التوقيع على بياض في قانون البينات الأردني
لقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة التوقيع على بياض في كثير من المعاملات المالية سواء بين الناس العاديين أو في مجال التجارة وأصبحت سيفا مسلطا على رقاب من قام بالتوقيع على هذه الورقة لما يترتب عليها من أمور جسيمة قد تضر بصاحب التوقيع.
فقد يستغل الدائن التوقيع على بياض إذا تأخر المدين عن دفع المستحق عليه وذلك بكتابة مبالغ أكثر بكثير مما هو في الحقيقة أو يغير في مضمون الاتفاق بينهما من وقائع ما قد يترتب عليه أضرار بصاحب التوقيع، ولقد تناولت المحاكم هذا الأمر باتجاهات مختلفة فمنها من أعتبره خيانة أمانة ومنها من اعتبره صحيحا من الناحية القانونية بسبب صعوبة اثبات عكس ذلك.
أولا: مفهوم التوقيع على بياض
ثانيا: الحجية القانونية للتوقيع على بياض
ثالثا: عبء اثبات واقعة التوقيع على بياض
رابعا: شروط صحة التوقيع على بياض
أولا: مفهوم التوقيع على بياض
إن الأصل في التوقيع على بياض انه قائم على الثقة التامة بين من وقع السند أو الوثيقة على بياض وبين مستلم ذلك السند او تلك الوثيقة في أن يدون فيها لاحقا ما تم الاتفاق عليه .
ويقصد بالتوقيع على بياض هو قيام شخص بوضع توقيعه على ورقة خالية من أية مضمون لحساب شخص آخر وتسليمها إليه بإرادته بقصد مليء مضمونها بما تم الاتفاق عليه من تعامل بينهما دون تغيير من هذا الاتفاق.
ولقد عرف البعض التوقيع بأنه” هو كل كتابة ممضاة بخط اليد او بصمة الاصبع أو بالختم يضعها الشخص على السند للتعبير عن موافقته عما ورد فيه([1]).
ثانيا: الحجية القانونية للتوقيع على بياض
إن الورقة الموقعة على بياض يتباين الظن بها بين المتعاملين عليها حسب الوضع القانوني لكل منهم, فتختلف نظرة من وقع الورقة عن تلك النظرة الخاصة بمن وقعت لصالحه, إذ ينظر الأول على أنها تعد تزويرا في الورقة تأسيسا على أن الآخر قام بتغيير مضمونها عن ما تم الاتفاق عليه, بينما نظرة الثاني على أنه توقيعا صحيحا ويؤدي إلى اثبات حقه فيما تضمنته تلك الورقة. وأيا كانت نظرتها لتلك الورقة فانه لابد أن لتلك الورقة حجية قانونية.
فلا خلاف أن التوقيع على الورقة على بياض هو أمر صحيح قانونا ولا يستطيع القول خلاف ذلك، إذ أنه إذا كانت ورقة عرفية تم التوقيع عليها إلا أن لها حجية على من قام بتوقيعها أي حجية السند العادي.
ويقصد بالسند العادي هي الورقة التي يقوم الأفراد العاديين بإعدادها دون أن يتدخل الموظف العام بالتدخل فيها، ويقوم بالتوقيع عليها أو بالبصمة عليها.
وفي نطاق الحجية على السند العادي, أنه إذا احتج على شخص بورقة عرفية فأنه إما أن يعترف بأن توقيعه عليها صحيح وأن الورقة صادرة منه وفي هذه الحالة تعتبر السند العادي صادرة منه والتوقيع توقيعه والخط يخصه ولا يجوز له بعد ذلك انكار ذلك .
أو أنه ينكر تلك الورقة ونسبتها إليه أو أنه يسكت عن ذلك ولا يعترف أو ينكرها , وفي هذه الحالة فان الورقة تعتبر لا تخصه ولا التوقيع الثابت بها يخصه وهنا تسقط الحجية عنها, إلا إذا أثبت من صدرت لصالحه عكس ذلك, أو على المحتج بالورقة عبء اثبات صدورها من صاحب التوقيع.
ويعتبر التوقيع على السند العادي بالإمضاء أو ببصمة الختم أو بصمة الإصبع هو الأساس القانوني الوحيد لحجية السند العادي.
ولقد نص على ذلك المشرع الأردني في المادة \10 من قانون البينات على أنه” السند العادي هو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه أو على خاتمه أو بصمة إصبعه وليست له صفة السند الرسمي”.
وهو ما نص عيه المشرع الأردني أيضا في قانون البينات في المادة \ 11\1على أنه” من احتج عليه بسند عادي وكان لا يريد أن يعترف به وجب عليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو خاتم أو بصمة أصبع وإلا فهو حجة عليه بما فيه”.
بينما جاءت أحكام محكمة النقض المصرية معبرة عن ذلك بشكل واضح في احكامها، وهو ما قضت به محكمة النقض المصرية في حكم لها بأن” التوقيع بالإمضاء أو ببصمة الإصبع هو المصدر القانوني الوحيد لإضفاء الحجية على الأوراق العرفية وفقا لما تقضي به المادة \390من القانون المدني”([2]).
وقضت محكمة النقض المصرية في حكم آخر لها بأن” التوقيع على بياض هو توقيع صحيح من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية السند العادي وادعاء تغيير الحقيقة فيها ممن استؤمن عليها نوع من خيانة الأمانة متى كان من وقعها قد سلمها اختيارا”([3])
ثالثا: عبء اثبات واقعة التوقيع على بياض
لقد أوضحنا سابقا أن التوقيع يكسب البيانات التي تكتب أعلى التوقيع حجية السند العادي, اي أن التوقيع هو من يمنحا هذه القوة لا الكتابة الموجودة أعلى التوقيع .
ويجب على من يقوم بمليء البيانات ان يكون لديه الأمانة الكافية ليكمل ذلك بما تم الاتفاق عليه مع الطرف الآخر وإلا كان مزورا للحقيقة.
ويقع عبء اثبات تسليم السند العادي على بياض وأن من قام بتزويرها أو تغيير ما تم الاتفاق عليه هو من قام بوضع توقيعه عليها، فعليه أن يثبت ان من قام بذلك هو من صدرت لصالحه الورقة الموقعة على بياض.
1- بالنسبة لإثبات أن ما تم كتابته بمضمون الورقة هو خلافا لما تم الاتفاق عليه:
وطبقا للقاعدة العامة أن ما هو ثابت بالكتابة لا يجوز اثبات عكسه الا بالكتابة , لذلك فلا يجوز لمن وقع على الورقة على بياض أن يثبت عكس ما هو مكتوب أو بمعنى لا يمكن اثبات تزوير ما تم كتابته أعلى التوقيع إلا بدليل كتابي آخر, فلا يجوز اثبات ذلك بشهادة الشهود.
وهو ما أكده المشرع الأردني في نص المادة \29 من قانون البينات على أنه” لا يجوز الاثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى ولو كان المطلوب لا تزيد قيمته على مائة دينار :1- فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي. 2- فيما اذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزءا من حق لا يجوز اثباته بالشهادة. 3- إذا كان طالب أحد الخصوم في الدعوى بما تزيد قيمته على مائة دينار ثم عدل طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة”.
ومفاد هذه القاعدة الواردة في المادة سالفة الذكر انه لا يجوز اثبات ما هو ثابت بالكتابة إلا بالكتابة حتي وان لم يصل نصاب الاثبات بالكتابة وامتناع سماع الشهادة فيها, فمن أراد ادحاض ما هو ثابت بالكتابة فعليه اثبات ذلك بالكتابة حتى ولو كانت الشهادة مسموعة وسيلة متاحة في اثبات ذلك النوع من التصرفات.
وترجع الحكمة لضرورة اشتراط الكتابة في دحض ما هو ثابت بالكتابة ذلك لأن الكتابة هي أقوى طرق الاثبات، إذ انها تأتي بخط اليد وبإرادته الكاملة إذ أن ذلك هو الغالب في الأمور، فهي لها حجية مطلقة إذا كانت موقعة من أطرافها فضلا عن أن الأطراف ما ركنوا إلى الكتابة لإثبات العقد وما نشأ عنه من التزامات وحقوق إلا رغبة منهم في جعل الكتابة هي الدليل لإثبات ما جرى بينهم من تصرفات قانونية ([4]).
كما وأن الدليل الاثبات بالكتابة هو اقوى الأدلة وبالتالي لا يجوز ادحاض دليل بواسطة دليل آخر أقل منه فلا يجوز ادحاض الأقوى بالأضعف، كما ان المشرع الأردني قد جعلها في الصدارة إذ نص في المادة \ 2من قانون البينات على الأدلة الكتابية كأول وسيلة للإثبات.
ومن خلال هذه المادة يتضح لنا أنه يشترط توافر ثلاثة شروط لتطبيق هذه القاعدة والاثبات بالكتابة هما:
أ- أن يكون هناك دليل كتابي كامل
ويكون الدليل الكتابي كاملا إذا كان موقعا من الطرفين المتعاقدين أما إذا لم يكن موقعا كالدفاتر التجارية بين التجار أو غيرها من الأوراق التجارية فلا تخضع لهذه القاعدة ([5]).
ب- أن يكون التصرف القانوني مدنيا
فلا تسري هذه القاعدة على التصرفات التجارية وإنما على التصرفات المدنية فقط، فيبقى التصرف التجاري خاضعا للإثبات بكافة طرق الاثبات.
إلا أن هناك بعض التصرفات التجارية التي لا يجوز اثبات عكسها الا بالكتابة كالشركات التجارية فلابد ان تكون مكتوبة، وتطبق بشأنها القاعدة السابقة.
ج- أن يكون المراد اثباته أمر يخالف أو يجاوز الكتابة
ويقصد بالمخالفة هنا أن يكون هناك أمر متعارض ما بين الادعاء والدليل الكتابي، أما مجاوزة الدليل الكتابي فيقصد به إذا كان هناك أحد الأطراف يدعي أن هناك تعديلات تتضمن تجاوز وزيادة عما هو بالسند إلا إذ اكان الأمر يتعلق بتصحيح غلط بالسند فان هذا لا يعد مجاوزه.
ولقد قضت محكمة النقض المصرية في حكم لها بوجوب دحض ما هو ثابت بالكتابة بذات الطريقة أي بالكتابة بأن” تغيير الحقيقة في الأوراق الموقعة على بياض ممن استؤمن عليها نوع من خيانة الأمانة ولا يجوز اثبات عكس ما هو ثابت في الورقة الموقعة على بياض بغير الكتابة متى كان من وقعها قد سلمها باختياره”([6]).
2- أما عملية التوقيع على بياض
فهي فهي واقعة مادية يجوز اثباتها بكافة طرق الاثبات ومنها شهادة الشهود، فهي ليست مثل عملية اثبات عكس ما هو مكتوب في السند العادي.
وتضمنت المادة \28\3 من قانون البينات الأردني على أن” 3- إذ اشتملت الدعوى على طلبات متعددة يتميز كل منها عن الآخر وليس على أيها دليل كتابي جاز الاثبات بالشهادة في كل طلب لا تزيد قيمته على مائة دينار ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد على هذه القيمة وحتى لو كان منشؤها علاقات أو عقود من طبيعة واحده بين الخصوم أنفسهم وكذلك الحكم في وفاء لا تزيد قيمته عن مائة دينار”.
رابعا” شروط صحة التوقيع على بياض
ويشترط توافر عدة شروط في التوقيع على بياض:
أ- صدور التوقيع ممن هو مختص بتوقيعه
فيجب أن يكون التوقيع صادرا من شخص مخول له التوقيع على السند وليس شخص آخر كتوقيع المدين على سند الدين وتوقيع الدائن على المخالصة بالوفاء فلا يحدث العكس أو يوقع شخص آخر غير المختص على السند.
وهو ما قضت به محكمة التمييز الأردنية في حكم لها بأن” إذ ظهر المدعى عليه أمام الغير على أنه صاحب الشركة المميز ضدها أو المفوض بالتوقيع عنها وتوقيعه سندات واوراق عنها لا يجعل المميز ضدها مسئولة عن الدين المبين بالكمبيالات موضوع الدعوى ما دام ان تلك الكمبيالات غير موقعة من النفوض بالتوقيع عنها ولا من أحد الشركاء فيها وما دام أن المحكمة حكمت بقيمة الكمبيالات على الشخص الذي وقعها….. “([7]).
ب- أن يكون التوقيع يدل على شخصية موقعه
فيجب ان يكون التوقيع سواء كان بالإمضاء او بالختم او البصمة واضح الدلالة على صاحبه وقاطع على ذلك وهو ما نصت عليه المادة \11 \1من قانون البينات الأردني على انه” 1- من احتج بسند عادي وكان لا يريد أن يعترف به وجب عليه ان يذكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط او توقيع او خاتم أو بصمة أصبع وإلا فهو حجة عليه بما فيه………… “
ولكن قد يحدث في بعض الأحيان أن يقر الموقع أن الختم على السند هو ختمه ولكن غير صادر عنه ففي هذه الحالة يحق له ان يدعي بالإنكار أولا ثم بالتزوير لإبطال السند العادي.
وفي ذلك قضت محكمة التمييز الأردنية في حكم لها بأن” مجرد اقرار صاحب الختم اثبات المطبوع على السند أن الخاتم خاتمة لا يعد قرينة على انه هو الذي ختمه بل يلزم المتمسك بالسند اثبات أن صاحب الختم هو الذي ختمه”([8]).
ج- أن يتم التوقيع بإرادة الموقّع ورضاه
فالأصل أن التوقيع على بياض يكون برضاء الموقع وبالتفاهم بين الطرفين فلولا الثقة بينهما ما كان هناك توقيع على بياض أو تسليم للورقة الموقعة على بياض.
فإذا كان هناك غش أو اكراه على التوقيع أو كان هناك عيب من عيوب الارادة فهنا قد فقد التوقيع على بياض أحد شروطه وبذلك فيكون توقيعا معيبا, وكذلك إذا كان تم الاستيلاء على الورقة الموقعة على بياض بطريق الغش أو الاستيلاء أي بغير التسليم الاختياري وهو ما قضت به محكمة النقض المصرية في حكم لها بأن” تغيير الحقيقة في السند العادي الموقع على بياض ممن استؤمن عليها يعتبر بمثابة خيانة الأمانة اما إذا كان تسليم الورقة له اختياريا فيعد تزويرا إذا حصل الاستيلاء على الورقة بغير التسليم الاختياري ولا يحوز اثبات التغيير في الحالة الأولى بغير الكتابة بينما يجوز اثباته بالبينة الشخصية في الحالة الثانية”([9]).
كتابة دكتور \ عبدالمنعم الشرقاوي
([1]) مساعد صالح نزال الشمرلي, دور السندات العادية في الاثبات” دراسة مقارنة بين القانونين الأردني والكويتي”, رسالة ماجستير , جامعة الشرق الأوسط,2012, ص59
([2]) حكم نقض مصري, طعن رقم\ 351لسنة22ق, جلسة 3\5\1956, مجموعة مكتب فني, ص572.
([3]) حكم نقض مدني مصري, طعن رقم \1214لسنة56ق.
([4])د. محمد عبداللطيف, قانون الاثبات في المزاد المدنية والتجارية, الأحكام العامة في الاثبات, الأدلة الكتابية, ط1, 2007, ص290.
([5]) د. محمد حسين منصور, قانون الاثبات, دار منشأة المعارف, ط6, 2009, ص125، كذلك انظر محامي في الأردن.
([6]) حكم نقض مصري, طعن رقم\ 227لسنة1967, جلسة 16\3\1967, الموسوعة الذهبية, ص159, بند 410.
([7]) حكم تمييز اردني رقم\ 635لسنة2002, جلسة 5\2\2002, منشورات مركز عدالة.كذلك انظر محامي في الأردن.
([8]) حكم تمييز حقوق اردني رقم\ 1086لسنة1998″هيئة خماسية”, جلسة3\3\1999, منشورات مركز عدالة.
([9]) نقض مدني مصري, طعن رقم \117لسنة 1978, جلسة 14\6\1978, الموسوعة الذهبية, بند412.

