السرية المصرفية

السرية المصرفية

يُعد الالتزام بالحفاظ على سرية معلومات العُملاء من أوليات الالتزامات التي تقع على عاتق المؤسسات المالية وذلك نظراً لأهمية تلك المعلومات بالنسبة للعُملاء وحرصهم على ضرورة تواجدها بطي الكتمان، ونظراً لأهمية هذا الالتزام فلم يشأ المشرع الأردني أن يتركه لمجرد الحماية المدنية، بل أضفى عليه – إلى جانب ذلك – حماية جزائية تتمثل في حبس أو تغريم كل من تسول له نفسه بأن بفصح عن أسرار العُملاء المتعاملين مع المؤسسات المالية.

أولًا: تعريف السرية المصرفية:

ثانياً: الطبيعة القانونية للسرية المصرفية:

ثالثاً: النطاق الشخصي لمبدأ السرية المصرفية:

رابعاً: النطاق الموضوعي لمبدأ السرية المصرفية:

خامساً: النطاق الزمني لمبدأ السرية المصرفية:

سادساً: أسباب الاعتداد بمبدأ السرية المصرفية في القانون الأردني:

سابعاً: جريمة إفشاء السر المصرفي والعقوبة المترتبة عليها في القانون الأردني:

ثامناً: حالات الإعفاء من الالتزام بالسرية المصرفية:

أولًا: تعريف السرية المصرفية:

السرية المصرفية هي: “عمليه كتم والتزام المؤسسة المصرفية ( البنك ) بأن تقوم بالمحافظة على كافة المعلومات الخاصة بنشاطات العملاء التابعين لها وأيضًا المعلومات الخاصة بالمصرف”.

ويمكن تعريفها – أيضاً – بأنها: (كل أمر أو واقعة تصل إلى علم المؤسسة المالية سواء بمناسبة نشاطها أو بسبب هذا النشاط، وسواء صرح بهذا الأمر للمؤسسة المالية العميل نفسه أو أفضى به لها أحد من الغير، ويكون للعميل مصلحة في كتمانه[1]

 فهذه التعريفات تُبين وجوبية الالتزام من قبل المؤسسة المصرفية بالسرية التامة إزاء كل ما يتعلق بنشاطات العملاء المالية وغيرها والتي تتم داخل المصرف أو من خلاله، وذلك بغض النظر عن وصول المعلومات إلى المؤسسة المصرفية من قبل العميل ذاته أو من خلال شخص آخر غير العميل.

وجديراً بالذكر أن التزام المؤسسة المالية بالحفاظ على سرية معلومات العميل هو التزام ضمني يثقل كاهل المؤسسة المالية بمجرد إبرام عقد مع العميل دون حاجة إلى النص الصريح على هذا الالتزام في صلب العقد.

والمعلومات التي يتعين على المؤسسة الحفاظ على سريتها قد تتمثل في قيمة الودائع المالية للعميل أو التسهيلات المصرفية التي يحصل عليها أو الشيكات التي سحبها العميل على المؤسسة المالية أو الكمبيالات التي يقدمها للمؤسسة لخصمها أو الخزائن التي يؤجرها وما تحويه هذه الخزائن من منقولات وغيرها من المعلومات الشخصية المتعلقة بالعميل، وجديراً بالذكر أن تلك المعلومات هي مجرد أمثلة لما تلتزم المؤسسة بالحفاظ على سريته.

ثانياً: الطبيعة القانونية للسرية المصرفية:

لم تكن تحديد الطبيعة القانونية للسرية المصرفية محل اتفاق بين الفقهاء، إلا أن الرأي الراجح يذهب إلى اعتبارها التزام تعاقدي يقع على عاتق المؤسسة المالية بحيث تصبح الأخيرة مدينة بالتزام بامتناع عن عمل يتمثل في الامتناع عن إفشاء أسرار العميل السابق بيان بعض الأمثلة عليها.

وجديراً بالذكر أن القانون يضفي على هذا الالتزام حمايته سواء أكانت الحماية الجنائية والتي تتمثل في فرض عقوبات على من يخل بهذا الالتزام ويفشي أسرار العميل، أو حماية مدنية تتمثل في استحقاق العميل تعويض عما لحقه من ضرر جراء إفشاء الأسرار التي نمت إلى علم المؤسسة المالية بناءً على العقد المبرم بينها وبين العميل.

وتتضح حماية القانون الأردني من مطالعة (المادة 72) من قانون البنوك والتي أكدت على التزام البنك بالحفاظ على سرية معلومات العميل وذلك بنصها على أن: (على البنك مراعاة السرية التامة لجميع حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم لديه ويحظر إعطاء أي بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر الا بموافقة خطية من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزانة أو من احد ورثته أو بقرار من جهة قضائية مختصة في خصومة قضائية قائمة أو بسبب احدى الحالات المسموح بها بمقتضى أحكام هذا القانون ويظل الحظر قائما حتى ولو انتهت العلاقة بين العميل والبنك لاي سبب من الأسباب).

ثالثاً: النطاق الشخصي لمبدأ السرية المصرفية:

يقع الالتزام بالحفاظ على سرية أسرار العمُلاء على كافة الإداريين العاملين داخل المؤسسة المالية سواء الإداريين الذين مازالوا على قوة العمل أم هؤلاء الذين انتهت مدة عملهم، وهذا ما بينته (المادة 73) من قانون البنوك الأردني والتي نصت على أن: (يحظر على أي من إداري البنك الحاليين أو السابقين إعطاء أي معلومات أو بيانات عن العملاء أو حساباتهم أو ودائعهم أو الأمانات أو الخزائن الخاصة بهم أو أي من معاملاتهم أو كشفها أو تمكين الغير من الاطلاع عليها في غير الحالات المسموح بها بمقتضى أحكام هذا القانون ويسري هذا الحظر على كل من يطلع بحكم مهنته أو وظيفته أو عمله بطريق مباشر أو غير مباشر على تلك البيانات والمعلومات بما في ذلك موظفي البنك المركزي ومدققي الحسابات).

يتضح إذن من خلال النص السابق أن مجرد ترك العمل في المؤسسة المالية لا يترتب عليه تقويض الالتزام بالحفاظ على سرية معلومات العُملاء، مما يؤدي إلى وقوع كل إداري تحت طائلة القانون إذا قام بإفشاء أسرار أحد العُملاء حتى ولو بعد تركه للعمل في المؤسسة المالية.

ويتسع النطاق الشخصي لهذا الالتزام ليشمل كل من تخول له مهنته أن يطلع على أسرار العُملاء حتى ولو لم يكن من العاملين في المؤسسة ذاتها، ومن ثم يتضح أن النص لم يحدد على سبيل الحصر الأشخاص الملتزمين بالحفاظ على سرية العُملاء، حيث يكون هذا الالتزام مُلقى على عاتق كل من يتوصل إلى تلك المعلومات بحكم مهنته أو وظيفته.

مع ملاحظة أن الحفاظ على سرية تلك المعلومات ليس بالأمر المطلق، حيث إن هناك حالات يكون فيها للمؤسسة المالية أن تدلي بتلك المعلومات ولا يكون هناك ثمة مسؤولية قانونية ملقاه عليها، بل وفي بعض الأحيان الأخرى تكون المؤسسة المالية ملتزمة بكشف الستار عن تلك المعلومات، وهذا ما بينته (المادة 74) من قانون البنوك الأردني والتي نصت على أن: (يستثنى من أحكام المادتين 72 و73 من هذا القانون أي من الحالات التالية:

  • الواجبات المنوط أداؤها قانونا بمدققي الحسابات الذين تعينهم الهيئة العامة للبنك أو البنك المركزي وفق أحكام هذا القانون.
  • الأعمال والإجراءات التي يقوم بها البنك المركزي بموجب أحكام هذا القانون أو قانون البنك المركزي.
  • إصدار شهادة أو بيان بأسباب رفض صرف أي شيك بناء على طلب صاحب الحق.
  • تبادل المعلومات المتعلقة بالعملاء سواء بخصوص مديونياتهم لتوفير البيانات اللازمة لسلامة منح الائتمان أو بخصوص الشيكات المرتجعة بدون تسديد أو أي أعمال أخرى يراها البنك المركزي لازمة لتعلقها بسلامة العمل المصرفي وذلك فيما بين البنوك والبنك المركزي وأي شركات أو جهات أخرى يوافق عليها البنك المركزي لتسهيل تبادل هذه المعلومات.
  • كشف البنك عن كل أو بعض البيانات الخاصة بمعاملات العميل اللازمة لإثبات حقه في نزاع قضائي نشأ بينه وبين عميله بشأن هذه المعاملات.

فضلاً عن أن هناك عدة أشخاص لا يُعد الكشف عن المعلومات لهم بمثابة إفشاء للأسرار المصرفية، وهؤلاء الأشخاص هم:

  • وكيل العميل متى وجد معه التوكيل أو الإذن الذي يبيح له ذلك .
  • وصي العميل والقيم عليه .
  • ورثة العميل.
  • وكيل التفليسة إذا تم شهر إفلاس التاجر.
  • عميل المصرف الذي توقف عن دفع ديونه[2]

ومن ثم فإذا قام البنك بكشف أسرار العميل لغير هؤلاء الأشخاص فإنه يُعد مرتكب لجريمة إفشاء أسرار مصرفية، حتى ولو تم كشف السر لزوجة العميل طالما لم يكن هناك موافقة كتابية منه، وهذا ما تؤكده محكمة صلح جزاء عمان في حكمها رقم 3163 لسنة 2018 والتي قضت فيه بأن: (ما قام به المشتكى عليهما من إفشاء لأسرار العميل ( المشتكي ) واستخراج كشف حساب شخصي له دون موافقته الخطية وعلمه وتسليمه لزوجة المشتكي دون علم ورضا منه إنما يشكل كافة عناصر وأركان الجرم المسند اليهم وحيث جاءت البينة الدفاعية المتمثلة بالشهود لم تنفي الجرم المسند اليهم حيث ذكرت الشاهدة …. بأنها قامت بأخذ الأوراق والكشوفات التي أطلعها عليها البنك ومن ضمنها كشف الحساب الخاص بالمشتكي وأيضا الشاهدة …. التي جاءت شهادتها عامة حول السرية المصرفية التي يجب أن يتمتع بها البنك وموظفيه وفيما يتعلق بالبينة الخطية فتجد المحكمة أنه لا علاقة لها بموضوع هذه القضية ولا إنتاجية منها حيث إن موضوع هذه القضية هو كشف حساب خاص بالمشتكي سلم إلى زوجة المشتكي دون موافقة المشتكي الخطية ودون علمه ورضاه مخالفين بذلك قانون البنوك الذي يحظر على أي من إداري البنك إعطاء أي معلومات أو بيانات عن العملاء وحساباتهم ويجب عليهم مراعاة السرية التامة لودائع وحسابات وأمانات العملاء).

رابعاً: النطاق الموضوعي لمبدأ السرية المصرفية:

يمتد النطاق الموضوعي للسرية المصرفية ليشمل كافة المعلومات التي نمت إلى علم المؤسسة المالية نتيجة وجود علاقة قانونية بينها وبين المتعاملين معها، بغض النظر عن كيفية وصول تلك المعلومات للمؤسسة المالية سواء من خلال العميل نفسه أو من خلال مستندات قدمها العميل أو معلومات أدلى بها إلى أحد موظفي المؤسسة المالية.

خامساً: النطاق الزمني لمبدأ السرية المصرفية:

لا يقتصر التزام المؤسسة المالية بالحفاظ على سرية معلومات العُملاء في الفترة التي يكون فيها العقد المبرم معهم سارياً فقط، بل يمتد هذا الالتزام لأبعد من ذلك، حيث تكون المؤسسة المالية مُلتزمة بالاحتفاظ بسرية معلومات العُملاء حتى بعد انتهاء فترة التعاقد بينهم وبين المؤسسة المالية.

مع ملاحظة أن هذا الالتزام قد يتم تقويضه بمجرد خروج السر إلى العلن حيث يرفع عن المعلومة في هذه الحالة وصف السر، أما إذا ظلت المعلومة طي الكتمان فلا يكون للمؤسسة المالية أن تدلي بها إلى الغير إلا بموافقة من العميل ذاته حتى ولو بعد انتهاء فترة التعاقد معه.

سادساً: أسباب الاعتداد بمبدأ السرية المصرفية في القانون الأردني:

يقوم مبدأ السرية المصرفية على العديد من الأسباب التي يستند إليها والتي تبرر الاهتمام به من قبل القانون، فهو يهدف إلى العديد من المصالح العامة والخاصة مستندًا للأسباب الآتية :

1ـ مصلحه المؤسسة المصرفية:

إن اهتمام البنك بالمحافظة على أسرار المتعاملين معه وكافة المعلومات الشخصية التي تتعلق بهم وبنشاطاتهم المالية هو أحد الأسباب التي تجعل هذا البنك جدير بالثقة من قبل العملاء، وبالتالي يكون لهذا البنك حظوة كبيرة عند المتعاملين معه مما يتيح أو يفتح له المجال للعديد من التعاملات الأخرى، حيث إنه سيكون مصدرًا كبيرًا للثقة عند كافة العملاء المتعاملين معه. [3]

2 ـ حمايه الحريات الشخصية:

تعد الحريات الشخصية من الأمور التي عنيت بها العديد من الدساتير في كافة دول العالم، حيث إن المحافظة على أسرار العملاء وكافة الأمور المتعلقة بحياتهم الشخصية هي إحدى مظاهر الحقوق الإنسانية. [4]

3 ـ حماية المصلحة العامة:

نظرا لما تتمتع بها المصلحة العامة من الحماية القانونية فنجد أنها أحد الأسباب المقررة لمبدأ السرية المصرفية، فتطبيق هذا المبدأ من قبل المصارف يؤدي إلى دعم الثقة في النظام المصرفي للبلد، ومن ثم يعود على الاقتصاد الوطني بوافر النهوض لما يؤدي من جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وعليه فإنه يؤدى إلى ارتفاع قاعدة الاستثمار وعلو الاقتصاد الوطني.

ومن الجدير بالذكر أن حماية المصلحة العامة ليست غرضًا وضعيًا تم النص عليه من قبل القانونيين فقط، بل هو حقا أزليا منذ الخليقة، فالمطلع على مبادئ الشريعة الإسلامية يجد أنها لم تأت إلا لتحقيق مصالح العباد بجلب المنافع ودرء المفاسد، وذلك كما يقول الشاطبي: إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والأجل معا .[5]

فضلًا عن أن كتمان السر هو أيضًا من أقوى أسباب النجاح على المستويين الخاص والعام، وفي ذلك قال الماوردي: اعلم أن كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح وأدوم لأحوال الصلاح [6]

سابعاً: جريمة إفشاء السر المصرفي والعقوبة المترتبة عليها في القانون الأردني:

 1- المقصود بجريمة إفشاء السر المصرفي:

يقصد بجريمة إفشاء السر المصرفي عدم التزام المصرف والعاملين فيه بالحفاظ على متعلقات وبيانات العملاء السابقين والحاليين سواء أدى ذلك إلى الإضرار بهم أو بغيرهم.

فيتضح إذن أن التزام المؤسسة المالية بالسر المصرفي هو التزام سلبي يقع على عاتق كافة العاملين بالمؤسسة المالية سواء أكانوا عاملين حاليين أم عاملين سابقين.

2- أركان جريمة إفشاء السر المصرفي:

أ- الركن المادي:

يتمثل الركن المادي لتلك الجريمة في القيام بإفشاء معلومات العميل السرية إلى الغير بخلاف الحالات التي يجيز فيه القانون ذلك، ولا يقتصر الأمر على الإفشاء المباشر للأسرار المصرفية، بل تقوم الجريمة في حالة تمكين الغير من الاطلاع على أسرار العميل التي يجب أن تظل طي الكتمان.

ويقوم البنيان القانوني لتلك الجريمة حتى ولو لم يلحق بالعميل ضرر جراء الإفشاء بتلك الأسرار، وهذا ما تؤكده محكمة صلح جزاء العقبة في حكمها رقم 1200 لسنة 2019 والتي بينت فيه الركن المادي لتلك الجريمة وذلك عندما قضت بأن: (يتمثل الركن المادي بفعل الإفشاء(السلوك الجرمي) وهو الإفصاح بالإعطاء أو الكشف أو تمكين الغير من الاطلاع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن وقائع لها صفة السرية من شخص معنوي أو طبيعي مؤتمن عليها لمجرد أنه اطلع عليها بحكم مهنته أو وظيفته أو عمله أو رقابته وبصورة مخالفة للقانون، ولا يشترط في الإفشاء أن يكون لمجموعة من الأشخاص يكفي أن يكون لشخص واحد ولا يشترط فيه العلانية، ويستوي أن يكون الإفشاء كليا أو جزئيا وانتقال البيانات والمعلومات إلى من ليس له الحق بالاطلاع عليها وكذلك يستوي في الأمر أن يتم الفعل شفاهه أو كتابة أو صراحة أو ضمنا وأن يتم الإفشاء للغير والذي يقصد به كل شخص لا يقع عليه عبء الالتزام بالسر المصرفي لذا فإنه لا بد من توافر هذه الصفة في فاعل الجريمة أي أن يكون قد وصل اليه السر بحكم وظيفته أو عمله.

لذا فيشترط في الركن المادي لهذه الجريمة توفر شرطان الأول يتعلق بما تم إفشاؤه أن يكون سرا مصرفيا يمنع إفشاؤه إلا في الأحوال التي يجيزها القانون والتي وردت في نص (المادة 74) والثاني يتعلق بصفة الفاعل بأن يكون قد وصل اليه السر بحكم وظيفته أو عمله فقام بإفشائه للغير.

ولا يشترط في هذه الجريمة وقوع الضرر لمن تم إفشاء سره وإنما يكفي وقوع الفع الإفشاء وبالتالي فان هذه الجريمة من جرائم الخطر).

ب- الركن المعنوي:

لما كانت تلك الجريمة من الجرائم العمدية فلابد أن يتوافر لدى الجاني الركن المعنوي بعنصريه العلم والإرادة، وعليه فإنه إذا حدث إفشاء للسر نتيجة إهمال أو انعدام للإدراك أو الوعي عند الإداري العامل في المصرف فإن جريمة إفشاء السر المصرفي لا تقوم.

وهذا ما تؤكده محكمة صلح جزاء العقبة في حكمها رقم 1200 لسنة 2019 عندما قضت بأن: (تعتبر جريمة إفشاء السر المصرفي من الجرائم القصدية التي تتطلب توافر القصد الجرمي بشقيه العلم والإرادة بأن يكون الفاعل عالما بفعله الجرمي ومريداً للنتيجة التي تحققت من هذا الفعل).

3- العقوبة المترتبة على جريمة إفشاء السر المصرفي:

أ- العقوبة الجنائية:

الواقع أن تلك الجريمة يتنازع عليها نصين جزائيين أحدهما ورد في قانون البنوك والآخر ورد في قانون العقوبات:

حيث ورد (بالمادة 75) من قانون البنوك أن: (يعاقب كل من يخالف أحكام أي من المادتين 72 و73 من هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر أو بغرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تزيد على خمسين ألف دينار أو بكلتا العقوبتين).

وورد (بالمادة 355/1) من قانون العقوبات أن: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من حصل بحكم وظيفته أو مركزه الرسمي على أسرار رسمية وأباح هذه الأسرار لمن ليس له صلاحية الاطلاع عليها أو الى من لا تتطلب طبيعة وظيفته ذلك الاطلاع وفقا للمصلحة العامة).

ولما كان قانون البنوك هو قانون خاص فإنه يرجح على ما ورد بقانون العقوبات عملاً بقاعدة أن الخاص يقيد العام، ومن ثم يُعاقب كل من قام بإفشاء الأسرار المصرفية بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تزيد على خمسين ألف دينار، ويكون للقاضي إذا رأى لذلك مقتضى أن يطبق كلتا العقوبتين على من قام بإفشاء أسرار أحد العُملاء.

ب- التعويض المدني:

هل يكتفى المشرع الاردني بقيام المسؤولية الجنائية فقط على من ارتكب هذه الجريمة، أم أنه تعداها لإثبات المسؤولية المدنية والتي توجب التعويض ؟

ونجيب عن هذا التساؤل فنقول: إن المشرع الأردني سار على النهج الصحيح بإقرار قيام المسؤولية المدنية إلى جوار المسؤولية الجنائية، وذلك سعيا منه إلى جبر الضرر الذي قد يلحق بالعميل نتيجة إفشاء أسراره وبياناته، ومن ثم نجد أن المشرع الأردني قد أقر بأحقية المضرور من هذه الجريمة أن يقيم دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به، وكذلك ليطالب فيها بما فاته من كسب ناتجا عن هذا الإفشاء.[7]

ولكن هل تقوم المسؤولية المدنية تجاه العامل في المؤسسة المصرفية أم أنها تتعدى إلى المؤسسة المصرفية بذاتها باعتبارها الشخص المعنوي المسؤول عن السرية المصرفية للعملاء؟

نص المشرع الأردني على أن المسؤولية المدنية عن وقوع إفشاء السر المصرفي أنها مسئوليه عقديه لأنها من الالتزامات التعاقدية التي تفرضها المؤسسات المالية على نفسها، وعلى ذلك فإن هذا الالتزام يشمل كافة الأسرار الخاصة بالعملاء والتي إن حدث إفشاء لأحدهم قامت المسؤولية المدنية المترتبة على قيام المسؤولية العقدية، ولما كان العقد مبرم بين البنك والعميل فإن البنك – أو المؤسسة المالية – هي التي تكون مسئولة في مواجهة العميل.

وجديراً بالذكر أنه قد تقوم المسؤولية المدنية دون أن تُثار المسؤولية الجنائية، وذلك في حالة حدوث إفشاء لأسرار أحد العُملاء عن طريق الخطأ أو الإهمال من أحد العاملين، ففي هذه الحالة لن تُثار مسؤولية العامل الجنائية نظراً لانتفاء الركن المعنوي للجريمة لكونها من الجرائم العمدية التي لا تقوم بمجرد الخطأ، إلا أن ذلك لن يحول دون إمكانية قيام العميل بالمطالبة بحقه في التعويض في حال تحقق عناصر المسؤولية المدنية والتي تتمثل في الخطأ والضرر وعلاقة السببية.

ج- الجزاء التأديبي:

ونشير في هذا المقام إلى أن قيام المسؤولية الجنائية والمدنية لا يمنع من قيام المسؤولية التأديبية على العامل من قبل البنك والذي تسبب في إفشاء أسرار العميل.

وهذه المسؤولية تثار حتى في حالة حدوث خطأ من العميل أو مجرد إهمال منه، فلا يشترط لقيامها أن يكون هناك عمد من قبل العميل لإفشاء السر المصرفي، مما يصح القول بأنه قد تثار مسؤولية العامل التأديبية دون أن تُثار مسئوليته الجنائية.

مع ملاحظة أن هناك بعض الفقه يذهب إلى ضرورة وجود إرادة آثمة من قبل الموظف تتجه إلى الكشف عن الأسرار المصرفية لإمكان توقيع جزاءات تأديبيه عليه، إلا أن هذا الرأي يقابله رأي أخر يرى بعدم اشتراط توافر تلك الإرادة والتي لا تتطلب سوى في الجرم الجنائي دون الفعل المستوجب للجزاء التأديبي.

والواقع أن الرأي الأخير هو الأقرب للصواب، ذلك أن مجرد إهمال الموظف ووقوعه في خطأ ولو كان يسيراً لا يحول دون إمكانية أن يوقع عليه جزاءً تأديباً خصوصاً إذا كان يعمل في منصب جوهري مثل الحالة التي نتناولها بالحديث والتي تتعلق بالحفاظ على أسرار العمُلاء.

ثامناً: حالات الإعفاء من الالتزام بالسرية المصرفية:

يوجد بعض الحالات التي تم فيها إعفاء المؤسسة المالية من الالتزام بالحفاظ على السر المصرفي، وهذا الحالات هي:

1- رضاء العميل:

لما كان العميل هو صاحب المصلحة في الحفاظ على أسراره المصرفية، فإنه قد يقدر أن تكون من مصلحته أن يتم الإدلاء بتلك الأسرار إلى أشخاص آخرين سواء كانوا معينين أو غير معينين، ومن ثم فإذا صرح العميل للبنك – كتابة – بأنه يوافق على إفشاء أسراره المصرفية فلا تثريب على البنك في هذه الحالة إن هو قام بالفعل بالإدلاء بتلك الأسرار للغير.

2- حالات الإعفاء المقررة لمصلحة المؤسسة المالية:

قد يحدث ويثور نزاع بين العميل والمؤسسة المالية أمام القضاء، وفي هذه الحالة يكون للمؤسسة المالية أن تكشف عن أسرار العميل إلى القضاء إذا كان لذلك مقتضى وكان من شأنه أن يظهر الحق في الدعوى المطروحة أمام القضاء.

بل أن المؤسسة المالية تكون في حل من التزامها بالحفاظ على سرية أسرار العميل في حال نشوب النزاع ليس أمام القضاء النظامي، بل أمام هيئات التحكيم، فيكون للمؤسسة المالية في تلك الحالة أن تقدم ما لديها من مستندات لجهة التحكيم حتى ولو انطوت تلك المستندات على أسرار العميل الشخصية التي أدلى بها إلى المؤسسة المالية.

3- حالات الإعفاء للمصلحة العامة:

في بعض الأحيان وتسهيلاً لبعض الإجراءات قد تقوم بعض المؤسسات المالية بالكشف لبعضها البعض عن أسرار بعض العُملاء سواء أكانت تتعلق بقيمة ودائعهم أو مديوناتهم أو بالشيكات التي تم سحبها، ويكون ذلك إما لإجراء عمليات مقاصة أو لتصدير تلك المعلومات لمدققي الحسابات في مؤسسات مالية أخرى لتمكينهم من القيام بمهامهم المنوطة بهم.

كتابة : أباء خفاجي

[1] سلامة مبارك، السرية المصرفية دراسة مقارنة، 2020، ص 13.

[2] العصير سر المهنة المصرفي ص 114, 115 وانطوان جورج السرية المصرفية في ظل العولمة (دراسة مقارنه), بيروت, منشورات الحلبي الحقوقية 2008 م, (ط 1) ص 55.

[3] ـ العطير، سر المهنة المصرفي، ص 26

[4] عبد الله يوسف، المسؤولية الجزائية المترتبة على إفشاء السر المصرفي في ظل التشريعات الأردنية النافذة، ص 52 و53.

[5] إبراهيم بن موسى الشاطبي, (ت 790 هـ / 1388 م), والموافقات تحقيق مشهورا سلمان, الخبر, السعودية, دار بن عفان 1997 م ط1, ج 2, ص9.

[7] الكيلاني عبد الله عبد القادر, سريه الحساب المصرفي, ص 34