قاعدة الساقط لا يعود

قاعدة الساقط لا يعود والمعدوم لا يعود

تُعد قاعدةُ الساقطُ لا يعود من القواعد الفقهية الهامة التي تُبنى عليها الكثير من المعاملات، فإذا أسقط شخص حقاً من حقوقه التي يجوز إسقاطها، فليس له أن يطلبها بعد إسقاطه، إلا الحقوق المتعلقة بالله تعالى فليس لأحد إسقاطها، وهذا ما سنتعرف عليه من خلال مقالنا الحالي بشيء من التفصيل وذلك على النحو التالي:

أولًا: قاعدة الساقط لا يعود في الفقه الإسلامي

ثانيًا: قاعدة الساقط لا يعود في القانون الأردني

سوف نتناول شرحاً وافياً لقاعدة الساقط لا يعود في الفقه الإسلامي، ثم في القانون الأردني وذلك على النحو التالي:

أولًا: قاعدة الساقط لا يعود في الفقه الإسلامي

المراد بالساقط هنا الحكم أو التصرف الذي تم، والساقط صفة لموصوف محذوف هو الحكم أو التصرف، وإسقاطه يكون بفعل المكلف أو بالإسقاط الشرعي[[1]].

ومعنى لا يعود: أي يصب؛ كالمعدوم لا سبيل لإعادته إلا بسبب جديد يعيد مثله لا عينه. هذه القاعدة تجري في كثير من الأبواب الفقهية[[2]].

ما يجري فيه الإسقاط:

يجري الإسقاط في الحقوق المجردة كالخيارات، والشفعة، والإبراء عن الدعاوى، وإبراء الذمم.

والمراد بالحقوق هنا حقوق العباد، لأن حقوق الله تعالى لا تقبل الإسقاط من العبد، كما لو عفا المقذوف ثم عاد وطلب، حُدَّ القاذف، ولكن لا يقام الحد بعد عفو المقذوف لعدم المطالب.

وأما لو عفا ولي المزني بها عن الزاني فلا يعتد بعفوه، بل يقام الحد على الزاني والمزني بها إن كانت مطاوعة؛ لأن هذا الحد من حقوق الله الخالصة فلا يقبل الإسقاط.[[3]]

الساقط من الحقوق القابلة للسقوط لا يعود، معناه أن ما يقبل السقوط من الحقوق، إذا سقط منه شيء بمسقط فإنه لا يعود بعد سقوطه، مثله مثل المعدوم، فالمعدوم لا يعود، لذا فإن الساقط لا يعود أيضاً.

فإذا قلنا القابلة للسقوط صفة كاشفة وليست قيداً للاحتراز عن الحقوق غير القابلة للسقوط، كحق فسخ العقد الفاسد، وحق الرجوع في الهبة، وحق الاستحقاق في الوقف، وكذا حق الوكيل في القيام بما وكل به، وحق المستعير في الانتفاع بالعارية، وحق الإدخال والإخراج في الوقف لمن شرط له من واقف أو غيره، كما بحثه ابن نجيم في هذه الثلاثة الأخيرة، وحق خيار الرؤية، وحق تحليف اليمين المتوجهة على أحد المتداعين.[[4]]

التطبيق على قاعدة الساقط لا يعود:

لو كان الثمن غير مؤجل وسلم البائع المبيع للمشترى قبل قبض الثمن فإنه يسقط حقه في حبس المبيع، وليس له استرداده بعد ذلك وحبسه ليستوفي الثمن، وكذلك لو قبضه المشتري والحال هذه بمرأى من البائع ولم ينهه، والبيع بات، فإنه يسقط حقه في الحبس للمبيع، أما لو كان البيع وفاءً فلا يسقط حق الحبس قياساً واستحساناً وله أن يسترده ليحبسه بالثمن.[[5]]

وكذا الأجير إذا كان له حق حبس العين بأن كان لعمله أثر فيها (والأثر ما كان عيناً قائمة) كالخياط والصباغ إذا سلمها حقيقة أو سلمها حكماً بأن عمل في بيت استأجره سقط حقه في الحبس. وأيضاً حق المرتهن في حبسه الرهن فإنه إذا أسقطه يسقط.[[6]]

وأما ما لا يوجب حقاً للغير، كهبة ورهن بلا تسليم، وبيع وإجارة بخيار له وعرض المبيع للبيع وإعارته وطلب الشفعة به فإنه يسقط الخيار بعد الرؤية، لا قبلها، كقبضه ونقد الثمن، ومنه ما لو برأ مديونه عن الدين، فقبل أو سكت ولم يرد سقط الدين ولا تسمع دعواه به، وإن أقر به المديون بعد ذلك. نعم لو ادعى المديون الإبراء وأنكره الدائن وقال: إنك أقررت بالدين بعد التاريخ الذي ادعيت الإبراء فيه، تسمع دعواه إقرار المديون.[[7]]

وكذلك من كان له حق في المرور أو التسييل في ملك الغير فأسقطه صريحاً أو أذن لمالك الرقبة أن يبني في الممر أو المسيل فإنه يسقط حقه، بخلاف ما إذا كان مالكاً لرقبة الممر أو المسيل وأسقط حقه عنه فإنه لا يسقط. ومنه ما لو ردت شهادته لعلة غير العمى والصغر والكفر والرق، ثم زالت العلة فأعادها لا تسمع، ومنه الموصي له بالمنفعة إذا أسقط حقه منها سقط، ومنه أيضاً من له حق الشفعة، أو خيار الشرط ،أو العيب، أو حق القصاص إذا أسقطه سقط.[[8]]

ثانيًا: قاعدة الساقط لا يعود في القانون الأردني

نصت المادة (230) من القانون المدني الأردني

على أن: “الساقط لا يعود كما أن المعدوم لا يعود”.

كما وقد أشارت محكمة الأحكام العدلية إلى تلك القاعدة حيث نصت عليها المادة (٥١) على أن: ” الساقط لا يعود كما أن المعدوم لا يعود”.

وقد ذكرت المذكرة الإيضاحية للمادة (187) المادة (143) تلك القاعدة:

  1. الأصل أن كل ما يبطل خيار الشرط والعيب يبطل خيار الرؤية إلا أن خيار الشرط والعيب يسقط بصريح الإسقاط ، وخيار الرؤية لا يسقط بصريح الإسقاط، لا قبل الرؤية ولا بعدها. أما قبلها فلأنه لا خيار قبل الرؤية، لأن أوان ثبوت الخيار هو أوان الرؤية، فقبل الرؤية لا خيار، وأما بعدها فلأن الخيار ما ثبت باشتراط العاقدين، لأن ركن العقد مطلق عن الشرط نصاً ودلالة، وإنما يثبت شرعاً لحكمة فيه، فكان ثابتاً حقا لله تعالى وما ثبت حقا لله تعالى فالعبد لا يملك التصرف فيه إسقاطاً مقصوداً، لأنه لا يملك حق التصرف في حق غيره مقصوداً، لكنه يحتمل السقوط بطريق الضرورة، بأن يتصرف في حق نفسه مقصوداً ويتضمن ذلك سقوط حق الشرع، فيسقط حق الشرع في ضمن التصرف في حق نفسه، كما إذا أجاز المشتري البيع ورضي به بعد الرؤية نصاً أو دلالة بمباشرة تصرف يدل على الرضا والإجازة، لأنه وإن ثبت حقاً للشرع لكن الشرع أثبته نظراً للعبد، حتى إذا رآه وصلح له أجازه وإن لم يصلح له رده، إذا الخيار هو التخيير بين الفسخ والإجازة فكان المشتري بالإجازة والرضا متصرفاً في حق نفسه مقصوداً ثم من ضرورة الإجازة لزوم العقد ومن ضرورة لزوم العقد وسقوط الخيار فكان سقوط الخيار من طريق الضرورة لا بالإسقاط مقصوداً، ويجوز أن يثبت الشيء بطريق الضرورة وإن كان لا يثبت مقصوداً، كالوكيل بالبيع إذا عزله الموكل ولم يعلم به فإنه لا ينعزل ولو باع الموكل بنفسه ينعزل الوكيل ، كذا هنا (الكاساني 5: 297).
  2. ولكن يسقط خيار الرؤية بموت صاحبه قبل أن يختار، فليزم العقد بموته ولا ينتقل الخيار إلى ورثته لأن خيار الرؤية كخيار الشرط لا يورث بخلاف خيار التعيين والعيب فإنهما يورثان.
  3. ويسقط خيار الرؤية أيضاً بهلاك بعض المبيع أو تعيبه أو تغييره قبل أن يختار (الكاساني 5: 296- 297).
  4. ويسقط خيار الرؤية أيضاً بتصرف العاقد في المعقود عليه كتصرف المشتري في المبيع، وهنا يجب التفرقة بين ما إذا صدر التصرف قبل رؤية المشتري المبيع أو بعد رؤيته :

أ. فإن صدر قبل رؤيته، فإن كان التصرف لا يمكن رفعه كالإعتاق والتدبير أو كان لازماً يوجب حقاً للغير كالبيع والهبة مع التسليم والرهن والإجارة سقط خيار الرؤية ويبقى الخيار ساقطا ولو نقضت هذه التصرفات اللازمة كما لو باع أو رهن أو أجر ثم رد بعيب أو أفتك الرهن أو انقضت مدة الإجارة فخيار الرؤية لا يعود بعد أن يسقط إذ الساقط لا يعود إلا بسبب جديد .

وإن كان التصرف الصادر من المشتري قبل الرؤية غير لازم كان باع بشرط الخيار أو عرض للبيع أو وهب ولم يسلم له لم يسقط خيار الرؤية لان هذه التصرفات يمكن للمشتري الرجوع فيها ولا يتعذر فسخها، كل ما تدل عليه هو الرضا، الخيار قبل الرؤية لا يسقط بصريح الرضا فبدلالة الرضا أولى.

ب. وإن صدر التصرف بعد الرؤية فإنه يسقط خيار الرؤية، سواء كان يمكن رفعه أو لا يمكن تعذر فسخه أو لم يتعذر، إذ أقل ما يدل عليه هو الرضا ، والخيار بعد الرؤية يسقط بالرضا صراحة أو دلالة ( انظر فتح القدير 5: 141-142) وتراجع المادتان (321و 335) من المجلة وشرحهما لعلي حيدر والمادة (341) من مرشد الحيران .

وقد شمله القرار رقم ٢ لسنة 1956الصادر في 25/11/1956

وحيث أن رئيس مجلس الأعيان هو رئيس هذا المكتب بمقتضى المادة السادسة المشار إليها فإننا نرى أن رئيس مجلس الأعيان يفقد منصب رئاسة المجلس بمجرد إشغاله منصب رئاسة الوزراء ولا تعود له هذه الصفة بمجرد اعتزاله رئاسة الوزارة عملاً بالقاعدة الكلية القائلة ( الساقط لا يعود )….

وقد ورد أيضاً بلحكم رقم 3508 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية

الصادر بتاريخ 2021-02-10.

أخطأت محكمة استئناف إربد بعدم إتباع النقض والسير على هدي ما جاء بقرار محكمة التمييز رقـــــــــــــم (1652/2020) من حيث نقض القرار من جهة العقوبة فقط وتأييده فيما عدا ذلك ومعالجة أسباب الإسقاط كون إسقاط المشتكي لحقه الشـــــــــــخصي عن المميز أمام المدعي العام في القضية رقم (40/2012) على الصفحة رقم (12) تحقيق مدعي عام الوسطية مشمول بقانون العفو العام في المادة (2) رقم (5) لعام 2019 لاقترانه بإسقاط حق شخصي فكان على محكمة الاستئناف السير على هدي ما جاء بقرار محكمة التمييز وإسقاط دعوى الحق العام لشموله بقانون العفو العام لكون (الساقط لا يعود) حتى ولو تفاقمت نتائج الفعل الجرمية ولا يجوز الرجوع به لأن هذا الإسقاط تم أمام مرجع قضائي مختص.

———–

[[1]] ص369 – كتاب الوجيز في إيضاح قواعد الفقهية الكلية.

[[2]] المرجع السابق.

[[3]] المرجع السابق.

[[4]] تنوير الأبصار. ( شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا- القاعدة الخمسون” الساقط لا يعود، كما أن المعدوم لا يعود” )

[[5]] البدائع / ١٢٤.

[[6]] مرجع سابق.

[[7]] شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا- القاعدة الخمسون ص ٢٦٦.

[[8]] المرجع السابق ص ٢٦٦، ٢٦٧

error: Alert: Content is protected !!