التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

يعتبر التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية من أكثر الالتزامات ضرورة وأهمية والتي يجب على الطبيب تطبيقها، خاصة مع ما يترتب على الإخلال بهذا الالتزام من أضرار سواء على الطبيب نفسه، من حيث تقرير المسئولية المدنية في مواجهته، أو الضرر الذي يلحق بالمريض والذي كان من المكن استبعاد وقوعه في حالة إعلام ه من قبل الطبيب إذ كان بإمكانه رفض العلاج، وكذلك الضرر الذي يلحق بالمنظومة الطبية جميعها نتيجة فقدان ثقة الأفراد فيها لغياب الشفافية، ومن هذا المنطلق سوف نتحدث خلال هذا المقال حول نطاق التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية وحدود هذا الالتزام من حيث مفهوم هذا الالتزام وأهميته والآثار المترتبة على الإخلال به على التفصيل الاتي :

أولا: مفهوم التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

ثانيا: الأساس القانوني التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

ثالثا: الصفات الواجب توافرها في إعلام المريض بالمخاطر الطبية

رابعا: أهمية التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

خامسا: نطاق التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

سادسا: القيود الواردة على نطاق التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

سابعا: الأثر المترتب على خرق الطبيب لنطاق التزامه بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

ثامنا: الخاتمة

 

 

 

أولا: مفهوم التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

–  شاع في الفقه القانوني إطلاق مسمى الالتزام بالتبصير ليدل على التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية المتوقعة، وقد عرف الفقه القانوني هذا الالتزام بعدة تعريفات منها:

  • يعرف هذا الالتزام بأنه: (ما يجب على الطبيب من التزام بإمداد المريض ببعض المعلومات عن موقفه الصحي بشكل معقول وأمين يتيح للمريض الوقوف على حالته الصحية ويمكنه من اتخاذ القرار بقبول أو رفض العلاج المقترح سواء كان علاجا عاديا أو عن طريق الجراحة).   [1]
  • وعرفه البعض بأنه: (قيام الطبيب بإفشاء بعض المعلومات الى المريض واللازمة لبيان حالته الصحية وطريقة العلاج اللازمة، ومخاطر العلاج وتأثيراته الجانبية، بقصد الحصول على رضاء مستنير من المريض، مبنيا على علمه وإرادته بطريقة العلاج وقبوله لها لإضفاء الشرعية اللازمة على العقد الطبي). [2]

  • ومن جماع هذه التعريفات يمكن القول إن المستهدف من التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية التي قد يتعرض لها نتيجة علاج أو إجرائه لجراحة معينه يقصد منه أن يصدر من المريض رضا غير مشوب بأي عيب من عيوب الرضا وينبئ عن استعداده لأداء العلاج أو الجراحة المقررة وهو على علم بالمخاطر التي قد تلحقه ودرجة خطورتها.

ثانيا: الأساس القانوني التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

  •  نص الدستور الطبي الأردني في مادته الثانية على هذا الالتزام حيث جاء نصها: (كل عمل طبي يجب أن يستهدف مصلحة المريض المطلقة وأن تكون له ضرورة تبرره وأن يتم برضائه أو برضاء ولي أمره إن كان قاصراً أو فاقداً لوعيه).

  • وإذا كان الدستور الطبي قد نص صراحة على عدم جواز إفشاء الطبيب لأسرار مريضه، إلا أنه قد استثنى في هذه الحالة أن يكون ذلك الإفشاء أو الإعلام للمريض نفسه، أو لوصيه أو وليه، وذلك إذا كان ناقص الأهلية أو فاقدها، أو لذوي المريض إذا كان ذلك من شانه أن يحقق مصلحة المريض، حيث نصت المادة (24   / أ، ب، ج) من الدستور الطبي على: (يجوز إفشاء سر المهنة بأحد الأسباب الآتية:

أ. للمريض نفسه لما يتعلق به من مرضه أو مستقبله.

ب. للوصي أو الولي فيما يتعلق بسر مريض قاصر أو غير مدرك.

ج. لذوي المريض إذا عرف أن لهذا الإفشاء فائدة في المعالجة وكانت حالة المريض لا تساعده على إدراك ذلك).

  • كما نصت المادة (24) من قانون الاتفاقية العربية لتنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية ومنع ومكافحة الاتجار فيها على: (يتعين على الطبيب المختص أن يقوم قبل الحصول على الموافقة لزرع العضو أو النسيج البشري بتبصير من له الحق في الموافقة كتابيا بالمخاطر والآثار والمضاعفات الطبية التي قد تنتج عن الزرع).
  • وعلى ذلك فيمكن القول إن التزام الطبيب بإعلام المريض بالخطورة الطبية الناتجة عن علاجه أو القيام بجراحة طبية له لا يعد التزام وقتي يسقط بمرور وقت معين، بل يبقى الطبيب مسئولا عن هذا الالتزام في جميع مراحل العلاج، ويرى البعض أن كتمان الطبيب مدى خطورة العلاج أو خطورة أثاره الجانبية يعد من قبيل الاحتيال الذي يقصد به تغييب إرادة المريض والتغرير به. [3]

  • كما يرى بعض الفقه أن التزام الطبيب بالإعلام لا يقف عند مجرد الإعلام بوسيلة العلاج وخطورتها بل يجب على الطبيب إذا كان هناك أكثر من طريقة علاجية متفاوتة في الخطورة، أو في الكلفة المالية أن يعرض كل طريقة منهم على المريض ويعلمه بمميزات كل منها وسلبياتها، والخطورة المتوقعة عنها وتكلفتها المادية إذ أن المريض قد يحدد الوسيلة العلاجية على حسب ما يتناسب مع قدراته المادية. [4]

  • ثالثا: الصفات الواجب توافرها في إعلام المريض بالمخاطر الطبية

    • إذا كان الطبيب يقع عليه التزاما بإعلام المريض وإمداده بمعلومات حول وضعه الصحي وطريقة علاجه والمخاطر المتوقع حدوثها، فإن ذلك الإعلام يجب أن يتوفر فيه صفتين أساسيتين وهما:

    أ- أن يتم إعلام المريض بأسلوب بسيط وملائم يمكن المريض من فهم واستيعاب حالته المرضية ومخاطر العلاج، و حتى يكون الأسلوب متناسب مع المريض قادرا على فهمه يجب على الطبيب أن يستخدما في إعلامه أسلوبا يتناسب مع مستوى تعليم المريض وثقافته، أما إعلام المريض باستخدام المصطلحات الطبية المعقدة التي لا يفهمها سوى أهل الاختصاص أو بإعلامه بطريقة مجملة غير كافية لثبوت علم المريض بأبعاد حالته الصحية والعلاج الذي يحتاجه ومخاطره، فهو والعدم السواء و يترتب عليه إخلال الطبيب بالتزام الإعلام والتبصير ويسأل مدنيا عن هذا الإخلال.

    ب- أن تكون المعلومات التي تم إعلام المريض بها هي معلومات صحيحة ودقيقة من الناحية العلمية، وكافية لوقوف المريض على طبيعة حالته المرضية وخطورة العلاج، ويلاحظ أنه من النادر قيام الطبيب بإعلام المريض بمعلومات غير صحيحة كلية، بل تكون المعلومات منقوصة بدرجة لا تكفي لإلمام المريض بالمخاطر التي قد تتنج عن العلاج، ولا شك أن في تقديم معلومات دقيقة وصحيحة من الطبيب الى المريض حول طرق علاجه ومخاطر وفوائد كل طريقة هو السبيل لتمكين المريض من اختيار الطريقة المناسبة معه سواء من الناحية النفسية أو من الناحية المادية.

    رابعا: أهمية التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية[5]

    يمكن استخلاص أهمية التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر التي قد يتعرض لها نتيجة علاجه بعلاج معين أو نتيجة إجرائه عملية جراحية في عدة نقاط على النحو الآتي:

    1-  تعتبر العلاقة بين الطبيب والمريض علاقة تعاقدية أي أساسها العقد الذي يربط بين المريض والطبيب بشكل مباشر أو بين المريض والمستشفى التي يتم علاجه فيها،  و غني عن البيان أن احد أركان العقد هو رضا أطرافه، وبالتالي يجب حتى يكون هذا الرضا يقينيا أن يخلو من أي عيب من عيوب الرضا، وهو يكون كذلك كلما كان المريض على علم بطبيعة حالته الصحية والعلاج المفضل لها والمخاطر التي تحوم حول هذا العلاج والأثار الجانبية طويلة المدى وقصيرة المدى التي قد تنتج عن ذلك العلاج، فإذا ما رضي بالسير في العلاج بعد إعلامه بمخاطره يكون العقد قد توافرت فيه أحد أهم أركانه وهو الرضا، ويترتب على ذلك أيضا أن قعود الطبيب عن القيام بهذا الالتزام أو القيام به بطريقة منقوصة لا تحقق الغاية منه يجعل الرضا في العقد منعدما وبالتالي يرتب مسئولية الطبيب عن إخلاله بالتزام الإعلام.

    2- كما يرى البعض أن في قيام الطبيب بدوره بإعلام المريض بحالته الصحية والعلاج المقترح وأضراره وكذا مميزاته يساعد في رفع حالة المريض المعنوية ويجعله أكثر قبولا للعلاج مما يؤدي الى زيادة معدلات شفائه.

    3- قيام الطبيب بالتزامه بإعلام المريض بالمخاطر الطبية في رفع المسئولية المدنية الطبية عنه بحيث لا يمكن مسائلته عن حدوث أحد المخاطر التي تم إعلام المريض بإمكانية حدوثها نتيجة السير في الخطة العلاجية المقترحة.

    4- كما يرى البعض أن قيام الطبيب بهذا الالتزام على الوجه الأكمل يساعد في تكوين الثقة اللازمة بين الطبيب والمريض، ولا شك أن لهذه الثقة بالغ الأثر على كلا الطرفين فبينما تجعل الطبيب يقوم بدوره بشكل أمثل بعيد عن ضغوطات ومخاوف حدوث مخاطر للمريض، فهي في ذات الوقت تجعل المريض أكثر استعدادا للعلاج وأكثر هدوء، نظرا لعلمه المسبق بالآثار الجانبية التي قد تحدث، والذي يزيل عنه حالة الخوف ويزيد ثقته في الطبيب المعالج.

    خامسا: نطاق التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

    يتعلق التزام الطبيب بإعلام المريض لأكثر من نطاق حيث يتعلق بالنطاق الشخصي للطبيب الذي يقع عليه الالتزام بالإعلام وما يتفرع عن ذلك من أحكام وكذلك النطاق الشخصي للمريض وكذلك نطاق الإعلام بالمخاطر ذاتها وسوف نبين كل نطاق من هذه النطاقات بشيء من التفصيل على النحو الآتي:

    أ- النطاق الشخصي للطبيب المعالج

    يعتبر الطبيب الذي يقوم بعلاج المريض هو المسئول شخصيا عن التزام إعلام هذا المريض بحالته الصحية وكيفية علاجه ومدى خطورة هذا العلاج، ويبقى الطبيب مسئولا مدنيا عن إخلاله بهذا الالتزام طالما تولى هو وحده مسئولية علاج المريض منذ البداية وحتى النهاية، إلا انه في بعض الحالات قد يتدخل أكثر من طبيب في علاج المريض فعلى من يقع التزام إعلام المريض؟

    • للإجابة على هذا السؤال يجب التفرقة بين نوعين من التدخل الطبي، وهما التدخل الطبي الجماعي وتدخل الفريق الطبي، ففي حين  يكون كل طبيب من الأطباء المتدخلين جماعيا مسئولا عن  إعلام المريض بالمخاطر الطبية ويسأل مدنيا عن إخلاله بهذا الالتزام، وذلك نظرا لكون التدخل الجماعي يكون من مجموعة أطباء مختلفين من حيث التخصص وكل منهم يقوم بدور معين، وبالتالي يكون مسئولا عن هذا الدور وبيان مخاطره ولا يسأل عن دور غيره من الأطباء المتدخلين جماعيا في علاج المريض، بينما في تدخل الفريق الطبي يكون كل الأطباء مسئولين مسئولية تضامنية فيما بينهم عن الإخلال بذلك الالتزام.[6]

    – ويترتب على هذا النطاق الشخصي للطبيب المعالج في مسألة التزامه بإعلام المريض بالمخاطر الطبية عدة أمور منها:

    1- لا يجوز للطبيب أن يفوض غيره من الأطباء في القيام بالالتزام الملقى على عاتقه بإعلام المريض، إذ أن هذا الالتزام متعلق بشخص الطبيب لا يتعداه الى غيره، ومع ذلك يجوز في بعض الحالات تعدي هذا النطاق، مثل في حالة موافقة المريض على تلقي الإعلام من طبيب غير المعالج له، وكذلك في حالة الاستعجال والضرورة القصوى التي يكون للمحكمة الحق في تقديرها وتقدير ظروفها.

    2- لا يجوز للطبيب أن يفوض أحد مساعديه من غير الأطباء أو أحد الممرضين في القيام بالالتزام الملقى على عاتقه بإعلام المريض بالمخاطر، وإذا حدث ذلك فتبقى مسئولية الطبيب قائمة بحيث يكون للمريض مسائلته عن أي خطر قد لحق به مادام لم يقم الطبيب بالتزامه بنفسه، ولا يُعفي الطبيب من تلك المسئولية في حالة قيام الممرض أو المساعد بإعلام المريض بجميع المخاطر بشكل طبي ومهني دقيق.

    ب- النطاق الشخصي للمريض

    الأصل أن المريض هو الشخص الذي تقرر لصالحه هذا الالتزام وبالتالي فهو الأحق بالإعلام، بحيث لا يكون الطبيب قد أوفى بالتزامه إلا إذا اعلم المريض شخصه، ولا يجزئ عن ذلك قيامه بإعلام غيره ما دام المريض في حالة ذهنية وصحية مستقرة، إلا أنه وفي بعض الحالات قد يكون من الصعب معها  إعلام المريض نفسه بالمخاطر الطبية وقد يرجع ذلك لحداثة سنه بأن يكون المريض قاصرا، أو لفقدانه لكامل أهليته القانونية، أو لوجوده في حالة صحية حرجة يتعذر معها إعلامه بشخصه، وفي هذه الحالة يتم إعلام وليه أو الوصي عليه أو لذويه، وذلك للحصول منهم على قرار بالبدء في العلاج من عدمه بعد بيان وسيلته ومخاطره وهو ما قررته المادة( 2 ) والمادة( 24  ) من الدستور الطبي الأردني.

    ج- نطاق الإعلام بالمخاطر

    من المقرر أن الطبيب يقع عليه التزاما بإعلام المريض بالمخاطر الطبية، لكن يثور تساؤل حول نطاق وحدود هذا الإعلام وما إذا كان التزام الطبيب بالإعلام يستلزم قيامه بإعلام المريض بكل التفاصيل الفنية والطبية الخاصة بالعلاج أو بالعملية الجراحية؟ كذلك هل يستلزم هذا الواجب بيان الطبيب لجميع المخاطر الجسيمة والبسيطة وكثيرة الحدوث ونادرة الحدوث من عدمه؟

    • وللإجابة على هذا التساؤل فقد جرى رأي بعض الفقه القانوني على أن نطاق التزام الطبيب بإعلام المريض يتوقف عند الإعلام بالمخاطر المتوقع حدوثها ولا يمتد الى الإعلام بالمخاطر الاستثنائية والتي يقل أو يندر حدوثها، وذلك حتى لا يكون كثرة ذكر المخاطر سببا في إعاقة دور الطبيب ويمنعه من أداء مهامه، [7]خاصة وأن قيام الطبيب بإعلام المريض بجميع المخاطر سوف يولد حالة من الهلع والخوف وعدم الاطمئنان لدى المريض، والذي قد يٌسوء من حالته الصحية أو يجعله يرفض أخذ العلاج، أو يرفض أداء العملية الجراحية المقررة، ويرى أصحاب هذا الراي أن عدم إعلام الطبيب بهذه المخاطر نادرة الحدوث لا يرتب مسئولية قانونية.[8]
  • بينما يرى البعض أن نطاق التزام الطبيب بالإعلام لا يتوقف عند مجرد المخاطر كثيرة الحدوث بل يشمل الكثير منها والنادر، إذ من حق المريض الوقوف على جميع المخاطر الطبية التي قد يتعرض لها وحتى يتمكن من إبداء رغبته بإرادة حرة من حيث قبول العلاج بالطريقة المقترحة من قبل الطبيب أو رفضها.

  • في حين يرى البعض أن نطاق التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية يستلزم بذله العناية والجهد اللازمين، وهو بذلك له سلطة تقديرية من خلالها يحدد المخاطر الواجب إعلامها للمريض والمخاطر التي لا يفضل إعلام المريض بها، إلا أن ذلك يخضع لتقدير المحكمة التي تنظر دعوى المسئولية فتقدر ما إذا كان إعلام الطبيب جاء كافيا من عدمه، وذهب فريق آخر إلى أن تحديد نطاق المعلومات والمخاطر التي يجب إعلام المريض بها يمكن الوقوف عليه من خلال استقراء ما تم الاستقرار عليه من قبل أهل مهنة الطب وما وضعوه من معايير في المخاطر التي يجب إعلام المريض بها. [9]

  • سادسا: القيود الواردة على نطاق التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

    أ- الضرورة الطبية

    تعتبر الضرورة الطبية وحاجة المريض العاجلة للتدخل الطبي  هي أحد الاستثناءات الواردة على هذا الالتزام، إذ أن في الانتظار حتى القيام بواجب الإعلام قد يؤدي الى حدوث مضاعفات لا يمكن تداركها، أو قد تؤدي الى وفاة المريض، وفي هذه الحالة يلتزم الطبيب بأداء واجبه الطبي دون انتظار إعلام المريض وقد نصت المادة( 18)  من الدستور الطبي الأردني على هذه الحالة حيث جاء نصها : ( إذا طلب الطبيب بشكل طارئ لإسعاف مريض عاجز أو فاقد لقدرته على التصرف ولم يتمكن من الحصول على الموافقة القانونية في الوقت المناسب مع تثبيت ذلك في حينه، فعليه أن يقوم بالمعالجة اللازمة دون النظر الى أي اعتبار أخر).

    ب- في الحالات التي يكون الطبيب فيها على علم بطبيعة شخصية المريض العصبية أو سريعة الانفعال، والذي قد يؤدي معرفته بكامل المخاطر الطبية للعلاج الى تحطيم روحه المعنوية، ورغم أن ذلك لا يعني حق الطبيب في عدم إعلام المريض إلا انه قد يجعل الطبيب يعلم المريض بالمخاطر الطبية للعلاج أو للعملية الجراحية في شكل مجمل دون تفصيل،[10] إلا أن ذلك يبقى خاضعا لتقدير القضاء في حالة مسائلة الطبيب مدنيا عن إخلاله بواجب الإعلام والتبصير.

    ج- لا يشترط إعلام المريض بالمعلومات العلمية والفنية الدقيقة والتي يصعب عليه فهمها، ولا يعتبر امتناع الطبيب عن ذكر هذه التفاصيل الفنية الدقيقة أو المسميات الطبية المعقدة من قبيل الإخلال بالالتزام بالإعلام، حيث يكفي مجرد قيام الطبيب بإعلام المريض بحالته الصحية والعلاج المقترح في صورة مجملة ومعقولة مادامت كانت معلومات دقيقة وصحيحة. [11]

    د- لا يشترط أيضا إعلام المريض إذا كان ناقص الأهلية أو فاقدها أو كان في حالة مرضية حرجة لا يتسع معها قيام الطبيب بإعلامه بالمخاطر الطبية، وإن كان ذلك لا يمنع قيام الطبيب بإعلام وليه أو وصيه أو ذويه على حسب الحالة ولا يعد ذلك في هذه الحالة خرقا من الطبيب لنطاق التزامه بإعلام المريض بالمخاطر الطبية المتوقع حدوثها.

    سابعا: الأثر المترتب على خرق الطبيب لنطاق التزامه بإعلام المريض بالمخاطر الطبية

    يترتب على عدم التزام الطبيب بواجب إعلام المريض بالمخاطر الطبية التي قد تنتج عن السير في علاجه من المرض الذي لحق به، أو المخاطر التي قد تحدث له جراء إجراء العملية الجراحية المقررة، قيام المسئولية المدنية في مواجهة الطبيب بحيث يسأل عن قعوده عن الوفاء بهذا الالتزام، أو التقصير في أدائه ولكي تتحقق تلك المسئولية يجب الوقوف أولا على توافر أركانها والتي تتمثل في هذه الحالة في:

    أ- وقوع خطأ من جانب الطبيب المعالج

    وهو في هذه الحالة يتوفر كلما أخل الطبيب بالالتزام الملقى على عاتقه بإعلام المريض بالمخاطر الطبية التي قد تلحق به، وكذلك إذا ثبت أن الطبيب قد قام بهذا الالتزام لكن دون أن يستوفي الشروط اللازمة لصحة الإعلام السابق ذكرها.

    ب- وقوع ضرر

    ويقصد بالضرر في هذه الحالة هو الضرر الذي كان من المتوقع حدوثه جراء العلاج أو العملية الجراحية، إلا أن الطبيب لم يقم بدوره في إعلام المريض به، ويشترط في هذه الحالة أن يكون هذا الضرر متفق علميا على إمكانية حدوثه نتيجة العلاج أو العملية الجراحية.

    ج- توافر علاقة السببية

    وتتوافر علاقة السببية طالما كان امتناع الطبيب  عن إعلام المريض بالمخاطر الطبية التي قد تحدث له جراء العلاج أو العملية الجراحية قد أدى فعلا الى وقوع أحد المخاطر الطبية المعروف وقوعها من مثل هذا العلاج أو مثل تلك الجراحة، فإذا كان الطبيب جراحا وقد أغفل إعلام المريض بخطورة الجراحة وأنها قد تؤدي الى فقدان بصره ثم نتج عن العملية الجراحية فقدان المريض بصره، فتتحقق في هذه الحالة  علاقة السببية بين خطأ الطبيب بعدم الإعلام والضرر الذي لحق بالمريض، وما يعني  حق المريض في مسائلته مدنيا عن إخلاله بالتزام الإعلام الملقى على عاتقه.

    ثامنا: الخاتمة

    ختاما فقد حاولنا في هذا المقال إلقاء الضوء حول نطاق التزام الطبيب بإعلام المريض بالمخاطر الطبية، وذلك من حيث مفهوم هذا الالتزام وأهميته ونطاقه بالنسبة للطبيب والمريض وكذلك بالنسبة للمخاطر الواجب بيانها.

    كتابة: محمد إسماعيل حنفي

    [1] موسى رزيق، الالتزام بتبصير المريض، المجلة الدولية للقانون، 2016، ص 4

    [2] أحمد سليمان شهيب، عقد العلاج الطبي، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان 2012، ط 1، ص 179

    [3] مأمون عبد الكريم، رضا المريض عن الأعمال الطبية والجراحية، دار المطبوعات الجامعية، ٢٠٠٦م، ص١١٥ ،١١٦

    [4] منير رياض حنا، المسئولية المدنية للأطباء والجراحين، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، ط1، 2007، ص٣٣٩. (

    [5] نضال رياض أبو صبح، الالتزام القانوني للطبيب بتبصير المريض، رسالة ماجستير 2017، جامعة اليرموك، كلية الحقوق، ص31

    [6] محمد حسن منصور _ المسؤولية الطبية _ دار الجامعة الجديدة للنشر، ص 42

    [7] مصطفى العدوي، حق المريض في قبول أو رفض العلاج، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع، 1998 ص 25 وما بعدها

    [8] عبد الرشيد مأمون، عقد العلاج بين النظرية والتطبيق، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 25

    [9] عبد الكريم مأمون، مرجع سابق، ص 23

    [10]محمد السعيد رشدي، الجوانب القانونية والشرعية لجراحة التجميل، ،1987 ص 308

    [11]هشام القاضي، الامتناع عن علاج المريض، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 2007، ص 123

    error: Alert: Content is protected !!