تم الحصول على هذه العائدات أو الأموال أو الأصول بشكل مباشر أو غير مباشر من جراء ارتكاب الجريمة.

وقد ذُكرت عقوبة المصادرة باعتبارها من العقوبات التكميلية، في المادة (77/2 / ب) من نظام روما الأساسي حيث نصت على أنه ” بالإضافة إلى السجن، للمحكمة أن تأمر بما يلي:

(أ)…..، (ب) مصادرة العائدات والممتلكات والأصول الناتجة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من تلك الجريمة، دون المساس بحقوق الأطراف الثالثة حسنه النية “.

إذاً فالمصارة تُعرف بأنها ” نقل ملكية المال من المحكوم عليه إلى الدولة “

كما أن المحاكم الدولية الجنائية بكلٍ من يوغوسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون، قد تضمنت النص على إدراج المصادرة ضمن العقوبات المالية المقررة، حيث نصت من خلال مادتها (24 / 3 ) من نظام المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا على أنه يجوز استعادة الأموال التي تحصل عليها الجاني من خلال جريمته إلى ملاكها الأصليين.

كما نصت المادة (23 / 3 ) من النظام الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية برواندا على أنه ” لدائرة المحاكم بالإضافة إلى توقيع عقوبة السجن أن تأمر بأن ترد إلى المالكين الشرعيين أية ممتلكات أو عوائد تم الاستيلاء عليها بسلوك إجرامي بما في ذلك الإكراه “.

وقد ذُكر ذلك أيضاً في نظام المحكمة الجنائية بسيراليون ما تم ذكره بنظام المحكمة الجنائية برواندا، وقد تم انتقاد هذه النصوص، لإغفالها حقوق الأطراف الثالثة حسنة النية “.

وقد لاقت عقوبة المصادرة انتقادا شديداً أثناء المناقشات التي تمت أثناء انعقاد مؤتمر روما الدبلوماسي للمفوضين، حيث إن البعض قد ارتأى عدم الأخذ بعقوبة المصادرة ضمن العقوبات التكميلية اكتفاء بعقوبة الغرامة، إلا أنه تم ترجيح الرأي القائل بالإبقاء عليها لمحاولة استعادة الأموال المنهوبة ولا سبيل لتحقيق ذلك بتطبيق الغرامة وحدها، ومن واجب المحكمة عند تطبيق عقوبة المصادرة مراعاة حقوق الأطراف الثلاثة حسنة النية.

يتم تطبيق المصادرة وفق نظام روما الأساسي بمصادرة الأموال المباشرة أو غير المباشرة المُستولى عليها من قِبل المحكوم عليه بسبب الجريمة، فإذا قام ببيع الممتلكات المُشار إليها، فيتم مصادرة الأموال المتحصلة من البيع، مع إيلاء الاعتبار بالأطراف الثالثة حسنة النية.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا يتم التعرض لممتلكات المحكوم عليه الأخرى والتي لا صلة لها بالجريمة المُرتكبة، على عكس الغرامة التي تستقطع من ذمة المحكوم عليه المالية، والمُتحصل من أموال سواء من الغرامة أو المصادرة يتم تحويله إلى الصندوق الاجتماعي، لتكون تلك الأموال بمثابة تعويض للضحايا وأسرهم بسبب ما تعرضوا له من إجرام، هذا وقد نظمته المادة (79) من نظام روما الأساسي.

ثالثًا: تنفيذ العقوبات المالية في نظام المحكمة الجنائية الدولية

من خلال هذا العنوان سوف نحرص على ذكر أحكام تنفيذ العقوبات المالية، ثم جزاء عدم تعاون الدول مع المحكمة الجنائية الدولية لتنفيذ العقوبات المالية، وذلك على النحو الآتي بيانه:

أحكام تنفيذ العقوبات المالية:

الجهة المنوط بها تنفيذ العقوبات المالية وفقا لنظام روما الأساسي هم الدول الأعضاء وغير الأعضاء وهذا ما نصت عليه المادة (109 / 1)

وقد تضمنت المادة ( 93 / 1 / ك) من نظام المحكمة الجنائية الدولية على أنه :-

1-تمتثل الدول الأطراف وفقاً لأحكام هذا الباب وبموجب إجراءات قوانينها الوطنية، للطلبات الموجهة من المحكمة لتقديم المساعدة التالية، فيما يتصل بالتحقيق أو المقاضاة ………. (ك) تحديد وتعقب وتجميد أو حجز العائدات والممتلكات والأدوات المتعلقة بالجرائم بغرض مصادرتها في النهاية دون المساس بحقوق الأطراف الثلاثة الحسنة النية …… “

ويكون ذلك من خلال طلب يتم توجيهه من قِبل هيئة الرئاسة إلى أي دولة يُفترض أن يكون للمحكوم عليه صلة بها سواء أكانت صلة مباشرة أو غير مباشرة أي يكون منتسباً إليها عن طريق الجنسية أو إقامته فيها، وقد يكون بمكان تواجد أمواله.

ويتضح لنا من خلال ذلك أن الأصل هو اختصاص الدول الأطراف بتنفيذ العقوبات فيما يخص نظام المحكمة الجنائية الدولية، إلا إنه يُستثنى من ذلك الحالات التي يكون للمحكوم عليه صلة بدولة من غير الدول الأطراف فهنا يجوز أن تقوم تلك الدولة بتنفيذ العقوبة.

ويجب أن تُراعى أية مطالبات تتم من قِبل طرف ثالث وهو المجني عليه المحكوم له بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء الجريمة، بأن تُعلِم الدولة الموكل إليها تنفيذ العقوبة، حتى يتسنى لها اتخاذ ما يلزم من إجراءات.

ولأمر المصادرة بعض المعلومات التي يجب أن يشتمل عليها حتى تتمكن الدولة المُنفذة القيام بمهامها في التنفيذ وهي كالآتي:

  • البيانات المتعلقة بهوية المحكوم عليه.
  • جميع ما صدر به أمر المصادرة من أموال وأصول للمحكوم عليه.
  • في حال ما إذا تعذر الحصول على ممتلكات المحكوم عليه ومصادرتها، فهنا يجب أن يتم الأخذ بالتدابير اللازمة لتحصيل قيمة هذه الأموال.

جزاء عدم تعاون الدول مع المحكمة الجنائية الدولية لتنفيذ العقوبات المالية:

اختلفت المحكمة الجنائية الدولية فيما يخص امتناع الدول عن التعاون في تنفيذ العقوبات المالية، عن النظم الأساسية لمحكمة يوغسلافيا ورواندا وسيراليون، حيث لم تنص الأخيرة على أية جزاءات نظير ذلك الامتناع، ولكن المحكمة الجنائية الدولية تفرض على جميع الدول الأطراف، وغير الأطراف واجب الموافقة على التنفيذ حيال القضايا التي يكون تنفيذها له صلة بتلك الدولة، سواء صلة مباشرة أو غير مباشرة.

حيث إنه من الواجب على جميع الدول الأطراف، وغير الأطراف التعاون من أجل تنفيذ تلك العقوبات، وذلك إذا تدخل مجلس الأمن وأرسل إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وفقاً لما تم النص عليه في المادة (13/ب)، ويكون بذلك قد تصرف بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وقد نصت المادة (87/5) من نظام روما الأساسي على أن ” للمحكمة أن تدعو أية دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي إلى تقديم المساعدة المنصوص عليها في هذا الباب على أساس ترتيب خاص أو اتفاق مع هذه الدولة أو على أي أساس مناسب آخر

وإذا امتنعت دولة من غير الدول الأعضاء، حال قيامها باتفاق مع المحكمة على التعاون، فللمحكمة إخطار جميع الدول الأعضاء، أو مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة.

فقد جاءت الفقرة (7) من المادة سالفة الذكر” أنه في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي، ويحول دون ممارسة المحكمة وظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام، يجوز للمحكمة أن تتخذ قراراً بهذا المعنى، وأن تحيل المسألة إلى مجلس الأمن، إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة.

فقد أوكل إلى مجلس الأمن في سبيل المحافظة على السلم والأمن الدوليين أن تمارس الدور الرقابي على جميع الجزاءات الموقعة، وهذا بموجب المادة (39) من ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي يُعزز دور الدول غير الأطراف بالمحكمة، لكونها ملتزمة بتنفيذ ما يُطلب منها تحت واجب التزام بما ورد بميثاق الأمم المتحدة، وذلك للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، هذا ما أورده ميثاق الأمم المتحدة من خلال مادته (25).

ويرى البعض أنه ليس هناك التزام على عاتق المحكمة الجنائية الدولية بإخطار الدول غير الأطراف، إذا كانت قادرة على إقناعها بعدم الامتناع عن التنفيذ، وبالتالي عدم الحاجة إلى مجلس الأمن كجهة رقابية، إلا في حالة التأكد من وجود فائدة من ذاك الإطار.

إلا أن هناك رأي آخر ارتأى أنه لا يمكن أن تكون هناك وسيلة لإقناع تلك الدول إلا من خلال مجلس الأمن، لكونه الجهاز الأوحد الذي من شأنه فرض السيطرة العسكرية.

ويجدر بنا الإشارة إلى أنه على الرغم من سيطرة مجلس الأمن على الدول من أجل الامتثال لتنفيذ أوامر المحكمة، إلا أن نظام المحكمة الجنائية الدولية قد خلا من أي نص يفرض عقوبات من قِبل مجلس الأمن على الدول الرافضة لطلبات التعاون الموجهة إليها من المحكمة، ولكنه قد ذُكر في المادة (39) من ميثاق الأمم المتحدة أنها فوضت مجلس الأمن لاتخاذ تدابير تم النص عليها في المادتين (41 – 42) من الميثاق (والعقوبات الاقتصادية، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وقد تصل إلى استخدام العنف المُسلح).

ولكن هناك حالات يمكن فيها للدول إذا رأت أن هذا التعاون قد يؤدي إلى المساس بالأمن القومي للدولة أن ترفض هذا التعاون، وهذا ما نصت عليه المادة(93/4) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأيضا المادة (73) قد نصت على أنه ” إذا تلقت دولة طرف من المحكمة طلباً بتقديم وثيقة، أو معلومات مودعة لديها، أو في حوزتها أو تحت سيطرتها، وكان قد تم الكشف عن الوثيقة أو المعلومات لهذه الدولة باعتبارها أمراً سرياً من جانب دولة أخرى، أو منظمة حكومية دولية، أو منظمة دولية، كان عليها أن تطلب موافقة المصدر على الكشف عن الوثيقة أو المعلومات وإذا كان المصدر دولة طرفا فإما أن توافق هذه الدولة المصدر على الكشف عن المعلومات أو الوثيقة أو تتعهد بحل مساله الكشف مع المحكمة رهناً بأحكام المادة (72 ) وإذا كان المصدر ليس دولة طرفاً ورفض الموافقة على الكشف، كان على الدول الموجه إليها الطلب إبلاغ المحكمة بأنها لا تستطيع تقديم الوثيقة، والمعلومات لوجود التزام سابق من جانبها إزاء المصدر بالحفاظ على السرية “.

ويتبين لنا من خلال استعراض هذه المواد أن مسألة التعاون مع الدول ليست بالأمر الهين لما قد يؤدي إليه من تهديد أمن البلاد، أو الخوض في معلومات سرية خاصة لا يمكن الكشف عنها.

كتابة: نسمة مجدي

error: Alert: Content is protected !!