الإثبات بالتقارير المخبرية في الدعوى الجزائية
إن وسائل الإثبات في الدعوى الجزائية غير محصورة بطرق محددة إلا في جرائم معينة بينها المشرع في نصوص خاصة في القانون، فقد تبنى المشرع الأردني مبدأ الإثبات الحر، فوسائل الإثبات في الدعوى الجزائية هي الاعتراف والشهادة والخبرة والبينة الخطية وهي الإثبات بالكتابة والقرائن، ويمكن تصنيف الأدلة الجرمية التي يتم تقديمها في الدعوى الجزائية تحت إحدى هذه الوسائل، فأين تقع التقارير المخبرية المقدمة في الدعوى الجزائية من بين هذه الوسائل ؟، وما هي حجتها في الإثبات الجزائي؟، سنتعرف على ذلك بالاستناد إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني لسنة 1961 وتعديلاته.
جدول المحتويات
السند القانوني للإثبات الجزائي بالتقارير المخبرية
الشروط الواجب توافرها في التقارير المخبرية لكي تصلح دليلاً في الإثبات الجزائي
التقارير المخبرية ودورها في الإثبات الجزائي
التقارير المخبرية بين الخبرة والبينة الخطية
شهادة الموظف المسؤول عن مختبر الحكومة
المقصود بالتقارير المخبرية
أن التقارير المخبرية هي التحاليل الطبية أو التحاليل الكيماوية التي تتم عن طريق مختبرات عامة أو خاصة مجهزة بأجهزة علمية، ويقوم بإعدادها موظف مختص بإعداد وتجهيز هذه التقارير بناءً على نتائج الفحوصات التي توصل إليها.
ولا بد أن نشير إلى أن التقارير المخبرية ذات مدلول واسع تشمل التقارير الطبية والتقارير العلمية والصادرة عن المختبرات، بينما التقارير الطبية ذات معنى محدد مقتصر على الأمور التي تخص الطب كتحليل الدم والفحوصات الطبية الشاملة، فماذا قصد المشرع بالتقارير المخبرية في الإثبات الجزائي؟
السند القانوني للإثبات الجزائي بالتقارير المخبرية
بالنظر في قانون أصول المحاكمات الجزائية نجد أن المشرع نص في المادة 161 في الفقرة الأولى منها على:
أن التقرير الذي يستدل منه بأنه صادر من الموظف المسؤول عن مختبر الحكومة الكيماوي أو من محلل الحكومة الكيماوي والموقع بتوقيعه والمتضمن نتيجة الفحص الكيماوي أو التحليل الذي أجراه بنفسه بشأن أية مادة مشتبه فيها يقبل في معرض البينة في الإجراءات الجزائية دون أن يدعى ذلك الموظف أو المحلل كشاهد.
وعليه نجد أن المشرع قصد بالتقارير المخبرية هي التقارير العلمية التي تعتمد على تحليل المواد التي يتبين استخدامها في الواقعة الجرمية، وأن التقارير المخبرية التي اعتمدها المشرع في الإثبات الجزائي هي التقارير الصادرة عن مختبر حكومي وليس مختبر خاص.
الشروط الواجب توافرها في التقارير المخبرية لكي تصلح دليلاً في الإثبات الجزائي
1_ أن يكون التقرير المخبري صادر عن مختبر حكومي الكيماوي.
2_ أن يصدر عن الموظف المسؤول في المختبر أو من محلل الحكومة الكيماوي.
3_ أن يوقع الموظف أو المحلل على التقرير الذي أعده بنفسه.
4_ أن يتعلق التقرير المخبري بمادة تتعلق بالواقعة الجرمية.
التقارير المخبرية ودورها في الإثبات الجزائي
قبل أن نخوض في مسألة تصنيف التقارير المخبرية من حيث موقعها بين الأدلة الجرمية، لا بد أن نشير إلى أهمية ودور التقارير المخبرية ولماذا يعتبرها المشرع دليل إثبات في الدعوى الجزائية؟، إن الوسائل العلمية الحديثة لها دور كبير في الإثبات الجزائي ومنها التقارير المخبرية، فالأمر الذي يهم الجهات الأمنية والقضائية هو الوصول إلى مرتكب الجرم بأسرع وقت ممكن لذلك سمح المشرع باستخدام أي تقنية جديدة تساهم في عملية إثبات الجرم، بحيث تساهم في تكوين قناعـة القاضـي الوجدانيـة فـي القبـول ّ بعض الأدلة أو استبعادها، باعتبار أن القاضي هو الخبير الأعلـى، إلا أنـه يجـب أن يستعين بالخبراء ببعض الأمـور الفنية التـي يحتـاج إليهـا للفصـل فـي القضـية التـي أمامـه.
التقارير المخبرية بين الخبرة والبينة الخطية
عند النظر في التقارير المخبرية من حيث موقعها في وسائل الإثبات الجزائي نجد أنها تصنف من وسائل الإثبات بالبينة الخطية وهي الكتابة، فالبينة الخطية هي الوثائق المكتوبة والمتعلقة بالجريمة، والتي تشكل دليلاً على حصولها ونسبتها إلى الفاعل [1]، والتقرير المخبري هو عبارة عن أوراق مكتوبة وصادرة عن موظف حكومي وموقعة بتوقيعه وبتالي هي أوراق رسمية.
ونجد أن التقارير المخبرية أيضاً من أعمال الخبرة فمن مهام الخبير إعداد التقارير بشأن الخبرة المكلف بها حيث أن المحكمة أو المدعي العام في المرحلة التي تكون عليها الشكوى أن تكلف مختبر الأدلة الجرمية أو تقوم بإرسال عينات تتعلق بموضوع الواقعة الجرمية لإجراء الفحوصات اللازمة لبيان مدى ارتباطها بالمشتكى عليه والتهمة المنسوبة إليه، وإعداد التقرير المخبري على ضوء النتائج التي يتم التوصل إليها وإرسالها إلى المدعي العام أو المحكمة، إلا أن الأمر الذي يحسم مسألة تصنيف التقارير المخبرية هو أن التقارير المخبرية وكما سنرى من خلال المقال حجيته مطلقة لا يطلب منظمه لمناقشته إلا إذا رأت المحكمة ضرورة ذلك ، أما في تقارير الخبرة يجب أن يطرح تقرير الخبرة للمناقشة من قبل الخصوم والمحكمة، وعليه فإن التقارير المخبرية من وسائل الإثبات بالبينة الخطية.
حجية التقارير المخبرية
إن التقرير المنظم من قبل الأدلة الجنائية فإنه يتمتع بحجية ما لم يثبت تزويره، وبالتالي فإن قوتها الثبوتية مفترضة وعلى من يدعي عكسها؛ أن يقيم الدليل على صحة ادعائه، ذلك لأن هذه التقارير تتمتع بالقوة الثبوتية لأنها صادرة عن موظف رسمي، وهذه قرينة قانونية على صحتها بحيث يمتنع على المحكمة أن تبحث وتناقش الوقائع المادية الواردة فيها، أو أن تقبل البينة الشخصية المعاكسة، ومضمونها يتمتع بالقوة الثبوتية لحين ثبوت التزوير.
مضمون التقارير المخبرية
إن التقارير المخبرية لا تنتج عن عمل محدد، بل هي نتاج كل عمل يصدر عن مختبر الأدلة الجريمة، فقد تتضمن نتائج فحص المضبوطات أو تحليل المواد المخدرة والسامة، والرصاص، والمفرقعات والذخائر، وكثير من الأمور والمواد التي لا حصر لها وتدخل تحت مظلة مختبر الأدلة الجريمة وتصدر فيها تقارير مخبرية.
شهادة الموظف المسؤول عن مختبر الحكومة
إن المادة 160 من قانون أصول المحاكمات الجزائية نصت في الفقرة الأولى منها على:
- أن التقرير الذي يستدل منه بانه صادر من الموظف المسؤول عن مختبر الحكومة الكيماوي أو من محلل الحكومة الكيماوي والموقع بتوقيعه والمتضمن نتيجة الفحص الكيماوي أو التحليل الذي أجراه بنفسه بشأن أية مادة مشتبه فيها يقبل في معرض البينة في الإجراءات الجزائية دون أن يدعى ذلك الموظف أو المحلل كشاهد.
وعليه نجد أن المشرع أعطى للتقارير المخبرية الحجة المطلقة دون الحاجة لمناقشة مضمونها وذلك من خلال استدعاء الموظف أو المحلل المسؤول عن التقرير كشاهد في الدعوى، إلا أن المشرع نص في الفقرة الثانية من نفس المادة على:
- بالرغم من أحكام الفقرة (1) يترتب على الموظف أو المحلل أن يحضر كشاهد في الإجراءات الجزائية القائمة أمام أية محكمة بما في ذلك محكمة الصلح إذا رات المحكمة أو قاضي الصلح أن حضوره ضروري لتامين العدالة.
بناءً على هذه النص القانوني نتوصل إلى أن الموظف أو المحلل المسؤول في المختبر الحكومي والذي نظم التقرير المخبري لا يلزم للحضور للمحكمة كشاهد إلا إذا رأت المحكمة ضرورة حضوره ففي هذه الحالة يكون حضوره واجباً كشاهد في الدعوى الجزائية، وذلك على عكس تقرير الطب الشرعي حيث يتوجب حضور الطبيب الشرعي كشاهد في الدعوى الجزائية، وفي الحقيقة شهادته لا تكون إلا تكرار لما ورد في التقرير، لذا نرى ضرورة تعديل القانون الأردني ليوازي التقرير الفني الصادر عن مختبرات الأدلة الجرمية من ناحية الإبراز.
من اجتهادات المحاكم الأردنية فيما يتعلق بالتقارير المخبرية
الحكم رقم 1527 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية
من خلال هذا النص القانوني وجدت المحكمة أنه وحتى تقوم المسؤولية الجزائية لمرتكب تلك الأفعال الجرائم فلا بد من توافر بعض الأركان والعناصر القانونية وهي:
- الركن المادي السلوك أو النشاط الإجرامي: ويتمثل هذا الركن بقيام مرتكب هذا الجرم بزراعة أي من النباتات التي ينتج عنها أي مواد مخدرة أي أنه لا بد من أن يقوم مرتكب هذا الجرم بزراعة البذور والنباتات التي ينتج عن زراعها مواد مخدرة سواء أقام بهذا النشاط بنفسه أو استخدم غيره في القيام بهذا النشاط وتجهيز مادة المار جوانا وذلك بقطفها وتجفيفها لبيعها بقصد الاتجار بها ولا بد لهذا النشاط من نتيجة جرمية يسعى مرتكب هذا الجرم لتحقيقها وهي الحصول على المواد المخدرة من خلال تلك النباتات التي قام بزراعتها بقصد بيعها والاتجار بها وهذا النشاط قد يتم ارتكابه بالكامل وعندها تكون الجريمة تامة وقد يقوم مرتكب هذا الجرم بارتكاب بعض لأفعال الظاهرة المؤدية إلى ارتكاب ذلك الجرم ويتعذر إتمام باقي الأفعال اللازمة لإتمام ذلك الجرم لتدخل أسباب خارجة عن إرادته لا علاقة له بها ومنها إلقاء القبض على مرتكب ذلك الجرم وعندها تبقى الأفعال المرتكبة ضمن مرحلة الشروع الناقص ولا بد كذلك من أن تتوافر علاقة سببية بين ما قام به مرتكب هذا الجرم من نشاط النتيجة الجرمية التي تحققت أو التي كان منوي تحققها لولا تدخل أسباب لا دخل لإرادته بها حالت دون ذلك فيجب أن يكون هذا النشاط أي ما قام به مرتكب الجرم من أفعال مادية ملموسة كزراعة تلك النباتات وريها والاعتناء بها وقطفها وتجفيفها ساهمت في تحقيق النتيجة الجرمية المقصودة وهي الحصول على المواد المخدرة الناتجة عن زراعة تلك النباتات .
بالإضافة إلى ذلك فإنه يجب أن تكون المواد الناتجة عن زراعة تلك النباتات هي مواد مخدرة وأن يثبت لك مخبرياً من خلال التقارير المخبرية الصادرة عن الجهات المختصة ممثلة بإدارة المختبرات والأدلة الجرمية.
إعداد المحامية: ليلى خالد.
[1] د. أبو عيد، إلياس، (2005) نظرية الإثبات في أصول المحاكمات المدنية والجزائية، بيروت، منشورات زين الحقوقية، ص 263.