اليمين الكاذبة في القانون الأردني
مقدمة: تعتبر اليمين أهم وأخطر وسائل الإثبات في القانون وقد يلجأ ضعاف النفوس وضعاف الإيمان للحلف كذباً للخروج من المأزق الذي يتعرض له واليمين الكاذبة تعتبر يمين غموس محرمة تغمس صاحبها في النار والدليل على ذلك قوله تعالى:
“إن الذين يشرون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أوليائك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم”. [1]
وقال عليه الصلاة والسلام : “الكبائر : الإشراك بالله ، واليمين الغموس ، وعقوق الوالدين.”[2]
وذهب أهل العلم أن هذا اليمين ليس له كفارة وإنما يلزم صاحبه التوبة والاستغفار والندم وعدم العودة لهذا الأمر مجدداً وللحديث عن هذا الموضوع نقسمه إلى ما يلي:
المطلب الثاني: أركان جريمة اليمين الكاذبة
المطلب الثالث :كيفية إثبات وقوع جرم اليمين الكاذبة
المطلب الرابع : اليمين الكاذبة وإعادة المحاكمة
المطلب الخامس : الرجوع عن اليمين الكاذبة
المطلب الأول: ماهية اليمين
اليمين لغة : هي القَسَم ، واليمين بالله : هي القسم بالله ، واليمين القضائية : هي التي تحلف أمام القضاء وهي نوعان حاسمة من خلالها يحسم النزاع الناشئ بين الأطراف ،ومتممة تحلف لإكمال دليل ناقص.[3]
اليمين الغموس: هي اليمين الكاذبة التي تغمس حالفها بالنار كونه يحل ف وهو عالم بأنه كاذب. [4]
واليمين الكاذبة : هي الأخبار بعد القَسَم عن شيء خلافاً للحقيقة مع علم الشخص الحالف بذلك.[5]
الفرع الأول :اليمين الكاذبة التي تستوجب عقاباً
نصت المادة 221 من قانون العقوبات على ما يلي:
” 1. من حلف – بصفة كونه مدعياً أم مدعى عليه – اليمين الكاذبة في دعوى حقوقية عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسة دنانير إلى خمسين دينار”.
ونلاحظ من خلال النص أن اليمين الكاذبة تكون في القضايا الحقوقية فقط ولا تنطبق على القضايا الجزائية ، أي أنها إما أن تكون يمين حاسمة أو متممة حسب مقتضى الحال تم توجيهها في دعوى مدنية وقام الحالف بأدائها وهو عالم بأنه يكذب فبهذه الحالة يكون قد حلف يميناً كاذباً تستوجب معها العقاب المنصوص عليه في المادة أعلاه.
أما بخصوص القضايا الجزائية فينطبق عليها فقط ما يتعلق بالشهادة الكاذبة ولا ينطبق عليها النص الوارد أعلاه[6].
المطلب الثاني: أركان جريمة اليمين الكاذبة
يتوجب لقيام جرم اليمين الكاذبة ركنين هامين لا بد من توافرها لقيام الجرم واستحقاق العقاب.
أولاً: الركن المادي: وهو قيام شخص بأداء اليمين أمام سلطة قضائية في قضية مدنية سواء كانت حاسمة أو متممة وأن يبت بالقضية بحكم ناتج عن اليمين ، وأن تكون يميناً كاذبة مخالفة للحقيقة .
ثانياً: الركن المعنوي: القصد الجرمي ويتوجب أن يكون لدى الحالف النية والعلم بأن يحلف اليمين كذباً ويخالف الحقيقة في سبيل إنهاء النزاع أو إكمال دليل أو جلب ما ليس له حق به وبالتالي فإن توافر النية والعلم مع ارتباطهما بالفعل المادي وهو القيام بالحلف يجعل جرم اليمين الكاذبة قائماً لا محالة.
المطلب الثالث :كيفية إثبات وقوع جرم اليمين الكاذبة
لا يستلزم وجود بينة خطية لإثبات اليمين الكاذبة فمن الممكن أن يتم إثبات وقوعها بالبينة الشخصية حيث إن هناك حالات لا يستطيع الشخص أن يأخذ دليل كتابي أو خطي لوجود مانع أدبي مثلاً ويضطر لتوجيه يمين لحسم النزاع فإنه في حال قيام الشخص بحلف اليمين وكانت كاذبة لا بد من وجود بينة شخصية تثبت عكس مضمون هذه اليمين ومع الأخذ بعين الاعتبار أن توجيه اليمين الحاسمة تنازل عما عداها من البينات إلا إنها قد توجه لوقائع دون أخرى.
وفي حال وجود دليل أو توفر دليل سواء خطي أو شخصي يثبت كذب اليمين لا بد من تقديمه أمام المحكمة الجزائية المختصة لاتخاذ الإجراء القانوني ومعاقبة مرتكب هذا الجرم.
إن إثر اليمين الكاذبة لا ينحصر على فرد بعينه، بل هي تؤثر على الحياة الاجتماعية وتقوم على تضليل العدالة وتضييع الحقوق بالإضافة إلى الضرر الشخصي فإنها ضرر يصيب الحق العام أيضاً
وهناك من يتجه للقول بأن اليمين الحاسمة لا يجوز إثبات كذبها ولا المطالبة بالتعويض عن الضرر الناشئ عنها من خلال الادعاء بالحق الشخصي ، على سند من القول بأنه طالب توجيه اليمين يسقط حقوقه تجاه خصمه حسب علماء القانون الفرنسي والمصري والعراقي، وفيما يتعلق باليمين المتممة فيرى أكثرية العلماء بانه يجوز للمتضرر منها إثبات كذبها والدخول في الدعوى الجزائية مدعيا بالحق المدني ما لم يكن الحكم بها قد اكتسب الصفة النهائية ، وباعتقادي أن هذا الأمر لا يمكن اقتصاره على اليمين المتممة دون أشكال اليمين الأخرى. [8]
إن هذا القول غير منطقي وغير مقبول إذ لا بد لقبول التنازل عن حقوق أي طرف من الأطراف أن يكون بإرادته دون إكراه أو إجبار ولا يمكن للنصوص القانونية فرض هذا حتى وإن كان النص بالقانون باعتبار الشخص متنازل عن البينات في حال توجيه اليمين الحاسمة فإنه ليس من حق القانون حرمان الشخص من حق مقدس ودستوري وهو اللجوء للقضاء في حال كان هناك يمين كاذبة وإلا كان النص غير دستوري لاعتدائه على حق من حقوق المواطنين.
المطلب الرابع : اليمين الكاذبة وإعادة المحاكمة
إن إعادة المحاكمة هي من الطرق غير العادية التي وضعها القانون وذلك لتحقيق العدالة بين الخصوم . والتي يصار اليها عند تعذر الطرق العادية كالاستئناف والاعتراض والتمييز .
فقد نصت المادة 214 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه :
” يجوز للخصوم أن يطلبوا إعادة المحاكمة في الأحكام التي حازت قوة القضية المقضية بأحدي الحالات التالية :
1.إذا وقع من الخصم غش أو حيله أثناء رؤية الدعوى كان من شأنه التأثير على الحكم.
- إذا أقر الخصم بعد الحكم بتزوير الأوراق التي بني عليها أو إذا قضي بتزويرها.
- إذا كان الحكم قد بني على شهادة أو شهادات قضي بعد الحكم أنها كاذبة.”
وعلى الرغم من عدم النص صراحة على اليمين الكاذبة إلا أنها تندرج في هذه الفقرات الثلاثة وتعتبر سبباً موجباً لإعادة المحاكمة لما تحتويه من غش وتدليس وتضليل للعدالة وبالتالي فإنه من الواجب اتخاذ إجراء بإعادة المحاكمة فور ثبوت كذب اليمين وما يؤيد ذلك أن اليمين هي السبب الرئيس لصدور الحكم وخاصة في حالة كانت اليمين يميناً حاسمة وهذا يؤكد أن الاتجاه الفقهي الذي طرحناه سابقاً لا يمكن قبوله.
المطلب الخامس : الرجوع عن اليمين الكاذبة
نصت المادة 221 /2 من قانون العقوبات الأردني على أنه :
” يعفى من العقوبة إذا رجع إلى الحقيقة قبل أن يبت في الدعوى التي كانت موضوع اليمين ولو لم يكن مبرماً”.
ومن خلال هذا النص فإن المشرع أتاح لمن حلف يميناً كاذبة بالعودة عنها مما يعطي القاضي صلاحية إعفاؤه من العقوبة بشرط أن يكون الرجوع قبل صدور حكم .
وهذا دافع لكل إنسان حيث إن العقوبة الدنيوية لا تغني عن العقوبة في الآخرة اليمين وحلفها خطير ويتوجب ألا يحلف الإنسان يميناً كهذا اليمين إلا وهو متأكد وواثق بأنه على حق حتى لا يقع في الباطل ويعرض نفسه للعقاب الدنيوي من جانب والعقاب أمام الله وهو الأصعب ولا مفر منه إلا بالتوبة النصوحة.
الخاتمة :
عند اختياري لموضوع اليمين الكاذبة لم أجد المراجع الكثيرة التي تتحدث عنه مما أدى إلى صعوبة البحث، ولكن حولت
الاجتهاد قدر المستطاع والهدف من هذه المقالات أولاً زيادة الوعي القانوني لدى الآخرين وعدم ترك فجوة بين المشرع والمواطن فيما يتعلق بالنصوص القانونية لجمودها وعدم إمكانية فهمها في كثير من الأحيان وكما ذكرت في هذا المقال فإن اليمين كونها وسيلة من وسائل الإثبات ويتم اللجوء لها في العديد من القضايا نتيجة عجز أحد الخصوم عن إثبات دعواه أو إنكار أحد الخصوم للحق .
وبالتالي فإن اللجوء لها لا يكون إلا في حالات معينة وحيث أن اللجوء لها يعد تنازلاً عن البينات المقدمة في الدعوى كما هو الحال في اليمين الحاسمة ، وعند قيام من وجهت له هذه اليمين بحلفها فإنه ينهي النزاع الناشئ بينه وبين خصمه سواء كان مدعياً أم مدعى عليه فإذا كان الحالف بالدعوى قد حلف كاذباً بأنه صاحب الحق أو أنكر الحق حسب المركز القانوني له فإنه يكون قد ضلل العدالة وأخذ حكماً بما ليس له وهذا مخالف للشرع من جانب والقانون من جانب آخر.
المراجع:
[1] سورة آل عمران آية 77
[2] رواه البخاري
[3] معجم المعاني الجامع
[4] المرجع السابق
[5] المرجع السابق
[6] . مقال قانوني منشور على الفيس بوك بعنوان اليمين الكاذبة وإعادة المحاكمة من أجلها للزميل المحامي يحيى القاسم 2016
[8] المرجع السابق

