مبدأ سيادة القانون

مبدأ سيادة القانون

يُعتبر مبدأ سيادة القانون مبدأ قانوني أساسي في كافة الشرائع القانونية، فهو مبدأ عام ينطبق حكمه بشكل مستمر في كل مجتمع ولكل سلطة. وهو مبدأ قديم يعود لنشأه السلطة في المجتمع الإنساني، بيد أن مفهومه يتغير من مجتمع لآخر وفقًا لعديد المؤثرات الاجتماعية، والسياسية، والأيديولوجية، والاقتصادية.

جدول المحتويات 

أولًا: مفهومه 

ثانيًا: أهدافه

ثالثُا: مصادره

رابعًا: مبدأ سيادة القانون في التراث القانوني العالمي

خامسًا: الإسلام ومبدأ سيادة القانون

سادسًا: مبدأ سيادة القانون في أحكام محكمة التمييز الأردنية

أولًا: مفهوم مبدأ سيادة القانون

قد أثار اصطلاح سيادة القانون خلافات كبيرة حول مضمونه وكذلك حول تسميته، واصطلاح سيادة القانون من أهم المفاهيم التي تُعتبر من ركائز الفكر القانوني والسياسي العالمي، ويعني مبدأ سيادة القانون سيادة أحكام القانون في الدولة، بحيث تسمو أحكام القانون وقواعده على كل الإرادات في الدولة سواء حكام أو محكومين.

ويُعرفه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 بـ : ” يشير مفهوم سيادة القانون إلى مبدأ للحكم يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات والقطاعات العامة والخاصة، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولين أمام قوانين صادرة علنًا، وتُطبق على المجتمع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان”، ويقتضي هذا المبدأ كذلك اتخاذ تدابير لكفالة الالتزام بمبادئ سيادة القانون، والمساواة أمام القانون، والمسؤولية أمام القانون، والعدل في تطبيق القانون، والفصل بين السلطات، والمشاركة في صنع القرار، واليقين القانوني، وتجنب التعسف، والشفافية الإجرائية والقانونية[1]

وقد تقرر هذا المبدأ منذ العصور الوسطى كمبدأ دستوري في النظام الإنجليزي، وهو يعني ببساطة أن السلطة التنفيذية يجب أن تقيم تصرفاتها على أساس من القانون الذي يتمثل في التشريع والقانون القضائي[2]. ولا يعني هذا أن المجتمعات القديمة لم تعرف سيادة القانون.

ولا يوجد نظام قانوني معاصر إلا ويسوده مبدأ سيادة القانون، بحيث أن قد جرى العمل حد التواتر على وجوب أن تستند كافة التصرفات والأعمال القانونية إلى قاعدة قانونية مجردة وسابقة على التصرف أو العمل، وأن يلتزم كافة الأفراد – سواء في علاقاتهم القانونية ببعضهم البعض أو في علاقاتهم القانونية بالدولة بمختلف هيئاتها – لحكم القانون.

فيتعين أن يخضع الأفراد للقانون وكذلك الهيئات الحاكمة في الدولة، وذلك على اعتبار أن جوهر المشروعية في الدولة يكمن بشكل فعلي في سيادة حكم القانون بين الفرد والدولة.

ووراء مبدأ سيادة القانون فكرة جوهرية هدفها الأسمى هو فرض الحماية من السلطة الغاشمة، ووجوب سيادة القانون على الجميع بنفس القدر دون محاباة لأحد أو مجاملة لأحد، ويبنى على ذلك استنتاج هام وهو أن تركز السلطة أمر خطير، ومن المرغوب فيه توزيع هذه السلطة وتداولها، حتى لا يؤدي هذا لإنتاج سلطة ديكتاتورية.

ثانيًا: أهداف مبدأ سيادة القانون

لا يوجد مفهوم ولا مبدأ إلا وله أهداف سواء على المستوى المحلي أو الدولي، والهدف من إقرار مبدأ سيادة القانون هو الوصول لعدد كبير من الغايات، فيما يلي ذكر بعض منها :

  • ترسيخ حكم القانون وسيادته يُعزز الانتماء للوطن.
  • تطبيق مبدأ سيادة القانون يُعزز الثقة بين فئات وقطاعات الشعب المختلفة .
  • مبدأ سيادة القانون يضمن حقوق الأفراد فهو يمنع تعسف السلطة أو انتهاك الحقوق الأساسية للإنسان، ويُرسخ حكم القانون وسيادته.
  • تطبيق مبدأ سيادة القانون يحمي المجتمع من الانزلاق للفوضى والظلم والاضطهاد.

ثالثُا: مصادر مبدأ سيادة القانون

يتعين على الإدارة الالتزام في كافة تصرفاتها باحترام القانون، ويُقصد بالقانون كافة القواعد القانونية سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة، وهو ما سنتولى شرحه تفصيلًا فيما يلي:

المصادر المكتوبة:

المصادر المكتوبة لمبدأ سيادة القانون تتمثل فيما يلي:

1_الدستور:

 القواعد الدستورية هي قمة الهرم القانوني في أي دولة، فلو جاوزت جهة الإدارة – مثلُا- الصلاحيات الممنوحة لها دستوريًا كان قرارها غير مشروع.

2_التشريع العادي:

 وهو التشريع الذي تتولى السلطة التشريعية إصداره بناء على إجراءات نص عليها الدستور، وهو يلي الدستور مرتبة.

3_التشريع الفرعي:

 وهو التشريع الذي يصدر من السلطة التنفيذية في عديد الأمور، ويُطلق عليها تشريعات فرعية أو أنظمة أو لوائح، وهي تلي القانون من حيث التدرج.

4_المعاهدات:

 المعاهدات الدولية يُمكن اعتبارها مصدرًا من مصادر مبدأ سيادة القانون، وذلك بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها من قبل السلطات المختصة في الدولة، فهي تعد جزئًا من النظام الداخلي للدولة يجب احترامها ومراعاتها.

المصادر غير المكتوبة:

المصادر غير المكتوبة لمبدأ سيادة القانون تتمثل فيما يلي:

1_العرف:

 هو ما انتهجته السلطة التنفيذية وسار العمل عليه من طرفها في مباشرة صلاحياتها الإدارية على نحو منتظم أو نمط معين من السلوك يمثل قاعدة ملزمة يتعين اتباعها، بحيث أن ذلك ينشئ قاعدة قانونية عرفية.

2_المبادئ العامة للقانون:

 تعني مجموعة القواعد القانونية غير المكتوبة في نصوص قانونية، ويقوم القضاء بإقرارها ويعلنها في أحكامه، وبناء عليه تكتسب قوة إلزامية، ومن ثم تُعتبر مخالفتها مخالفة لمبدأ سيادة القانون.

رابعًا: مبدأ سيادة القانون في التراث القانوني العالمي

أن مبدأ سيادة القانون كمبدأ عام، ولذا ل ينبغي اعتباره من عناصر المذهب دولة المذهب الفردي التي تجعل حقوق الأفراد وحرياتهم أساسًا لنظامها السياسي والقانوني، فالمذهب ليس وقفًا على دولة المذهب الفردي وحدها، بالعكس انه مبدأ عام ينطبق حكمه باستمرار ويجب العمل به في كل مجتمع وفي مواجهة كل سلطة بغض النظر عن الفلسفة الاجتماعية للتنظيم السياسي القائم ، ومرجع ذلك هو أن القانون ينشأ تلقائيًا مع نشأة الحياة ذاتها ويعيش في ضمير المجتمع تصويرًا لمعنى العدل والصالح العام وتبقى السلطة العامة محكومة به وخاضعة له دائمًا، إلا إذا أرادت لنفسها أن تنحدر إلى التعسف والاستغلال[3]

والراجح أن المبدأ يتجاوز حدود الدول المختلفة بمختلف نظمها القانونية، ونجد أن اللجنة الدولية في مؤتمر دلهي الذي انعقد في شهر يناير من العام 1959 قد تبنى معنى هذا المفهوم، فقد عرفه بأنه : مجموعة المبادئ والنظم والإجراءات والتي وإن لم تتطابق إلا أنه تتشابه والتي أظهرت التجربة والتقاليد القانونية في دول العالم المختلفة- سواء من حيث التركيب السياسي أو الأساس الاقتصادي- إلا أنها هامة لحماية الفرد من الحكومة المستبدة والتي تعينه على أن يتمتع بكرامة الإنسان.

فيُمكن اعتبار هذا المبدأ تراثًا مشتركًا بين الأنظمة القانونية العالمية، والوظيفة الرئيسية للمبدأ تتمثل في سيادة حكم القانون بين الفرد والدولة، فذلك المبدأ يُعتبر سند لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من السلطة العامة، وذلك بغض النظر عن طبيعة الفلسفة السياسية والاجتماعية للدولة.

خامسًا: الإسلام ومبدأ سيادة القانون

بالبحث والتحري لا نجد دولة في التاريخ احترمت هذا المبدأ أكثر من الدولة الإسلامية في عصور الخلافة الراشدة، فكان مبدأ سيادة القانون آنذاك من أسس نظام الحكم في الإسلام، وذلك شأنه شأن الشورى والعدالة والمساواة.

فقد كان الخليفة مقيدًا بقواعد الشريعة الإسلامية لا يملك الخروج عنها، كما أن اختصاصاته مقيده بما جاء في القرآن والسنة، ويُمكن مسائلته أمام الناس كما أنه يُسأل أمام الله عزو وجل عن أفعاله في حق رعيته، وهذا ما يُعرف بمبدأ الفصل بين السلطات أو المسؤولية المزدوجة.

يتبين من كل ما تقدم أن الإسلام قد أقام نظامه السياسي على أساس خضوع الحكام للقانون، وكفل الوسائل التي تحقق هذا الخضوع على خير وجه إذا فصل بين السلطات وجعل القضاء سلطة مستقلة يخضع لها الحاكم والمحكومين على السواء، وأن كان التاريخ الإسلامي، قد احتوى على فترات لم يحترم فيها مبدأ سيادة القانون، إلا أن هذا لا يؤثر في سيادة القاعدة العامة، وهي أن الإسلام، قد أرسي المبدأ، وأن هذا المبدأ يُشكل أساسًا من أسس النظام السياسي والقانوني الإسلامي[4]

سادسًا: مبدأ سيادة القانون في أحكام محكمة التمييز الأردنية

جاءت عديد أحكام محكمة التمييز الأردنية تؤكد هذا المبدأ ، ومن تلك الأحكام ما يلي:

جاء في الحكم رقم 7076 لسنة 2018 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية ما يلي :

” إن قاعدة التدرج التشريعي هي من المبادئ التي تحقق للشعب سيادته وتضمن للأفراد حقوقهم وحرياتهم إذ إن إخضاع التشريع الفرعي للتشريع الرئيسي أو العادي يجعل السلطة التنفيذية عند وضع التعليمات مقيدة بالمحافظة على حقوق وحريات الأفراد الأساسية وتحقق سيادة القانون فلا تضع تشريعاً فرعياً مخالفاً للقانون وهذه النتيجة لا يمكن تحقيقها إلا إذا أمكن تعطيل كل تشريع فرعي  غير شرعي وتجريده من كل أثر إلزامي ، والوسيلة لتحقيق هذه النتيجة هي الامتناع عن تطبيقه متى ثبت للمحكمة مخالفة ذلك التشريع من ناحية الشكل أو الموضوع لأن مثل هذه المخالفة تعني بُطلان التشريع الفرعي فلا يكون له وجود قانوني فالتشريع الفرعي لا يمكن أن يعد تشريعاً ولا يمكن أن يكون موجوداً ما لم تأت أحكامه موضوعاً متفقة مع أحكام القانون وعليه وعلى ضوء ذلك فان إيراد تعليمات صندوق تعويض المتضررين لقيد لم يرد في القانون المنشئ له يترتب على ضوئه المساس بالحقوق المالية للمتضرر مما يتوجب معه الامتناع عن تطبيقه ، وحيث خلصت محكمة الاستئناف إلى خلاف ذلك مما يستوجب معه نقض القرار المميز”.

كما جاء في الحكم رقم 3168 لسنة 2018 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية ما يلي:

” إن المستقر عليه فقهاً وقضاءً أن قوانين المرافعات والإجراءات تسري بأثر فوري ومباشر على الدعاوى المقامة أمام المحاكم بحيث تطبق فور نفاذها إعمالاً لمبدأ سيادة القانون ولا يجوز التمسك بالحقوق المكتسبة المترتبة سابقاً لأنها لا تمس جوهر حقوق الخصوم الموضوعية، وحيث إن الأمر كذلك فإن أحكام الطعن أو النصوص المنظمة لطرق الطعن لا تسري على ما صدر من أحكام قبل العمل بالقانون الجديد متى كانت ملغاة أو منشأة سنداً لأحكام المادة (2) من قانون أصول المحاكمات المدنية والمادة (19) من قانون محاكم الصلح وتسري أحكام طرق الطعن على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى والإجراءات قبل تاريخ العمل به وقبل صدور حكم بالدعوى. وحيث إن المعيار الذي يساق لذلك لغايات الفصل بالنزاع هو تاريخ صدور الحكم الأمر الذي ينبني عليه أن الأحكام الصلحية التي صدرت قبل تاريخ 28/1/2018 تسري عليها أحكام وطرق الطعن السارية وقت صدورها في حين أن الأحكام الصلحية الصادرة من تاريخ 28/1/2018 وما بعد فإن طرق الطعن وآليتها تسري عليها الأحكام التي نظمها قانون محاكم الصلح من حيث الاعتراض والاستئناف. وحيث إن الحكم الصلحي رقم 2546/2017 قد صدر بتاريخ 20/7/2017 الأمر الذي يعني أن المحكمة المختصة بنظر الطعن الاستئنافي الذي تقدم به المدعى عليه هي محكمة استئناف حقوق عمان وليس محكمة بداية شمال عمان بصفتها الاستئنافية”.

[1] سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي، وتقرير الإبراهيمي: استعراض شامل لكل عمليات حفظ السلام من جميع نواحي هذه العمليات، ص 5

[2] د محمد عصفور: سيادة القانون، ص 55

[3] د.طعيمة الجرف: مبدأ المشروعية، ص 6 وما بعدها.

[4] د. عبد الحميد متولي: الحريات العامة، ص 23 وما بعدها.