سقوط الدعوى الجزائية بالعفو العام

سقوط الدعوى الجزائية بالعفو العام

تسقط الدعوى الجزائية لأسباب عامة وخاصة نص عليها المشرع الأردني في قانون أصول المحاكمات الجزائية لسنة1961 وتعديلاته، فالأسباب العامة هي الحكم البات ووفاة المشتكى عليه والتقادم والعفو العام، أما الأسباب الخاصة  فهي التنازل عن الشكوى وإسقاط الحق الشخصي  والصلح وصفح الفريق المتضرر، وقد سبق وأن تحدثنا في مقالات سابقة عن انقضاء الدعوى بالحكم البات وسقوطها بوفاة المشتكى عليه وبالتقادم، وسنتحدث في هذا المقال عن سقوط الدعوى الجزائية بالعفو العام.

المقصود بالعفو العام

هو قانون يصدر عن السلطة التشريعية، يزيل الصفة الجرمية عن الأفعال التي يجرمها القانون وذلك بأثر رجعي، ويطلق على العفو العام أيضاً العفو الشامل [1]، وهو بمثابة تنازل عن الهيئة الاجتماعية عن حقوقها قبل مرتكب الجريمة وذلك بنزع الصفة الجرمية عن هذه الجريمة المشمولة بالعفو العام.[2]

السند القانوني لسقوط الدعوى الجزائية بالعفو العام

نص المادة 337 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والذي جاء فيه:

  1. تسقط دعوى الحق العام بالعفو العام.
  2. وتبقى دعوى التعويض من اختصاص المحكمة الواضعة يدها على دعوى الحق العام حين صدور العفو العام ، واذا لم ترفع الدعوى فيعود الاختصاص الى المحكمة الحقوقية المختصة.

الفرق بين العفو العام والعفو الخاص

هناك اختلاف بين العفو العام والعفو الخاص في عدة نواحي وأولها:

جهة إصدار العفو

فالعفو العام يصدر عن السلطة التشريعية أي البرلمان وذلك على شكل قانون أو بموجب قانون، فالعفو العام لا يكون إلا بقانون، بينما العفو الخاص يصدر عن جلالة الملك أي رئيس الدولة وذلك لكونه حق منحه اياه الدستور.

أثر كل من العفو العام والعفو الخاص

إن أثر العفو الخاص يقتصر على العقوبة فقط فيسقطها كلها أو بعضها أو يبدلها بعقوبة أخف منها وذلك كله في حدود قرار العفو، بينما أثر العفو العام أكثر شمولية فهو يزيل الصفة الجرمية عن الأفعال الجرمية المشمولة بالعفو وذلك بأثر رجعي.

طابع كل من العفو العام والعفو الخاص

يتصف العفو العام بإنه ذو طابع عيني، فينفي الصفة الجرمية عن جرائم معينة ارتكبت قبل تاريخ معين في القانون، وذلك بغض النظر عن أشخاص مرتكبي هذه الأفعال، ولذا فإنه يترتب على العفو العام سقوط الحق العام عن كافة المدعى عليهم من فاعلين أو شركاء أو متدخلين، وذلك على خلاف العفو الخاص الذي لا يستفيد منه إلا من توافرت فيه الشروط الواردة في هذا العفو الخاص [3].

لماذا لا يصدر العفو العام إلا بقانون؟

لكونه يعطل أحكام قانون العقوبات بالنسبة للجرائم التي شملها.

 العفو العام سبباً من أسباب انقضاء دعوى الحق العام

نصت المادة 50 من قانون العقوبات  على أحكام العفو العام، فنصت على أن العفو العام يزيل حالة الإجرام من أساسها، فالعفو العام يسقط الدعوى الجزائية نظراً لزوال حالة الإجرام التي كانت تستوجب العقاب، وبغض النظر عن وقت صدور العفو، فقد يصدر العفو العام قبل تحريك دعوى الحق العام ففي هذه الحالة يمتنع على النيابة العامة تحريك هذه الدعوى لشمول الجريمة التي نشأت عنها تلك الدعوى بالعفو العام وتقرر النيابة العامة إسقاط دعوى الحق العام أما إذا صدر العفو العام بعد تحريك الدعوى العمومية وقبل صدور حكم مبرم فيها، فيجب على المحكمة التي تنظر الدعوى أن تصدر حكماً بسقوط هذه الدعوى بالعفو العام.

ماذا إذا صدر قانون العفو العام بعد صدور حكم بالإدانة؟

ينمحي هذا الحكم وتسقط نتيجة لذلك كل عقوبة أصلية كانت أم فرعية.

أثر العفو العام على دعوى الحق الشخصي

العفو العام لا يمنع من متابعة دعوى الحق الشخصي والحكم للمدعي بالحق الشخصي بالإلزامات المدنية، وإنفاذ الحكم الصادر بها، لأن العفو العام وإن كان سبباً لإسقاط دعوى الحق العام إلا أنه لا تأثير له على دعوى الحق الشخصي.

أثر العفو العام على الغرامات والرسوم والأشياء المصادرة

إذا صدر العفو العام بعد صدور حكم بالإدانة، فلا ترد الغرامات ولا الرسوم المستوفاة ولا الأشياء المصادرة، وذلك لأن العفو العام لا يمنع الحكم بمصادرة الأشياء الممنوعة حيازتها قانوناً والسبب في ذلك أن المصادرة ليست عقوبة، وإنما هي تدبير احترازي، وإذ كان العفو العام قد صدر قبل تحريك دعوى الحق العام أو بعد تحريكها قبل أن يصدر حكم بها، فالمصادرة للأشياء الممنوعة حيازتها قانوناً تتم بالطريق الإداري[4].

الجرائم التي يشملها العفو العام

ليس هناك نص ثابت للجرائم التي يشملها العفو العام، فالعفو العام يصدر بقانون يسمى قانون العفو العام وفي كل مرة يصدر فيها يكون متضمناً للجرائم التي يشملها العفو العام، وبغض النظر عن وقت اكتشاف الجريمة، فسواءً تم الكشف عنها أو تلك التي ارتكبت ولم يكشف أمرها، فتزال عنها جميعها الصفة الجرمية، ومن غير الممكن ملاحقتها قضائياً.

العفو العام متعلق بالنظام العام

إن سقوط الدعوى الجزائية بالعفو العام هو أمر يتعلق بالنظام العام، وعليه لا بد من المحكمة أن تحكم بإسقاط الدعوى للعفو العام من تلقاء نفسها، ولا يجوز لأي من الخصوم أن يتمسك باستمرار الدعوى ونظرها أمام القضاء حتى تثبت براءة المدعي عليه.

المحكمة المختصة بنظر دعوى التعويض بعد صدور قانون العفو العام

تبقى دعوى التعويض من اختصاص المحكمة الواضعة يدها على دعوى الحق العام حين صدور العفو العام، وإذا لم ترفع الدعوى فيعود الاختصاص الى المحكمة الحقوقية المختصة.

من اجتهادات المحاكم الأردنية فيما يتعلق بسقوط الدعوى الجزائية بالعفو العام

الحكم رقم 8204 لسنة 2019 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية: العفو العام لا أثر له على دعوى الحق الشخصي.

نجد أن إسقاط دعوى الحق العام استناداً لقانون العفو العام لا يغير من الأمر شيئاً إذا ما توافرت عناصر المسؤولية المدنية المتمثلة بالفعل الصادر والضرر وعلاقة السببية المنصوص عليها في المادة (256) من القانون المدني متى توافرت بحق المدعى عليه (الطاعن) , إذ أن دائرة المسؤولية المدنية تختلف عن دائرة المسؤولية الجزائية,أي أن سقوط الدعوى العمومية بالعفو العام لا يمنع الشخص المتضرر من رفع دعوى بطلب التعويض أمام المحكمة المدنية دون الاستناد إلى حكم جزائي في الموضوع ولا يؤثر على الدعوى السابقة على سقوط الدعوى العمومية بالعفو العام.

الحكم رقم 3157 لسنة 2014 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية: العفو العام لا ينفي المسؤولية المدنية.

 نجد أن سقوط الدعوى الجزائية بالعفو العام لا يعني بأي حال عدم ثبوت المسؤولية المدنية، ذلك أن دائرة المسؤولية المدنية تختلف عن دائرة المسؤولية الجزائية، حتى لو كان في ظل صدور حكم يقضي بالبراءة وكل ما في الأمر أن القاضي المدني مقيد بما توصل إليه القاضي الجزائي من حيث وقوع الجرم ونسبته إلى فاعله ووضعه القانوني وفق أحكام المادة (332) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

مبدأ

الإشارة إلى حكم المادة (194) من قانون الجمارك والتي نصت على أن الغرامات الجمركية والمصادرات المنصوص عليها في هذا القانون تعتبر تعويضاً مدنياً للدائرة ولا تشملها أحكام قوانين العفو العام ، فان المادة (337) من قانون أصول المحاكمات الجزائية استثنت سقوط دعوى الحق العام بالعفو العام من حيث بقاء دعوى التعويض من اختصاص المحكمة الواضعة يدها على دعوى الحق العام حين صدور العفو العام – من نص المادة (336/3) من ذات القانون والتي نصت على ( انه يبقى للمتضرر حق إقامة دعوى بالحق الشخصي وبالتعويض على ورثة المتوفى لدى المحكمة المدنية ) أي أن المحكمة الواضعة يدها على القضية الجزائية يتوجب عليها في حالة وفاة المشتكى عليه إسقاط دعوى الحق العام ولا يجوز لها تبليغ الورثة والاستمرار في دعوى الحق الشخصي أو التعويض ، بل أن ذلك يتم عن طريق إقامة دعوى جديدة أمام المحكمة المدنية لصراحة نص المادة المذكورة.

إعداد المحامية: ليلى خالد.

[1] د. محمد سعيد نمور، أصول الإجراءات الجزائية، الطبعة السادسة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2021، ص 310.

[2] د. عبد الرؤوف عبيد، المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية، الجزء الأول، دار الفكر العربي، 1980، ص 156.

[3] د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجزائية، دار مطابع الشعب بالقاهرة، الطبعة التاسعة، 1964، ص 123.

[4] د. فوزية عبد الستار، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، دار النهضة العربية، بيروت،1975، ص 188.