مباحث الإنترنت في مصر

مباحث الإنترنت في مصر

في جمهورية مصر العربية يسمى قسم الشرطة المختص بمكافحة الجرائم الإلكترونية بقسم مباحث الإنترنت، ويطلق عليه أحيانا شرطة الإنترنت، أو قسم جرائم الإنترنت. وفي هذا المقال سنتناول أحكام مباحث الإنترنت المصرية وإجراءاتها وما هي المستندات المطلوبة وكيفية تسجيل الشكوى لديهم.

فلم تعد الجريمة تقتصر في ارتكابها على عالمنا الفعلي، بل امتدت لتطال العالم الافتراضي الذي أوجدته شبكة الإنترنت، فأصبحنا نجد أن الغالبية العظمى من الجرائم التي ترتكب في الواقع ترتكب أيضاً عبر شبكة الإنترنت، كما هو الحال في جريمة الابتزاز والتهديد والسب والقذف والنصب والاحتيال وغيرها مِن الجرائم الأخرى.

لذلك لجأت الدول إلى سن قوانين مكافحة جرائم الإنترنت، وكانت مصر من الدول التي سلكت هذا الطريق، وقام المشرع بسن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، ومنحت بعض العاملين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات صفة الضبطية القضائية، كما أنشأت جهة شرطية جديدة تتبع وزارة الداخلية تسمى (مباحث الإنترنت)، فما هي مباحث الإنترنت؟

أولاً: المقصود بمباحث الإنترنت

ثانياً: إجراءات تحرير البلاغ بمباحث الإنترنت

ثالثاً: المستندات المطلوبة عند تقديم البلاغ

رابعاً: الإجراءات التي تقوم بها مباحث الإنترنت بعد تقديم البلاغ

خامساً: أهمية مباحث الإنترنت

سادساً: الخاتمة

أولاً: المقصود بمباحث الإنترنت

1- التعريف بماهية مباحث الإنترنت

كثيراً منا قد يتبادر إلى مسامعهم مصطلح (مباحث الإنترنت)، لكنه لا يدركون ما المقصود به بالتحديد، فما هو المقصود بمصطلح (مباحث الإنترنت)؟

مباحث الإنترنت أو شرطة الإنترنت كما يسميها البعض هي جهة شرطية تخضع في تبعيتها إلى وزارة الداخلية، ترجع في نشأتها إلى عام 2002، حيث استحدثتها الوزارة كمبادرة منها لمواجهة الجرائم الإلكترونية والمعلوماتية، وذلك في ظل انتشار استخدام الإنترنت بشكل موسع، وظهور العديد من الأنشطة الإجرامية التي بدأت ترتكب من خلال الشبكة، وبالتالي كان لزاماً أن يتم خلق كيان شرطي متخصص في مواجهة هذه الجرائم.

وعلى الرغم من أن أول عام عمل لمباحث الإنترنت لم تتلق خلاله سوى عدد (7) بلاغات وشكاوى، إلا أن الأمر تطور مع مرور الوقت حتى أصبح هناك الآن ما يتجاوز ثمانية وعشرون نوع مختلف من أنواع الجرائم الإلكترونية، وتعددت البلاغات التي تقدم لمباحث الإنترنت بشأنها.

2- وظيفة مباحث الإنترنت

يناط بمباحث الإنترنت بشكل رئيسي مهمتين، المهمة الأولى تؤديها قبل بدء التحقيق من قبل النيابة العامة، والمهمة الأخرى تؤديها بعد بدء تحقيقات النيابة العامة وبناء على طلبها.

أ-المهمة السابقة

أما بشأن المهمة التي تسبق تحقيقات النيابة العامة فهي مهمة استقبال الشكاوى والبلاغات التي يتم تقديمها من قبل المتضررين من أي فعل إجرامي يتم ممارسته ضده عبر شبكة الإنترنت، وتعد تلك المهمة هي المهمة الرئيسية التي وجدت مباحث الإنترنت من أجل القيام بها، حيث أصبحت هي الجهة المختصة لاستقبال البلاغات والشكاوى التي تتعلق بجرائم الإنترنت.

ب- المهمة اللاحقة

بعد أن يتم تحرير المحضر من قبل الشاكي مستوفي لكافة المستندات المطلوبة والتي تختلف من جريمة إلى أخرى، فإن مباحث الإنترنت تقوم بإحالة المحضر إلى النيابة العامة لتبدأ تحقيقاتها فيه تمهيداً لإصدار قرار فيه.

وفي غالبية المحاضر والبلاغات التي من هذا النوع قد تكون المستندات المقدمة من الشاكي غير كافية لإسناد الفعل لشخص محدد، خاصة في الحالات التي لا يكون الشاكي على علم بشخص مرتكب الجريمة، وبالتالي يتم طلب التحريات من قبل النيابة العامة عن الواقعة محل البلاغ، ويناط بتلك التحريات مباحث الإنترنت التي تبدأ تحرياتها للوصول إلى حقيقة الواقعة ومتابعة مرتكبها وضبطه.

ثانيًا: أهمية مباحث الإنترنت

تتضح أهمية مباحث الإنترنت في كونها جهة متخصصة في مكافحة أحد أهم وأخطر أنواع الجرائم التي باتت تتفشى في مجتمعات العالم بأسره بسرعة الصاروخ، فالتقدم التقني في تطور مستمر ومتزايد، تصاحبه في ذلك تطورات الجرائم الإلكترونية التي تجعلها أخطر في التأثير وأصعب في التتبع، وقد كانت وزارة الداخلية المصرية ذات نظرة مستقبلية صائبة حينما بادرت بإنشاء مباحث الإنترنت منذ عام 2002، وكان ذلك تحسباً منها لما يمكن أن تمثله الجريمة الإلكترونية في المستقبل وهو ما قد كان.

ولذلك فإن الضباط العاملين بمباحث الإنترنت يتلقون الدورات التدريبية بشكل مكثف، وذلك حتى تظل معارفهم وخبراتهم مواكبة لمسيرة التطور والتقدم التقني المتسارعة، وحتى يتم تعزيز الكفاءة لديهم في مواجهة ومكافحة مثل تلك الجرائم.

ولا تخفى أهمية مباحث الإنترنت فيما تسبغه من شعور بالأمان لمستخدمي الإنترنت، حيث تفرض مظلة من الحماية السيبرانية على الشبكة، والتي تجعل المستخدمين على يقين من وجود جهة يمكن اللجوء إليها لتفادي أي آثار يمكن أن تحدثها الأفعال المجرمة قانوناً والتي قد تقع عليهم من الغير أثناء ارتيادهم للشبكة الإلكترونية.

ثالثًا: إجراءات تحرير البلاغ بمباحث الإنترنت

توفر مباحث الإنترنت في مصر طريقين يمكن للشاكي سلوك أيهما للإبلاغ عن الواقعة، وهذين الطريقين هما الإبلاغ الشخصي والإبلاغ عن طريق الهاتف.

1- الإجراءات المتبعة في الإبلاغ الشخصي

بعد حدوث الواقعة المجرمة التي سيتم الإبلاغ عنها، فإن الشاكي بشخصه أو عن طريق المحامي الذي يوكله في ذلك يقوم بالتوجه إلى مباحث الإنترنت لتحرير محضر بهذه الواقعة، ويتولى ضابط الشرطة المختص تحرير المحضر.

– في حالة أن يكون المبلغ هو الشاكي بشخصه فيجب عليه تقديم بطاقة الرقم القومي وصورة ضوئية منها، وذلك حتى يطلع عليها للضابط محرر المحضر ويرد إليه الأصل، ثم يرفق صورتها مع أوراق المحضر بعد التأشير على الصورة بالنظر والإرفاق وتاريخ اليوم.

– في حالة أن يكون محرر المحضر هو محام عن الشاكي، فيكون المطلوب منه عندئذ أصل التوكيل الصادر له من الشاكي وأصل كارنيه المحاماة مع صورة ضوئية لهما، فيطلع الضابط على الأصل ويرده مع التأشير على الصور الضوئية بالنظر والإرفاق وتاريخ اليوم.

وبعد ذلك يتم أخذ أقوال الشاكي أو وكيله في المحضر الرسمي، ويكون ذلك عن طريق أسئلة قوامها (اسمك وسنك وعنوانك، ما هي تفصيلات بلاغك، ما هو دليلك على ذلك، من تتهم بارتكاب هذا الفعل)، وغيرها من الأسئلة الأخرى التي تدور حول الواقعة محل الإبلاغ.

وبعد أن ينتهي الضابط محرر المحضر من أخذ أقوال الشاكي، يقوم بأخذ توقيع الشاكي على أقواله، ويقوم بإغلاق المحضر، ويتم منح الشاكي رقم أحوال ليتم من خلاله المتابعة والسؤال عن إيداع تقرير الفحص الفني من عدمه، ومتى تم إيداع هذا التقرير في المحضر يتم إحالته من مباحث الإنترنت لقسم الشرطة المختص، وذلك حتى يتم إعطاؤه رقم جنح ثم إحالته إلى النيابة العامة لاتخاذ شؤونها بخصوصه.

2- الإبلاغ الهاتفي

أتاحت الحكومة المصرية للشاكي في جرائم الإنترنت أن يقوم بالإبلاغ عن الجريمة وهو في منزله ودون حاجة للانتقال إلى مقر مباحث الإنترنت، ويكون ذلك عن طريق أرقام مختلفة، منها الخط الساخن، أو الخطوط الأرضية، حيث يقوم الشاكي بالاتصال بأحد هذه الأرقام للإبلاغ عن الواقعة محل الشكوى، ويتم الرد عليه من قبل المختصين بمباحث الإنترنت لتلقي بلاغه، ولكن هذا الطريق لا يكفي وحده، بل يجب أن يبادر الشاكي بعد ذلك بالتوجه لقسم شركة الاتصالات الذي يتبعه لتحرير محضر بالواقعة، وليقدم فيه مستنداته الدالة على حدوث الواقعة.

رابعًا: المستندات المطلوبة عند تقديم البلاغ

تختلف المستندات المطلوبة في كل جريمة من الجرائم عن الأخرى، إلا أن الإطار العام للمستندات المشتركة في جميع البلاغات لا يخرج عن الآتي:

– صورة مطبوعة للرسائل أو المحادثات التي تتضمن الواقعة محل الاتهام، أو طباعة سكرين شوت (Screen Shot) لشاشة الكمبيوتر متى كانت الجريمة متعلقة بنشر أخبار أو صور على الشبكة.

– رقم التليفون الصادر منه الرسائل أو المكالمات متى كانت الواقعة قد تم ارتكابها من خلال الهاتف.

– البريد الإلكتروني (الإيميل) متى كانت الواقعة محل الإبلاغ قد تم ارتكابها عن طريقه.

وبجانب تلك المستندات يجب أن تكون الواقعة المرتكبة تمثل جريمة متكاملة الأركان، بحيث تتوافر فيها الأركان العامة والخاصة للجريمة، كما هو الحال مثلاً في جرائم السب والقذف والتي يشترط فيها ركن العلانية، فيجب تقديم ما يفيد تحقق هذا الركن، ويكون إثباتها هنا من خلال السكرين شوت للصفحة التي تم عليها النشر محققاً للعلانية.

خامسًا: الإجراءات التي تقوم بها مباحث الإنترنت بعد تقديم البلاغ

بعد أن يتم تقديم البلاغ رسمياً لدى مباحث الإنترنت، فإن الأخيرة تتمتع بمجموعة من الاختصاصات التي تستند إليها في القيام ببعض الإجراءات التي تساعد في بيان حقيقة الواقعة، ومن أهم هذه الإجراءات:

– تقوم مباحث الإنترنت بتتبع رقم الهاتف أو البريد الإلكتروني أو الصفحة وذلك وفقاً للوسيلة التي تم ارتكاب الواقعة محل التجريم عبرها، وذلك وصولاً إلى صاحب الهاتف أو البريد الإلكتروني أو الصفحة، وذلك من خلال التقنيات والأجهزة الحديثة والمتطور التي تمتلكها مباحث الإنترنت.

– بعد الوصول إلى صاحب الهاتف أو البريد الإلكتروني أو الصفحة فإن مباحث الإنترنت تتولى مهمة القبض عليه، وذلك تمهيداً لعرضه على النيابة العامة لتتخذ قرارها بشأنه.

– متى طلبت النيابة العامة من مباحث الإنترنت تحريات عن الواقعة، فإن المباحث تقوم بتقصي حقيقة الواقعة من خلال الأجهزة والتقنيات الحديثة التي تملكها، كما يمكنها أن تقوم بإجراء تحرياتها على أرض الواقع متى تطلب الأمر ذلك، كما لو كان جهاز الكمبيوتر الذي تم الاستدلال عليه باعتباره الجهاز التي تم ارتكاب الواقعة من خلاله يقع في مركز من مراكز الإنترنت العامة، فيتم التحري عمن كان يستعمله في وقت حدوث الواقعة.

سادساً: الخاتمة

تعتبر مباحث الإنترنت هي حائط الصد الأوحد الذي يكافح الجرائم الإلكترونية، حيث أنها صاحبة الاختصاص في تلقي البلاغات عن جرائم الإنترنت، وأيضاً اختصاص القيام بالتحريات اللازمة لاستكمال الأدلة والحقائق فيها، وسلطة تتبع وضبط مرتكبي تلك الجرائم وإحالتهم للنيابة للتصرف بشأنهم، وكافة الإجراءات التي تخص هذا النوع من الجرائم، وهو ما يوضح مدى ضخامة وثقل المهمة التي يحملها جهاز مباحث الإنترنت، والتي تقتضي أن تدعمه وتعززه الدولة بالمزيد من العناصر ذات الكفاءة والخبرة لتتمكن مباحث الإنترنت من الاستمرار في ممارسة وظيفتها بصورة فعالة.

كتابة: أحمد عبد السلام

ننصح بقراءة مقال منشور على موقع محامي الأردن – حماة الحق – بعنوان محامي إنترنت.