جريمة الاعتداء على مشاريع سلطة المياه
يُمثل شح المياه في المملكة الأردنية -نظرًا لشح مصادرها والطلب المتزايد عليها- تحديًا خطيرًا يؤثر على جميع القطاعات. حيث تُعد المملكة الأردنية ثاني أفقر البلدان في العالم مائيًا. وهي تعاني الآن من شبح نُقصان المياه بشكل غير مسبوق إذ تراجع هطول الأمطار في الموسم الماضي (60%) عن معدله الطبيعي؛ مما انعكس على تخزين المياه في السدود التي لم تستطع تخزين أكثر من (20%) من طاقتها الاستيعابية الكاملة. فيما تم الإعلان عن جفاف بعض من السدود كسد الوالة قبل أقل من شهر، وهو السد الذي كان يحتوي سنويًا على ما يزيد عن (10) ملايين متر مكعب من المياه. وقد تسبب جفاف سد الوالة بخسائر تقدر بملايين للمزارعين، وأيضًا للعاملين في الثروة السمكية. وقد جرى الحديث عن نفوق أكثر من مليوني سمكة كانت موجودة في سد الوالة. ونظرًا للمخاطر العديدة التي تواجها المملكة فيما يخص نقص المياه بشكل ملحوظ؛ فكان لا بد من تدخل المشرع الأردني من أجل الحفاظ على كل قطرة ماء، وسنُتناول في هذا المقال جريمة الاعتداء على مشاريع سلطة المياه من خلال العناصر الرئيسية الآتية:
ثانيًا: أثر الاعتداء على المياه في المملكة الأردنية
رابعًا: الأفعال التي تمثل اعتداءً على مشاريع سلطة المياه
خامسًا: العقوبات المقررة للأفعال التي تمثل اعتداءً على مشاريع سلطة المياه
خامسًا: الجهود الأردنية المبذولة لمواجهة الاعتداء على مشاريع سلطة المياه
سادسًا: السوابق القضائية الخاصة بجرائم الاعتداء على مشاريع سلطة المياه
ونُقدم شرح تفصيلي لكل عنصر من العناصر الآتية فيما يلي:
أولًا: أهمية الماء للمجتمع
يقول المولى تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ“([1]). ولعل أن هذه الآية قد اختصرت أهمية المياه فعليًّا، إذ إن “الماء هو أساس الحياة على وجه الأرض، وهو عصب الحياة لجميع الكائنات الحية بلا استثناء، ودونه لا تكون هناك حياة لا لإنسانٍ ولا لحيوانٍ ولا لنباتٍ، حتى إن جسم الإنسان يتكون من (70%) من وزنه بالماء، وهذا دليل قاطع على أهميته”([2]).
فالماء منحة ربانية، واجبنا الحفاظ عليها لنا وللأجيال القادمة. ولا تقتصر أهمية الماء بحاجتنا للشرب فقط. “فنحن نحتاج إلى الماء للنظافة الشخصية والنظافة العامة، وللغسيل والطهي وتنظيف الأواني، وهو مصدر مهم للحصول على مصدر غذائي مفيد جدًا ألا وهو المأكولات البحرية. وعلى صعيد آخر، نحتاج الماء لتوليد وإنتاج الطاقة الكهربائية، كما يُستخدم أيضًا لأغراض الملاحة البحرية والنهرية، حيث يتم تسيير السفن والبواخر والقوارب في ماء المحيطات والبحار والأنهار”([3]).
ثانيًا: أثر الاعتداء على المياه في المملكة الأردنية
أصبحت المملكة الأردنية تُعاني من نقص حاد في مواردها المائية، بل ووصل الأمر إلى حد أنها تُعد في مصاف البلدان الأفقر في مصادر المياه في العالم وهي الآن ثاني أفقر بلدان العالم من حيث توافر المياه لديها.
“وقد ترتب على ذلك بروز هذه المشكلة كأولوية على الصعيد السياسي والأمني لهذه الدولة، ولقد أصبحت مشكلة المياه في الأردن مصدرًا من مصادر التهديد لها، وترتبط هذه المشكلة مع مشاكل أخرى موجودة في المنطقة مثل مشاكل الحدود والتوسع، وتزايد أعداد السكان، كما أن نقص المياه في المملكة له أهمية كبرى خاصة في المناطق التي تتزايد سكانيًا وتنمو حضاريًا، وتعتبر الموارد المائية من الموارد الطبيعية التي تدخل في جميع العمليات الإنتاجية، الأمر الذي يؤكد أهمية الموارد المائية لأي مجتمع من المجتمعات سواء كان المجتمع متقدمًا أو متخلفًا”([4])؛ ولذلك تعتبر كفاية المياه من حيث الكم والكيف والتصدي لأي اعتداءات من شأنها المساس بنقطة المياه من القضايا الرئيسية التي تشغل اهتمام المشرع الأردني في الوقت الحالي.
ثالثًا: التعريف بسلطة المياه
تأسست سلطة المياه عام 1983م وفقًا لقانون سلطة المياه المؤقت رقم (34) لعام 1983م؛ لتكون مؤسسةً مستقلةً ماليًا وإداريًا باسم سلطة المياه، وكانت ترتبط مباشرةً برئيس الوزراء. وكانت السمة الرئيسة المميزة لهذا القانون هي أن سلطة المياه تتحمل مسؤولية الهيئات المسؤولة عن المياه والمياه العادمة. ووفقًا للمادة (23) من القانون المذكور، تتحمل سلطة المياه مسؤولية توفير المياه للعامة. كما تنص على تحمل السلطة مسؤولية التخطيط العام للموارد المائية ومراقبتها، وانتقلت جميع المسؤوليات التي كانت تقوم بها الدوائر السابقة إلى السلطة الجديدة.
ثم حلَّ قانون سلطة المياه رقم (18) لعام 1988م -وهو قانون دائم- محل القانون المذكور. ووفقًا للمادة (3) منه، أُنشئت سلطة المياه الأردنية لتكون مؤسسة مستقلة ماديًا وإداريًا ترتبط بوزير المياه والرّي. وتتحمل سلطة المياه الأردنية المسؤولية الكاملة المتعلقة بتوفير المياه للجمهور، إضافة إلى خدمات الصرف الصحّي والمشاريع المتعلقة بها، وتخطيط الموارد المائية، ومراقبتها، وإنشائها، وعملياتها، وصيانتها. ويبين هذا القانون مسؤوليات سلطة المياه الأردنية وهي باختصار كما يلي:
- الدراسة المسحية لجميع ومختلف المصادر المائية، والحفاظ عليها مع تحديد الطرق، والوسائل، والأولويات اللازمة لتنفيذها واستخدامها. تطوير المصادر المائية المحتملة في المملكة والعمل على زيادة طاقتها وتحسين نوعية المياه فيها، مع حمايتها من التلوّث، والإشراف عليها وإدارة شؤونها. وكذلك وضع البرامج والخطط اللازمة لتلبية الاحتياجات المستقبلية من المصادر المائية من داخل وخارج المملكة من خلال اتباع وسائل معالجة المياه العادمة وتحلية المياه المالحة.
- تنظيم إنشاء الآبار العامة والخاصة وتقديم المشورة بشأنها، والبحث عن مصادر المياه الجوفية، وإجراء عمليات الحفر الاستكشافية، واستكشاف الآبار المنتجة إضافة على ترخيص حفّارات الآبار والحفّارين
- دراسة، وتصميم، وإنشاء، وتشغيل، وصيانة، وإدارة مشاريع المياه والصرف الصحّي العامة بما فيها عمليات جمع، وتنقية، وتصريف المياه إضافة إلى الطرق الأخرى المتبعة في التعامل مع موضوع المياه.
- وضع الشروط، والمواصفات، والشروط الخاصة المتعلقة بالحفاظ على المياه وأحواض المياه، وحمايتها من التلوّث، مع التأكيد على سلامة المياه والهياكل الخاصة بالصرف الصحي، وشبكات التوزيع والتصريف العام والخاص مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان الرقابة الفنية والإشراف على المياه بما في ذلك إجراء عمليات الفحص اللازمة لها.
- إجراء البحوث والدراسات النظرية والتطبيقية الخاصة بالمياه ونظام الصرف الصحي العام وذلك لتحقيق أهداف السلطة بما فيها إعداد مقاييس المياه المعتمدة لمختلف الاستعمالات، والمواصفات الفنية المتعلقة بالمواد والإنشاءات وذلك بهدف تطبيق النتائج على مشاريع السلطة بالتنسيق مع الدوائر الأخرى المعنية؛ وكذلك، دراسة النتائج والمقاييس النهائية ليتم تعميم تطبيقها بكل الوسائل المتاحة للسلطة.
- إصدار الأذونات اللازمة للمهندسين والممارسين المرخّصين في هذا المجال لإنجاز الأشغال العامة للمياه والصرف الصحي مع المشاركة في دورات التدريب الخاصة بتأهيلهم من أجل تحسين مستوى هذه الأشغال ولتخفيض الخسائر المائية والتلوّث. ويطلب إلى جميع أولئك الذين لهم علاقة بأشغال المياه والصرف الصحّي تعديل ممارساتهم لتتوافق مع تنظيم استخدامات المياه، ومنع هدرها، وترشيد استهلاكها.
ويعمل على تنفيذ الوظائف المذكورة (70) إدارة ومديرية تعمل بتوجيه من الأمين العام ومساعديه (الشؤون الفنية، إنتاج ونقل المياه، الشؤون الإدارية، شؤون اللوازم والأصول، شؤون المختبرات والنوعية وشؤون مياه المحافظات) ومدراء الإدارات (الزرقاء، البلقاء، الكرك، معان، الطفيلة).
ويتّسم الهيكل التنظيمي لسلطة المياه بالمركزية المشددة. وتعتمد الفروع الإقليمية في المحافظات اعتمادًا تامًّا على إدارة السلطة فيما يتعلق بإدارة الموارد البشرية، وخدمات الورش، والفوترة.
رابعًا: الأفعال التي تمثل اعتداءً على مشاريع سلطة المياه
يردد الكثيرون مقولة أن الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار. فالماء يتأتى من عند المولى عز وجل؛ ولذلك فإن استعماله لا يشكل جريمة على أساس أن الأصل في الأشياء الإباحة. فيتخذ العديد من البشر هذه المقولة ذريعة لتبرير سرقة المياه مُغفلين أن ما دخل في حيازة أو ممتلكات الغير لا يدخل ضمن المقصود بهذه المقولة، فيجب على الإنسان الاقتصاد عند استخدامه المياه، وعدم الاعتداء على حقوق الغير. ومن ثمَّ لا يمكن القبول بإطلاق القول بعدم إجازة أن يترتب على استعمال المياه بأي شكل عقوبة. إذ تُنفق المملكة مبالغ طائلة على عملية جمع المياه أو نقلها أو استخراجها ثم تنقيتها وتوزيعها؛ لذا لا يمكن اعتبار إساءة استعمال المياه بأي شكل من المباحات.
وتتعدد صور الأفعال التي تُمثل اعتداءً على مشاريع سلطة المياه، ولعل أبرز هذه الاعتداءات ما يلي:
- الاعتداء على أي من مشاريع السلطة أو مصادر المياه أو الصرف الصحي التي تقع تحت أدارة أو إشراف السلطة وأدى إلى إلحاق التلف بأي من الإنشاءات، أو الآليات، أو الأجهزة، أو المواد التابعة للسلطة ،أو لتلك المشارع ،أو المصادر، أو الصرف الصحي أو أدى إلى تعطيل أي منها.
- إحداث التلوث في أي مصدر من مصادر المياه التي تقع تحت إدارة وإشراف السلطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو التسبب في وقوعه وعدم إزالته خلال المدة التي تحددها السلطة.
- حفر الآبار الجوفية بدون ترخيص لسرقة المياه الجوفية.
- بيع المياه، أو هبتها، أو نقلها، أو استعمالها، أو استغلالها، أو الإقدام على أي عمل أو تصرف يلحق الضرر بتلك المصادر أو المياه أو المشاريع الخاصة بها بصورة تخالف أحكام القانون.
خامسًا: العقوبات المقررة للأفعال التي تمثل اعتداءً على مشاريع سلطة المياه
وأدرجت جرائم الاعتداء على مشاريع سلطة المياه في العديد من القوانين في المملكة الأردنية الهاشمية نذكر منها: قانون سلطة المياه وقانون الجرائم الاقتصادية، وقانون العقوبات الأردني.
1. بالنسبة إلى قانون السلطة المائية
فنصت المادة (30) من قانون سلطة المياه على أن: “أ. يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنة أشهر ولا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أو بكلتا العقوبتين كل من ارتكب أيًا من الأفعال التالية:
- إقامة أي إنشاءات أو أبنية مهما كان نوعها على أراضي الدولة ضمن الحزام المنصوص عليه في المادة (24)([5]) من هذا قانون.
- الاعتداء على أي من مشاريع السلطة أو مصادر المياه أو الصرف الصحي التي تقع تحت أدارة أو إشراف السلطة وأدى إلى إلحاق التلف بأي من الإنشاءات، أو الآليات، أو الأجهزة، أو المواد التابعة للسلطة ،أو لتلك المشارع ،أو المصادر، أو الصرف الصحي أو أدى إلى تعطيل أي منها.
- إحداث التلوث في أي مصدر من مصادر المياه التي تقع تحت إدارة وإشراف السلطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو التسبب في وقوعه وعدم إزالته خلال المدة التي تحددها السلطة.
- القيام بحفر الآبار الجوفية بدون ترخيص أو خالف شروط الرخصة الممنوحة له.
ب. يُعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على ألاف دينار كل من ارتكب أيًا من الأفعال التالية:
- القيام بأي عمل أو تصرف على أراضي الدولة ضمن الحزام الأرضي المنصوص عليه في المادة (24) من هذا القانون دون موافقة السلطة الخطية المسبقة ولو لم يكن من شأن ذلك العمل أو التصرف إلحاق الضرر بأي من مصادر المياه والصرف الصحي بالسلطة.
- القيام بأي من الأعمال والمهام التي لا يجوز لغير السلطة القيام بها بمقتضى هذا القانون دون موافقتها الخطية المسبقة.
- التصرف بمصادر المياه أو بالمياه أو بالمشاريع الخاصة بها أو بالصرف الصحي بصورة تخالف أحكام هذا القانون أو الأنظمة الصادرة بمقتضاه بما في ذلك بيع المياه، أو هبتها، أو نقلها، أو استعمالها، أو استغلالها، أو الإقدام على أي عمل أو تصرف يلحق الضرر بتلك المصادر أو المياه أو المشاريع الخاصة بها أو استعمال الصرف الصحي بصورة تخالف أحكام هذا القانون.
- القيام بأي عمل يتعلق بالمياه أو الصرف الصحي دون الحصول على الرخص أو التصاريح أو الموافقة التي يتطلب هذا القانون أو القيام بأي من هذه الأعمال خلافًا لأحكام الأنظمة الصادرة بمقتضاه.
ج. يعاقب على الشروع في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة”. ويتبين أن المشرع قد شمل كافة صور الاعتداء بعقوبات رادعة، بل إنه ونظرًا لخطورة الأمر وأهميته قد قرر عقوبة على مجرد الشروع في ارتكاب أي من صور الاعتداء المنصوص عليها.
ولم يقف المشرع الأردني على حد تجريم صور الاعتداء على سلطة المياه، بل إنه تنبه إلى جزئية هامة جدًا ألا وهي إلزام من ثبتت إدانته بالتعويض عن الأضرار التي نجمت عن فعله، وإلزامه بإزالة اعتدائه على نفقته، وهذا وفقًا لما وورد في الفقرة (ح) من المادة المذكورة سلفًا، بما نصها: “ح. إذا أُدين أي شخص بارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها في الفقرتين (أ) و(ب) من هذه المادة فيترتب على المحكمة أن تحكم عليه في الوقت نفسه بقيمة الأضرار التي نتجت عن الجريمة وإلزامه بإزالة أسباب الجريمة وآثارها وإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل ارتكابها وذلك خلال المدة التي تحددها له وإذا تخلف عن ذلك فللسلطة أن تقوم بتلك الأعمال والرجوع على المحكوم عليه بجميع نفقاتها مضافًا إليها (50%) من هذه النفقات”.
2. أما فيما يخص ما ورد في قانون الجرائم الاقتصادية
فقد نصت المادة (3) من ذات القانون سالف الذكر على أن “ب. تعتبر الجرائم المنصوص عليها في المواد المبينة أدناه من قانون العقوبات إذا كانت تتعلق بالأموال العامة جرائم اقتصادية وتطبيق عليها العقوبات المنصوص عليها في ذلك القانون: 3. جرائم تخريب إنشاءات المياه العمومية خلافًا لأحكام المادة (456)”، وبهذا يكون المشرع الأردني قد اعتبر جرائم تخريب إنشاءات المياه العمومية جريمةً اقتصاديةً متى تعلقت بأموال عامة وقضى بتطبيق العقوبة المقررة لها في قانون الجرائم الاقتصادية.
ويتبين مدى خطورة جريمة التعدي على إنشاءات المياه العمومية فيما نصت عليه الفقرة (ج) من المادة الرابعة من قانون الجرائم الاقتصادية بما نصها: “ج. لا يجوز للمحكمة استعمال الأسباب المخففة لتنزيل العقوبة عن الحد الأدنى المقرر لأي من الجرائم المنصوص عليها في المادة (3) من هذا القانون، كما لا يجوز لها دمج العقوبات المقررة لها إذا تعددت الجرائم التي أُدين بها أي شخص بمقتضى أحكام هذا القانون”، فلم يسمح المشرع في مثل هذا النوع من الجرائم بتخفيف العقوبة عن الجاني أيًّا كانت الأسباب التي تدفع لذلك التخفيف، كما أن المشرع منع دمج العقوبات المقررة عند وقوع أكثر من صورة من صور الاعتداء المذكورة من شخص واحد.
وما يزيد الأمر إثارة، ما ورد في الفقرة (د) من المادة الرابعة من القانون ذاته، إذ نصت على: “د. يعاقب المحرض والمتدخل بعقوبة الفاعل الأصلي”، ويظهر جليًّا من هذه الفقرة مدى تشديد المشرع الأردني في العقوبات المتعلقة بالمساس بإنشاءات المياه العمومية.
3. بالنسبة إلى قانون العقوبات
وفي قانون العقوبات تم النص على جرائم الاعتداء على مشاريع سلطة المياه في الفصل السابع من قانون العقوبات الأردني الموسوم ب “الجرائم المتعلقة بنظام المياه”. والملاحظ أن المشرع الأردني قد نوع الجزاءات بحسب خطورة الجرم المرتكب.
فنصت (المادة 456) من القانون سالف الذكر على أن: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسة وعشرين دينارًا أو بإحدى هاتين العقوبتين من أقدم بدون إذن:
- على القيام بأعمال التنقيب عن المياه الكائنة تحت الأرض أو المتفجرة أو على حصرها ما لم يكن المقصود حفر آبار غير متفجرة في الأملاك الخاصة.
- على إجراء حفريات تبعد عن حد ضفاف مجاري المياه ومعابرها وأقنية الري والتجفيف والتصريف مسافة أقل من عمق هذه الحفريات وفي كل حال أقل من ثلاثة أمتار.
- على نزع حجارة، أو تراب، أو رمل، أو أشجار، أو شجيرات، أو أعشاب من تلك الضفاف أو من أحواض مجاري المياه المؤقتة أو الدائمة أو من البحيرات، والمستنقعات، والبرك، والغدران.
- على التعدي بأي شكل كان على ضفاف الينابيع ومجاري المياه المؤقتة والدائمة والمستنقعات والبحيرات والبرك والغدران أو على حدود ممرات أقنية الري والتصريف أو معابر المياه أو قساطلها المصرح بإنشائها للمنفعة العامة.
- على منع جري المياه العمومية جريًا حرًا.
- على القيام بأي عمل دائم أو مؤقت من شأنه التأثير على كمية المياه العمومية وجريها”، وبهذا تكون المادة (455) قد تصدت للأفعال التي من شأنها أن تمثل تنقيبًا عن المياه وقررت لجميعها عقوبة واحدة تمثلت في الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسة وعشرين دينارًا أو بإحدى هاتين العقوبتين.
أما المادة (456) من القانون ذاته فقد نصت على أن: “1. يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين دينارًا ولا تزيد على مائتي دينار كل من هدم، أو قلب، أو خرب كل ،أو بعض الإنشاءات المشيدة للانتفاع بالمياه العمومية ولحفظها أو في سبيل الاحتماء من طغيان هذه المياه وخصوصًا الجسور والسدود والمعابر وأقنية الري والتجفيف أو التصريف وقساطل المياه الظاهرة أو المطمورة سواء أكان قد منح بالمياه امتياز أم لا.
- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على خمسمائة دينار كل من اعتدى على الشبكة الرئيسية للمياه أو الوصلة المنزلية بالتخريب أو بالحصول على المياه بطريق غير مشروع أو بالعبث بعداد قياس كمية المياه المستهلكة، ولغايات هذه الفقرة:
أ- يقصد بالشبكة الرئيسية للمياه أنابيب نقل المياه وتوزيعها في الشوارع والطرق لغايات إيصالها للمشتركين.
ب- ويقصد بالوصلة المنزلية الأنبوب المتفرع من الشبكة الرئيسية للمياه وينتهي عند العداد في عقار المشترك.
- حالة تكرار الجريمة المشار إليها في الفقرة (2) من هذه المادة تكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن أربعة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن مائتي دينار ولا تزيد على ألف دينار”. وبهذا تكون المادة المذكورة قد ميزت بين ما يعد من قبيل أعمال الهدم وما يعد من قبيل أعمال التخريب، وقد سن المشرع الأردني لأعمال التخريب عقوبة أشد من العقوبة المقررة لأعمال الهدم.
ولكن يؤخذ على المشرع فيما نصت عليه المادة المشار إليه سابقًا أن العقوبات يسيرة جدًا ولا تتناسب البتة مع خطورة الجريمة المرتكبة لا سيما في ظل الوضع الحالي التي تُعاني منه المملكة من ندرة المياه؛ وهو ما كان يتعين معه تشديد العقوبات عن القدر المنصوص عليه.
وقد تصدت (المادة 457) من قانون العقوبات على الأفعال التي من شأنها تلويث المياه العمومية وقررت عقوبة واحدة لجميعها، فنصت على أن: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على عشرين دينار كل من:
- سيل في المياه العمومية الممنوح بها امتياز أم لا، أو سكب أو رمى فيها سوائل، أو مواد ضارة بالصحة ،أو الراحة العامة ،أو مانعة من حسن الانتفاع بهذه المياه.
- ألقى أسمدةً حيوانية أو وضع أقذارًا في الأراضي الداخلة ضمن النطاق الذي حددته السلطة لحماية نبع تنتفع منه العامة.
- أجرى أي عمل من شأنه تلويث النبع أو المياه التي يشرب منها الغير”
أما (المادة 458) فقد تصدت أيضًا للأفعال التي من شأنها تلويث المياه، ولكن ما يميز هذه المادة عن سابقتها وجوب أن تكون المياه الملوثة مصدرًا يشرب منه الغير على أن: “1. يعاقب بالأشغال مدة لا تقل عن سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار كل من أقدم على تلويث نبع أو مياه أو بئر يشرب منه الغير.
- لا يجوز بأي حال من الأحوال استعمال الأسباب المخففة التقديرية مهما كان نوعها أو وقف تنفيذ العقوبة.
- للمحكمة أن تأخذ بالوقائع الواردة في المضبوطات والتقارير التي ينظمها موظفو الجهات المختصة المسؤولة عن المياه فيما يتعلق بالأفعال المنصوص عليها في هذه المادة وفي المواد (455) و(456) و (457) من هذا القانون”، وما نصت عليه المادة المذكورة يتوافق مع ما أشرنا إليه سابقًا من وجوب تشديد العقوبات في حق كل من يتعدى على مصادر المياه أو الإنشاءات المقامة من أجل الحفاظ على المياه، وكان على المشرع أن يتخذ النهج ذاته في جميع العقوبات المنصوص عليها فيما يخص جرائم التعدي على سلطة المياه.
خامسًا: الجهود الأردنية المبذولة لمواجهة الاعتداء على مشاريع سلطة المياه
تؤكد وزارة المياه والري أن برنامج مكافحة الاعتداءات وضبطها في جميع مناطق المملكة مستمر على قدم وساق، وأن هذه الاعتداءات قد تراجعت بالفعل مؤخرًا نتيجة الجهود التي تتظافر فيها مختلف مؤسسات الدولة والمواطنين الشرفاء الذين همهم الوطن ومياهه وأسهمت بإنجاحها.
كما تؤكد الوزارة على أن أبوابها مفتوحة على مدار اليوم؛ لأية معلومات عن أي اعتداءات، وهي مستعدة للتعامل الفوري والسريع مع ذلك بحزم لحماية وصون كل خطوط وشبكات المياه بما يضمن المحافظة على حقوق المواطنين المائية.
كما أن الوزارة لا تتراخى بأي حال من متابعة أي اعتداء، فالساكت عن الحق ظالم لنفسه ووطنه وأمتع، ووزارة المياه والري لا تكل ولا تمل من متابعة وملاحقة كل عابث بدعم من مختلف الأجهزة الأمنية. وأن سرية المعلومات المقدمة وهوية المبلغ مضمونة بالكامل ومركز الشكاوى الموحد ينصت بكل أمانة لأي شخص يوفر معلومة صادقة، وأنها تُتابع من قِبَل أعلى المستويات في قطاع المياه بالدولة.
سادسًا: السوابق القضائية الخاصة بجرائم الاعتداء على مشاريع سلطة المياه
لقد ورد في الحكم رقم 875 لسنة 2021م الصادر من محكمة التمييز بصفتها الجزائية بتاريخ 26 / 5 /2021م بما نصه: “إنه وبتاريخ… وأثناء قيام الموظفين من شركة مياهنا وقوات الدرك وبحث جنائي الجيزة بحملة أمنية ضمن منطقة الاختصاص حيث تبين أن المشتكى عليهما… قاما بالاعتداء على الخط الرئيس قُطر(6) إنش وكانا يقومان بشبك خط (2) إنش على ذلك الخط والذي يؤدي إلى مزرعة المتهم …….. الكائنة في… دون علم المشتكية ودون موافقة سلطة المياه لتزويد المزرعة والاستيلاء على المياه بشكل غير مشروع مما أدى إلى فصل المياه عن منازل المواطنين وتبين بأن الخط المعتدى عليه موجود في مجرى واد وضمن عبارة، وإن فتحه وتركيبه والاعتداء عليه يعرضه للتلوث وقد ترتب على ذلك الفعل المرتكب من جانب المشتكى عليهما كأثمان مقدرة للمياه التي تم الاستيلاء عليها بطرق غير مشروعة ما مقداره (3844) دينارًا و(800) فلس ونفقات إعادة الحال إلى ما كان عليه حيث بلغت قيمة المطالبة الإجمالية (4143) دينارًا و(612) فلسًا وقدمت الشكوى وجرت الملاحقة.
لهذا وتأسيسًا على ما تقدم وعملًا بأحكام المادة (177) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إدانة المشتكى عليهما… بجنحة الاعتداء على خطوط المياه الناقلة والرئيسة بالاشتراك وفقاً لأحكام المادة (30/أ/1) من قانون سلطة المياه وبدلالة المواد (2 و3 و4) من قانون الجرائم الاقتصادية والحكم عليهما بالحبس لمدة سنة واحدة والرسوم والغرامة خمسة آلاف دينار والرسوم محسوبة لكل واحد منهما مدة التوقيف وعملًا بأحكام المادة (30/ط/2) من القانون ذاته تضمين الظنينين مصطفى وإبراهيم قيمة الأضرار الناشئة والبالغة (4143) دينارًا و(612) فلسًا”.
لقد ورد في الحكم رقم (2878) لسنة 2018م الصادر من محكمة التمييز بصفتها الجزائية بتاريخ 14/ 10/ 2018م بما نصه: “وبنتيجة المحاكمة الجارية لدى محكمة صلح جزاء سحاب بعد استكمال إجراءات التقاضي أصدرت المحكمة قرارها رقم… بتاريخ… الذي يتضمن إدانة المشتكى عليه بجرم التصرف بالمياه بطريقة غير مشروعة بحدود المادة 30/د/1 من قانون سلطة المياه رقم 18 لسنة 1988 وتعديلاته والحكم عليه بالحبس مدة أربعة أشهر والرسوم والغرامة ألف دينار والرسوم وتضمينه أثمان المياه المستعملة والنفقات مبلغ (1551) دينارًا و350 فلسًا وإزالة الجريمة.
وبالرجوع إلى القرار محل الطعن نجد أن محكمة الموضوع قد تحصلت واقعة الدعوى الثابتة وأوردت مقتطفات من البينات المقدمة من النيابة العامة للتدليل على ثبوت الواقعة التي اعتنقتها ومن ثم استعرضت النصوص القانونية واجبة التطبيق وأنزلتها على الواقعة الثابتة ووجدت أن ما قام به المشتكى عليه من أفعال قد استجمعت أركان وعناصر التهمة المسندة وقد اشتمل قرارها على كافة الشروط الواجب توافرها فيه وليس فيه أية مخالفة للقانون الأمر الذي يترتب عليه رد الطلب مدار البحث. لهذا وتأسيسًا على ما تقدم قررت المحكمة رد الطعن التمييزي وإعادة الأوراق إلى مصدرها”.
كما جاء في الحكم رقم (1496) لسنة 2020م محكمة التمييز بصفتها الجزائية: “وفي ضوء ما تقدم قررت المحكمة وعملًا بأحكام (المادة 177) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إدانة الظنين بجرم الاعتداء على شبكات المياه بطريقة غير مشروعة والمتمثلة بالاعتداء بسحب خط من الخط الرئيسي خلافًا لأحكام (المادة 30/أ/1) من قانون سلطة المياه (والمادتين 2/ب/3 و3/ب/3) من قانون الجرائم الاقتصادية والحكم عليه بالحبس لمدة سنة واحدة والرسوم والغرامة (2000) دينار والرسوم، وإلزامه بقيمة الأضرار البالغة (37,243) دينارًا و850 فلسًا.
وحيث إن أسباب الطعن في حقيقتها ومضمونها ما هي إلا طعن في صلاحية محكمة الموضوع بتقدير البينة ووزنها …، فإن القرار محل الطعن لا يخالف القانون ولا يوجد في القضية إجراء مخالف للقانون مما يستوجب رد أسباب الطلب؛ لذا نقرر رد الطلب وإعادة الأوراق إلى مصدرها”.
إعداد/ محمد محمود
([2]) أ.د. أشرف محمد عبد الرحمن مؤنس، “الماء في القرآن الكريم”، (ص23).
([4]) شادي فرحان عكروش، الرقابة على استعمالات المياه بموجب قانون سلطة المياه في الأردن، (ص14).
([5]) تنص المادة (24) من قانون سلطة المياه على أن: “تعتبر أراضي الدولة الواقعة ضمن حزام عرضه ألف متر على كل جانب من منتصف خطوط المياه وقنوات الري الرئيسية مخصصة لتطوير مشاريع الري الحكومية اجتماعيًا واقتصاديًا، ولا يجوز التصرف بهذه الأراضي أو استعمالها بأي صورة من الصور إلا بموافقة مجلس الوزراء بعد الاستئناس برأي المجلس”.