الوفاء الاعتياضي

الوفاء الاعتياضي

الأصل أن المدين يلتزم بأن يوفي بعين الشيء الذي التزم به مع الدائن، ولا يكون للدائن أن يُلزم المدين بأن يفي بشيء خلاف ما تم الاتفاق عليه سواء أكان ذي قيمة أقل أو أكبر من الشيء المتفق على الوفاء به، إلا أن هناك بعض الأحيان التي يتعذر فيها على المدين أن يوفي بما تم الاتفاق عليه فيتفق مع الدائن على الوفاء بشيء أخر يعادل قيمة الدين أو يقل أو ينقص عنه ويوافق الأخير على ذلك، وفي هذه الحالة نكون بصدد وفاء بمقابل أو ما يطلق عله “الاعتياض”.

أولاً: تعريف الوفاء بمقابل:

ثانياً: أركان الوفاء الاعتياضي:

ثالثاً: الطبيعة القانونية للوفاء الاعتياضي:

رابعاً: أحكام الوفاء الاعتياضي:

خامساً: بعض اجتهادات محكمة التمييز المتعلقة بالوفاء الاعتياضي:

أولاً: تعريف الوفاء بمقابل:

يقوم الوفاء بمقابل على مفترض أساسي قوامه أن المدين يوفي بغير الشيء المتفق عليه أصلاً، وذلك كأن يستبدل المدين مبلغ من النقود بسيارة يوفي بها لدائن،[1] وذلك الافتراض لا يتصور تحققه إلا إذا قبله الدائن، ذلك أن الأصل أن المدين ملتزم بأن يوفي بعين ما التزم به ولا يُمكن أن يُجبر الدائن على قبول الوفاء بشيء لآخر غير ما تم الاتفاق عليه حتى ولو كان قيمة هذا الشيء تفوق قيمة محل التزام المدين.

ومن ثم يمكن أن يُعرف الوفاء بمقابل بأنه: الاتفاق بين الدائن والمدين على أن يقوم المدين بتقديم شيء أو حق آخر بدل محل الالتزام الأصلي وعوضاً عنه، ويكون ذلك مبرئاً لذمته،[2] وهذا التعريف يتفق مع ما أورده المشرع الأردني في صدد حديثه عن الوفاء بمقابل الوارد في (المادة 340) من القانون المدني الأردني والتي نصت على أن: (يجوز للدائن أن يقبل وفاء لدينه شيئا آخر أو حقا يؤديه المدين ويخضع الاتفاق على الاعتياض لشرائط العقد العامة).

إذن فجوهر الوفاء بمقابل هو أن يتم الاعتياض عن محل الالتزام بمحل آخر يقبله الدائن بعد عرض المدين له، حيث قد يكون محل الالتزام هو القيام بعمل أو امتناع عن عمل فيتفق الطرفان على أن يكون محل الالتزام بدلاً من ذلك قيام المدين بنقل ملكية شيء إلى الدائن ويترتب علي ذلك براءة ذمة المدين.

ولكن تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان محل الالتزام هو أن يقوم المدين بدفع مبلغ من النقود فلا يجوز له أن يستعيض عن ذلك بتقديم عمل إلى الدائن لأن تقديم العمل سيستغرق زمناً طويلاً، حيث سنكون في هذه الحالة بصدد تجديد للالتزام وليس وفاء بمقابل، ذلك أن الوفاء بمقابل أو ما يطلق عليه ” الاعتياض ” يجد جوهره في أن يكون الاتفاق عليه مصحوباً بتنفيذه الآني.[3]

ثانياً: أركان الوفاء الاعتياضي:

1- الاتفاق بين الدائن والمدين:

يتعين حتى يتم اللجوء إلى الوفاء الاعتياضي أن يوجد اتفاق بين الدائن والمدين على أن يتم اللجوء إلى الاعتياض عن محل الالتزام الأصلي بشيء أخر يكون مبرئاً لذمة المدين حال الوفاء به، وكأن الوفاء بمقابل في هذه الحالة يتم بموجب عقد جديد يبرم من خلال إيجاب يقترن مع قبول.

ومن ثم فإن الاتفاق على الوفاء بمقابل يلزم أن يتوافر فيه الأركان العامة الخاصة بالاتفاقات القانونية التي ترتب التزامات على عاتق أطرافها، حيث يجب أن يتوافر الأهلية القانونية في كل من الطرفين لحظة إبرام هذا الاتفاق، بحيث إذا كان أحدهما قد فقد أهليته إما لجنون أو عته أو غير ذلك فإن الاتفاق يقع في هذه الحالة تحت مغبة البطلان المطلق.

ويجب أن تكون إرادة كل من طرفي اتفاق الوفاء بمقابل سليمة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الإرادة، فإذا شابت إرادة أحد الطرفين أحد عيوب الإرادة من غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال فإن ذلك من شأنه أن يجعل لمن وقع في هذه العيب أن يُطالب ببطلان هذا الاتفاق مما يترتب عليه عودة الطرفان إلى الاتفاق الأصلي.

ولما كان الدائن في هذه الأحوال يستوفي في دينه محلاً ليس هو عين محل الدين فلابد إذن لهذا الوفاء بمقابل من اتفاق بين الدائن والمدين يكون لاحقاً لنشوء الدين، وفي الغالب يكون لاحقاً لميعاد استحقاقه.[4]

ولما كان الوفاء بمقابل يحمل معنى الاعتياض عن محل الالتزام الأصلي، فيجب إذن أن يتوافر في المحل الجديد شرطين وهما:

أ- ألا يكون محل الوفاء الاعتياضي داخلاً في نطاق الالتزام الأصلي، وإنما يجب أن يكون شيء جديد يستعاض به عن محل الالتزام الأصلي، مما يعني أن الالتزام البدلي أو التخييري لا ينطويا على وفاء بمقابل، ذلك أن المدين عندما يختار محل الالتزام في أي منهما إنما يختار محل داخل في نطاق التزامه الأصلي وليس اعتياضاً عن هذا المحل.

ب- أن يكون محل الالتزام في الوفاء بمقابل نقل ملكية، حيث لا يجوز أن يكون التزام بالقيام بعمل أو امتناع عن عمل، حيث أنه إذا تم الاتفاق على ذلك بين كل من الدائن والمدين لكنا بصدد تجديد للالتزام وليس وفاء بمقابل.

2- التنفيذ المعاصر للاتفاق:

حتى نكون بصدد وفاء بمقابل – أو وفاء اعتياضي – يجب أن يكون الاتفاق مصحوباً بالتنفيذ الفعلي للالتزام الجديد الذي تم الاتفاق عليه، فإذا كان الاتفاق على نقل مليكة شيء معين إلى الدائن بدلاً من محل الالتزام الأصلي فيتعين على المدين أن يقوم بالإجراءات اللازمة لنقل تلك الملكية إلى الدائن، سواء تعلق الأمر بتسجيل عقار أو إفراز مال مثلي أو غير ذلك من الإجراءات التي نص عليها المشرع والخاصة بكيفية نقل الملكية في عقود البيع، وذلك استناداً إلى ما ورد في (المادة 341/1) من القانون المدني الأردني والتي نصت على أن: (تسري أحكام البيع على الوفاء الاعتياضي إذا كان مقابل الوفاء عينا معينة عوضا عن الدين).

وهذا ما يميز الوفاء الاعتياضي عن تجديد الالتزام، فتجيد الالتزام ينطوي على إحلال التزام جديد محل التزام قدم، مما يترتب عليه انقضاء الالتزام القديم بقيام الالتزام الجديد، أما في الوفاء فيجب أن يكون قيام الالتزام الجديد مصحوباً بتنفيذه الفعلي، فإن تراخى هذا التنفيذ إلى وقت مستقبل لكنا بصدد تجديد للالتزام وليس وفاء بمقابل.

ثالثاً: الطبيعة القانونية للوفاء الاعتياضي:

يذهب الرأي الراجح في كل من الفقه المصري والفرنسي إلى أن الوفاء بمقابل يُعد بمثابة عمل مركب من تجديد ووفاء عن طريق نقل الملكية،[5] وذلك أن الوفاء بمقابل ينطوي على استبدال لأن الدين القديم يستبدل بالدين الجديد، حيث يحل الدين الجديد محل الدين القديم، ومن ثم يمكن القول أن هذا الاعتياض ليس إلا تجديداً يُتبع بالوفاء بالالتزام الجديد على الفور.[6]

رابعاً: أحكام الوفاء الاعتياضي:

تنص (المادة 341) من القانون المدني الأردني على أن: (تسري أحكام البيع على الوفاء الاعتياضي اذا كان مقابل الوفاء عينا معينة عوضا عن الدين، وتسري عليه أحكام الوفاء في قضاء الدين).

فيمكن القول إذن أن أحكام الوفاء بمقابل تُعد بمثابة انعكاس لطبيعته، وهذا ما جعل الأحكام التي تُطبق عليه تمثل مزيج من أحكام التجديد والبيع والوفاء،[7] ولما كان الوفاء بمقابل يسري عليه أحكام عقد البيع فإن ذلك يتطلب أن يكون المدين ذي أهلية تمكنه من إبرام عقد البيع، ومن ثم فلا يكفي أن يتوافر لديه أهلية الوفاء فقط وإلا كان الاتفاق الذي أبرمه مع الدائن بخصوص الوفاء الاعتياضي واقعاً تحت مغبة البطلان.

وأيضاً يترتب على أن أحكام عقد البيع تنطبق على الوفاء بمقابل فإن ذلك مؤداه أنه لو استحق المقابل في يد الدائن لمنحه ذلك الحق في الرجوع على المدين بمقتضى أحكام دعوى الاستحقاق، وهو بذلك يرجع على المدين بمحل الالتزام الجديد وليس بمحل الالتزام الأصلي، ذلك أن محل الالتزام الأصلي قد انقضى بالتجديد الذي طرأ عليه.

بالإضافة إلى أن انطباق أحكام عقد البيع على الوفاء الاعتياضي تعني أن المدين يكون ملزماً أمام الدائن بضمان العيوب الخفية لمحل الالتزام الجديد، حيث يكون للدائن أن يرجع عليه حال ظهور ثمة عيوب خفية في الشيء الذي أوفا به المدين كما يرجع المشتري على البائع في نطاق عقد البيع.

وهذا ما تقرره (المادة 264) من المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الأردني والتي نصت على أن: (ويترتب على الاعتياض إذا كان نقل الملكية بمقابل أن تسري عليه أحكام البيع ( مادة 341 من المشروع ) ومن ثم فإنه يشترط توافر أهلية التصرف في الموفي وتسري الأحكام المتعلقة بضمان الاستحقاق وضمان العيب في العوض، ويتبع ذلك انقضاء الدين وما يتبعه من ضمانات إن وجدت ولا يكون للدائن إلا حق الرجوع بدعوى الضمان ما لم يطلب الحكم بفسخ الاتفاق لعيب في العوض وعندئذ يعود الدين القديم إلى حالة).

ويترتب على سريان أحكام الوفاء على الوفاء بمقابل ما يلي:

1- زوال التأمينات التي كانت للمدين الأصلي، وهذه التأمينات لا تعود حتى ولو استحق محل الالتزام الجديد في يد الدائن، ذلك أن الوفاء الاعتياضي يترتب عليه انقضاء الدين الأصلي مما يعني زوال ما كان يضمنه من تأمينات وذلك عملاً (بالمادة 342) من القانون المدني الأردني والتي نصت على أن: (ينقضي الدين الأول مع ضماناته في الوفاء الاعتياضي وينتقل حق الدائن إلى العوض).

2- تتبع الأحكام المتعلقة بتعيين جهة الدفع فيما إذا كان في ذمة المدين للدائن عدة ديون من جنس واحد وقد دفع المدين مقابلاً للوفاء ببعضها دون البعض الأخر، فيكون له وقت الدفع أن يبين الدين الذي دفع مقابله، فإن لم يبين كان الدين المدفوع له المقابل هو الدين الحال، ثم الدين الأكثر كلفة على المدين، فإن تعادلت الديون في الحلول وفي الكلفة على المدين، كان للدائن أن يُعين الدين الذي استوفى مقابله.[8]

3- إذا اتضح أن المدين دفع مقابلاً لا وجود له فإنه يترتب على ذلك أنه يرجع على الدائن بموجب أحكام دفع غير المستحق.

4- يحق لدائني المدين استعمال الدعوى البوليصية في الطعن على الوفاء الاعتياضي باعتبار أنه وفاء، ومن ثم إذا قام المدين المعسر بالوفاء بدين غير مستحق لأحد الدائنين بمقتضى الوفاء بمقابل، وطعن أخرون بالدعوى البوليصية فإن هذا الوفاء لا يسري في مواجهتهم.

خامساً: بعض اجتهادات محكمة التمييز المتعلقة بالوفاء الاعتياضي:

ورد في حكم محكمة التمييز بصفتها الحقوقية رقم 281 لسنة 1987 ما يلي:

إذا نصت الاتفاقية الثانية المعقودة بين ذات الطرفين اللذين ابرما الاتفاقية الأولى على إلغاء الاتفاقية الأولى كما تضمنت الاتفاقية الثانية حقوقا والتزامات جديدة بديله عن الحقوق والالتزامات التي تضمنتها الاتفاقية السابقة فلا يعود للمدعي أي حق بالمطالبة بأي مبلغ ذكر في الاتفاقية الملقاة لان دفعه المدعي في العقد الأول قد استبدل بالالتزامات الواردة في الاتفاقية البديلة على سبيل الوفاء الاعتياضي وفق أحكام المادة 340 من القانون المدني التي تنص على (يجوز للدائن أن يقبل وفاء لدينه شيئا أخر أو حقا يؤديه المدين ويخضع الاتفاق على الاعتياض لشرائط العقد العامة) .

إعداد/ أحمد منصور.

[1] أنظر محمد محيي الدين إبراهيم، أحكام الاعتياض “كسبب من أسباب انقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء” دراسة مقارنة، 1995، جامعة المنوفية – كلية الحقوق، ص 671.

[2] إبراهيم الصرايرة، الوفاء بمقابل وأثره في براءة ذمة المدين وفقاً للقانون الأردني، 2014، الجامعة الأردنية – عمادة البحث العلمي، ص 631.

[3] أنظر الأستاذ الدكتور/ محمد حسين منصور، الوجيز في أحكا الالتزام والإثبات، ص 281.

[4] الأستاذ الدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثالث، دار إحياء التراث العربي، ص 799.

[5] أنظر في ذلك، الأستاذ الدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثالث، دار إحياء التراث العربي، ص 805، و الأستاذ الدكتور/ محمد حسين منصور، الوجيز في أحكا الالتزام والإثبات، ص 282، 283، والأستاذ الدكتور/ نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للالتزام، 2020، دار الجامعة الجديدة، ص 373.

[6] أنظر الأستاذ الدكتور/ عصام أنور سليم، أحكام الالتزام والإثبات، 2014، دار الجامعة الجديدة، ص 393.

[7] أنظر الأستاذ الدكتور/ نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للالتزام، 2020، دار الجامعة الجديدة، ص 373.

[8] الأستاذ الدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثالث، دار إحياء التراث العربي، ص 811.

error: Alert: Content is protected !!