الالتزام التخييري والالتزام البدلي

الالتزام التخييري والالتزام البدلي في القانون المدني

الالتزام التخييري والالتزام البدلي هما عبارة عن وصفين لشكلين من أشكال الالتزام، وهما نتاج للتطور في المعاملات بين الأفراد، فقد بدأت المعاملات باتصال مادي بين الأفراد عن طريق المقايضة، إلى أن تطورت وأصبحت تتم الآن إلكترونيا دون أي اتصال مادي بين الأطراف، كما تطور الالتزام أيضاً من حيث طرق الوفاء به، حيث لم يسر الوفاء بالالتزام على وتيرة واحدة.

فالالتزام التخييري والالتزام البدلي لهما طبيعة خاصة من حيث طريقة الوفاء التي تختلف في كلا منهما عن الآخر، كما تفرقهما عما قد يتشابه معهما في نطاق الالتزامات.

أولاً: ماهية الالتزام

1- تعريف الالتزام بوجه عام

لا يمكن التعرض لأحد أشكال الالتزام قبل أن نعرج لتعريف الأصل وهو الالتزام بوجه عام، ذلك أن تعريف هذا الأصل سيميز لنا بعد ذلك الأشكال المنسدلة منه.

يعرف الالتزام بأنه عبارة عن رابطة قانونية يلتزم من خلالها أحد أطرافه (المدين) بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل لصالح الطرف الآخر (الدائن) بمقابل، وللالتزام ثلاثة أركان الرضا والمحل والسبب، ومحور حديثنا هنا عن كيفية الوفاء بمحل الالتزام.

2- تعريف الالتزام البسيط

الالتزام البسيط هو التزام يكون فيه محل الالتزام محدد سواء إن كان هذا المحل واحد أو عدة محال يؤديها المدين، ولكن في حالة تعدد المحال في الالتزام البسيط لابد أن يكون شرطا لإتمام الالتزام هو الوفاء بها جميعا، وكان لزاماً ذكر هذا الشكل من أشكال الالتزام لكي يتضح لنا مفهوم الالتزام في صورته البسيطة قبل التطرق لكل من الالتزام التخييري والالتزام البدلي.

ثانياً: الالتزام التخييري في القانون الأردني

1- مفهوم الالتزام التخييري

يقصد بالالتزام التخييري ألا يكون محل الالتزام شيئاً واحد وإنما عدة أشياء، بحيث لا يلزم المدين إلا أن يؤدي واحداً منها فقط لتبرأ ذمته بهذا الأداء.

ولابد أن يكون أي من هذه المحال متوافق مع الشروط التي يتطلبها الالتزام في المحل الأصلي، علة اشتراط ذلك أن أي من تلك المحال قد يكون الوفاء بها براءة لذمة المدين[1]

مثال توضيحي: إذا ما عهد تاجر فاكهة الى تاجر تجزئة بأن يورد له بما يعادل ألف دولار فاكهة، واتفقا بالعقد أنه يحق لتاجر الفاكهة توريد تلك القيمة إما تفاح أو كمثرى، ففي المثال السابق يكفي لبراءة ذمة تاجر التجزئة أن يؤدي إما قيمة الألف دولار تفاح أو أن يؤديها كمثرى، فهو له حق الاختيار ما بين الاثنين، وبأداء أحدهما ينتهي الالتزام.

2- ما يميز الالتزام التخييري

ومن خلال التعريف السابق يمكن الوقوف على أهم ما يميز الالتزام تخييري ويمكن تلخيصها فيما يلي:

أ- التعدد

إن أول ما يلزم لاعتبار الالتزام تخييريا هو ان يكون محل الالتزام عدة أشياء، ويفرق بين هذا التعدد والتعدد الذي ورد في الالتزام البسيط، إذ أنه في الالتزام البسيط يلزم لبراءة ذمة المدين الوفاء بكل الالتزامات أما الالتزام التخييري فيكفي الوفاء بأحدها.

ب- صلاحية المحل

لما كان محل الالتزام عدة أشياء يكفي للوفاء أداء أحدها فلابد أن يكون أي منها صلاحا للوفاء، والصلاحية هنا تعني أن يتوفر شروط المحل، فلابد أن يكون المحل موجود أو قابل للوجود، وأن يكون معينا أو قابل للتعين، وأخيرًا أن يكون مشروعًا، وعليه فلا يجوز أن يكون من بين خيارات الوفاء أشياء غير مشروعة.

3- ضوابط الاختيار في الالتزام التخييري

قد بينا أن الاختيار ما بين عدة أشياء للوفاء هو السمة المميزة للالتزام التخييري، ولقد كان القانون حريصًا أن يضع ضوابط تحكم وتنظم هذه السمة.

أ- من له حق الاختيار

الأصل أن الاختيار حق للمدين، علة ذلك أنه الأقدر على موازنة الأمور واختيار الأنسب له لإبراء ذمته تجاه الدائن، وهذا الأصل ليس جزء من النظام العام حيث يجوز مخالفته، وتلك المخالفة قد تكون بفعل المتعاقدين كأن ينقل حق الاختيار للدائن فالعقد شريعة المتعاقدين، وقد ينتقل هذا الحق أيضًا بناء على نص في القانون.

ب- مدة الاختيار

لابد أن يحدد العقد المحتوي على التزام تخييري مدة هذا الاختيار فلا يتصور أن يكون مفتوح المدة، ولقد تصدى القانون لتلك الحالة التي يغفل فيها المتعاقدين عن ذكر هذه المدة، حيث أعطى لأي طرف من الأطراف حق اللجوء للمحكمة لتعيين مدة الاختيار، أو إذا انقضت مدة الاختيار دون اختيار فإنه يجوز أيضا اللجوء للقضاء لتحديد محل التصرف.

وقد نص القانون المدني الأردني على ذلك في (المادة 408) منه والتي نصت على أن (1- يجب في التصرف التخييري تحديد مدة الاختيار. 2- فإذا لم يحدد المتعاقدان مدة في العقد أو انقضت المدة المحددة لأحدهما دون أن يختار جاز للطرف الآخر أن يطلب من المحكمة تحديد مدة الخيار أو محل التصرف).

ج- انتقال حق الاختيار

الحق في الاختيار حق لصيق بالالتزام وينشأ بنشأته لاعتبارات عند المتعاقدين، ولكن ثار التساؤل هل ينتقل هذا الحق لخلف من له حق الاختيار؟

ولقد جاء النص في التشريع الأردني صريحًا بأن حق الاختيار ينتقل للورثة، وذلك في (المادة 409) من القانون المدني، ونرى أن فعل المشرع الأردني كان فعلاً محموداً بإقراره لذلك، حيث إن المتعاقد حينما يدخل طرفًا في التزام تخييري فإنه يوازن أمور أعماله التجارية بأفضل شكل يحقق له المصلحة، وبانتقال هذا الحق للورثة فإن المشرع قد عني بمصلحة الورثة فأعطى لهم هذا الحق بدورهم.

4-هلاك المحل في الالتزام التخييري

متى هلك أحد الأشياء المحددة للوفاء بأحدها في الالتزام التخييري، فإن ذلك ينقل الالتزام إلى الشيء الذي يليه، لكن يثور التساؤل بشأن ما هو التصرف إذا هلكت كل الأشياء المحددة للوفاء؟ وللإجابة على هذا التساؤل لابد أن نفرق بين حالتين.

أ- الهلاك بغير فعل المدين

إذا هلكت جميع الأشياء المحددة للوفاء بالالتزام معا بطل العقد، ذلك لأنه كما أوضحنا أنه يلزم لصحة التصرف أن يكون المحل موجودا، ولكن لتطبيق هذا الحالة لابد أن ألا يكون المدين هو سبب الهلاك، وأن يكون الخيار في يد المدين، وقد نص القانون المدني الأردني في (المادة 410/1) منه على ذلك.

ب- الهلاك بفعل المدين

وفقاً لنص المادة (410/2) من القانون المدني الأردني فإنه إذا هلكت جميع الأشياء المحددة للوفاء بالالتزام بفعل يرجع إلى المدين، ففي هذه الحالة وجب عليه أداء قيمة أخر ما هلك منها للدائن، وعلة ذلك ألا يستفيد المدين من الخطأ الذي قام به إذا كان الحكم لتلك الحالة هو إبطال العقد.

5- السند القانوني للالتزام التخييري في القانون الأردني

نصت (المادة 407) من القانون المدني الأردني على أنه (1- يجوز أن يكون محل التصرف عدة أشياء على أن تبرأ ذمة المدين إذا أدى واحداً منها. 2 -ويكون الخيار للمدين إذا كان مطلقا إلا إذا قضى الاتفاق أو القانون بغير ذلك.)

كما نصت (المادة 408) من ذات القانون على أنه (1- يجب في التصرف التخييري تحديد مدة الاختيار. 2 -فإذا لم يحدد المتعاقدان مدة في العقد أو انقضت المدة المحددة لأحدهما دون أن يختار جاز للطرف الأخر أن يطلب من المحكمة تحديد مدة الخيار أو محل التصرف.)

وكذلك (المادة 409) منه والتي نصت على أنه (ينتقل حق الاختيار إلى الوارث.)

وأخيرا المادة (410) والتي نصت على أنه (1- إذا كان الخيار للمدين وهلك أحد الشيئين في يده كان له أن يلزم الدائن بالثاني وان هلكا معا بطل العقد. 2 – فإذا كان المدين مسؤولا عن الهلاك ولو بالنسبة إلى أحد هذه الأشياء كان عليه أن يدفع قيمة آخر ما هلك منها).

ثالثاً: الالتزام البدلي في القانون الأردني

1- مفهوم الالتزام البدلي

يقصد بالالتزام البدلي أن يكون محل الالتزام واحد، ولكن تبرأ ذمة المدين إذا أدى بدلًا من هذا الأصل شيء أخر.

مثال توضيحي:

يعد أبرز مثال على هذا النوع من الالتزام هو العربون، ويقصد بالعربون مبلغ من المال أو منقول يقصد به إما ضمان تنفيذ المتعاقدين للالتزام أو إعطاء الحق لهم في العدول عن الالتزام، وبذلك يكون العربون هنا بدلًا للوفاء في الالتزام.

فعلى على سبيل المثال إذا اتفق (أحمد) و(علي) على أن يبيع (أحمد) وحدة سكنية لـ (علي)، ودفع (علي) مبلغ مائة ألف جنيه عربون لـ (احمد)، وبعد ذلك رأى (أحمد) أن مبلغ الوحدة يزيد بكثير عن المبلغ المتفق عليه فقام برد مبلغ العربون أو مثله، فهو بذلك قد أختار دفع العربون كالتزام بديل للالتزام الأصلي وهو تسليم الوحدة السكنية.

2- ما يميز الالتزام البدلي

ومن خلال التعريف السابق يمكن الوقوف على أهم ما يميز الالتزام البدلي ويمكن تلخيصها فيما يلي:

أ- الالتزام الأصلي واحد

إن أول ما يلزم لاعتبار أن الالتزام هو التزام بدلي أن يكون محل الالتزام شيء واحد، بحيث أن أساس الاتفاق هو هذا الأصل، أما الشي الأخر هو مجرد بديلًا لهذا الأصل وليس له اعتبار بالتعاقد، وهو بذلك يتشابه مع الالتزام البسيط في عدم وجود تخيير في الأداء.

ب- الالتزام الأصلي هو ما يحدد طبيعة الالتزام

الالتزام الأصلي لا البديل هو ما يحدد طبيعة الالتزام، حيث أنه وكما أوضحنا سلفاً فإن الالتزام البديل ليس محل اعتبار بالالتزام، ومعنى ذلك أنه إذا كان الالتزام الأصلي تسليم عقار وكان البديل دفع العربون، فإن القواعد التي تحكم هذا الالتزام هي القواعد الخاصة بالتصرفات العقارية، حتى وإن كان العربون مبلغ من المال وقام أحد الأطراف بسداده فالالتزام يظل يحكم بقواعد التصرفات العقارية، وعليه فإذا كان محل الالتزام الأصلي شيء غير مشروع لا يعطي المشروعية للالتزام أن يقوم المدين بسداد البديل شيء مشروع، بل يعد الالتزام طبقاً للمحل الأصلي غير مشروعا.

ج- مطالبة الدائن تكون بالالتزام الأصلي

لما كان الالتزام البديل يعطي الحق بالوفاء بالشيء البديل فإن هذا الحق قد أعطي حصراً للمدين، فلا يكون أمام الدائن إلا المطالبة بالشيء الأصلي فقط، أما المدين فيستطيع الوفاء بالشيء البديل.

3- هلاك المحل في الالتزام البدلي

في الالتزام البدلي متى هلك الأصل المحدد للوفاء دون تدخل من المدين يبطل العقد ولا يلزم بأداء البديل، فكما بينا سابقا فإن محور الالتزام هو الشيء هو الأصلي يدور معه الالتزام وجودًا وعدمًا.

4- السند القانوني للالتزام البدلي في القانون الأردني

(المادة 411) والتي نصت على أنه (1- يكون التصرف بدليًا إذا كان محله شيئًا واحداً، ولكن تبرأ ذمة المدين إذا أدى بدلاً منه شيئا أخر. 2- والأصل، لا البديل، هو وحده محل الالتزام وهو الذي يحدد طبيعته).

رابعاً: الفرق بين الالتزام التخييري والبدلي وغيرهما من الأنظمة

2- الفرق بين الالتزام التخييري والالتزام البدلي

أ- التعدد

محل الالتزام في الالتزام التخييري عدة أشياء يكفي لبراءة ذمة المدين الوفاء بأحدها، وهذا التعدد ينشأ مع نشأة العقد، ويتم تحديد طبيعة الالتزام منذ البداية بناء على طبيعة هذه الأشياء المتعددة، أما في الالتزام البدلي فمحل الالتزام واحد وهو أصل الالتزام، وهذا المحل وحده هو ما يحدد طبيعة الالتزام بغض النظر عن طبيعة البديل.

ب- الاختيار

يختلف من له حق الاختيار في الالتزام التخييري عنه في الالتزام البدلي، حيث يكون حق الاختيار لأي من الدائن أو المدين في الالتزام التخييري، أما في الالتزام البدلي فالحق فيه يكون للمدين ومصدر هذا الحق الاتفاق أو القانون.

ج- هلاك محل الالتزام

في الالتزام التخييري لا يؤدي هلاك أحد المحال إلى انقضاء الالتزام، بل ينتقل الالتزام إلى محل أخر من المحال المحددة للاختيار في الالتزام التخييري، أما إذا هلكت جميعها بفعل المدين فيلزم بتعويض الدائن، وإذا هلكت بفعل أجنبي أنقضى الالتزام، وعلى النقيض في الالتزام البدلي ينقضي الالتزام بهلاك الشيء الأصلي ولا يستطيع الدائن المطالبة بالبديل، في حين يظل الالتزام قائماً على الشيء الأصلي، حتى لو هلك البديل.

د- عدم مشروعية المحل

في الالتزام التخييري إذا كان أحد المحال غير مشروع فلا يؤثر ذلك على صحة الالتزام، أما في الالتزام البدلي فإذا كان الالتزام الأصلي غير مشروع بطل الالتزام، ولا يرفع هذا البطلان المطالبة بالالتزام البديل.

2- الفرق بين الالتزام التخييري والالتزام البدلي والوفاء بمقابل

قبل الحديث عن الفرق بين الالتزام التخييري والالتزام البدلي والوفاء بمقابل لابد أولاً أن نعرف الوفاء بمقابل، فالوفاء بمقابل يعني أن يقدم المدين لدائنه محلاً جديداً لبراءة ذمته، فإذا قبل الدائن هذا المحل الجديد انقضى الالتزام، ونرى هذا الشكل في القانون المدني الأردني وذلك فيما ذهبت إليه (المادة 340) منه من أنه (يجوز للدائن أن يقبل وفاء لدينه شيئًا أخر أو حقًا يؤديه المدين ويخضع الاتفاق على الاعتياض لشرائط العقد العامة).

ومن ﺨﻼل الاتجاهات المختلفة لفقهاء القانون نجد أن أيًا ﻤﻨﻬﺎ ﻻ ﻴﻌﺩ ﺒﺤﺩ ﺫﺍﺘﻪ ﻜﺎﻓﻴًﺎ ﺒمكان ﻟﻠﻜﺸﻑ ﻋﻥ ﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻭﻓﺎﺀ بمقابل، ﻓﻬﻭ ﺫﻭ ﻁﺒﻴﻌﺔ مركبة، ﺤﻴﺙ ﺘﺘﻠﺨﺹ ﻋﻤﻠﻴـﺔ ﺍﻟﻭﻓـﺎﺀ ﺒﻤﻘﺎﺒل ﻓﻲ ﺇﻨﻬﺎﺀ ﻟﻼﻟﺘﺯﺍﻡ ﺍﻷﺼﻠﻲ ﺒﺎﻟﺘﺯﺍﻡ ﺠﺩﻴﺩ، وذلك ﺒﻐﺽ ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻋﻥ ﻨﻭﻋﻪ ﻓﻬﻭ ﻴﻨﻬﻲ ﺍﻻﻟﺘـﺯﺍﻡ ﺍﻷﻭل ﺒﺠﻤﻴﻊ ﻀﻤﺎﻨﺎﺘﻪ، ﻭﻴﺨﻀﻊ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ لأحكام الوفاء[2]، وسنبين أوجه الاختلاف من خلال النقاط الآتية:

أ- الوجود

في الالتزام التخييري تكون المحال المتعددة موضوع الالتزام والتي سيختار منها المدين موجودة ومتفق عليها منذ نشأة الالتزام، وكذلك في الالتزام البدلي فإن البديل الذي يمكن للمدين الوفاء به بدلا من المحل الأصيل يكون موجود، أما في الوفاء بمقابل فإن الشيء الذي يستعيض به المدين للوفاء بالتزامه ويقبله الدائن لا يكون موجودا وقت نشأة العقد وإنما يوجد بعد تمامه.

ب- الاختيار

الاختيار في الالتزام التخييري يكون حق لأي من الدائن أو المدين، وفي الالتزام البدلي فالحق فيه يكون للمدين ومصدر هذا الحق الاتفاق أو القانون، أما في الوفاء بمقابل فيمكن القول إنه عبارة عن اختيار لابد أن يقره الدائن، حيث يجب بعد أن يستعيض المدين بشيء أخر للوفاء أن يقر هذا الشيء الدائن لينقضي الالتزام.

2- الفرق بين الالتزام التخييري والالتزام البدلي والتعويض الاتفاقي

قبل الحديث عن الفرق بين الالتزام التخييري والالتزام البدلي والتعويض الاتفاقي لابد أولاً أن نعرف التعويض الاتفاقي، ويقصد بالتعويض الاتفاقي أنه عبارة عن تعويض محدد مقدما يلزم به المدين إذا لم يف بالتزامه أو تأخر في تنفيذه، وهذا ما ذهبت إليه (المادة 364) من القانون المدني الأردني حيث نصت على (1- يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدمًا قيمة الضمان بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق مع مراعاة أحكام القانون. 2- ويجوز للمحكمة في جميع الأحوال بناء على طلب أحد الطرفين أن تعدل في هذا الاتفاق بما يجعل التقدير مساوياً للضرر ويقع باطلًا كل اتفاق يخالف ذلك)، وسنبين أوجه الاختلاف من خلال النقاط الآتية:

أ- التعدد

في التعويض الاتفاقي يكون قد يكون هذا التعويض خيار ثاني للمدين في التنفيذ، وهو وإن لم يكن ذلك الغرض منه في الأساس إلا إنه بالنظر للواقع العملي يعد خيار ثاني يلتزم به المدين في حالة عدم وفائه بالتزام الأصلي، وهو بذلك يشبه الالتزام التخييري حيث تكون محال الالتزام متعددة، أما الالتزام البدلي فالمحل واحد.

ب- الاختيار

الاختيار في الالتزام التخييري يكون حق لأي من الدائن أو المدين، وفي الالتزام البدلي فالحق فيه يكون للمدين ومصدر هذا الحق الاتفاق أو القانون، أما في التعويض الاتفاقي فيمكن القول أنه في الأساس إجبار بحكم الاتفاق ما بين أطراف الالتزام، أما إذا رغب المدين في سداد التعويض الاتفاقي بدلا من إتمام الالتزام فإننا هنا نكون أمام اختيار من جانب المدين وليس إجبار بحكم الاتفاق وهذا يعد استثناء ولا يعد هذا العرض محل اعتبار ما دام التنفيذ العيني ممكن، فما دام التنفيذ العيني ممكن يستطيع الدائن طلب التنفيذ العيني ورفض التعويض الاتفاقي.

ج- هلاك محل الالتزام

في الالتزام التخييري لا يؤثر الهلاك وينتقل الالتزام إلى محل أخر من المحال المحددة للاختيار في الالتزام التخييري، وفي حال أن هلكت جميعها بفعل المدين فيلزم تعويض الدائن، وإذا هلكت بفعل أجنبي أنقضى الالتزام، وفي الالتزام البدلي ينقضي الالتزام بهلاك الشيء الأصلي ولا يستطيع الدائن المطالبة بالبديل، أما في التعويض الاتفاقي إذا هلك محل الالتزام بفعل أجنبي فينقضي الالتزام ولا يستحق الدائن التعويض الاتفاقي.

د- عدم مشروعية المحل

في الالتزام التخييري إذا كان أحد المحال غير مشروع فلا يؤثر ذلك على صحة الالتزام، لأن أداء أي من محال الالتزام المعدة للاختيار تبرأ بها ذمة المدين، أما في الالتزام البدلي فإذا كان الالتزام الأصلي غير مشروع بطل الالتزام ولا يتيح هذا البطلان المطالبة بالالتزام البديل، ويتشابه التعويض الاتفاقي مع الالتزام البدلي في أنه يدور وجودا وعدما مع الالتزام الأصلي، فإذا كان الالتزام غير مشروع فلا يجوز المطالبة بالتعويض الاتفاقي.

خاتمة

تناولنا في هذا المقال نوعين من أنواع الالتزام وهما الالتزام التخييري والالتزام البدلي، وحاولنا أن نضع أيدينا على أهم ما يميزهما، وبيان أوجه التشابه والاختلاف بينهما، ويمكننا القول أن الالتزام التخييري هو الأكثر مرونة من حيث التطبيق العملي، ذلك أنه يعطي للمدين الحق في الاختيار ما بين مجموعة من المحال التي تصلح أي منها لتكون سبباً لإبراء ذمته، إلى جانب أن هذا الشكل من الالتزام يعتبر ميزة متى كان حق الاختيار للدائن، ذلك لأنه سيعطي له الحق في اختيار الطريق الأنسب له لإتمام التزامه، أما عن الشكل الأخر من الالتزام وهو الالتزام البدلي فيعتبر أكثر صلابة، فبالرغم من أنه يعطي الحق للمدين في إبراء ذمته عن طريق أداء البديل، إلا أنه ينهي الالتزام بهلاك المحل الأصلي، كما تعرضنا أيضاً للنظم القانونية التي تقترب من الالتزام البدلي والتخييري وتتشابه معهما، وذكرنا منها الوفاء بمقابل والتعويض الاتفاقي، وأوضحنا أوجه التشابه والاختلاف فيما بينهم للوقوف على المعنى الدقيق للالتزام التخييري والالتزام البدلي .

إعداد: محمد السعيد عبد المولى

[1] – عبد القادر الفار – مصادر الالتزام – مكتبة دار النشر والتوزيع – عمان – 1996 – ص156.

[2] سناء سعيد محمد طه، الوفاء بمقابل (دراسة مقارنة) – جامعة النجاح الوطنية – كلية الدراسات العليا – 2011 – ص46.

error: Alert: Content is protected !!