الإثبات بالشهادة في الالتزامات فوق مئة دينار
الأصل في قانون البينات أنه إذا زاد قيمة الالتزام عن مئة دينار فيجب إثباته بالشهادة ، ولكن نص المشرع الأردني على عدة حالات في متن المادة 30 من قانون البينات، أجاز فيها الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية التي تزيد قيمتها على مئة دينار، معتبرها استثناءا على ما ورد في المادة 28 و29 من القانون ذاته، وفي مقالنا هذا سنتناول ما يلي:
جدول المحتويات:
المانع من الحصول على الدليل الكتابي:
فقدان السند المكتوب لسبب أجنبي
مخالفه العقد في القانون والنظام العام
اجتهادات محكمة التمييز الأردنية بشأن الإثبات بالشهادة في الالتزامات فوق مئة دينار
المقصود بالالتزامات التعاقدية
هي المسؤوليات القانونية لكل طرف مشترك في اتفاقية تعاقدية في العقد يتبادل الطرفين منتجا أو خدمة ذات قيمة، ولكن يجب الوفاء ببعض الالتزامات حتى تتم عملية التبادل بشكل صحيح، ويتم تحديد هذه الالتزامات من خلال شروط العقد.
الحالات التي يجوز من خلالها الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية التي تزيد قيمتها على مئة دينار وهي:
مبدأ الثبوت بالكتابة: جعل المشرع الأردني لهذا المبدأ ما للكتابة من قوة الإثبات إذ تم إكمالها بشهادة الشهود، فأحيانا تقتضي العدالة قبول البينة الشخصية في حال وجد مبدأ ثبوت بالكتابة، والعلة في ذلك عدم إهدار الحق المدعى به فيما إذا تم التمسك فقط بضرورة وجود دليل كتابي كامل للإثبات، حيث إن مبدأ الثبوت بالكتابة يعتبر دليلا ناقصا للإثبات يتم إكماله بالشهادة.
وقد وضحت المادة 30 فقرة 1 من قانون البينات الأردني ماهية مبدأ الثبوت بالكتابة، حيث جاء فيها بأنه كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود المدعى به قريب الاحتمال.
وعليه يمكن أن نستنتج مما سبق أنه لا بد من توافر ثلاث شروط في مبدأ الثبوت بالكتابة وهي أن يوجد كتابة متعلقة بالتصرف المراد إثباته بالشهادة، وصدور الكتابة عن الخصم أو من يمثله، وأن يجعل هذه الكتابة الالتزام المدعى به قريب الاحتمال.
الأثر المترتب على توفر مبدأ الثبوت بالكتابة
ففي حال توافر مبدأ الثبوت بالكتابة، فأنه يترتب عليه إعفاء الخصم من تقديم الدليل الكتابي الكامل في الحالات التي يجب فيه ذلك، ولا يكفي هذا المبدأ لاعتباره دليل كامل إلا بتكملته بالشهادة ،حيث يستوي في ذلك المسائل المدنية والتجارية التي تكون فيها بالأصل حرية الإثبات متاحة ابتداءً.
أما بالنسبة للتصرفات القانونية الشكلية، والتي اعتبر المشرع فيها الكتابة ركنا للانعقاد مثل الهبة وعقود البيع بالنسبة للأموال المنقولة والغير المنقولة، فلا يجوز إثباتها بالشهادة، حتى لو توافر مبدأ الثبوت بالكتابة، أما إذا كانت الكتابة فقط من أجل الإثبات، فأن وجود مبدأ الثبوت بالكتابة يجيز الإثبات فيها وتكملته بشهادة الشهود.
ويتوجب على صاحب المصلحة أن يطلب إكمال مبدأ الثبوت بالكتابة بسماع الشهود من قبل المحكمة، فالمحكمة لا تملك من تلقاء نفسها طلب سماع الشهود على هذه البينة.
المانع من الحصول على الدليل الكتابي:
في حالة وجود مانع يحول دون الحصول على دليل كتابي، أجاز المشرع الأردني إثبات التصرف الذي يزيد قيمته على مئة دينار بشهادة الشهود، والعلة في ذلك استحالة الحصول على دليل كتابي.
والمادة 30 فقرة 2 من قانون البينات، حددت هذه الموانع، فهي إما أن تكون مانعا ماديا، أو أدبيا، أو مانعا يقوم في أساسه على العرف والعادة.
ومن الجدير بالذكر ان هذه الموانع لا تطبق في العقود الشكلية التي تكون الكتابة فيها ركنا للانعقاد وليس للإثبات فقط.
المانع المادي
لم يعرف المشرع الأردني المانع المادي، إنما اكتفى بإعطاء أمثلة عليه، حيث اعتبر أن عدم وجود من يستطيع كتابة السند أو أن يكون طالب الإثبات شخص ثالث ليس طرفا في العقد من قبيل الموانع المادية.
أما عن حالة عدم وجود من يستطيع كتابة السند، فإن المانع قد يكون جهل المتعاقدين بالكتابة بلغة الآخر وعدم وجود من يتقن الكتابة بلغة أي منهما، والحالة الثانية وهي كون طالب الإثبات ليس طرفا بالتصرف القانوني، فإنه يستحيل على الغير الحصول على دليل كتابي لأنه خارج محيط التعاقد مما يجيز له إثبات التصرف بالبينة الشخصية.
المانع الأدبي
يقوم هذا المانع على أساس معنوي، لوجود اعتبارات معنوية (أدبية)تربط بين المتعاقدين عند أبرام التصرف القانوني، بحيث يمنع أحدهما من طلب الدليل الكتابي من الطرف الآخر.
وما يميز هذا المانع عن غيره من الموانع التي ذكرها المشرع في متن المادة 30 من قانون البينات هو أنه أكثر شيوعا ووقوعا في الحياة العملية.
ومن أبرز الأمثلة على هذا المانع القرابة بين الزوجين أو ما بين الأصول والفروع، أو ما بين الحواشي الى الدرجة الثالثة، أو ما بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر.
وتقدير وجود هذا المانع يخضع غالبا الى سلطة وصلاحية القاضي، وهو لا يخضع لرقابة محكمة التمييز متى كان حكمه مبنيا على أسباب صحيحة تؤدي اليه.
العرف والعادة
فقد يعود عدم الحصول على دليل كتابي الى العرف والعادة بين الناس فيما يتعلق بالتعامل، وهي تختلف من بلد لآخر تبعا للعادات والتقاليد والأعراف السائدة فيه، وعليه فإن عرف البلد هو المعيار والأساس الذي يعتد به قاضي الموضوع في تقديره متى كان هذا العرف مستقرا مقطوعا بوجوده.
فقدان السند المكتوب لسبب أجنبي
فيجب أن يكون الدليل الكتابي حصل عليه الخصم ابتداء، ولكنه وبعد حصوله عليه فقده لسبب أجنبي لا يد له فيه، فيصبح من المستحيل عليه الإثبات بالكتابة، فهذه الاستحالة تكون لاحقة لانعقاد التصرف القانوني.
وعليه فان العدالة تقتضي إجازة سماع البينة الشخصية له لإثبات التصرف كونه لا يد له في فقدان السند، وقد اقتصرت المادة 30 فقرة 3 من قانون البينات هذه الحالة على الدائن، إذا فقد سنده المكتوب، في حين لم يمنح المشرع هذه الميزة الى المدين الذي يفقد السند الوارد فيه استيفاء الدائن لحقه منه.
وعليه فإنه يشترط لتطبيق هذه الحالة أن يكون هنالك سند كتابي ابتداء، وأن يتم فقدان السند من الدائن لسبب لا يد له فيه، وعليه فإن فقدان السند المكتوب من الدائن بسبب إهماله أو تقصيره، لا يعطيه الحق بسماع البينة الشخصية.
مخالفه العقد في القانون والنظام العام
ففي حاله انطوى التصرف على غش أو احتيال على القانون وأحكامه وتم الطعن بذلك، جاز إثباته بالبينة الشخصية.
بيان الظروف التي أحاطت بتنظيم السند
فهذه الظروف هي من قبيل الوقائع المادية التي يمكن أن يراها ويسمعها الشهود عند تنظيم السند (التصرف القانوني)، ومثال ذلك التوقيع على السند والتاريخ والظروف التي أحاطت بتنظيمه لاعتبارها وقائع مادية. [1]
تحديد العلاقة بين السند موضوع الدعوى وسند آخر
ومفاد ذلك أن يكون السندين محررين لشخص واحد أو لمن هو في حكم الشخص الواحد، ويجوز بحسب الأصل إثبات هذه الواقعة كونها واقعة مادية بالشهادة دون إفراد نص خاص بها في المادة 30 من قانون البينات.
الادعاء بأن السند قد أخذ عن طريق الغش والاحتيال والإكراه:
وهو أيضا جائز إثباته بالبينة الشخصية ويندرج ضمن البند 4 من المادة 30 من ذات القانون، على أن يتم تحديد أي من هذه الوقائع بصورة واضحة.
اجتهادات محكمة التمييز الأردنية بشأن الإثبات بالشهادة في الالتزامات فوق مئة دينار:
قرار محكمة التمييز الأردنية الصادر عن الهيئة العادية رقم 331/2017 فصل 15/3/2017:
“وحيث ان المدعى عليه قد دفع دعوى المدعي بأنه أعطى الكمبيالات موضوع الدعوى للمدعي لضمان قيامه (المدعى عليه) بتسديد حصته في الشركة التي تجمعه مع المدعي (كما هو ثابت من شهادة تسجيل الشركة وانه قام بتسديد حصته في الشركة وطلب أثباتا لذلك بينة شخصية والطلب لإلزام المدعي بتقديم السجلات المحاسبية الخاصة بشركة عباس العمر وشركاه لبيان تسديد الشركاء لحصصهم من رأس المال والأرباح والميزانية الخاصة للشركة من تاريخ تأسيسها وحتى تاريخه.
وحيث ان المادة 30/5 من قانون البينات تجيز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية، حتى لو كان المطلوب تزيد قيمته على مئة دينار لبيان الظروف التي أحاطت بتنظيم السند على ان يتم تحديدها وحيث ان المدعى عليه قد طلب السماح له بتقديم البينة الشخصية لإثبات الظروف التي أحاطت بتنظيم الكمبيالات محل المطالبة موضوع الدعوى وحدد هذه الظروف وهي ان هذه الكمبيالات وضعت كتأمين لدى المدعي لضمان تسديد المدعى عليه حصته في رأسمال الشركة القائمة بينه وبين المدعي.
وحيث ان هذه الواقعة يجوز إثباتها بالبينة الشخصية وان تقديم السجلات المحاسبية الخاصة بتلك الشركة وكما جاء في الطلب شأنه شأن البينة الشخصية بينة منتجة في الدعوى لإثبات تسديد حصته من رأس المال إلا ان المحكمة الاستئناف سايرت محكمة أول درجة بشأن هذين الطلبين خلافاً لأحكام القانون حيث لجأ المدعى عليه لطلب توجيه اليمين الحاسمة لإثبات هذا الدفاع متنازلاً عما عداه من بينات وهو دفاع جوهري من شأنه ان يغير وجه الرأي في الدعوى إلا محكمة الاستئناف لم تحقق هذا الدفاع بمقولة أنها غير منتجة خلافاً لأحكام القانون.
وعليه فقد كان على محكمة الاستئناف إجازة توجيه اليمين الحاسمة التي طلبها المدعى عليه للمدعي وبما يتناسب مع وقائع الدعوى ودفاع المدعى عليهم وحيث أنها لم تلتزم هذا النظر فإن قرارها يكون في غير محله”.
النصوص القانونية التي تناولت مسألة الإثبات بالشهادة في الالتزامات فوق المئة دينار:
قانون البينات الأردني رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته
المادة 30:
يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية، حتى لو كان المطلوب تزيد قيمته على مائة دينار:
- إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة.
ومبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود المدعى به قريب الاحتمال.
- إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي أو كان العرف والعادة لا يقضيان بربطها بسند.
يعتبر مانعا ماديا ألا يوجد من يستطيع كتابة السند أو أن يكون طالب الإثبات شخصا ثالثا لم يكن طرفا في العقد.
تعتبر مانعا أدبيا القرابة بين الزوجين أو ما بين الأصول والفروع أو ما بين الحواشي الى الدرجة الثالثة أو ما بين الزوجين وأبوي الزوج الآخر.
- إذا فقد الدائن سنده المكتوب لسبب لا يد له فيه.
- إذا طعن في العقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام أو الآداب.
- لبيان الظروف التي أحاطت بتنظيم السند على أن يتم تحديدها.
- لتحديد العلاقة بين السند موضوع الدعوى وسند آخر.
- في حال الادعاء بأن السند أخذ عن طريق الغش أو الاحتيال أو الإكراه على أن يتم تحديد أي من هذه الوقائع بصورة واضحة
إعداد المحامية : ثمار إبراهيم
[1] الموقع الإلكتروني حماة الحق للمحاماة