حق الاستعانة بمحامي

حق الاستعانة بمحامي

الحق في الاستعانة بمحام ويسمى في اللغة الإنجليزية Right to counsel   يعني أن للمشتكى عليه الحق في الحصول على مساعدة محامي سواء أكان على نفقته أو على نفقة الدولة، وإذا كان المشتكى عليه لا يستطيع تحمل تكاليف تعيين المحامي ، فيجوز له أن يطلب من المحكمة أن تعين له محامي على نفقة الدولة، وفي أحوال معينة تكون المحكمة ملزمة بتعيين محامي عن المتهم على نفقة الدولة، حتى لو لم يطلب ذلك.

يُنظر إلى الحق في الاستعانة بمحام بأنه ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة. ومع ذلك، من الناحية التاريخية ، لا تعترف كثير من دول العالم بمثل هذا الحق.

وسنبين هنا ما هو هذا الحق وأهميته والأحكام القانونية المتعلقة به وما يثور حوله من أسئلة.

حق الاستعانة بمحامي يعد أحد ضمانات التحقيق الابتدائي

إن مرحلة التحقيق الابتدائي وهي ما تسمى بمرحلة الاستدلال، هي مرحلة تنطوي على الكثير من الإجراءات التي تمس بحقوق المتهم، كالاستجواب والتفتيش والتوقيف، هذه الإجراءات الجزائية وغيرها تعرض المتهم إلى كثير من الضغوط والمساس بحقوقه التي كفلها لها الدستور الأردني الحماية   فقد جاء بنص المادة 8 من الدستور الأردني (لا يجوز أن يقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون)، وقد نص قانون أصول المحاكمات الجزائية على حق المتهم في الاستعانة بمحامي، هو مبدأ شرعي مستمد من القانون.

ومن حق المتهم الاستعانة بمحامي، فوجود محامي في مرحلة التحقيق الابتدائي يضمن للمتهم الاطلاع على مجريات القضية بشكل قانوني وواضح ومعرفة موقفه القانوني، وبواسطة المحامي يمكن للمتهم أن يدرأ التهمة عنه، مما يجعل الاستعانة بمحامي ضمان من ضمانات النزاهة والعدالة القضائية.

فالحاجة إلى الاستعانة بمحامي تأتي من منطلقين: الأول هو حتمية الاستعانة نظراً لأن القانون لا يقبل مثول الشخص أو بسط دعواه  أمام القضاء لا بوجود محامي وذلك في حالات نص عليها القانون، والمنطلق الثاني وهو الأهم هو لما يتمتع به المحامي من خبرات وقدرات علمية وقانونية وجسدية تجعله قادراً على  ممارسة حق الدفاع أو حق المطالبة بالحقوق أمام القضاء بشكل أفضل من غيره، وسنتحدث في هذا المقال عن حق الاستعانة بمحامي في القضايا الجزائية وتحديداً في المراحل الأولى وهي مرحلة التحقيق الابتدائي، استنادا  للمواد 63،64،65،66 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني .

حق الاستعانة بمحامي هو حق ينبثق من حق دفاع المتهم عن نفسه

من حق المتهم أن يدافع عن نفسه وأن يحصل على محاكمة عادلة، وهذا ما يسمى (بقضائية العقوبة وهي تعني أنه لا يجوز للدولة ولا الأفراد أن تقتص من المجرم بتطبيق العقاب عليه، إلا بعد إجراء محاكمة قانونية أمام محكمة مختصة، حتى لو تم ضبطه بالجرم المشهود واعترف اعترافا صريحا بارتكاب الجريمة ورضي رضاء صريحا بقبول هذه العقوبة المباشرة [1]، فحق الدفاع عن النفس هو حق عادل من خلال تطبيقه يجازى المسيء، وتظهر براءة من لا صلة له بالجريم، ومن حق المتهم الدفاع عن نفسه من خلال محامي ، فقد جاء بنص المادة 65/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائي : لا يسوغ لكل من المتداعين ان يستعين لدى المدعي العام الا بمحام واحد .

أعمال المحامي في سبيل الدفاع عن المتهم

للمحامي أثناء التحقيق، وفي سبيل الدفاع عن موكله المشتكى عليه، أن بقدم الطلبات والدفوع، ويطلب تدوينها في محضر التحقيق، كما يمكنه أن يطلب سماع بعض الشهود، وأن يطلب ندب خبراء لإجراء المعاينة، وأن يطلع على أوراق التحقيق قبل استجواب المشتكى عليه.

حق الاستعانة بمحامي وسرية وعلانية المحاكمات

إن مراحل المحاكمة تبدأ من مرحلة الاستقصاء وجمع الأدلة مروراً بمرحلة التحقيق الابتدائي، ووصولاً لمرحلة التحقيق النهائي، وهي مرحلة المحاكمة، خلال المرحلتين الوسطى والأخيرة تجري الكثير من الإجراءات القضائية، ففي مرحلة التحقيق الابتدائي يجري التحقيق من قبل المدعي العام وهذا التحقيق ليس مباحاً لكافة الأفراد، على عكس المحاكمة التي تكون في الأصل علانية إلا في حالات خاصة تعود لاعتبارات أدبية وتكون سرية استنادا لنص المادة 101 من الدستور الأردني والذي جاء فيها

(جلسات المحاكم علنية إلا إذا قررت المحكمة أن تكون سرية مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية).

فإجراءات التحقيق لا تكون سرية بالنسبة للمحامي إذ له الحق في حضور إجراءات التحقيق ما عدا سماع الشهود، وفي الحالة الاستعجال والخوف من ضياع الأدلة  للمدعي العام مباشرة إجراءات التحقيق بغيابه، مع حقه بالاطلاع على المحاضر فيما بعد، وتجدر الإشارة إلى أن حق حضور التحقيق أو الاطلاع على إجراءاته هو حق أيضا لكل من المشتكى عليه والمسؤول بالمال والمدعي الشخصي، سنداً لنص المادة64 من ذات القانون والتي جاء فيها: للمشتكى عليه والمسؤول بالمال والمدعي الشخصي ووكلائهم الحق في حضور جميع إجراءات التحقيق ما عدا سماع الشهود.

حق المتهم بالاستعانة بمحامي هو حق مشروع استنادا للقانون

إن حق المتهم بالدفاع عن نفسه بواسطة محامي هو حق ممنوح له بموجب القانون ويجب على المدعي العام أن ينبه المتهم أن من حقه ألا يجيب عن التهمة المنسوبة إليه إلا بحضور محامي، ومن ثم الخيار للمشتكى عليه إما أن يختار توكيل محامي أو عدم توكيل محامي.

أهمية تنبيه المتهم لحقه بالاستعانة بمحامي

في حال عدم تنبيه المدعي العام للمتهم بخصوص حقه بتوكيل محامي وقام بأخذ إفادته، ففي هذه الحالة تعتبر الإفادة باطلة سنداً لنص المادة 63 /4 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، وتبرز أهمية التنبيه لحق الاستعانة بمحامي في الجنايات، ففي الجنايات التي لا تقل عقوبتها عن عشر سنوات ، يتعين حضور المحامي مع المشتكى عليه في كل جلسة من الجلسات الاستجواب، وفي حال  تعذر على المشتكى عليه تعيين محام فيتخذ المدعي العام الإجراءات اللازمة لتعيين محام له وفق أحكام التشريعات النافذة ، ويجب على المدعي العام في كل مرحلة استجواب أن يسأل المشتكى عليه في حال كان يرغب بتوكيل محامي أو استكمال الاستجواب دون وجود محامي،  وأن يثبت ذلك في المحضر تحت طائلة بطلان ذلك الاستجواب اللاحق، سنداً لنص المادة 63 مكررة .

أهمية الاستعانة بمحامي قبل استجواب المتهم

تبرز أهمية الاستعانة بالمحامي في المرحلة التحقيقية تحديداً قبل استجواب المشتكى عليه الظنين أو المتهم، فأفضل استشارة قانونية ممكن أن يحصل عليها المتهم هي قبل استجوابه، فمن حق المحامي أن يطلب الاطلاع على أوراق التحقيق قبل استجواب المتهم، وهذا جق للمشتكى عليه أيضاً، وفي حال رفض هذا الطلب يعتبر الاستجواب باطل.

هل يجوز في أحوال معينة أن يمنع المدعي العام المحامي من حضور إجراءات التحقيق؟

لا، لا يجوز بأي حال من الأحوال منع المحامي المتهم من الحضور معه، ذلك أن الخصم ومحاميه يعتبران شخصاً واحداً، سواءً في مرحلة التحقيق الابتدائي أو في مرحلة المحاكمة، وذلك سنداً لنص المادة 64 من قانون أصول المحاكمات الجزائية [2].

هل يحق للمحامي الكلام أثناء التحقيق؟

نعم يحق له الكلام أثناء التحقيق، ولكن بإذن المحقق، وفي حال لم يأذن له بالكلام للمحامي أن يقدم مذكرة بملاحظاته حول إجراءات التحقيق وهذا حق له.

حق الاستعانة بمحامي ومنع الاتصال المشتكى عليه

قد يمنع المدعي العام المشتكى عليه المتهم من الاتصال بالجمهور، وذلك لمدة لا تتجاوز العشرة أيام قابلة للتجديد، ولكن هذا المنع لا يشمل محامي المشتكى عليه فله أن يتصل به في أي وقت وبمعزل عن أي رقيب.

حق الاستعانة بمحامي هو حق إنساني عالمي

نص مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي لسنة 1986

على حق المشتكى عليه في توكيل محامي فقد جاء في المادة 4/2 منه:

لا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو احتجازه بغير سند من القانون، وله منذ اتخاذ هذا الإجراء ضده حق الاستعانة بمحام ويجب تقديمه الى الجهة القضائية المختصة فورا.

حق الاستعانة بمحامي في الأنظمة الأردنية

نظام التفتيش القضائي على المحاكم النظامية المعدل

المادة 5: ج. للقاضي الحق في الاطلاع على جميع أوراق التحقيق قبل التحقيق معه من المفتش وله الحق في الاستعانة بمحام وتقديم ما يراه لازماً من بينات لتأييد أقواله.

نظام مزاولة مهنة المحاسبة القانونية

المادة 14: ج. إذا أحال المجلس المشتكى عليه الى اللجنة التأديبية فتقوم بتبليغه بالمخالفة المنسوبة اليه خلال أسبوع من تاريخ إحالة نتائج التحقيق اليها، وعليه المثول أمامها خلال أسبوع لإبداء دفوعه المتعلقة بالشكوى وله حق الاستعانة بمحام لحضور جلسات اللجنة التأديبية وللجنة حق الاستماع الى شهادة الشهود حول القضية المطروحة أمامها.

النصوص القانونية المتعلقة بحق الاستعانة بمحامي

قانون أصول المحاكمات الجزائية

المادة 63:

  1. عندما يمثل المشتكي عليه أمام المدعي العام يتثبت من هويته ويتلو عليه التهمة المنسوبة اليه ويطلب جوابه عنها منبها اياه ان من حقه ان لا يجيب عنها الا بحضور محام ، ويدون هذا التنبيه في محضر التحقيق فاذا رفض المشتكى عليه توكيل محام أو لم يحضر محامياً في مدة أربع وعشرين ساعة يجري التحقيق بمعزل عنه.
    2. يجوز في حالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة وبقرار معلل سؤال المشتكى عليه عن التهمة المسندة اليه قبل دعوة محاميه للحضور على ان يكون له بعد ذلك الاطلاع على إفادة موكله.
    3. إذا ادلى المشتكى عليه بإفادة يدونها الكاتب ثم يتلوها عليه فيوقعها بإمضائه أو ببصمته ويصدق عليها المدعي العام والكاتب وإذا امتنع المشتكى عليه عن توقيعها بإمضائه أو ببصمته يدون الكاتب ذلك بالمحضر مع بيان سبب الامتناع ويصادق عليها المدعي العام والكاتب.
    4. يترتب على عدم تقيد المدعي العام بأحكام الفقرات 1 و2 و3 من هذه المادة بطلان الإفادة التي ادلى بها المشتكى عليه.

المادة 63 مكررة:

  1. للمشتكى عليه أو محاميه الحق في ان يطلب خطيا قبل بدء الاستجواب الاطلاع على جميع أعمال التحقيق، ما عدا أقوال الشهود، تحت طائلة بطلان الاستجواب في حال رفض طلبه.
    2. في الجنايات التي يبلغ الحد الأدنى لعقوبتها عشر سنوات فأكثر، يتعين حضور محام مع المشتكى عليه في كل جلسة استجواب، وإذا تعذر على المشتكى عليه تعيين محام فيتخذ المدعي العام الإجراءات اللازمة لتعيين محام له وفق أحكام التشريعات النافذة.
    3. مع مراعاة أحكام الفقرة (2) من هذه المادة، إذا لم يحضر محام جلسة استجواب موكله، فعلى المدعي العام ان يثبت في المحضر وسيلة تمكين المشتكى عليه من الاتصال بمحاميه قبل يوم على الأقل من الاستجواب ما لم يكن قد تم إشعار محاميه بموعدها في جلسة سابقة للتحقيق.
    4. على المدعي العام قبل كل استجواب لاحق للاستجواب الأول أن يسأل المشتكى عليه عما إذا كانت موافقته مستمرة بأن يتم استكمال استجوابه دون الاستعانة بمحام، وان يثبت ذلك في المحضر تحت طائلة بطلان ذلك الاستجواب اللاحق.
    5. لا يجوز للمدعي العام ان ينهي التحقيق إلا إذا استجوب المشتكى عليه، ما لم يتعذر عليه ذلك لفراره أو إذا رأى ان ما تجمع لديه من أدلة يكفي لمنع المحاكمة عنه بصرف النظر عن الاستجواب.

المادة 64:

  1. للمشتكى عليه والمسؤول بالمال والمدعي الشخصي ووكلائهم الحق في حضور جميع إجراءات التحقيق ما عدا سماع الشهود ولا يجوز لهم الكلام إلا إذا أذن لهم المدعي العام، وإذا لم يأذن وجب تدوين ذلك في المحضر.
  2. يحق للأشخاص المذكورين في الفقرة الأولى ان يطلعوا على التحقيقات التي جرت في غيابهم.
  3. ويحق للمدعي العام ان يقرر إجراء تحقيق بمعزل عن الأشخاص المذكورين وفي حالة الاستعجال أو متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة وقراره بهذا الشأن لا يقبل المراجعة إنما يجب عليه عند انتهائه من التحقيق المقرر على هذا الوجه ان يطلع عليه ذوي العلاقة.

المادة 65:

  1. لا يسوغ لكل من المتداعين ان يستعين لدى المدعي العام الا بمحام واحد.
  2. يحق للمحامي الكلام أثناء التحقيق بإذن المحقق.
  3. وإذا لم يأذن له المحقق بالكلام أشير الى ذلك في المحضر ويبقى له الحق في تقديم مذكرة بملاحظاته.

المادة 66:
1. يحق للمدعي العام ان يقرر منع الاتصال بالمشتكى عليه الموقوف مدة لا تتجاوز عشرة أيام قابلة التجديد.

  1. ولا يشمل هذا المنع محامي المشتكى عليه الذي يمكنه ان يتصل به في كل وقت وبمعزل عن اي رقيب.

من اجتهادات المحاكم الأردنية فيما يتعلق بحق الاستعانة بمحامي

الحكم رقم 1021 لسنة 2019 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية

يتبين أن محكمة الشرطة ووفق سلطاتها التقديرية استعرضت وقائع الدعوى استعراضاً وافياً وشاملاً واستخلصت الواقعة الجرمية استخلاصاً سائغاً ومقبولاً وسليماً من خلال بينات قانونية ثابتة لها ما يؤيدها ودللت عليها وضمنت قرارها فقرات منها وعولت عليها في تكوين عقيدتها حيث ساندت بعضها البعض والتي نقرها عليها والثابتة من خلال اعتراف المتهم لدى المدعي العام والذي أحيط بالضمانات التي يتطلبها القانون والظاهرة من إفهام المتهم التهم المسندة إليه وأن من حقه الاستعانة بمحامٍ والموثقة في مطلع أقوال المتهم وحيث إن محاضر التحقيق لدى المدعي العام لا يطعن فيها إلا بالتزوير.

إعداد المحامي ليلى خالد

[1] د. محمد سعيد نمور، أصول الإجراءات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2021، ص 16.وموقع المحامي الأردني.

[2] د. محمد سعيد نمور، أصول الإجراءات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2021، ص 374.

error: Alert: Content is protected !!