تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في الأردن

تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في الأردن

لم يمنح المشرع الأردني الاختصاص الحصري لفض المنازعات بين الأفراد إلى جهات القضاء الرسمية، بل وضع للمتنازعين طريقاً آخر ليتمكنوا من خلاله إلى التوصل إلى فض ما نشب بينهم من منازعات وهو اللجوء إلى التحكيم سواء الدولي أو المحلي.

والواقع أن ثمرة اللجوء إلى التحكيم هو الحكم الذي يصدر عن الهيئة التحكيمية لذلك عني المشرع الأردني بوضع التفصيلات المتعلقة بكيفية وضع هذا الحكم موضع التنفيذ، حتى يتمكن من صدر الحكم لصالحه إلى اقتضاء حقه.

أولاً: تعريف حكم التحكيم الدولي:

ثانياً: معيار دولية حكم التحكيم:

ثالثاً: شروط تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي:

رابعاً: أسلوب تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في القانون الأردني:

خامساً: إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي:

أولاً: تعريف حكم التحكيم الدولي:

وضعت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي “اليونسترال” اقتراحاً لبيان معنى المقصود بحكم التحكيم والذي يتمثل في ” كل حكم قطعي يفصل في جميع المسائل المعروضة على محكمة التحكيم وكذلك كل قرار يصدر عن محكمة التحكيم يفصل بصورة نهائية في أي مسألة تتعلق بموضوع النزاع أو يفصل في مسألة اختصاص محكمة التحكيم.

وتتجلى أهمية وضع تعريف لحكم التحكيم فيما يتعلق بالآثار التي تترتب عليه، وعلى وجه الخصوص ما يتمتع به من قوة تنفيذية تمكن المحكوم له من إمكانية اقتضاء حقه بواسطة القوة الجبرية من خلال السلطات العامة في الدولة المراد فيها تنفيذ حكم التحكيم.

ولقد بينت المادة (2) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني معنى الحكم الأجنبي بصفة عامة سواء الصادر عن جهات قضائية رسمية أو هيئات تحكيمية وذلك بنصها على أن: (تعني عبارة ( الحكم الأجنبي ) الواردة في هذا القانون كل حكم صدر من محكمة خارج المملكة الأردنية الهاشمية ( بما في ذلك المحاكم الدينية ) يتعلق في إجراءات حقوقية ويقضي بدفع مبلغ من المال أو الحكم بعين منقولة أو تصفية حساب ويشمل قرار المحكمين في إجراءات التحكيم اذا كان ذلك القرار قد اصبح بحكم القانون المعمول به في البلد الذي جرى فيه التحكيم قابلا للتنفيذ كقرار صدر من المحكمة في البلد المذكور).

ثانياً: معيار دولية حكم التحكيم:

غني عن البيان أن هناك اختلاف في الإجراءات والاشتراطات المتطلبة فيما يتعلق بتنفيذ حكم التحكيم الوطني عن حكم التحكيم الأجنبي، لذلك فكان من الأهمية بمكان أن يكون هناك ضابط أو معيار يحدد متى نكون بصدد حكم تحكيم وطني أو أجنبي.

والواقع أن هناك معيارين يمكن من خلال أحدهما التوصل إلى تكييف حكم التحكيم بأنه وطني أو أجنبي:

1- المعيار الإقليمي:

وفقاً لهذا المعيار فإن أجنبية حكم التحكيم تتحدد استناداً إلى مكان إصداره، ومن ثم يُعد حكماً تحكيماً أجنبياً إذا كان صادراً خارج الدولة المراد تنفيذه فيها، ذلك أن الهيئة التحكيمية التي أصدرت الحكم في دولة أجنبية تكون بهذه الحالة خاضعة لسيادة تلك الدولة.

وهذا ما أخذت به المملكة الأردنية الهاشمية،  ومن ثم يُعد حكم التحكيم أجنبي وفقاً للقانون الأردني إذا صدر في دولة أخرى غير المملكة الأردنية الهاشمية بغض النظر عن جنسية أطراف النزاع وبغض النظر عن جنسية أعضاء هيئة التحكيم.

ولقد أشارت اتفاقية نيويورك إلى هذا المعيار بمقتضى نص المادة الأولى من الاتفاقية والتي نصت على أن: (ينطبق هذا الميثاق على الأمور التي تتناول الاعتراف بقرارات التحكيم الصادرة في الدول غير الدولة التي يراد تنفيذ تلك القرارات لديها، والناشئة عن المنازعات القائمة بين الأفراد، طبيعية كانت أم قانونية).

وعلى الرغم من وضوح هذا المعيار وسهولة إعماله إلا أنه لم يسلم من النقد، حيث وجهت له العديد من سهام الانتقاد والتي تتمثل في:

  • صعوبة انطباق هذا المعيار على حالات التحكيم الإلكتروني، حيث إنه في هذه الحالة لا يعرف في أي دولة صدر حكم التحكيم ذلك أنه يصدر إلكترونياً عبر شبكات الإنترنت وقد يشارك في تشكيل هيئة التحكيم أعضاء من دول مختلفة، ومن ثم يتعذر بيان الدولة التي صدر فيها مثل هذا الحكم.
  • يتجاهل هذا المعيار القانون الذي كان يحكم سير الدعوى التحكيمية ولا يعنيه سوى البلد الذي صدر فيها حكم التحكيم.
  • من غير الصحيح القول بأن صدور حكم التحكيم في دولة يعني أنه يرتبط بنظامها القضائي لعدم تعلق التحكيم بسيادة الدولة على عكس ما هو عليه الحال في القضاء الرسمي للدولة.

2- المعيار القانوني:

تتحدد صفة حكم التحكيم من حيث كونه وطني أو أجنبي وفقاً لهذا المعيار بحسب القانون الذي كان يحكم إجراءات التحكيم بغض النظر عن البلد التي صدر فيها الحكم، ومن ثم فقد يكون حكم التحكيم أجنبي على الرغم من صدوره في ذات الدولة التي يطلب منها تنفيذ الحكم إذا كانت الإجراءات التي تم إتباعها لإصدار حكم التحكيم قد تمت وفقاً لقانون أجنبي.

ثالثاً: شروط تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي:

بادئ ذي بدء نشير إلى أن اتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها لسنة 1958 لم تحدد شروطاً معينة للاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، بل تركت هذا الأمر للسلطة التقديرية للسلطات التشريعية للدول الأعضاء بالاتفاقية، ولكن يتعين على الدولة ألا تعامل حكم التحكيم الأجنبي معاملة أشد من تلك التي تعاملها لحكم التحكيم الوطني.

ويتضح ذلك من خلال نص المادة (3) من الاتفاقية والتي نصت على أن (على كل دولة من الدول المتعاقدة أن تعترف بصحة قرارات التحكيم وتنفيذها، وذلك بمقتضى أصول المحاكمات المرعية الإجراء في البلد الذي يراد الاستناد إليها فيها، وبمقتضى الشروط المبينة في المواد التالية، ويجب ألا تفرض على تنفيذ قرارات التحكيم التي ينطبق عليها هذا الميثاق أية شروط تكون أكثر قسوة ( أو رسوم تكون اعلى ) من الشروط أو الرسوم المترتبة على تنفيذ قرارات التحكيم المحلية).

والواقع من الأمر أن أحكام التحكيم الأجنبية التي يراد تنفيذها في الأردن تخضع لنظامين قانونيين مختلفين وذلك بحسب ما إذا كان حكم التحكيم سيسري عليه اتفاقية نيويورك أم لا.

وهذا ما يبينه لنا حكم محكمة بداية حقوق عمان رقم 923 لسنة 2020 الصادر بتاريخ 2020-03-15 والتي قضت فيه بأن (أحكام المحكمين الصادرة داخل المملكة الأردنية الهاشمية أو تلك التي تصدر بالخارج ويطلب من محاكم المملكة الاعتراف بها وإساؤها الصبغة التنفيذية تخضع للرقابة القضائية من حيث مدى توافر شروط الاعتراف بها من عدمه، ولذلك فإن أحكام التحكيم الأجنبية المراد تنفيذها في الأردن تنقسم إلى مجموعتين تخضع كل منهما لنظام مختلف عن النظام الذي تخضع له الأخرى تبعاً لدخول حكم التحكيم المراد تنفيذه في أحدها:-

الأولى: تسري عليها القواعد الواردة في قانون تنفيذ الإحكام الأجنبية إذا كانت أحكام التحكيم الأجنبية لا تخضع لاتفاقية ثنائية أو إقليمية أو دولية .

الثانية:  تسري عليها القواعد الواردة في الاتفاقية الدولية أو الإقليمية أو الثنائية إذا كانت شروط انطباقها عليها متوفرة).

1- أحكام التحكيم الأجنبية التي لا تخضع لاتفاقيات دولية:

إذا لم يكن حكم التحكيم خاضعاً لاتفاقية نيويورك أو غيرها لعدم توافر شروط انطباقها، فإنه في هذه الحالة يسري عليه الشروط الخاصة المتطلبة لتنفيذ الأحكام الأجنبية والتي بينتها المادة (7) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية والتي نصت على أن (1- يجوز للمحكمة أن ترفض الطلب المرفوع إليها لتنفيذ حكم أجنبي في الأحوال التالية :

  • إذا لم تكن المحكمة التي أصدرت الحكم المذكور ذات وظيفة .
  • إذا كان المحكوم عليه لم يتعاط أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي أصدرت الحكم أو لم يكن مقيما داخل قضائها ولم يحضر باختياره أمام المحكمة ولم يعترف بصلاحيتها.
  • إذا كان المحكوم عليه لم يبلغ مذكرة الحضور من المحكمة التي أصدرت الحكم ولم يحضر أمامها رغما عن كونه كان يقطن داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة أو كان يتعاطى أعماله فيه ، أو
  • إذا كان الحكم قد حصل عليه بطريق الاحتيال .
  • إذا اقنع المحكوم عليه المحكمة بان الحكم لم يكتسب بعد الصورة القطعية ، أو
  • إذا كان الحكم بسبب دعوى لا تسمعها محاكم المملكة الأردنية الهاشمية أما لمخالفتها للنظام العام أو الآداب العامة .
  1. يجوز للمحكمة أيضا أن ترفض الاستدعاء المقدم إليها بطلب تنفيذ حكم صادر من إحدى محاكم أية دولة لا يجيز قانونها تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكم المملكة الأردنية الهاشمية).

أ- إثبات وجود الحكم التحكيمي:

يُعد هذا الشرط من الشروط المادية التي لا تتوقف على النظام القانوني المطبق على تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، فبداهة يتعين على طالب التنفيذ أن يثبت وجود حكم تحكيمي نهائي قابلاً للتنفيذ حتى يتسنى له أكسائه بالصيغة التنفيذية ليتمكن من تنفيذه جبراً.

وهذا ما بينته نص المادة (6) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية والتي نصت على أن (يترتب على المحكوم له أن يقدم إلى المحكمة صورة مصدقة عن الحكم المطلوب تنفيذه مع صورة مصدقة عن ترجمتها إذا كان الحكم بغير اللغة العربية وصورة أخرى لتبليغها للمحكوم عليه).

ومن ثم يتعين على راغب التنفيذ أن يُقدم إلى المحكمة المختصة صورة مصدقة من حكم التحكيم المراد تنفيذه والتي تثبت وجود هذا الحكم.

ب- أن ينعقد الاختصاص لهيئة التحكيم:

حيث يجب أن نكون بصدد هيئة تحكيمية مختصة بنظر النزاع المطروح أمامها، وهذا ما يعني ضرورة وجود اتفاق صحيح بين أطراف النزاع على إسناده إلى هيئة التحكيم المعنية، وأن يكون توقيع طرفي النزاع على هذا النزاع توقيعاً صحيحاً وهو ما يكون خاضعاً للرقابة القضائية.

ويتعين على هيئة التحكيم ألا تكون قد تجاوزت حدود النزاع المسند إليها، فإذا فصلت في مسألة لم تسند إليها فإنها تصدر حكماً لا يقبل التنفيذ في هذه الحالة نظراً لخروج المسألة التي يفصل فيها عن اختصاص هيئة التحكيم.

ج- مراعاة مبدأ الوجاهية:

يُعد هذا المبدأ من أهم المبادئ التي يجب أن يتم مراعاتها في جميع الأحوال التي نكون فيها بصدد فصل بين الأشخاص سواء من خلال جهات القضاء الرسمية أو من خلال الهيئات التحكيمية.

ويتمثل مبدأ الوجاهية في احترام وتأمين حقوق الدفاع والمساواة بين الطرفين وذلك من خلال منح الفرصة لكل طرف لتقديم دفاعه عن طريق اختيار محكميه أو ممثليه وأن يتم تبليغه تبليغاً صحيحاً ليتمكن من الحضور وأن يكون على دراية بادعاءات ومستندات خصمه للسماح له بإمكانية مناقشتها في جلسة المحاكمة[1].

وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم 556 لسنة 1998 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 1998-05-24 والتي قضت فيه بأن (يستفاد من المادة 7/ 1ج من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم 8 لسنة 1952 أنها أعطت محكمة البداية سلطة رفض الطلب المرفوع إليها لتنفيذ حكم اجنبي صادر خارج المملكة إذا لم يكن المحكوم عليه قد تبلغ مذكرة الحضور من المحكمة التي أصدرته ولم يحضر أمامها، وبما أن الغاية من تبليغ المدعى عليه مذكرة الحضور هو تأمين حقوق الدفاع للمذكور فإن ما يستفاد من نص المادة 7/ 1ج المشار إليها هو أن الحكم الأجنبي الذي يصدر خارج المملكة دون أن يتاح للمحكوم عليه ممارسة حق الدفاع هو حكم لا يقبل التنفيذ في المملكة).

د- الحصول على الحكم بدون احتيال:

يتعين الحصول على الحكم التحكيمي المراد تنفيذه دون احتيال أو غش نحو القانون، ولكننا نشير في هذا الصدد إلى أن نطاق الغش نحو القانون في مجال الحصول على الأحكام الأجنبية أوسع من مجال التحكيم، ذلك أن القانون الذي يسري على إجراءات التحكيم يكون وفقاً لإرادة المتعاقدين في حين أن القانون الذي يسري على الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية تخضع لضوابط إسناد من صنع المشرع وهي التي تكون عُرضة للتحايل عليها من قبل الأشخاص.

هـ – عدم مخالفة حكم التحكيم للنظام العام:

بداية نشير إلى أن فكرة النظام العام تُعد فكرة مرنة تتغير بتغير الزمان والمكان، إلا أنه يمكن وصفها بأنها تمثل صمام الأمان للمجتمع لحماية مبادئه الأساسية التي يقوم عليها، ويترتب على ذلك أنه لو كان الحكم الصادر عن هيئة التحكيم ينطوي على تعارض مع النظام العام والآداب الأردنية لترتب على ذلك أن القاضي سيمتنع عن تنفيذ هذا الحكم.

إلا أنه يجب ملاحظة أنه يجب التضييق من إعمال فكرة النظام العام في مجال التعاملات الدولية، حيث إنه من ضمن الوسائل التي تخفف من وطأة النظام العام في مجال العلاقات الدولية إمكانية تجزئة الحكم وطرح الجزء الذي يخالف النظام العام والقضاء بتنفيذ باقي الحكم وذلك في الحالات التي يكون فيها الحكم قابلاً للتجزئة.

أما إذا كانت مخالفة النظام العام تتبدى بصورة جلية لا يمكن غض الطرف عنها فلا مناص في هذه الحالة من رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، وهذا ما أقرته محكمة استئناف عمان عندما قضت برفض تنفيذ حكم تحكيم لمخالفته للنظام العام وذلك في حكمها رقم 27926 لسنة 2014 – استئناف عمان والتي قضت فيه بأن (أخطا رئيس تنفيذ محكمة بداية غرب عمان بإصدار القرار المستأنف برفض طلب المستأنفان حيث أن مضمون حكم التحكيم الأجنبي المنفذ مخالف للنظام العام وبالتالي لا مجال لاعتباره من الأحكام التي يمكن تنفيذها كما وانه مخالف لأحكام المادة (7) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم (8) لسنه 1952).

و- المعاملة بالمثل:

منح المشرع الأردني السلطة التقديرية للمحكمة المطلوب منها تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي إذا ما تبين لها أنه صادرً عن دولة ترفض تنفيذ الأحكام الصادرة في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث يكون للمحكمة في هذه الحالة أن ترفض إكساء حكم التحكيم بالصيغة التنفيذية.

وهذا ما تبينه محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم 5958 لسنة 2019 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 31/12/2019 والتي قضت فيه بأن (يجوز للمحكمة أيضاً أن ترفض الاستدعاء المقدم إليها بطلب تنفيذ حكم صادر من إحدى محاكم أية دولة لا يجيز قانونها تنفيذ الأحكام الصادرة عن محاكم المملكة الأردنية الهاشمية، يستفاد مما تقدم أن الأصل هو جواز تنفيذ الحكم الأجنبي في المملكة الأردنية الهاشمية إلا أن المشرع وضع استثناءات على هذا الأصل بالنص عليها في المادة (7) المشار إليها آنفاً أي أن الأصل في مثل هذه الحالة هو الجواز والاستثناء هو رفض الطلب).

2- أحكام التحكيم الأجنبية التي تخضع لاتفاقية نيويورك:

لم تحدد اتفاقية نيويورك شروطاً معينة لتنفيذ حكم التحكيم إلا أنها قد اشترطت ألا يُعامل حكم التحكيم الأجنبي مُعاملة أشد من تلك التي يُعامل بها حكم التحكيم المحلي وهذا ما بينته الاتفاقية بمقتضى نص المادة (2) السابق بيانها.

وعلى الرغم من ذلك فقد أشارت اتفاقية نيويورك إلى أن هناك حالات يكون فيها للدولة المراد تنفيذ حكم التحكيم فيها أن ترفيض طلب التنفيذ وذلك في حالات معينة وفقاً لما حددته الاتفاقية، وهذا ما نصت عليه المادة (5) من الاتفاقية والتي قضت بأن (يجوز رفض طلب الاعتراف بقرار التحكيم وتنفيذه، وذلك بناء على طلب المدعى عليه، شريطة أن يقدم هذا الأخير إلى الجهة المقدم إليها ذلك الطلب إثباتا بما يلي :

  • أن الفرقاء في الاتفاقية المبحوث عنها في المادة الثانية كانوا فاقدي الأهلية بموجب القانون المطبق عليهم أو أن تلك الاتفاقية لم تكن صحيحة بمقتضى القانون الذي تخضع إليه تلك الاتفاقية، أو ( في حالة عدم وجود الدليل على ذلك ) بمقتضى قانون البلد الذي صدر فيه قرار التحكيم ـ أو
  • أن الفريق الذي صدر قرار التحكيم ضده لم يبلغ أي إشعار بتعيين المحكم ، أو بإجراءات التحكيم، أو انه كان غير قادر على عرض قضيته ـ أو
  • أن قرار التحكيم يبحث في نزاع خارج عن نطاق الشروط التي تم بموجبها إحالة ذلك النزاع إلى التحكيم أو انه يتضمن قرارات حول أمور خارجة عن نطاق التحكيم : ويشترط في ذلك انه إذا أمكن فصل الأمور التي كانت معروضة للتحكيم فيجوز الاعتراف بذلك الجزء من القرار الذي يتناول الأمور التي كانت معروضة للحكيم ، وتنفيذه .
  • أن تشكيل الهيئة التحكيمية ( أو أن إجراءات التحكيم ) لم تجر بموافقة الفرقاء أو في حالة عدم وجود موافقة كهذه فان الإجراءات لم تكن متفقة مع قانون البلاد التي جرى فيها التحكيم .
  • أن قرار التحكيم لم يكتسب بعد صفة الإلزام بحق الفرقاء، أو انه قد فسخ أو أوقف مفعوله من قبل هيئة ذات اختصاص أو بمقتضى أحكام القانون الساري المفعول في البلاد التي صدر فيها قرار التحكيم المذكور.
  1. يمكن رفض الاعتراف بقرار التحكيم وتنفيذه إذا رأت السلطات في البلد المطلوب تنفيذ القرار فيه :
  • أن موضوع الخلاف لا يمكن حله بطريق التحكيم بموجب قوانين ذلك البلد، أو
  • أن الاعتراف بذلك القرار وتنفيذه يناقض السياسة العامة لذلك البلد .

رابعاً: أسلوب تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في القانون الأردني:

تبنى المشرع الأردني أسلوب ” الأمر بالتنفيذ ” فما يتعلق بتنفيذ الأحكام الأجنبية وعلى رأسها أحكام التحكيم الأجنبية، ويعرف الأمر بالتنفيذ بأنه (الإجراء الذي يصدر من القاضي المختص قانوناً ويأمر بمقتضاه بتمتع حكم المحكمين بالقوة التنفيذية[2]).

وبمقتضى هذا النظام يقتصر عمل القاضي الذي يُطلب منه إصدار أمر بتنفيذ حكم التحكيم على التحقق من أن الحكم قد استوفى الشروط الشكلية الخارجية دون أن يتطرق إلى موضوع الحكم طالما لم يكن مخالفاً للنظام العام وهذا ما يعرف باسم نظام المراقبة، حيث لا يعني القاضي في هذه الحالة أن المحكم قد خالف نص القانون ذلك أن الجهة التي يناط بها إصدار أمر بتنفيذ حكم التحكيم لا تُعد جهة استئنافية للحكم.

وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم 768 لسنة 1991 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 6/2/1992 أن المملكة الأردنية تأخذ بنظام المراقبة، حيث قضت محكمة التمييز بأن (أجازت المادة الثالثة من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم 8 لسنة 1952 على جواز تنفيذ الحكم الأجنبي في الأردن بإقامة دعوى لتنفيذه أمام محكمة البداية التي يقيم المحكوم عليه ضمن صلاحيتها أو المحكمة التي تقع ضمن صلاحيتها أملاك المحكوم عليه إن لم يكن مقيما في المملكة، كما تقضي المادة الثانية من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم 8 لسنة 1952 على أن الحكم الأجنبي يشمل قرار المحكمين في إجراءات التحكيم إذ كان القرار قد اصبح بحكم القانون المعمول به في البلد الذي جرى به التحكيم قابلا للتنفيذ كقرار صادر عن المحكمة في ذلك البلد، وبالتالي فان قرار المحكم الأجنبي المطلوب تنفيذه والمصدق عليه من قبل محكمة البداية في ذلك البلد يكون قابلا للتنفيذ في الأردن إن كان مستوفيا لجميع الشروط التي يتطلبها قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية وخاليا من المخالفات التي تمنع من تنفيذه والمنصوص عليها في المادة السابعة من القانون).

وفي الحكم رقم 1946 لسنة 1997 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 1997-12-15.قضت محكمة التمييز بأن: (الأسباب التي تعطي للمحكمة حق رفض تصديق الحكم الأجنبي هي حالات محددة استثنائية وعلى سبيل الحصر، وأن ما جاء بأسباب التمييز لا يندرج تحت هذه الحالات المحددة في المادة (7) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية ، وأن الحكم المطلوب أكساءه صيغة التنفيذ يستند إلى وثائق رسمية ومكتسب الدرجة القطعية، وأن المحاكم الأردنية لا يجوز لها بحث الأدلة التي استند إليها الحكم ما دام قد صدر عن محكمة مختصة، واكتسب الدرجة القطعية)

ومن ثم فقد استقر اجتهاد محكمة التمييز الأردنية على أن المحكمة التي يطلب إليها تصديق الحكم الأجنبي أو أكساؤه صيغة التنفيذ لا تملك مناقشة موضوعه أو التعديل أو التغيير فيه وإنما تنحصر مهمتها بمراجعة توافر شروط تنفيذه وفقاً لأحكام قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم 8 لسنة 1952 خاصة المادة السابعة.

خامساً: إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي:

1- المحكمة المختصة:

وفقاً لنص المادة (4) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية فإنه (تقام الدعوى بطلب تنفيذ حكم أجنبي باستدعاء يقدم إلى المحكمة البدائية التي يقيم المحكوم عليه ضمن صلاحيتها أو المحكمة التي تقع ضمن صلاحيتها أملاك المحكوم عليه التي يرغب في تنفيذ الحكم عليها إذا كان المحكوم عليه لا يقيم في المملكة الأردنية الهاشمية).

فيتضح من النص السابق إذن أن المحكمة المختصة تكون هي المحكمة البدائية التي يقيم المحكوم عليه في دائرتها، فإن لم يكن مقيماً في المملكة الأردنية الهاشمية فيكون تقديم الطلب إلى المحكمة التي سيجري التنفيذ في دائرة اختصاصها.

أما إذا لم يكن للمحكوم عليه محل إقامة أو أملاك في الأردن فإن الاختصاص في هذه الحالة ينعقد لمحكمة بداية عمان وذلك وفقا لنص المادة (47) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي نصت على أن (إذا لم يكن للمدعى عليه موطن ولا سكن في الأردن ولم يتيسر تعيين المحكمة المختصة بمقتضى الأحكام المتقدمة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي أو محل عمله فإن لم يكن له موطن ولا محل عمل في الأردن كان الاختصاص لمحكمة عمان).

وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم 221 لسنة 1999 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 31_8_1999 والتي قضت فيه بأن (تقام الدعوى بطلب تنفيذ حكم أجنبي باستدعاء يقدم إلى المحكمة البدائية التي يقيم المحكوم عليه ضمن صلاحياتها أو المحكمة التي تقع ضمن صلاحياتها أملاك المحكوم عليه التي يرغب المحكوم له في تنفيذ الحكم عليها إذا كان المحكوم عليه لا يقيم في المملكة الأردنية الهاشمية .

فإذا لم يكن للمدعى عليه موطن ولا سكن في الأردن ولم يتيسر تعيين المحكمة المختصة فيكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى أو محل عمله فان لم يكن له موطن ولا محل عمل في الأردن كان الاختصاص لمحكمة بداية عمان وذلك عملا بالمادة الرابعة من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية والمادة (47) من قانون أصول المحاكمات المدنية، وعليه فإن محكمة بداية عمان هي صاحبة الولاية والاختصاص بالنظر في طلب تنفيذ الحكم الصادر عن محكمة دولة الإمارات العربية المتحدة حضوريا بحق المدعى عليه وفقا لحكم المادة الثانية من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية التي عرفت الحكم الأجنبي بأنه كل حكم صادر عن محكمة خارج المملكة ويتعلق بإجراءات حقوقية ويقضي بدفع مبلغ من المال).

2- تقديم الطلب مرفقاً به الوثائق المطلوبة:

يتعين على راغب تنفيذ الحكم أن يُقدم طلب إلى محكمة البداية المختصة ويكون مرفقاً بهذا الطلب ما يثبت وجود الحكم الذي يقبل التنفيذ الجبري، وهذا ما قضت به المادة (6) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية والتي نصت على أن (يترتب على المحكوم له أن يقدم إلى المحكمة صورة مصدقة عن الحكم المطلوب تنفيذه مع صورة مصدقة عن ترجمتها إذا كان الحكم بغير اللغة العربية وصورة أخرى لتبليغها للمحكوم عليه).

ويكون تبليغ المحكوم ضده إذا كان مقيماً خارج الأردن وفقاً لنص المادة (13) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي نصت على أن (إذا كان المطلوب تبليغه شخصاً مقيماً في بلد أجنبي وكان موطنه فيه معروفاً، يجري تبليغ الأوراق القضائية بما في ذلك لائحة الدعوى ومرفقاتها إما بالطرق الدبلوماسية أو من خلال شركة خاصة تعتمد لهذه الغاية وفقاً للإجراءات التي يحددها النظام، وذلك مع مراعاة أحكام أي اتفاقيات دولية، وإذا جرى التبليغ أصولياً وفق أحكام الفقرة (1) من هذه المادة، فلا يتم السير في إجراءات المحاكمة إلا بعد مرور مدة ستين يوماً من اليوم التالي لتاريخ وقوع ذلك التبليغ ، وفي هذه الحالة يعتبر ذلك الشخص متبلغاً حكماً موعد أول جلسة محاكمة يتم عقدها بعد مرور تلك المدة).

3- سلطة القاضي في الأمر بالتنفيذ:

يكون للقاضي – وفقاً لما بينا سابقاً – أن يراقب حكم التحكيم الأجنبي مراقبة شكلية خارجية فإن وجد في هذا الحكم ما يخالف الشروط التي يتطلبها القانون الأردني فيكون له الحق في رفض الأمر بالتنفيذ.

ويُعد حكم القاضي بتنفيذ الحكم من قبيل الأعمال الولائية وفقاً للرأي الراجح فقهاً وقضاءً، ذلك أن دور المحكمة يقتصر على الرقابة الخارجية للحكم للتأكد من استيفائه لكافة الشروط التي تطلبها المشرع.

والحكم الصادر بدعوى الأمر بالتنفيذ من المحكمة الأردنية المختصة يكون قابلاً للطعن وفقاً لما نص عليه الباب العاشر من قانون أصول المحاكمات المدنية من طرق الطعن وهي الاستئناف والتمييز واعتراض الغير وإعادة المحاكمة أمام المحكمة الأردنية صاحبة الاختصاص[3].

وجديراً بالذكر أن تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي يخضع للضمانات المقررة في قانون التنفيذ الأردني حتى ولو كانت الدولة التي صدر فيها الحكم لا تأخذ بتلك الضمانات، فمثلا إذا كان القانون الأجنبي لا يعرف الحجز على مال معين في حين أن القانون الأردني يقر الحجز على هذا المال فإن هذا المال سيكون من الجائز توقيع الحجز عليه وفقاً لأحكام القانون الأردني.

إعداد/ أحمد منصور.

[1] عبد النور أحمد – إشكاليات تنفيذ الأحكام الأجنبية – 2010 – ص 138، 139.

[2] محمد عايد فاضل – موانع تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي – 2017 – ص42.

[3] عبد المهدي ضيف سعد الله – طرق الطعن في حكم التحكيم ونطاق بطلانه وفقاً لأحكام قانون التحكيم الأردني – 2012 – ص 66.

error: Alert: Content is protected !!